من خدمة الحرمين لانتهاك الحرمات.. كيف تغيرت نظرة المسلمين للسعودية؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"لقد كانت شعوب الهند وباكستان وبنغلاديش وغيرها تحبكم لخطبكم وإمامتكم في المساجد وندواتكم، وقد عادت هذه الشعوب تكرهكم وتبغضكم لنفاقكم وكذبكم وجرأتكم على الله في أرض الحرم".

رسالة قاسية بعث بها الدكتور سلمان الحسيني الندوي، أحد كبار علماء الدين والمفكرين في الهند، إلى المملكة العربية السعودية مؤخرا.

الرسالة في حقيقتها كانت ردة فعل على موقف المملكة بمؤسساتها الدينية، ضد جماعة الإخوان المسلمين، واستحلال بلد الله الحرام تشويه صورة أعضائها، ما تسبب في موجة غضب عارمة بعموم العالم الإسلامي.

كثير من الدلالات حملتها الرسالة، أبرزها مدى خذلان الرياض الكامل للمسلمين في القضايا الكبرى، مرورا بالتآمر على طموحات الشعوب العربية والإسلامية عبر دعم انقلابات عسكرية، وأنظمة مستبدة، والمساهمة في سحق التيارات الإسلامية ووصمها بالإرهاب.

استحلال الحرم 

أراد النظام السعودي أن يستغل المقدسات الدينية، والمساجد، لتصفية خلافات سياسية، ومكايدات لا ترقى إلى قدسية بيت الله الحرام، فأمر الخطباء والوعاظ أن يهاجموا جماعة الإخوان المسلمين، ما تسبب في ردة فعل عكسية، وموجة غضب تجاه المملكة ونظامها الحاكم، من قبل علماء دين ومؤسسات دينية إسلامية عالمية.

في يوم الجمعة 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، فوجئت جموع المسلمين، بإمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ أسامة بن عبد الله خياط، وهو يقول في إشارة إلى الإخوان: "الانضمام إلى هذه الأحزاب عاقبته هي الفشل وذهاب الريح، وسوء المصير والعذاب في الآخرة". 

وهو ما أقره وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي، عبد اللطيف آل الشيخ، عندما وجه أوامر محددة لخطباء الجمعة داخل المملكة، تشمل التحذير من جماعة الإخوان المسلمين.

آل الشيخ غرد عبر تويتر قائلا: "إخواني أصحاب الفضيلة الأئمة والخطباء في جميع أنحاء مملكتنا الحبيبة، آمل منكم جميعا يوم غد (اليوم الجمعة) في خطبة الجمعة قراءة البيان الصادر من هيئة كبار العلماء الموقرة بشأن التحذير من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وحزبهم".

بعدها توالت البيانات المضادة الرافضة للسياسة السعودية المستحلة للحرم، مذكرة حكام المملكة بما اقترفوه في حق الإسلام والمسلمين خلال السنوات الأخيرة.

كانت أشد تلك البيانات لهجة، ما صدر عن الداعية الإسلامي الدكتور سلمان الحسيني الندوي، كبير علماء شبه القارة الهندية، حيث قال: "سمعت خطبكم للجمعة، وأنتم تعلون منابر بلاد الحرمين لا لأجل صلاحكم وتقاكم، بل لأجل أنكم أبواق صداحة لمن مالؤوا الطغاة، وملأوا السجون بالأبرياء".

وأضاف متسائلا: "هل السيسي العميل ينشر الأمن والسلام؟ هل دولة الإمارات الخبيثة تريد الخير لأمة الإسلام؟ هل من قتلوا المصريين في صلاة الفجر وهم صائمون، منيبون إلى الله ينشرون الأمن والطمانينة؟ هل التحالف السعودي الإماراتي في اليمن ينشر الأمن والرخاء؟ هل مليشيات بشار وإيران وروسيا تنشر الأمن و السلام؟".

فقدت مكانتها

بيان الندوي في دلالته ورمزيته ينطلق من حجم الوجود الإسلامي الضخم في شبه القارة الهندية، فالمسلمون في الهند وحدها حسب الإحصائيات الرسمية يصل عددهم إلى 172 مليونا، وفي باكستان يقارب عددهم 200 مليون، أما في بنغلاديش فيمثلون نحو 145 مليونا، وهي رابع أكبر دولة إسلامية من حيث عدد سكان المسلمين.

كانت السعودية تحظى بمكانة رفيعة في نفوس أهالي تلك البلاد، بسبب وجود المقدسات الإسلامية، ورعاية الرياض لقضايا المسلمين عبر الدعاة ومراكز الدعوة والجامعة الإسلامية.

لكن مع السياسة التي اتبعها حكام المملكة الجدد بعد ثورات الربيع العربي، بدأت جذوة الحماس لها تخفت في ربوع العالم الإسلامي، مع تورطها في الانقلابات العسكرية، وتأييدها أنظمة قتلت آلاف المسلمين في مصر واليمن وليبيا.

ومن الهند إلى فلسطين المحتلة، كتب الشيخ كمال الدين الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة، عبر حسابه بتويتر: "اليوم خطبة الجمعة في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وكل مساجد بلاد الحرمين خُصّصت بأوامر رسمية للتشهير بالإخوان المسلمين والطعن بعقيدتهم وتاريخهم. يا للعجب! خطبة جمعة موحدة للطعن بالإخوان المسلمين، فلماذا لم تكن جمعة موحدة للانتصار لنبي المسلمين صلى الله عليه وسلم؟!".

وهو ما أيده رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور أحمد الريسوني عندما اعتبر في بيانه المنشور عبر موقعه الرسمي "أن هذه الخطوات السعودية جاءت، لنجدة فرنسا ورئيسها، ودعمهم في حربهم وحملاتهم ضد النشاط الإسلامي في فرنسا، وفي عموم أوروبا".

أمين عام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي القره داغي، أيضا ندد بهجوم هيئة كبار العلماء في السعودية على جماعة الإخوان، متسائلا عن الأوجب في ظل الظروف الراهنة.

القره داغي، قال في تدوينة له عبر صفحته بفيسبوك: "ليس من باب الدفاع عن الإخوان، وإنما من باب إحقاق الحق، سؤال موجه إلى هيئة كبار العلماء".

وأضاف: "من باب فقه الميزان وفقه الأولويات: هل الهجوم على (الإخوان) أفضل أم الهجوم على مشجعي الرسوم المسيئة لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم؟".

وتساءل: "أم أنه الأوجب الهجوم على محتلي الأقصى والقدس، والمطبعين والمطبلين لدولة الاحتلال؟!".

وفي 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، اتفقت  18 هيئة ورابطة للعلماء المسلمين، بينها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأصدروا بيانا مشتركا يرفضون فيه "تكفير" هيئة كبار العلماء في السعودية لجماعة الإخوان، التي تأسست في مصر عام 1928، حيث أكدت أن "الإخوان جماعة دعوية وتجتهد وتصيب وتخطئ، وانتسب إليها عدد كبير من العلماء والدعاة والمجاهدين".

قمة الخذلان

بالنظر إلى توجهات سياسة الرياض في السنوات الماضية، لا سيما مع صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى قمة السلطة، نجد أن السعودية لم تتخل فقط عن دورها الرائد سابقا في تبني "قضايا المسلمين" في العالم والدفاع عنها، بل تعدى ذلك إلى الصمت أحيانا والتواطؤ أحيانا أخرى.

وعلى سبيل المثال ما حدث مع مسلمي الإويجور، أكثر الأقليات المسلمة اضطهادا في العالم على يد السلطات الصينية، وفي ذروة قمعهم والتنكيل بهم، جاءت زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى الصين في 21 فبراير/ شباط 2019، لتحمل كثير من التباينات التي تتجاوز الفوارق السياسية إلى البراغماتية المطلقة.

تجلت هذه البراجماتية حين أعلن ابن سلمان دعمه لسياسات بكين القمعية ضد مسلمي الإويجور في إقليم تركستان الشرقية، وقوله: "للصين الحق في اتخاذ تدابير لمكافحة الإرهاب والتطرف لضمان الأمن القومي" ثم تأكيده بأن "السعودية تحترمها وتدعمها ومستعدة لتعزيز التعاون معها".

أيضا جاء موقف الرياض تجاه أقلية الروهينجيا المسلمة في ميانمار، مثبطا لمن كانوا ينتظرون تحركها، ففي الوقت الذي كان ينتظر أن تقود الرياض البلدان الإسلامية لوقف المجازر العرقية في ميانمار ضد الأقلية المسلمة هناك، جاء موقفها في بداية الأزمة ملتزما بالصمت، ومع فداحة الأحداث، اكتفت بإصدار بيان شجب مقتضب عن البعثة الدبلوماسية في الأمم المتحدة.

وأرجعت حينها صحيفة الإندبندنت البريطانية أن غياب استجابة السعودية عن أزمة الروهينجيا يعود جزئيا إلى مصالحها التجارية المربحة في جنوب شرق آسيا.

فهناك خط أنابيب افتتح مؤخرا في ميانمار يوصل النفط من الدول العربية والقوقاز إلى مقاطعة يوننان الصينية. ويبدأ خط الأنابيب من خليج البنجال في ولاية راخين، حيث وقعت معظم الجرائم ضد أقلية الروهينجيا.

وذكرت الصحيفة بأن "هناك جانبا آخر، وهو أن السعودية لا تريد إغضاب الصين التي تعد أحد أكبر الدول نفوذا في بورما، وترتبط السعودية مع الصين بعلاقات تجارية وثيقة وبالأخص مبيعات النفط".

تلك المواقف تباعا ساهمت في سقوط قيمة النظام السعودي التاريخية، والتي كان يروجها دائما بأنه "حامي العالم الإسلامي" والممثل للشريعة، ولكن العمل ضد المصالح الإسلامية، ومحاربة الشعوب المسلمة المتطلعة إلى السعودية، كشف الوجه الآخر للمملكة، وتبين زيف الادعاء أمام الواقع الأليم.

لا صكوك

الدكتور محمود القلعاوي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قال لـ"الاستقلال": "السعودية لا تمثل العالم الإسلامي السني، كيف تفعل ذلك وهي من تحاربه حربا معلنة، أليست هذه البلد هى من اعتقلت العلماء والدعاة وكل من رفع راية الحق، وهي من شاركت في صناعة الانقلاب فى مصر، وتسببت في مقتل واعتقال آلاف المسلمين، وغير ذلك من كبائر لا يقبل معها بأن نقول أنها حامية الإسلام والمسلمين، بل سقطت من عين كل مسلم".

وأضاف: "أليس من الانتباه أن يرحب بموقف المملكة، الكيان الصهيونى، وهو ما يطرح السؤال أيضا لماذا الآن بالذات، والعالم الإسلامي متوحد ضد فرنسا وماكرون، أهو طوق نجاة لماكرون، وهو يشن حربه الخبيثة على كل ما هو إسلامي، والعالم الإسلامي يموج بالغضب والتظاهرات دفاعا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما تسير السعودية وحكامها عكس الاتجاه".

وتابع الداعية الإسلامي: "يجب أن نعلم أنه لا صكوك، إذ يقول الله تعالى {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، ولكل شيء برهان، فما هو برهان حكام المملكة العربية السعودية في حمايتهم للدين وللمسلمين؟! بل العكس هو الصحيح، فكم خذلوا المسلمين في مواطن كثيرة، وقضايا كانت تستحق النصرة والوقوف".