اللاجئون السوريون واقتصاد تركيا.. عبء أم فرصة؟
.jpg)
المحتويات
مقدمة
اللاجئون السوريون في تركيا: لمحة عامة
نهج الحكومة التركية في إدارة أزمة اللاجئين السوريين، السياسات وتحولاتها الرئيسة
- المرحلة الأولى: ما قبل العام 2014
- المرحلة الثانية: تمتد من العام 2014 إلى 2016
- المرحلة الثالثة: ما بعد العام 2016
مناقشة الآثار الاقتصادية المحتملة للاجئين السوريين في تركيا
- أولا: تكاليف الاستضافة
- ثانيا: التضخم وتكاليف المعيشة: الاستهلاك والنمو
- ثالثا: سوق العمل: ريادة الأعمال والاستثمار
خاتمة
مقدمة
بعد مرور ما يقارب العشر سنوات على اندلاع الثورة في سوريا، وتطوراتها لتتحول إلى حالة عدوان دموي مرير من قبل نظام الأسد الحاكم في دمشق، يبدو جليا أن هذا الحال قد أنتج آثارا إنسانية مهولة.
فإلى جانب مئات الآلاف من القتلى والجرحى، يكفي أن نُشير إلى أن أكثر من نصف سكان سوريا، البالغين حوالي 24 مليونا قبل اندلاع الصراع، قد اضطروا إلى ترك منازلهم إلى أماكن أكثر أمانا داخل أو خارج هذا البلد الذي مزقته الحرب.
وحسب آخر البيانات الدولية، فإن حوالي 6.6 ملايين سوري قد اضطروا لمغادرة وطنهم كلاجئين، في حين أن أكثر من 6.1 ملايين قد نزحوا عن منازلهم وتشردوا داخل حدود بلدهم[1].
بدأت الثورة في سوريا على شكل تظاهرات واحتجاجات مناهضة للحكومة في مارس/ آذار 2011، ثم ما لبثت أن توسعت وتحولت بفعل العنف الكبير الذي اتبعه نظام الأسد إلى مواجهات منفلتة وحرب طاحنة، دفعت ملايين السوريين إلى مغادرة بلدهم، هربا بحياتهم إلى البلدان المجاورة.
أصبحت تركيا الدولة الرئيسة في استقبال اللاجئين السوريين، بسبب الحدود المشتركة مع سوريا، بطول 911 كم، وسياسة الباب المفتوح التي اتبعتها أنقرة.
ورغم استقبالها أعدادا ضئيلة خلال الأشهر الأولى للنزاع، فقد ظل تدفق اللاجئين إلى تركيا دون توقف، مع استمرار الصراع، وصولا إلى يومنا هذا الذي يشهد وجود أكثر من 3.6 ملايين لاجئ سوري مُسجل على أراضيها [2].
وبالإضافة إلى اللاجئين من سوريا، تستضيف تركيا أيضا ما يقرب من 370 ألف لاجئ من أفغانستان، وباكستان، والعراق، وإيران، والصومال [3]، ومن ثَمَّ يوجد في تركيا اليوم حوالي 4 ملايين لاجئ، وهو ما يجعلها البلد الأول على مستوى العالم في إيواء اللاجئين.
لقد استقبلت تركيا خلال ما يُقارب القرن، ما بين 1923 – 2011، حوالي 1.8 مليون لاجئ فقط [4]، جاؤوا على فترات مُتباعدة من البلقان، وآسيا الوسطى، والقوقاز، والشرق الأوسط، وغالبيتهم تقريبا من أصل تركي، وهو ما جعل عمليات دمجهم في المجتمع التركي تتم بسهولة إلى حد ما، في ظل سياسات مخططة ومنظمة.
في حين أن تدفق اللاجئين السوريين يختلف في حجمه وطبيعته عن التدفقات السابقة، وبخاصة أن تدفقهم كان مباغتا، سريعا، وهائلا، تاركا تركيا في مواجهة أكبر أزمة لجوء تُعانيها منذ تأسيس دولتها الحديثة.
تُشير التجارب الدولية السابقة إلى أن التدفق الكبير للاجئين على البلدان المُستضيفة لا بد أن يلقي بثقله على اقتصاداتها من خلال استنزاف الخدمات والبنى التحتية والمنافسة على التوظيف في سوق العمل.
ومن جهة أخرى، يُشير كثير من الباحثين إلى أن تدفقا كبيرا للاجئين، كما في الحالة السورية، قد يُشكل أيضا فرصا كبيرة للاقتصاد المُضيف، وذلك بناء على حالة الاقتصاد وحاجاته وقدرته على امتصاص العمالة الواردة.
من هنا، تهدف هذه الورقة إلى استعراض وتحليل أبرز الآثار الاقتصادية على وجه الخصوص، التي خلفتها أزمة اللجوء السوري على المجتمع والاقتصاد التركيين.
اللاجئون السوريون في تركيا: لمحة عامة
حسب بيانات مديرية إدارة الهجرة التركية، يوجد في تركيا اليوم أكثر من 3.6 ملايين لاجئ سوري مسجل في تركيا، منهم 1.6 %- فقط - يعيشون في المخيمات التي تُشرف عليها آفاد (إدارة الكوارث والطوارئ التركية)، وهي 7 مخيمات توجد في ولايات أضنا، وكيليس، وكهرمان مرعش، وعثمانية، إضافة إلى هاطاي، في حين أن النسبة المتبقية تتوزع على كامل المجتمعات المحلية في مختلف الولايات التركية.
يصل عدد سكان تركيا اليوم إلى أكثر من 83 مليون نسمة، وبالتالي يمكن القول: إن اللاجئين السوريين أصبحوا يُشكلون نسبة لا يستهان بها من سكان البلد (4.36%)، مع عدم إهمال الإشارة إلى نقطة هامة، وهي أن أعداد السوريين في تركيا سوف تستمر في الزيادة، مع بقاء العوامل الأخرى على حالها، بسبب الولادات الجديدة.
حسب تصريحات سابقة لوزير الداخلية التركي، بلغ عدد الأطفال السوريين ممن ولدوا على الأراضي التركية منذ عام 2011 حتى الربع الثالث من العام الماضي 2019، نحو 450 ألف طفل سوري [5].
يوجد اللاجئون السوريون في كل ولاية من الولايات التركية الواحدة والثمانين، إلا أنه يمكن القول بأن أكثر الولايات التركية إيواء للاجئين السوريين هي: الولايات التركية الجنوبية القريبة من الحدود السورية، إضافة إلى إسطنبول التي باتت تضم اليوم أكبر عدد من اللاجئين السوريين.
في كامل تركيا |
إزمير |
بورصا |
مرسين |
أضنا |
شانلي أورفا |
هاتاي |
غازي عنتاب |
إسطبنول |
|
3626 |
147 |
177.5 |
219 |
249.8 |
421.5 |
435.4 |
451.5 |
512 |
أعداد اللاجئين السوريين (بالآلاف) |
100% |
3.8% |
4.89% |
6.04% |
6.88% |
11.62% |
12% |
12.44% |
14.11% |
نسبة السوريين في الولاية من مجمل المسجلين في تركيا (%) |
4.36 % |
4.05% |
5.81% |
11.9% |
11.16% |
20.33% |
26.73% |
21.82% |
3.3% |
معدل اللاجئين السوريين نسبة إلى السكان المحليين (%) |
وتبين الإحصاءات أن 53.8% من اللاجئين السوريين في تركيا هم من الذكور، و 46.2% من الإناث، في حين أن أكثر من 58% منهم هم في الفئة العمرية من (15 - 65) عاما، ما يعني أن أكثر من 2.1 مليون لاجئ هم في عمر العمل، وهو ما يضع ضغطا كبيرا على المجتمع والاقتصاد وسوق العمل التركي، وبخاصة في الولايات التي تشهد وجودا سوريا كبيرا، مقارنة بالسكان المحليين من الأتراك.
كما تبين الإحصاءات أيضا أن 46.7٪ من السوريين في تركيا تقل أعمارهم عن 18 عاما، وهذا يعادل 1.7 مليون شخص تقريبا، ووفقا للأرقام الرسمية التابعة لإدارة الهجرة التركية، فإن ما يقرب من 30٪ من هؤلاء الأطفال هم في الفئة العمرية دون الأربع السنوات (أي ما يُقارب 500 ألف)، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام مشكلة كبيرة، قد تتعلق بهؤلاء الأطفال، وبخاصة أن كثيرا منهم لم يُمنح الجنسية، لا من قِبل تركيا أو سوريا، ولهذا، فهم من "عديمي الجنسية" بحكم الواقع من الناحية القانونية [6]، كما أنه يضع أعباء ملموسة على البنى الخدمية التركية، وبخاصة في مجالات التعليم والصحة.
نهج الحكومة التركية في إدارة أزمة اللاجئين السوريين، السياسات وتحولاتها الرئيسة
تضع تركيا قيودا جغرافية على اتفاقية جنيف لعام 1951، حيث تستبعد صفة "اللاجئ" عن طالبي اللجوء من غير الأوروبيين، وبالتالي لا تعترف أنقرة بالسوريين الموجودين على أراضيها باعتبارهم "لاجئين"، وتصفهم بأنهم "لاجئون مشروطون" مع "حماية مؤقتة" [7]، وهذا ما يمكن اعتباره شكلا من أشكال الحماية الدولية يتم تقديمها في تركيا لمعظم اللاجئين السوريين.
وبغض النظر عن الدلالات المتعلقة بمسألة الوضع القانوني، يمكن القول بأن تركيا قد قدمت حتى الآن مثالا متميزا في الطريقة التي تعاملت بها مع أزمة اللاجئين السوريين الذين فروا إليها هربا من الحرب في بلادهم، سواء من ناحية إدارة المخيمات وتزويدها بمختلف الخدمات والاحتياجات، أو من ناحية توفير الفرص والخدمات المجانية، وبخاصة في حقلي التعليم والصحة، لأولئك القاطنين في المخيمات أو خارجها في المجتمعات التركية المُضيفة.
وفيما يتعلق بالسياسات الحكومية الرسمية وإدارتها لملف اللاجئين السوريين في تركيا، يمكن القول إنها شهدت 3 مراحل رئيسية:
-المرحلة الأولى: ما قبل العام 2014
فمنذ بداية الصراع وتفشيه في سوريا، اتبعت الحكومة التركية سياسة الباب المفتوح إزاء "الضيوف السوريين". ويمكن لمتتبع السياسات الحكومية في تعاملها مع أزمة اللاجئين السوريين، وبخاصة في السنوات الأولى، أن يتلمس الاعتقاد المبكر للحكومة التركية، بأن الحرب في سوريا سوف تنتهي سريعا بالإطاحة بنظام الأسد، وهو ما سوف يمكن اللاجئين السوريين من العودة إلى بلدهم، ومن ثَمَّ طغى على هذه الفترة التعامل الطارئ مع الأزمة، وهو ما انعكس بعدم استحضار الحكومة التركية للأهمية، والتخطيط المطلوب للتعامل مع هذا الموضوع الحساس من بداياته، وهو ما تسبب في بعض التخبط، وغياب الخطط والسياسات المناسبة لإدماج هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين ضمن المجتمع المضيف.
يمكن القول: إن بدايات العام 2014 هي الفترة التي بدأنا نشهد معها بعض التغيرات التي تأخذ طريقها بشأن النظرة الحكومية في تعاطيها مع أزمة اللجوء السوري، وبخاصة في ظل التزايد الكبير الذي شهدته تلك الفترة في أعداد اللاجئين، ففي أواخر عام 2013 كان عدد اللاجئين في حدود 225 ألف لاجئ، في حين ازداد بشكل كبير في العام 2014 ، وصولا إلى أكثر من 1.5 مليون.
-المرحلة الثانية: تمتد من العام 2014 إلى 2016
كانت أبرز سمات هذه المرحلة هي الزيادة الواضحة في عدد طالبي اللجوء، مع مخيمات مكتظة وتدفق مستمر وكثيف من اللاجئين القادمين إلى تركيا، كل ذلك في ظل تطور بيئة الحرب في سوريا وتشعبها وزيادة اللاعبين وانخراطهم، ولا سيما توسع "تنظيم الدولة" في العراق والشام، ودخول روسيا كفاعل جديد ومؤثر للغاية في الميدان، وبدء ميل الكفة لصالح نظام الأسد وحلفائه، ونجاحهم في حمايته من السقوط.
أدركت فئات واسعة من السوريين في هذه المرحلة أن الحرب سوف تتوسع وتطول، وهو ما دفع أعدادا متزايدة إلى مغادرة البلد، لبدء حياة جديدة في تركيا وأوروبا، وتزايدت أعداد السوريين في تركيا في تلك الفترة بشكل كبير، وصولا إلى 2.83 مليون لاجئ مسجلين في نهاية عام 2016.
بدأت آثار التغير في نظرة الحكومة التركية نحو موضوع اللجوء السوري في تركيا- الذي أشرنا إليه آنفا- مع تصميم إطار السياسة الجديد المتمثل بـ "قانون الأجانب والحماية الدولية"، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر/ تشرين الأول 2014.
-المرحلة الثالثة: ما بعد العام 2016
كانت الآثار الإنسانية المهولة التي نتجت عن الحرب في سوريا قد أثارت نقاشات عالمية كثيرة، خاصة فيما يتعلق بتعامل دول جوار سوريا مع أزمة اللجوء، ومدى انخراط المجتمع الدولي في تقاسم الأعباء والمسؤوليات المترتبة على استقبال هذه الدول لهؤلاء اللاجئين.
ويمكن القول بأن الأعباء الكبيرة التي فرضتها أزمة اللاجئين، وضعف ردود الفعل الدولية في ناحية تقاسم الأعباء، قد دفعت تركيا، التي أصبحت منذ عام 2014 الدولة التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم، إلى التخلي عن سياسة "الباب المفتوح"، في سبيل الحد من أعداد اللاجئين، عبر فرض التأشيرة على السوريين في بداية العام 2016، وإكمال (منتصف العام 2018) بناء جدار بطول 711 كيلومترا على امتداد حدودها مع سوريا، بهدف مكافحة الإرهاب، والحد من الهجرة غير النظامية [8].
ورغم اندلاع الصراع السوري في بدايات العام 2011، وتشظي آثاره الإنسانية إلى دول الجوار منذ ذلك التاريخ، فإن انفلات أزمة اللاجئين السوريين خارج إطارها الإقليمي بدأ فقط في عام 2014، وذلك عندما بدأ اللاجئون بالوصول إلى أوروبا بأعداد كبيرة، وهو ما دعا الاتحاد الأوربي آنذاك إلى تركيز جهوده على وقف تدفق اللاجئين، عبر تفعيل بند تقاسم الأعباء، وتقديم الدعم المالي لدول جوار سوريا، وكذلك عبر عقد اتفاقيات تعاون مع الدول التي استقبلت اللاجئين، وبخاصة تركيا.
شهد شهر مارس/ آذار 2016 توقيع اتفاق تركيا والاتحاد الأوروبي على صفقة "واحد مقابل واحد"، والتي تهدف لمعالجة تدفق اللاجئين نحو أوروبا، وتقضي في أبرز بنودها بإعادة جميع اللاجئين الجدد الذين يصلون من تركيا إلى اليونان إلى تركيا، وذلك وفقا لمبدأ "واحد مقابل واحد".
وبمقتضى الاتفاق، فإنه مقابل كل سوري يعاد من الجزر اليونانية إلى تركيا، سيتم استقبال سوري آخر من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وتعطى الأولوية للذين لم يحاولوا الوصول بصورة "غير شرعية" إلى هناك.
كما أقرت الاتفاقية تسريع تقديم الاتحاد الأوروبي مساعدات لتركيا، وإلغاء تأشيرات دخول الأتراك إلى أوروبا، وكذلك تسريع مناقشات انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي[9].
ويمكن القول بأن هذا الاتفاق له أهمية كبيرة للغاية، ويمكن اعتباره نقطة تحول بارزة في أزمة اللاجئين السوريين في تركيا، حيث إن الاتفاق يُشير إلى تركيا على أنها "دولة آمنة للاجئين"، وهو ما يعني بدء الانتقال التدريجي لتركيا من دولة ممر لعبور اللاجئين إلى دولة مستقبلة للاجئين.
شهدت هذه المرحلة - كذلك - إحالة ملف اللاجئين السوريين في تركيا من منظمة الإغاثة والكوارث التركية "آفاد"، إلى إدارة الهجرة العامة التركية، وهو ما يعكس يقينا متزايدا لدى السياسيين الأتراك بطول أمد الأزمة، وتحولا باتجاه سياسات أكثر استباقية نحو إدماج اللاجئين في المجتمع المضيف.
وبالفعل، منذ ذلك الحين يمكن ملاحظة تزايد تنفيذ مشاريع وبرامج هادفة إلى التماسك الاجتماعي والإدماج، وبخاصة مع وصول عدد اللاجئين السوريين إلى أكثر من 3.6 ملايين في أواخر عام 2018، وتحول قضية اللاجئين السوريين إلى بند متكرر باستمرار على الأجندة السياسية الداخلية في تركيا، كما شهدت هذه المرحلة التوسع في عمليات منح الجنسية التركية "الاستثنائية" للاجئين السوريين.
مناقشة الآثار الاقتصادية المحتملة للاجئين السوريين في تركيا:
أولا- تكاليف الاستضافة
بحسب تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فقد أنفقت تركيا 40 مليار دولار على اللاجئين السوريين منذ عام 2011 [10]. ورغم الأثر الإنساني الكبير الذي تركته استضافة تركيا لملايين اللاجئين السوريين، وتحول تركيا إلى مثال يُحتذى في هذا المجال، فإنه لا بد من القول بأن الجانب المالي هو موضع نقاش كبير، وبخاصة من جهة التداخل الكبير الذي يعتري الموضوع، وصعوبة تقدير التكلفة الدقيقة والأعباء المالية التي تحملتها تركيا في استضافتها للاجئين السوريين.
الإشارة إلى صعوبة التوصل إلى تقدير دقيق لحجم التكاليف التي تحملتها تركيا، لا تعني بأي حال من الأحوال القول أو الادعاء غير المنطقي بأن إيواء أكثر من 3.5 ملايين لاجئ لعدة سنوات، وتزويدهم بمختلف خدمات: الصحة، والتعليم، وسواها من الخدمات الأساسية، لا يشكل عبئا ماليا كبيرا على تركيا.
فمن المؤكد أن تركيا لها ما يبرر دعواتها المتكررة للمجتمع الدولي إلى تقاسم الأعباء، وبخاصة مع تأكيد المسؤولين الأتراك على أن الاتحاد الأوروبي (الشريك الرئيس لتركيا في تحمل أعباء اللاجئين، في إطار الاتفاق المشترك بينهما) لم يقدم للاجئين السوريين سوى 3 مليارات يورو فقط حتى الآن [11]، وهو مبلغ، على ضخامته، لا يقارن - بكل تأكيد - بحجم الإنفاق الذي تم على اللاجئين خلال سنوات الصراع في سوريا.
فعلى سبيل المقارنة، تُشير دراسة أجرتها جامعة كولن في ألمانيا إلى معلومات مُثيرة للانتباه في هذا الصدد، حيث إنه وفقا لنتائج الدراسة، تبلغ تكلفة استضافة لاجئ واحد في ألمانيا ما يُقارب 15 ألف يورو سنويا [12].
بالطبع من البديهي القول بأن الخدمات والدعم الذي يتم تقديمه للاجئين في ألمانيا يتفاوت إلى حد كبير مع ما يتم تقديمه في تركيا، ففي ألمانيا يتلقى اللاجئ (الأعزب) حاليا 408 يوروهات شهريا، بالإضافة إلى تسديد إيجار مسكن مناسب بمساحة معقولة تكفي للعيش، ودفع قسط التأمين الصحي، كما يمكن له التقدم بطلبات مساعدة إضافية، كتأثيث المسكن، ودفع نفقات الرحلات المدرسية للأطفال[13].
في حين أنه في تركيا، فإن أبرز بنود الأعباء المالية التي تتحملها الدولة في موضوع اللاجئين السوريين تتمثل في تحمل تكاليف العلاج في المشافي الحكومية، وكذلك في استقبال أبناء اللاجئين في مؤسسات التعليم الحكومية مجانا.
وفي ضوء غياب البيانات وصعوبة الوصول إلى حسابات دقيقة في هذا الخصوص، فإذا ما افترضنا - في ضوء دراسة جامعة كولن المُشار إليها أعلاه- أن تكاليف استضافة اللاجئ الواحد في تركيا هي 5% فقط من مثيلتها في ألمانيا، فيمكننا حينها افتراض أن تكلفة استضافة لاجئ واحد هي في حدود 750 يورو سنويا، وهو ما يعني تحمل الدولة التركية لأعباء مالية في حدود 2.7 مليار يورو في عام 2019 فقط، وهذا الافتراض، رغم بساطته، فإنه قد يُعطينا لمحة عن مستوى الأعباء التي تتحملها تركيا في إيواء اللاجئين.
الحديث حول الشق المالي فيما يخص اللاجئين السوريين في تركيا لا بد أن يُؤخذ حكما في الاتجاهين، بمعنى أنه لا يجب الاكتفاء بالإشارة إلى الأعباء المالية "النفقات" التي تتحملها الدولة التركية تجاه اللاجئين، بل يجب أن يُشار أيضا إلى جوانب "الإيرادات" أيضا.
فإذا ما استبعدنا الأعداد القليلة للاجئين السوريين الذين يعيشون في المخيمات التركية، فإن معظم اللاجئين السوريين هم لاجئون "حضريون" يعيشون في مختلف المجتمعات المحلية التركية عبر الإنفاق من دخلهم أو مدخراتهم، وبالتالي فهم كذلك مصدر إيراد للدولة والإدارات المحلية، من خلال دفعهم لبدلات استخدام الخدمات من مياه، وكهرباء، وغاز طبيعي، وكذلك خدمات النقل وغيرها.
فهم يساهمون في دفع الضرائب، كما أنهم من خلال استهلاكهم السلعي والخدمي: الغذائي، وغير الغذائي، يُساهمون في تغذية خزينة الدولة من خلال ضريبة القيمة المُضافة المفروضة، بنسب متفاوتة، على جميع بنود الاستهلاك تقريبا في تركيا، ناهيك عن ضرائب الدخل وسواها.
ثانيا- التضخم وتكاليف المعيشة: الاستهلاك والنمو
من البديهي القول بأن تدفق اللاجئين على أي بلد بأعداد كبيرة، كتلك التي شهدتها تركيا خلال السنوات الماضية، لا بد أن يكون له بعض التأثيرات الاقتصادية السلبية، وبخاصة على معدلات التضخم وتكاليف المعيشة، مع عدم إهمال الإشارة إلى أن حجم وطبيعة هذه التأثيرات تختلف من اقتصاد إلى آخر، بحسب مدى تطور اقتصاد البلد المُضيف، ومدى مرونته الإنتاجية في مقابلة الزيادة على الطلب التي يُسببها اللاجئون.
في تركيا، تُلاحق اللاجئين السوريين الادعاءات من قِبل المجتمع التركي المُضيف بأنهم كانوا سببا في التضخم، وارتفاع الأسعار، وتكاليف المعيشة. وما من شك أن الاقتصاد التركي قد شهد معدلات تضخم عالية خلال السنوات الماضية، وبخاصة منذ عام 2017، إلا أنه من المنصف القول بأن هذه الزيادات ليست بالضرورة نتيجة مباشرة لوجود اللاجئين السوريين في هذا البلد، ولتفنيد ذلك يمكن الرجوع إلى معدلات التضخم التي حققها الاقتصاد التركي خلال الفترة ما بين عام 2004 وعام 2016.
بحسب أرقام مؤسسة الإحصاء التركية (TUIK) نجد أنها لم تشهد أي تغيرات كبيرة، رغم أن التدفقات الكبيرة للاجئين السوريين كانت قد بدأت منذ عام 2013، حيث إن معدل التضخم تراوح خلال الفترة المذكورة ما بين 8.6% و 7.78% في عامي: 2004 ، و2016، على التوالي، مرورا بأعلى معدل تضخم تحقق خلال عام 2008 ، والذي بلغ 10.44%، وهو ما يمكن رده - آنذاك - إلى تأثيرات الأزمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي حينها.
إذن، رغم تدفق اللاجئين بشكل كبير خلال العامين 2013 و 2014 لم تتأثر معدلات التضخم بشكل كبير، في حين بدأت معدلات التضخم بالارتفاع في الأعوام الثلاثة الأخيرة: 2017، 2018، 2019، والسبب الرئيسي في اعتقادنا هو التدهور الكبير الذي شهده سعر صرف الليرة التركية خلال نفس الفترة، حيث ارتفع الدولار مقابل الليرة من 3.49 أواخر 2016، إلى 5.85 أواخر 2019 [14].
من المنطقي القول بأن اللاجئين السوريين قد ساهموا في زيادة الاستهلاك الخاص الإجمالي في تركيا، إلا أنه من شبه المؤكد أيضا أن الاقتصاد التركي كان على قدر كبير من المرونة، للاستفادة من تدفقات اللاجئين وانعكاساتها على الاستهلاك الخاص، نحو تحفيز الإنتاج والنمو، وهو ما يذهب إليه الكثير من الاقتصاديين.
يسري الاعتقاد بأن الاستهلاك المحلي القوي الذي حفزه التدفق الكبير للاجئين عامي 2013 و2014 قد ساهم في تحفيز نمو القطاع الزراعي والاقتصاد التركي إجمالا، فبينما نما الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2012 و2014 بمتوسط سنوي قدره 3 ٪، مقارنة بـ 5 ٪ في السنوات السابقة، فإن الاقتصاد التركي نما بنسبة 4٪ في عام 2015، متجاوزا التوقعات، وانضم إلى الأسواق الناشئة الأفضل أداء في العالم، رغم الاضطرابات السياسية، وتزايد التهديدات الأمنية.
ويُعتقد أن هذا النمو الكبير كان مدفوعا بشكل رئيسي من نمو 6.7٪ في الإنفاق الحكومي، وزيادة بنسبة 4.5٪ في الاستهلاك الخاص، بسبب زيادة عدد السكان في عام 2015 ، نتيجة تدفق اللاجئين السوريين [15].
ورغم مساهمة التدفق الكبير للاجئين السوريين بتحقق ارتفاع في بدلات إيجار المساكن في مختلف الولايات التركية التي تدفقوا إليها، وبالتالي المساهمة، ولو جزئيا، في رفع تكاليف المعيشة في المجتمعات المحلية المُضيفة، فإنه على الجانب الآخر، فإن تدفق 3.6 ملايين لاجئ سوري، أي حوالي 600 آلاف عائلة " في المتوسط"، قد ساهم في شغل الكثير من المنازل التي كانت فارغة غير مستغلة نتيجة قلة الطلب عليها.
وبالتالي يمكن القول بأن تدفق اللاجئين السوريين قد ساهم في تحقيق دخل مستمر للأسر التركية، وساهم في تحفيز الاستهلاك المحلي. بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة الطلب على إيجار المنازل لا بد أن يُساهم في تنشيط النمو في قطاع العقارات، وكل ذلك سوف يصب في النهاية في تحفيز النمو في الاقتصاد الكلي.
ثالثا- سوق العمل: ريادة الأعمال والاستثمار
تُشير إحدى الدراسات التي أجراها عدد من الباحثين الأتراك في أواخر عام 2015، إلى أن اللاجئين السوريين قد أثروا بشكل سلبي على معدلات توظيف المواطنين الأتراك، ورغم أن البحث قد خلص إلى أن أثر تدفق اللاجئين السوريين على الأجور كان ضعيفا، فإن أثرهم على خسارة العمال الأتراك لعملهم في السوق غير الرسمي كان ملموسا.
وأشار البحث إلى ارتفاع معدلات البطالة، مقابل انخفاض معدلات المشاركة في القوى العاملة والتوظيف في مناطق جنوب تركيا القريبة من الحدود السورية، والتي استقبلت أعدادا كبيرة من اللاجئين. وكانت أكثر مجموعات الأتراك تضررا هم الإناث، والعمال الأصغر سنا والأقل تعليما [16].
دراسة أخرى أجريت عام 2016 توصلت لنتيجة مقاربة، حيث إن تدفق اللاجئين السوريين العاملين بشكل غير رسمي يؤدي إلى خروج العمال الأتراك من القطاع غير الرسمي، وذلك بغض النظر عن جنسهم وأعمارهم وتعليمهم، في حين أشارت نتائج الدراسة إلى أن هناك زيادات في التوظيف الرسمي للأتراك [17].
وتلك النتائج تبدو منطقية للغاية، فمن المعروف أن سوق العمل غير الرسمي يوفر فرص عمل مقابل أجور متدنية تقل عما يوفره سوق العمل الرسمي، وبالتالي، مع ازدياد أعداد اللاجئين السوريين في تركيا تسنح الفرصة أمام أصحاب العمل لتشغيل عمالة من اللاجئين بأجور أدنى من الحد الأدنى المعتمد، أو أدنى مما يتقاضاه نظراؤهم الأتراك، وأن يُصبحوا أكثر تفضيلا من العمالة المحلية التي قد لا تقبل العمل بشكل غير رسمي، وهو ما ينعكس في النهاية على فرص العمال الأتراك الأقل مهارة وتأهيلا في سوق العمل غير الرسمي.
ولكن ماذا بخصوص سوق العمل الرسمي؟
تُشير نتائج دراسة (Del Caprio & Wagner) المشار إليها آنفا، إلى وجود تأثير إيجابي لتدفق اللاجئين السوريين على التوظيف الرسمي للمواطنين الأتراك، وقد ذكرت في نتائجها أنه مقابل كل 10 عمال سوريين دخلوا إلى سوق العمل غير الرسمي، تم إنشاء 3 أو 4 وظائف في سوق العمل الرسمي [18].
النتائج التي تخلص إليها الكثير من الدراسات المتعلقة بالموضوع، تجعلنا نخلص إلى أن اللاجئين السوريين يشكلون خيارا ممتازا أمام أصحاب العمل في تركيا، لتلبية الطلب على العمالة الرخيصة، وهو ما يجعلهم عرضة بشكل كبير لاستغلال أصحاب العمل الراغبين في تقليل تكاليف إنتاجهم، وزيادة أرباحهم.
ورغم أن تدفق اللاجئين السوريين بشكل كثيف قد بدأ مع عام 2013، وازدادت كثافته في عام 2014، وجاء انتشارهم الكبير في سوق العمل غير الرسمي منذ ذلك الحين، فإن السياسات الحكومية الهادفة إلى دمجهم في سوق العمل قد تم تطويرها في وقت متأخر.
في بداية العام 2016 تم صدور لائحة تصاريح العمل للأجانب تحت الحماية المؤقتة، والتي تمنح السوريين المسجلين في تركيا لمدة لا تقل عن 6 أشهر الحق في العمل بنسبة 1 إلى 10 أتراك في مكان العمل، وذلك بناء على طلب صاحب العمل، وبشرط أن يحصل العامل على الحد الأدنى للأجور على الأقل.
ورغم أهمية الخطوة من ناحية تمكين السوريين في الحصول على فرصة عمل بشكل رسمي، فإنه قد فشلت حتى الآن في تحقيق الأثر المتوقع، ورغم وجود أكثر من 2.1 مليون لاجئ في عمر العمل، من الفئة العمرية (15 - 65) عاما، تشير بيانات وزارة الأسرة والعمل والخدمات الاجتماعية إلى أن الذين حصلوا على إذن عمل رسمي هم: 34.5 ألف سوري، من بين ما يزيد على 115 ألف أجنبي في تركيا في عام 2018.
ورغم أن خيار العمل في سوق العمل بشكل غير رسمي هو خيار قد يضع اللاجئين في مواقف من التمييز والاستغلال، فإنه قد يكون خيارا مفضلا في ظل الظروف الحالية، خاصة في ظل التوترات السياسية والاجتماعية التي رافقت وجود اللاجئين السوريين في تركيا.
فمن جهة سوف يُمكن هذا الخيار اللاجئين السوريين من العمل والاعتماد على أنفسهم في إعالة عائلاتهم بما يحفظ لهم كرامتهم، ومن جهة أخرى سوف يمكنهم هذا النوع من العمل دون تحقيق مزاحمة كبيرة، والتسبب في أضرار جانبية كبيرة للمواطنين الأتراك في سوق العمل، كما أن عملهم في سوق العمل غير الرسمي بأجور متدنية ساهم ويساهم في دعم الاقتصاد التركي وزيادة تنافسيته. ولعل هذه النقطة بالذات، هي وراء المستوى المقبول من التقبل الاجتماعي الحالي في تركيا فيما يتعلق باللاجئين السوريين.
وإلى جانب المساهمة الاقتصادية للسوريين في سوق العمل، قدم المستثمرون ورواد الأعمال السوريون مساهمات كبيرة للاقتصاد التركي، فعدد الشركات التي أنشأها السوريون في تركيا في تزايد مستمر.
وحسب الأرقام التي يُوفرها اتحاد الغرف والبورصات التركي (TOBB)، فقد شهد عام 2019 تأسيس 13.669 شركة جديدة بشريك أجنبي، منها 747 شركة أسسها سوريون، في حين تجاوز عدد الشركات التي تم تأسيسها من قبل السوريين في تركيا بشكل رسمي منذ عام 2011 وحتى اليوم(في 20202)، 10 آلاف شركة، تنشط في قطاعات عديدة، أهمها قطاعات التجارة والعقارات والبناء، مع وجود تقديرات تشير إلى أن الرقم الكلي لعدد الشركات السورية في تركيا- مع الأخذ بعين الاعتبار غير المرخصة منها- قد يتجاوز 15 ألف شركة.
وبالإضافة إلى مساهمة الشركات السورية في تنشيط الاستثمار والإنتاج، فإنها كذلك مساهم كبير في توفير فرص العمل، وبحسب دراسة صادرة عن وقف أبحاث السياسات الاقتصادية التركية (TEPAV)، فإن الشركات السورية توفر سبل العيش لما لا يقل عن 7 % من 3.5 مليون سوري في تركيا، حيث يعمل ما يقرب من 7 أشخاص في المتوسط في كل شركة، ومع متوسط حجم الأسرة السورية البالغ 6 أفراد، تشير النتائج إلى أن ما يقرب من 250 ألف سوري يستفيدون من الدخل الناتج عنها [19].
نقطة أخرى مهمة يجب ملاحظتها في هذا الخصوص، هي أن الشركات السورية، وبحكم خبرات الكثير منها في العمل التجاري في سوريا سابقا، ربما ساعدت في إعادة توازن الصادرات التركية إلى سوريا.
فبعد تراجع صادرات تركيا بشكل حاد من 1.84 مليار دولار في عام 2010 إلى 500 مليون دولار في عام 2012، عادت صادرات تركيا إلى سوريا إلى مستويات قريبة من مستويات ما قبل الحرب بحلول عام 2014، ثم ما لبثت أن عادت واستقرت في حدود 1.3 مليار دولار في نهاية عام 2017.
ولعل أبرز ما يدلل على الدور الذي تقوم به الشركات السورية في زيادة الصادرات التركية إلى سوريا هو بروز ولايات: غازي عنتاب، وهاطاي، ومرسين كمراكز تصديرية جديدة للتصدير إلى سوريا، حيث زادت صادرات غازي عنتاب إلى سوريا ببطء من 96 مليون دولار في عام 2011 إلى 393 مليون دولار في عام 2017.
وبالمثل، زادت صادرات هاطاي من 97 مليون دولار إلى 207 ملايين دولار. في حين نمت صادرات مرسين من 15 مليون دولار في عام 2011 إلى 207 ملايين دولار في عام 2017 [20]، وهذه الولايات الثلاث تعتبر مركزا رئيسيا للشركات السورية في تركيا، والزيادة التي شهدتها صادرات هذه الولايات مرتبطة بشكل كبير بازدياد عدد الشركات السورية التي تم تأسيسها هناك.
خاتمة
هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها المجتمع التركي مثل هذه الحركة المكثفة من الهجرة باتجاهه، وبالتالي يمكن القول: إنه لا توجد خبرات سابقة كافية للتعامل مع أزمات من هذا النوع والحجم بشكل فعال، وتطوير سياسات أكثر نجاحا في سبيل الاندماج.
وينبغي إدراك أن أزمة اللاجئين السوريين في تركيا لن تكون مؤقتة، حيث إنه مع مرور الوقت تصبح احتمالية عودة أكثر من 3.6 ملايين سوري إلى بلدهم أقل احتمالية، وتصبح إقامتهم الدائمة في تركيا أكثر ترجيحا، وبخاصة أن كثيرا من السوريين قد بدؤوا حياة جديدة لهم في تركيا، ويصبح من غير المنطقي لهم العودة إلى بلدهم الذي من غير الواضح حتى اليوم متى سوف تنتهي الحرب فيه؟ أو متى سوف يستقر؟.
لقد كان عدد طالبي اللجوء في تركيا لا يتجاوز 58 ألفا في عام 2011، في حين ارتفع عددهم اليوم إلى أكثر من 4 ملايين، وذلك خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 10 سنوات، ويمكن القول بأن تركيا قد حققت إنجازا يُشهد لها كمجتمع ودولة، وذلك رغم بعض الجوانب السلبية التي تتعلق بتأخر تطوير سياسات للدمج.
وكذلك رغم تراجع القبول الاجتماعي وهشاشته في بعض الأحيان، وهي أحد أهم النقاط التي ينبغي على الحكومة التركية إدراكها، والعمل عليها خلال الفترة القادمة، لتجنب أي ارتدادات اجتماعية - سياسية غير مرغوبة، ولعل أفضل طريقة للتعاطي مع هذا الموضوع يمكن أن تكون عبر تسليط الضوء على الفرص التي خلقها تدفق اللاجئين في الاقتصاد والمجتمع التركيين.
يشكل وجود اللاجئين السوريين داخل تركيا فرصة مهمة للاقتصاد التركي، كما أنهم يشكلون إضافة كبيرة إلى التراث الثقافي الغني لتركيا، وفي نفس الوقت فإن تدفق اللاجئين السوريين الهائل على تركيا يضع أعباء وضغوطا كبيرة على الإنفاق الحكومي، والبنى التحتية، وسوق العمل.
الكيفية التي يمكن من خلالها التعامل مع الأعباء والضغوط وتوظيف الخبرات التي يملكها اللاجئون والاستفادة من الفرص التي يشكلونها، يتم عبر إثراء التفاعل الإيجابي ما بين مجتمع اللاجئين والمجتمع المُضيف، وعبر وضع سياسات أكثر استباقية، وكذلك عبر تفعيل الحوار مع شركاء تركيا، وبخاصة الاتحاد الأوروبي، لتقاسم حقيقي للأعباء، وذلك لما فيه من فائدة كبيرة لمجتمع اللاجئين السوريين وللأمة التركية كذلك.
[1] UNHCR, Global Trends 2019.
[2] Directorate General of Turkish Immigration Management, as of 14/10/2020.
[3] المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
[4] Havva Kara Aydin: “Turkey: Country of sanctuary for centuries”, AA, January 2020.
[5] سوريون يتهربون من تسجيل مواليدهم في تركيا، العربي الجديد، آذار 2020.
[6] Murat Erdogan: “Syrian refugees in Turkey: a burden or benefit?”, Geneva Centre for the Democratic Control of Armed Forces (DCAF), 2016.
[7] المصدر السابق.
[8] " تركيا تستكمل بناء جدار أمني على الحدود مع سوريا "، ديلي صباح، حزيران 2018.
[9] "مضامين الاتفاق الأوروبي التركي بشأن اللاجئين"، الجزيرة نت، آذار 2016.
[10] " أردوغان: أنفقنا 40 مليار دولار ونعمل لإسكان مليون لاجئ شمالي سوريا"، الجزيرة نت، كانون الأول 2019.
[11] المصدر السابق.
[12] Andreas Becker: “The Costs of The Refugee Crisis”, DW, February 2016.
[13] "ما هي المساعدات المالية التي يحصل عليها اللاجئون في ألمانيا؟"، DW، أيلول 2017.
[14] Monthly average spot exchange rate of Turkish Lira into Dollar, Bank of England Database.
[15] İhsan Kuyumcu & Hülya Kösematoğlu: “The Impact of the Syrian Refugees on the Turkey’s Economy (2011 - 2016)”, Journal of Turkish Social Sciences Research, April 2017.
[16] Evren Ceritoglu, H. Burcu Gurcihan Yunculer, Huzeyfe Torun, and Semih Tumen: “The Impact of Syrian Refugees on Natives’ Labor Market Outcomes in Turkey: Evidence from a Quasi-Experimental Design”, Institute for the Study of Labor, September 2015.
[17] Ximena V. Del Carpio & Mathis Wagner: “The Impact of Syrian Refugees on the Turkish Labor Market”, World Bank Group, April 2016.
[18] المصدر السابق.
[19] “Syrian Entrepreneurship and Refugee Start-ups in Turkey: Leveraging the Turkish Experience”, TEPAV, 2018.
[20] المصدر السابق.