ثقب في جدار أزمة ليبيا.. هذه العقبات تعترض اتفاق بوزنيقة بالمغرب

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد عودتهم مرة أخرى إلى بوزنيقة المغربية، نجح الفرقاء الليبيون هذه المرة من الاتفاق على جملة من النقاط الخلافية التي تم تأجيل الحسم فيها من الاجتماع السابق.

وقع وفدا الحوار الليبي في المغرب مساء 6 أكتوبر/تشرين الثاني 2020، اتفاقا بشأن المناصب السيادية، في وقت تتزايد الضغوط الدولية لتسوية الأزمة الليبية.

فبعد جولة ثانية من المفاوضات استمرت 5 أيام في مدينة بوزنيقة المغربية (جنوب الرباط) وقع وفدا المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب المنعقد في طبرق (شرقي ليبيا) بحضور وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الاتفاق المتعلق بمعايير وآليات التعيين في المناصب السيادية.

حظي الاتفاق الجديد بترحيب دولي واسع بالإضافة إلى ارتياح ليبي من قبل الوفود المشاركة التي تمثل طرفي الصراع السياسي الذي فرض انقساما بين الشرق والغرب في ليبيا.

في المقابل لا تزال التخوفات قائمة في ظل حشد حفتر ومليشياته للقوات في محيط مدينة سرت، والذي قد يراهن على إشعال المعارك من جديد في صورة رفضه للاتفاقات الجارية.

الاتجاه الصحيح

انطلقت المحادثات الليبية – الليبية المُخصصة للتشاور حول تفعيل العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة، في مدينة بوزنيقة المغربية بعد حراك سياسي ودبلوماسي تلا الإعلان عن قرار لوقف إطلاق النار على طول جبهات القتال في ليبيا.

وأظهرت المشاورات إصرار وفدي المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب بطبرق، على استكمال ما تحقق في جولة المحادثات الأولى التي عُقدت في سبتمبر/أيلول 2020.

وتوصل طرفا الحوار إلى اتفاق شامل حول آلية تولي المناصب السيادية، واستئناف الجلسات لاستكمال الإجراءات اللازمة بشأن تفعيل الاتفاق وتنفيذه.

المناصب السيادية المعنية - وفقا للمادة 15 من اتفاق الصخيرات لعام 2015- هي محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورؤساء ديوان المحاسبة، وجهاز الرقابة الإدارية، وجهاز مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا، والنائب العام.

ولم تخرج بوزنيقة 2 كثيرا عما تم التوافق بشأنه في بوزنيقة 1، من خلال اعتماد معايير جهوية في توزيع المناصب السيادية السبعة، خلال الجولة الأولى من المشاورات، التي جرت بين 6 و10 سبتمبر/أيلول 2020، تم الإعلان أيضا أنه تم التوصل إلى "تفاهمات" حول معايير تولي المناصب السيادية السبعة.

لكن رغم أن المناصب السيادية جزئية صغيرة في أزمة كبيرة عنوانها الأبرز إصرار الجنرال الانقلابي خليفة حفتر على السيطرة بالقوة على الحكم في ليبيا وإخضاع المؤسسات السيادية لسلطته، إلا أن الحوار في حد ذاته بين الفرقاء السياسيين الليبيين خطوة إيجابية في حد ذاته.

لكن في المقابل يرى متابعون أن تنفيذ المادة 15 من اتفاق الصخيرات مقرون بتحقيق بندين مهمين في ذات المادة، حيث نص البند الأول على أن التوافق حول شاغلي هذه المناصب يتم بمراعاة التشريعات الليبية النافذة، ووفقا للآلية المنصوص عليها في الملحق 3 من الاتفاق.

فيما نص البند الثاني على أن تعيين وإعفاء شاغلي المناصب القيادية للوظائف السيادية يتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب.

وسبق لمجلس النواب المنعقد في طرابلس (84 نائبا من إجمالي 188) أنه اعترض على مشاورات بوزنيقة التي لم يكن ممثلا فيها، مما قد يدفع أغلبية أعضائه للتصويت ضد هذه المسودة، في حين أن نواب طبرق لا يتجاوز عددهم 26، في حين يغيب الباقون عن جلسات المجلسين لأسباب مختلفة بينها الإقامة خارج البلاد، أو الوفاة أو الاختفاء القسري.

عقبة الرفض

مع مباحثات بوزنيقة، فإن المجلس الأعلى للقضاء أكد رفضه المطلق لنتائج هذه المباحثات، حتى قبل الإعلان عنها بدواعي أن اختيار منصب المحكمة العليا يكون بالتشاور مع المحكمة ممثلة في رئيسها وجمعيتها العمومية.

مضيفا: أن "اختيار شاغل منصب النائب العام، لا يتم إلا بالتشاور مع المجلس الأعلى للقضاء، وذلك لاعتبار أن المناصب القضائية تخضع لمعايير طبيعة العمل القضائي والقوانين الخاصة التي تنظمها".

هذا الرفض يدلل على إمكانية رفض السلطة القضائية لأي معايير تتخذها السلطات التشريعية بشأن المناصب الواردة، حيث أصدر المجلس يوم 5 أكتوبر /تشرين الأول 2020 بيانا شديد اللهجة.

البيان اعتبر تفاهمات بوزنيقة فيما يتعلق بالسلطة القضائية "تدخلا ومساسا بسيادة واستقلال هذه السلطة"، مشيرا إلى أنها "إحدى السلطات الثلاث التي ظلت موحدة ولم تنقسم" (على عكس السلطتين التشريعية والتنفيذية).

الكاتب الصحفي الليبي معتصم وهيبة أكد في حديثه لـ"الاستقلال" "وجود مساع حثيثة لتطبيق الاتفاق، خصوصا بين خالد المشري رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق  ورئيس البرلمان في طبرق عقيلة صالح، إلا أن المجلسين (الرئاسي والنواب) تم تغييبهما من المفاوضات وأن المفاوضات شبه ثنائية بين فريق المشري وفريق عقيلة صالح، وأن مجلس النواب في طرابلس غير موافق على هذه المفاوضات باعتبار أنهم لم يشاركوا فيها".

وأضاف وهيبة: "يمكن القول بأن المشاورات غير مكتملة ولم يوافق عليها أطراف عدة كان يجب إشراكها، فحتى غرفة البنيان المرصوص وبعض الكتائب رفضوا هذه المفاوضات، لذلك لا أرى أن الاتفاق النهائي قريب، وإن حصل فلن ينجح على الأرض بدون موافقة الكتائب المسحلة في كامل البلاد" .

ورغم ذلك أشادت الأمم المتحدة، بتوصل وفدي المجلس الأعلى للدولة ومجلس نواب طبرق المشاركين في الحوار الليبي بمدينة بوزنيقة المغربية، إلى تفاهمات شاملة على ضوابط وآليات ومعايير اختيار شاغلي المناصب القيادية للمؤسسات السيادية، معربة عن تثمينها لجهود المغرب الرامية إلى جمع الليبيين حول طاولة المفاوضات بغية إيجاد حل سياسي للأزمة في بلادهم.

وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمر صحفي في نيويورك يوم 8 أكتوبر /تشرين الأول 2020: "نقدر كل الجهود التي تهدف إلى جمع الليبيين معا لمعالجة القضايا الخلافية، بما في ذلك المحادثات التي جرت في المغرب وسويسرا ومصر".

مغامرات حفتر

بين بوزنيقة وجنيف والقاهرة وبرلين، تبحث الأزمة الليبية عن حل لها، مع تسارع المبادرات والجهود الدولية والإقليمية، لإيجاد خريطة طريق سلمية، تخرج البلاد من النفق المظلم الحالي.

ورغم تعثر هذه المساعي حينا وتقدمها حينا آخر، تدل مؤشرات كثيرة على وجود فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق ليبي - ليبي، إلا أن منسوب الثقة المتدني تجاه حفتر ومعسكره والدول الداعمة له، تجعل نجاح أي اتفاق رهينا بمغامرات حفتر غير المحسوبة.

لا زال يذكر الليبيون هجوم حفتر على العاصمة طرابلس يوم 4 أبريل/ نيسان 2019، في الوقت الذي كانت الأمم المتحدة تعد لملتقى ليبي جامع في مدينة غدامس شرقي البلاد.

وأكد حينها وزير الدفاع صلاح الدين النمروش أن المعلومات الواردة إليهم تفيد باحتمال قيام خليفة حفتر بالهجوم على مدن بني وليد وغريان وترهونة، ودعا إلى اتخاذ كافة التدابير لصد ومنع أي هجوم محتمل مع توخي أقصى درجات الحيطة والحذر.

وقال النمروش في بيانه يوم 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: إن عدوان مليشيات حفتر في الرابع من أبريل جاء على أبواب مؤتمر غدامس الجامع، مضيفا أن خروقاتهم المستمرة دليل قطعي على أنه لا عهد ولا أخلاق لمليشيات حفتر، بحسب تعبيره.

وأضاف النمروش أن وزارة الدفاع لا تعتمد في معلوماتها الاستخباراتية على كلام مرسل، بل على معلومات دقيقة ومؤكدة، مشددا على أن قوات الجيش الليبي ملتزمة تماما بوقف إطلاق النار، وأنهم مع أي حوار شامل يعيد إلى ليبيا أمنها واستقرارها، بحسب البيان.