حمادي الجبالي.. قيادي تونسي ترك "النهضة" وقد يعود إليها من باب كبير

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة نهاية عام 2019، التزم رئيس الحكومة الأسبق والقيادي المستقيل من حركة النهضة حمادي الجبالي الصمت والابتعاد عن أضواء السياسة لقرابة العام.

الأزمة الأخيرة التي تعيشها حركة النهضة بسبب الخلاف حول التمديد لرئيسها راشد الغنوشي من عدمه أعادت الجبالي إلى الأضواء مرة أخرى بعد مطالبته رئيس النهضة بلعب دور تجميعي للقيادات الغاضبة في الحركة، وتشكيل مكتب تنفيذي جديد تحت قيادته لإدارة هذه المرحلة.

هذا المقترح قد يعيد حمادي الجبالي إلى الحركة التي نشأ فيها وتدرج في سلمها القيادي حتى اعتبر الرجل الثاني فيها لسنوات والقائد الحقيقي للتنظيم بعد خروجه من السجن عام 2005.

ابن سوسة 

في مدينة سوسة على الساحل التونسي، الذي انحدر منه حكام تونس بعد الاستقلال، ولد حمادي الجبالي يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 1949 لأسرة ميسورة الحال.

باشر حمادي تعليمه الابتدائي في مدينته وكذلك التعليم الثانوي الذي ختمه بالحصول على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة)، ليلتحق بالمدرسة الوطنية للمهندسين في العاصمة تونس.

ويذكر القيادي الإسلامي في مذكراته، السنوات الأولى لتشكل وعيه واختيار الاتجاه الذي سيسير عليه في بقية حياته، حيث قال: "في عام 1966، كان عمري 15 أو 16 عاما، وكانت أول صلاة لنا في مدينة سوسة، في جامع الرباط، وكنا يوم الجمعة نذهب للمسجد الذي لم يكن فيه غير الشيوخ كبار السن، وخطبة الإمام كانت مملة جدا، وكنت غالبا ما أتساءل بيني وبين نفسي عما يتحدث هذا الرجل".

في عام 1969، انتقل حمادي الجبالي إلى فرنسا للدراسة، ليواصل تعليمه العالي في كلية العلوم بمدينة رانس، حيث درس سنتي اختصاص في الطاقة المتجددة التي تشمل الشمس والرياح.

هناك، بدأ احتكاكه بالعمل الإسلامي الذي كانت تسيطر عليه جماعة الدعوة والتبليغ، إلا أن اقتصار عمل هذه الجماعة على الدعوة والإرشاد الديني فقط دون الاهتمام بقضايا المسلمين السياسية، جعلت الجبالي ورفاقه الذين التقى بهم في فرنسا وفي مقدمتهم زياد الدولاتلي (قيادي في حركة النهضة) يبحثون عن وجهة أخرى تستجيب لأفكارهم وطموحاتهم.

رحلة البحث عن ضالته قادته في باريس إلى التعرف على القيادي الإسلامي الراحل المنصف بن سالم، الذي شغل فيما بعد في حكومة الجبالي منصب وزير التعليم العالي، والذي كان يقود مجموعة من التونسيين، لتكون تمهيدا لبناء تنظيم إسلامي كبير بالتوازي مع ما كان يقوم به راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو في تونس.

عودة للوطن

ومع عودته لتونس عام 1975، بدأ الجبالي مشاركته في أنشطة "الجماعة الإسلامية" حينها، والتي بدأت تستعد للانتقال إلى تنظيم سياسي سيكون محل اهتمام السلطة وخاصة أجهزتها الأمنية.

وبعد أن عاشت تونس بداية عام 1978 أول إضراب عمالي، تحول إلى انتفاضة في وجه نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وتم قمعها بالرصاص والاعتقالات.

ومع قرار بورقيبة إلغاء نظام الحزب الواحد وفسح المجال أمام التعددية السياسية، بادر الإسلاميون إلى تقديم طلب الحصول على تأشيرة للحصول على حزب سياسي يحمل اسم "الاتجاه الإسلامي" في 6 يونيو/حزيران 1981.

رفض بورقيبة الاعتراف بهذا الحزب الذي اتهمه بالتستر بالدين، وتطور الأمر في العام نفسه إلى محاكمات للقيادة التاريخية للحركة وزعاماتها الطلابية والنقابية ومطاردتها.

وفي 1982 انتخب الجبالي من قبل الجيل الثالث من القيادة رئيسا جديدا للحركة وعرف طوال سنوات بنجاحه في العمل التنظيمي وفي مراوغة البوليس السياسي.

وفي صيف 1984، أبرمت قيادة الحركة صلحا مع محمد مزالي الوزير الأول (رئيس الوزراء) لبورقيبة الذي أنهكته الإضرابات الاجتماعية والصدامات الدامية في يناير (كانون الثاني) من نفس العام بين عشرات آلاف المتظاهرين وقوات الأمن والجيش ضمن ما عرف بـ "ثورة الخبز".

بعدها خرج الجبالي بالحركة من السرية وأصبح من أبرز قياداتها العلنية مع مؤسسيها الخارجين من السجن والعائدين من المنفى مثل راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وصالح كركر والفاضل البلدي.

في عام 1987، وبعد الإطاحة بالوزير الأول حينها محمد المزالي، ووصول وزير الداخلية زين العابدين بن علي لمنصب الوزير الأول، تطورت المواجهات بين الحركة الإسلامية والنظام.

شهدت هذه الفترة موجة من الاعتقالات بين صفوف الحركة، ما دفع بعدد من القيادات من بينهم حمادي الجبالي وصالح كركر إلى مغادرة البلاد نحو فرنسا ثم إسبانيا، في حين انتقل قياديون آخرون مثل عبد الفتاح مورو إلى السعودية.

ومن الخارج، تابع الجبالي الإدلاء بتصريحات صحفية وإجراء مقابلات لفائدة رفاقه الذين أصدرت ضدهم محكمة أمن الدولة ومحاكم حق عام أحكاما قاسية وصلت إلى حد الإعدام.

انقلاب 1987

هذا المسار القمعي والمحاكمات وأحكام الإعدام توقف بعد قيام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي بانقلابه على بورقيبة في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987، ما أحدث انفراجة سياسية شهدتها البلاد مع وعود الرئيس الجديد بفتح المجال أمام الأحزاب والسماح بحرية التعبير والصحافة.

وفي الوقت الذي كانت الطبقة السياسية في تونس مستبشرة بهذا "التغيير"، لم يكن الجبالي متفائلا لإمكانية دخول تونس للنادي الديمقراطي على يد جنرال انقلابي.

ورغم ذلك، عاد المعارض الإسلامي إلى بلده عام 1988، ليترأس المكتب السياسي للحركة، ويصبح عضوا رسميا في قيادتها العلنية الجديدة التي تغيرت تسميتها منذ فبراير /شباط 1989، إلى "حركة النهضة"، حتى تتماشى مع قانون الأحزاب الجديد الذي يحظر الأحزاب التي تعتمد أساسا على الدين أو اللغة أو الجنس، والاستعداد للمشاركة في الانتخابات التشريعية في أبريل /نيسان من نفس العام.

هذه الانتخابات شهدت تزويرا لصالح الحزب الحاكم "التجمع الدستوري الديمقراطي" بقيادة ابن علي، وأنهت مرحلة الهدنة السياسية بين النظام والإسلاميين لتنطلق بعدها أكبر موجة قمع تشهدها البلاد، ويتم اعتقال حمادي الجبالي الذي كان يدير صحيفة "الفجر" الناطقة باسم النهضة، على خلفية مقالات ناقدة للنظام ورئيسه.

صدرت أحكام قاسية على الجبالي وصلت لعشرات السنوات في قضايا متعددة، ليغادر السجن الانفرادي بعد 16 عاما، وسلسلة من الإضرابات عن الطعام.

حزب سياسي

ومنذ خروجه من السجن عام 2005، بادر حمادي الجبالي مع عدد من رفاقه إلى إعادة تنظيم صفوف الحركة، التي عادت للمشاركة السياسية، وتفاعلت مع إضراب الجوع الذي ضم أكبر أحزاب المعارضة التونسية في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2005، بالتزامن مع قمة دولية للتكنولوجيا أقيمت في تونس.

عاد الجبالي بعدها للظهور إعلاميا من خلال اتصالات هاتفية بقناة الحوار اللندنية، وبعض منابر المعارضة التونسية الإلكترونية، قبل أن تفاجئ ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، الجميع في تونس، وتصبح حركة النهضة في طليعتها.

بعد أشهر قليلة من رحيل زين العابدين بن علي، تقدم الجبالي وعدد من قيادات النهضة في الداخل لوزارة الداخلية بطلب من أجل الحصول على تأشيرة حزب سياسي، يكون فيه راشد الغنوشي رئيسا، وحمادي الجبالي أمينا عاما، وهو ما حصل بالفعل يوم 1 مارس/ آذار 2011.

ومع التغيير السياسي، ترأس حمادي الجبالي قائمة حركة النهضة لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في مسقط رأسه "سوسة"، والتي فازت فيها حركة النهضة، ليكون الجبالي أول رئيس حكومة منتخب في انتخابات حرة ونزيهة بتاريخ تونس.

لم يستمر الجبالي في هذا المنصب طويلا، حيث استفاق التونسيون يوم 6 فبراير/شباط 2013، على خبر اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، ما فجر موجة غضب واسعة في تونس، دفعت رئيس الحكومة حينها حمادي الجبالي إلى الإعلان عن نيته إقالة الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات وطنية برئاسته، إلا أن دعوته قوبلت برفض من رئيس النهضة راشد الغنوشي، ليقرر حمادي الجبالي الاستقالة من منصبه.

منذ ذلك الحين، ابتعد الجبالي عن الفضاء السياسي، ثم عاد مرة أخرى للمشاركة برأيه ودفعه لإنجاح الحوار الوطني نهاية 2013، بعد اغتيال المعارض القومي محمد البراهمي.

وفي 11 ديسمبر/كانون الأول 2014، ومع إعلان النهضة دخولها في تحالف حكومي مع حزب "نداء تونس" بقيادة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، أعلن الجبالي، استقالته من الحركة، ليتفرغ للدفاع عن الحقوق والحريات، والانتصار لقيم الثورة، وإنفاذ "تونس الجديدة".

وقال الجبالي في بيان على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "إن بقاءه في صفوف الحركة قد يحمله تبعات قرارات وخيارات تنظيمية تسييرية، وأخرى سياسية إستراتيجية للحركة، لم يعد يجد نفسه فيها".

ولفت البيان إلى أن "ما تقوم به الحركة الآن من تخاذل واستسلام، قد يفضي إلى انتكاسة وعودة إلى منظومة الاستبداد والفساد".

بعدها بـ 5 سنوات، وإثر وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، عاد الجبالي ليعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية في 2019، إلا أنه لم ينجح في الحصول سوى على 0.22 % من أصوات الناخبين.