الناخب المتردد.. الحصان الأسود في الانتخابات البلدية التركية

12

طباعة

مشاركة

دائما وفي أي انتخابات تركية سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو محليات، تجد النقاشات الحادة التي لا تنحصر فقط بين النخب، بل تمتد إلى أبناء الشعب في الجامعات والشوارع والميادين والمقاهي. فالشعب التركي "ينام بالسياسة ويستيقظ على السياسة" ما يجعله حالة خاصة من غير المعهود أن تراها في دول كثيرة حول العالم.

بعض الاستطلاعات ذكرت أن نسبة المترددين تصل إلى 20%، وقالت استطلاعات أخرى إنهم أقل من ذلك بنسب تتراوح بين 18 و17%. ومع حلول موعد الانتخابات المحلية في تركيا، التي ستجرى غدا الأحد، ما الذي سيحدد موقف الناخبين المترددين؟ وهل ستحدث مفاجآت؟

"قضية مصيرية"

في انتخابات البلديات المزمع إجراؤها خلال سويعات قليلة، يشهد الشارع التركي نقاشات وتحليلات متعددة، فمن قائل إنها "قضية مصيرية" بالنسبة لتركيا مصرا على أنها ستكون نصرا تاريخيا أو هزيمة تاريخية، إلى رافض لذلك، ويراها أنها مجرد انتخابات، إن لم يعجبك ما اخترته في هذه المرة فبإمكانك تغييره في المرة القادمة.

هذه النقاشات الطويلة التي لا ينتظر أحد أن تنتهي، نراها تدور في محيط أحزاب العدالة والتنمية (الحاكم) وحليفه (الحركة القومية) والشعب الجمهوري (المعارض) وحليفيه الرئيسيين الشعوب الديمقراطي (الكردي) و(الجيد).

بعد تخلص تركيا من محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/ تموز 2016، عاشت أولى انتخاباتها البرلمانية والرئاسية في 24 يونيو/ حزيران 2108 (1)، وكنا نسمع أيضا في ذلك الوقت أن تلك الانتخابات "مصيرية".

انتخابات الرئاسة حسمت ساعتها لصالح رئيس الجمهورية الحالي ورئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان بواقع نسبة 52% من مجموع أصوات الناخبين، بعد تحالفه مع حزب الحركة القومية، فيما لم يستطع مرشح التيار اليساري محرم انجة أن يحصل على أكثر من 30%.

بحسب مراقبين فإن ما حدث في في انتخابات 2108 يتوقع أيضا حدوثه في انتخابات 2019 بسبب ضعف المشاريع الانتخابية لتلك الأحزاب المنافسة في مواجهة حزب العدالة والتنمية الذي فاز لخمس دورات متتالية، إلى جانب تعرض هذه الأحزاب لاتهامات بدعم الإرهاب (تنظيمي بي كا كا وفتح الله جولن) يضعف موقفها واحتمال فوزها في الانتخابات.

 

ظهرت صور بطاقات الانتخاب لانتخابات ٣١ مارس/ آذار للمرة الأولى

ورسميا يشارك في الانتخابات ما يقارب 57 مليون ناخب، و12 حزبا سياسيا وهم:

  • العدالة والتنمية
  • تركيا المستقلة
  • الاتحاد الكبير
  • الشعب الجمهوري
  • الديمقراطي
  • اليسار الديمقراطي
  • الشعوب الديمقراطي
  • الجيد
  • الحركة القومية
  • السعادة
  • الشيوعي التركي
  • الوطن

الانقلاب الاقتصادي

في رده على من يقلل من أهمية الانتخابات الحالية علق الكاتب الصحفي بولند أوراك أوغلو قائلاً: "معلوم أن تركيا شهدت 3 انتخابات كبيرة قبل انتخابات 31مارس/ آذار الجاري وكان شعبنا يرى الانتخابات مصيرية مستحضراً في ذهنه مشكلة الإرهاب، لكن الجهات التي تريد خلق اضطرابات في تركيا غيرت من سياستها هذه المرة مستهدفة تركيا والحزب الحاكم بما يمكن أن نسميه انقلاباً اقتصادياً. لقد كان مصير تركيا الهدف غير المعلن لهذه المحاولة". مضيفا "واستهدفت هذه الجهات جيب المواطن التركي لتبلغ مآربها، وقد ساهم في هذا الانقلاب الاقتصادي الانتهازيون الباحثون عن مصالحهم الضيقة بقصد أو دون قصد".

أوراك أوغلو توقع أن يوجه الشعب التركي في الانتخابات ضربة صادمة إلى القوى الإمبريالية قائلا "سيبطل شعبنا مخطط الانقلاب الاقتصادي، وسيؤيد شعبنا حلف الجمهور (العدالة والتنمية والحركة القومية والاتحاد الكبير) في مواجهة المعارضة التي تقف مواقف مؤيدة ومناصرة للتنظيم الإرهابي الانفصالي (بي كا كا) إلى جانب التنظيم الموازي (فتح الله جولن)، إذ سيكون دعم جانب الرئيس أردوغان ذا تأثير كبير على موقف تركيا في عمليات شرق الفرات وكذلك ضد المحاولات الانقلابية المحتملة".

أردوغان يتابع خريطة المدن التي سيزورها في حملته الانتخابية من داخل كابينته المتنقلة

الناخب المتردد

كما في كل مرة، نشرت مراكز الاستطلاعات معطيات مختلفة. ويبدو بحسب السياق أنها محاولة متعمدة لنشر البلبلة والترددات في الرأي العام.

بحسب هذه التوقعات فإن عدد الناخبين المترددين آخذ في الازدياد، ومعلوم أن الانتخابات يخوضها طرفان رئيسيان هما "تحالف الشعب" الذي يشكله حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية والاتحاد الكبير، و"حلف الأمة" الذي يشكله حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد والشعوب الديمقراطي.

ترى أي الطرفين سيقتنع الناخب المتردد بالتصويت لصالحه؟ جوابا على هذا السؤال، يقول الصحفي يوسف أوزقير: "أما بالنسبة للناخبين الذين كانوا يؤيدون حزب العدالة والتنمية، فالأمر مرتبط بتلك الخريطة التي ترون الرئيس أردوغان واقف أمامها. هذه الصورة اعتاد الشعب رؤيتها قبل كل انتخابات وهي تظهر الرئيس في باص حملته الانتخابية وهو يحدد المدن التي سيزورها خلال الحملة الانتخابية".

مضيفا "وهذه الصورة تظهر عزم الرئيس أردوغان وهمّته كما تعلمنا درسا بأنه لا يمكن الفوز في الانتخابات إلا بالنزول إلى الشوارع والميادين دون التواري خلف المكاتب. وكذلك أهمية التواصل المباشر مع الناخبين لكسب أصواتهم". وبحسب أوزقير فإن الرئيس أردوغان سيطوف بالمدن التركية مثل كل حملاته الانتخابية لإقناع الناخبين عبر التواصل المباشر.

سر النجاح

فوز متتال للعدالة والتنمية في الانتخابات دون انقطاع، ما سر هذا النجاح؟، وهو ما يجيب عنه الباحث التركي باقي لاله أوغلو، متحدثا عن نجاح حزب العدالة والتنمية قائلا: "لقد صعد حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في انتخابات 2002 بعد أن حصد نسبة 34 % في الانتخابات. واستمر بعد ذلك فوزه في الانتخابات منذ 16 عاما دون أن يخسر ولو مرة واحدة".

مضيفا "كان يفوز دائما بفارق واضح عن الأحزاب الأخرى. وقد نجح في هذه الفترة، فعلى صعيد السياسة أكسب العدالة والتنمية تركيا موقعا محوريا لاتخاذه سياسة دعم المظلومين والمهاجرين في كل أنحاء العالم فهم يلجأون إلى تركيا التي  تأويهم، كما لم يهمل الحزب الحاكم حقوق الفئات المظلومة داخل تركيا".

وبحسب لاله أوغلو، "ففي الوقت الذي يواجه العدالة والتنمية الهجمات والتحديات والضغوط من الداخل والخارج، استطاع أن يحقق آمال ناخبيه عبر تغييرات وتحولات ديمقراطية كما حقق تقدما في قطاع الخدمات".

"بفضل المرونة على مستوى السياسات والشعارات والعناصر العاملة، استطاع الحزب كسب الناخبين باستمرار، وتحول من مجرد حزب سياسي إلى حركة شعبية، وبذلك ضمن استمراريته مواكبا المطالب والاحتياجات المستجدة، وهذا نجاح للعدالة والتنمية لم يسبَق إليه أي حزب آخر في تاريخ تركيا الحديث"، حسب لاله أوغلو.

خسارة مزمنة

في المقابل يعاني حزب المعارضة الرئيسي "الشعب الجمهوري" من مشكلة خسارة مزمنة كان آخرها في انتخابات 2108، فعلى مستوى المؤسسين يقول الكاتب والباحث محمد دوغان "لم يكسب مصطفى كمال باشا أتاتورك ولا عصمت باشا إينونو أي انتخابات، حيث عاشت البلاد في عهد أتاتورك أيام الحزب الواحد وهو الشعب الجمهوري".

وفي عام 1961 حصل حزب الشعب الجمهوري بزعامة عصمت إينونو على 173 مقعدا، لم تمكنه من التفرد بتشكيل الحكومة، واضطر لتشكيل أول حكومة ائتلافية في تاريخ تركيا برئاسة عصمت إينونو مع حزب العدالة الذي كان يعتبر شبه امتداد للحزب الديمقراطي والذي حصل على 158 مقعدا في البرلمان.

ولم نر أي نجاح انتخابي لحزب الشعب الجمهوري إلا مرة واحدة عندما كان زعيم حزب الشعب الجمهوري هو بولنت أجاويد الذي حصل على 33% من الأصوات و185 مقعدا بدخوله البرلمان في المركز الأول.

ففي عام 1977 حقق الحزب برئاسة أجاويد تفوقا في الانتخابات لكن بنسبة لم تمكنه من التفرد بالسلطة، فاضطر إلى تشكيل ائتلاف مع سليمان ديميرل. "لقد أسس حزب الشعب الجمهوري كحزب رسمي. ولم يكن له بديل عن أن يكون الحزب الحاكم. فلذلك كانت بداية الحياة الحزبية التركية بداية لمشاكل حزب الشعب الجمهوري أيضاً"، حسب دوغان.

نفس الرؤية جاءت متسقة مع الباحث والصحفي علي أصلان بقوله: "الحكم في تركيا مقسم بين المناصب وإدارة السياسات وإدارة الميزانية. حزب الشعب اعتاد على التركيز على المناصب والميزانية. فيما جعل حزب العدالة والتنمية أولويته في السياسة واعتنى بها كمقياس مهم للنجاح في الإدارة".

هل تخبئ مفاجآت؟

دائما ما يسبب عنصر المفاجأة مخاوف صغيرة وكبيرة قبيل كل انتخابات. وفيما يتعلق بهذا فقد صرّح الأمين العام المؤسس لحزب العدالة والتنمية ونائب رئيس الوزراء السابق أرطغرل يالجين باير قائلا: "تم التحالف مع حزب الحركة القومية لتجنب رؤية نتائج كالتي كانت في انتخابات 7 يونيو/ حزيران 2015، طبيعي أن تكون هناك مخاوف قبل الانتخابات، نتائج الانتخابات هذه مهمة من حيث الاقتصاد ونظام الحكم بالدرجة الأولى. ويمكن أن تخبئ لنا صناديق الاقتراع مفاجآت جديدة".