مسؤول بالرئاسة التركية لـ"الاستقلال": هذه سياستنا مع الحلفاء والخصوم

أنقرة - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحيط بتركيا العديد من الأزمات في ظل فترة عصيبة، نظرا لموقعها الجغرافي والإستراتيجي ومواقفها السياسية، وهي أمور فرضت عليها المواجهة والإصرار على الدفاع عن حقوقها خاصة في شرق البحر الأبيض المتوسط.

ولطالما وجدت تركيا نفسها مجبرة على إيجاد حلول لعدة مشاكل بين اتهامات أوروبا من ناحية والأزمات التي تحاول استبعادها من المسرح الدولي من ناحية أخرى.

في هذا السياق، حاورت صحيفة الاستقلال "محمد عاكف كيريتشجي" عضو مجلس الأمن والسياسة الخارجية الرئاسي في تركيا وعميد كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية، ونائب رئيس اللجنة الوطنية لليونسكو في تركيا. 

حصار الأزمات المحكم

  •  تتعامل تركيا مع الكثير من القضايا والأزمات. في سوريا وليبيا وقره باغ والبحر المتوسط، ما موقفها من جميع هذه القضايا؟

عند النظر إلى بيئة أنقرة، نرى أنها محاطة بالعديد من الأزمات الكبيرة. فإذا بدأنا من الجنوب نرى أزمة النظام السوري مع شعبه، وهي مشكلة أثرت على السوريين أنفسهم بالدرجة الأولى، بينما كانت تركيا أكثر الدول تأثرا بعد سوريا، لأنها تشاركها ما يزيد على 900 كم من الحدود. 

سوريا مهمة بالنسبة لنا لسببين رئيسيين: الأول لأن تركيا تستضيف نحو 4 ملايين من السوريين الذين تم تهجيرهم من أراضيهم. أما الثاني فلأن المنظمات الإرهابية تقوم بعمليات في الداخل التركي بسبب عدم وجود حكومة مركزية قوية (في سوريا) أو يمكن القول إن المنظمات الإرهابية تتسبب في زعزعة الأمن على الحدود التركية.

ولهذا السبب لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونتصرف وكأن شيئا لم يحدث. فقد فشلت الدول العظمى مثل أميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي في حل أزمة سوريا.

نحن نتحدث عن دولة قد يكون أخلي ثلث مواطنيها تقريبا، وهذا بالتأكيد يتسبب في نشاط وحركة واسعة في تركيا. من ناحية أخرى هناك حدود صغيرة لتركيا مع أرمينيا كما أن هناك حدودا مشتركة مع إيران والتي يأتي منها كثير من اللاجئين أيضا.

من ناحية أخرى نرى أن منطقة البحر الأسود آمنة ومستقرة لكن الأزمة بين روسيا وأوكرانيا تؤثر على تركيا أكثر منها على أية دولة أخرى، بينما هناك أزمة بيننا وبين اليونان من طرف بحر إيجة. ولكن تركيا ليست من يبدأ المشاكل والأزمات في كل هذا.

  • ماذا عن أزمة شرق البحر الأبيض المتوسط؟

هناك منتدى شرق البحر الأبيض المتوسط للتنقيب عن الغاز الطبيعي ​الذي تقوده إسرائيل. لكن بينما تشارك قبرص اليونانية في هذا المنتدى لا تشارك قبرص التركية. كما تشارك اليونان بينما لا تشارك تركيا. 

مجرد تنظيم مثل هذا المنتدى يعتبر تحركا ضد الواقع، لأن تركيا لديها أطول ساحل على البحر الأبيض المتوسط.

فبينما تستطيع حتى فرنسا التي لا تملك أي ساحل على البحر الأبيض المتوسط، أن تدعي وجود حق لها هنا، فإن عدم وجود تركيا في هذا المنتدى يدفعها إلى اتخاذ خطوات وتحركات مختلفة، حيث إن أنقرة لا تريد لتشكيل مناهض لها أن يشكل تهديدا عليها.

لهذا أعلنت تركيا وجودها في البحر الأبيض المتوسط عن طريق توقيع اتفاقية ترسيم الحدود مع ليبيا وأظهرت أنها شريك حقيقي.

أيضا في حال تم العثور على الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط فهل عدد سكان تركيا أكثر أم عدد سكان اليونان؟ هناك 85 مليون شخص يعيشون هنا.

ولهذا ففي كل الأحوال ستكون تركيا الأكثر استهلاكا للغاز. لذا حتى إذا أرادوا أن يبيعوا الغاز فان أقرب سوق لهم سيكون تركيا. لذا فإن إنشاء معادلة طاقة في البحر الأبيض المتوسط دون إشراك تركيا لا يبدو معقولا ولا منطقيا. 

  • كيف تعمل تركيا على إيجاد حلول لهذه المشاكل والأزمات؟

تجري تركيا محاولات لإشراك المنظمات الدولية في إيجاد الحلول أولا، ثم تحاول حل هذه الأزمات من خلال العلاقات الثنائية.

وفي حال لم ينجح الأمر، تبذل جهودها مجبرة لحل هذه الأزمات. هذه الجهود يمكن أن تكون دبلوماسية أو عسكرية أو عن طريق دعم بعض الدول، ولكن تركيا لا تبدأ أي أزمات.

  • هل أجبرت تركيا على التعامل مع كل هذه القضايا في وقت واحد وهل كانت مستهدفة منذ البداية؟

سيكون من المبالغ قليلا أن نقول: إن تركيا كانت مستهدفة منذ البداية لكنها تتأثر في جميع الأحوال، لأنه في حين أن منطقتنا نشطة ونابضة بالحياة وبينما يتم إنشاء النظام العالمي الجديد، فإن القوى الفعالة في هذه المنطقة في فترة ما بعد الحرب الباردة هي نفسها القوى الفعالة في أجزاء أخرى أيضا من العالم.

إن هذه المنطقة بمثابة المفتاح بالنسبة للطرق البرية والبحرية أيضا، حيث تقع تركيا في مركز المنطقة التي تربط آسيا بأوروبا. لهذا السبب فإنه حتى الصراعات والأزمات التي تقع في مختلف أنحاء العالم تؤثر على أنقرة.

إلا أن بعض الدول الأوربية وبعض دول الشرق الأوسط اتخذت اتهام تركيا عادة لها على الرغم من أن أنقرة ليست من يبدأ الأزمات.

أريد أن أعطي مثالا: إن أرمينيا احتلالية في قره باغ الجبلية، ومع أن المنطقة محتلة منذ وقت طويل إلا أن الأحاديث تأخذ مجراها على أن تركيا هي المسؤولة. 

كذلك ومع أننا لم نكن السبب في بدء أزمة سوريا إلا أن أوروبا تتهمنا نحن بالخصوص. من الواضح أن بشار الأسد كان سببا في ذلك. فمن الذي وقع في صراع مع شعبه وقتلهم؟

أيضا، أي دولة أوروبية تقبل أن تعتني بمليون أو مليونين من اللاجئين السوريين وتمنحهم الإذن بالعمل وتبذل الجهود لدمج هذا التجمع الهائل منهم مع المجتمع؟! وهنا أدعو جميع حلفائنا الأوروبيين أن يحيوا ضمائرهم.

جهود دعم الاستقرار

  • ما طبيعة الصراع بين اليونان وتركيا؟

أولا نحن لسنا في صراع أو في مواجهة مع أي دولة، كما أننا لا نهدف ولا نسعى إلى الاشتباك والصراع مع أيها.

ومع ذلك فإن اليونان تتجاهل حدودنا وتعامل جزيرة ميس التي يعيش فيها 250 شخصا تقريبا والتي تبعد كيلومترين عن أنطاليا، كدولة مستقلة وتعلن حولها منطقة اقتصادية خالصة، كما تعلن أن أغلب المناطق داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة التركية تابعة لها.

تركيا أظهرت صبرا كبيرا وسمعت مطالب اليونان التي تلاحق مثل هذه الفكرة العشوائية وغير المنطقية في حين أنه حتى النقاشات حول وضع جزيرة ميس لم تنته.

وقالت لهم تركيا لنتشارك ونتقاسم الغاز الطبيعي الذي يتوقع إخراجه من البحر الأبيض المتوسط مع قبرص واليونان. وتقدمت بعرض لتأسيس صندوق تمويل مشترك قبل سنوات.

تركيا لا ترغب في أن تبدأ عداء، بل هي الدولة المستبعدة هنا. هذا مهم.. إن تركيا هي من يتم استبعادها ودفعها خارجا. 

إن مطالبات اليونان في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​لا تتوافق مع القانون الدولي، وفرنسا أكثر من يعرف هذا، لأن الأخيرة لديها قضايا في الماضي نقلتها إلى المحاكم الدولية. وإذا نظرنا إلى قرارات المحاكم بشأن هذه القضايا سيظهر كم أن تركيا محقة فيما تقوله.

من ناحية أخرى، هناك الحكومة التي تعترف بها الأمم المتحدة في ليبيا. لكن المليشيات المسلحة تحاول الإطاحة بها من خلال الدعم الذي تحصل عليه من جنود ومال من الخارج من أجل إسقاط هذه الحكومة. 

قدمت تركيا دعمها بطلب من الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة وأرسلت مستشارا وصرحت بدعمها السياسي. وهذا لا يعتبر سببا لبدء أزمة.

  • إذن هل من الممكن القول إن تركيا تتعامل في الملفات كل على حدة ولا تتخذ موقفا واحدا من دولة معينة في القضايا المختلفة؟

بالطبع، جميع الدول في التاريخ والحاضر يفعلون هذا. تقوم أنقرة بحماية وتأمين مصالحها ومصالح الشعب التركي في إطار الاتفاقيات الدولية، فتركيا دولة تلتزم بالاتفاقيات الدولية بكل تأكيد.

هل تحمل المناورات الروسية المصرية الأخيرة في البحر الأسود أي رسائل لتركيا خاصة حول ملفات ترسيم الحدود والغاز بشرق المتوسط؟

في الحقيقة لا أرى في ذلك خطوة تدعم السلام والاستقرار في المنطقة، لكنني أكتفي بالقول: إن تركيا دولة لا تترك حلفاءها وحدهم بل تقف بجانبهم. 

وبالنسبة لمصر أود أن أوضح أنها ستكون مستفيدة أكثر في حال تعاونها مع تركيا. كذلك الأمر بالنسبة للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أيضا.

في نفس الوقت، نحن نعتبر العرب أشقاء وإخوانا لنا، ونؤمن أن الجهود المشتركة فيما بيننا ستجعل منطقتنا أكثر ازدهارا واستقرارا وقوة.

تركيا أكثر دولة تسعى للحل خاصة في أزمة سوريا، والبحر الأبيض المتوسط والقوقاز. لذا نتوقع من الدول المجاورة، الصغيرة منها والكبيرة، إنصاف هذه الجهود. ولو أرادت أنقرة إثارة المشاكل لفعلت لكنها ترغب في أن تكون عنوانا للاستقرار في المنطقة بالنسبة للقوقاز وشرق أوروبا ودول البلقان والبحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط.