التنظيم الناصري يسعى لتقويض نفوذ حزب الإصلاح في تعز

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مواجهات مسلحة اندلعت، الأسبوع الماضي، في أحياء مدينة تعز القديمة، بين أجهزة أمنية، ومسلحي القيادي السلفي أبي العباس، على خلفية حملة أمنية شنتها السلطات الحكومية في تعز لملاحقة عناصر مطلوبة أمنيا من الكتائب، متورطة بعمليات اغتيال وإعدام جماعي شهدتها المدينة خلال الفترة الماضية .

ومع اشتعال تلك المعركة العسكرية اندلعت معركة سياسية موازية، لا تقل ضراوة عنها، بين حزب الإصلاح والتنظيم الناصري، حيث انبرى الناصري للدفاع عن كتائب أبي العباس، متهما حزب الإصلاح بوقوفه وراء الحملة الأمنية، لتصفية خصومه السياسيين، وإحكام السيطرة على المناطق المحررة من سيطرة الحوثيين.

حملة أمنية

محافظ تعز نبيل شمسان، المعين حديثا، كان قد وجه فور وصوله إلى المحافظة بتشكيل خطة للقضاء على الفوضى والانفلات الأمني الذي تشهده المدينة، ووجه بتسيير الحملة لملاحقة العناصر المطلوبة واستعادة المقرات والمرافق الحكومية التي سيطرت عليها كتائب أبي العباس منذ تحريرها من قبل الحوثيين.

وكالة الأنباء الحكومية اليمنية "سبأ"، نشرت بيانا قالت فيه "إن اللجنة المشكلة برئاسة محافظ تعز، أقرّت خروج حملة أمنية تتولى ضبط الخارجين عن القانون والمتهمين بجرائم القتل والفوضى وإقلاق السكينة العامة داخل المدينة، ووضع قائمة بكل القيادات والأفراد الضالعين في ارتكاب الجرائم والاختلالات الأمنية خلال الفترة الماضية".

مضيفا "لكن الحملة واجهت تمردا من كتائب أبي العباس، وشهدت اشتباكات مسلحة مع عناصر الأمن، وظهر القيادي في كتائب أبي العباس محمد نجيب في فيديو مصور وهو يجمع الصواريخ الحرارية من مخازن السلاح و يهدد بإحراق تعز بالكامل، كما وجه باقتحام المحلات التجارية ونهبها وذلك ردا على الحملة الأمنية".

وحسب البيان "أسفرت المواجهات عن سقوط 7 مدنيين بنيران مسلحي "أبي العباس"، وبحسب مصادر طبية، فإن 3 مدنيين قتلوا وأصيب 4 أخرين، بينهم امرأة في شارع التحرير بنيران مسلحي أبي العباس المتمركزين في عدد من المباني بالمدينة القديمة".

مسلسل الصراع

عقب الاشتباكات أصدر التنظيم الناصري ذلك بيانا طالب فيه بإنهاء الحملة والانسحاب الفوري، معللا ذلك بـ"انحراف مسار الحملة الأمنية، وتسببها بحرب انتقام وإبادة وتصفية". الأمر الذي نفاه قادة الإصلاح، مؤكدين أن الأجندة الوحيدة هي "تعزيز دور الدولة، والوقوف إلى جانب السلطات الحكومية في تحقيق الأمن والاستقرار بالمدينة".

ذلك العراك يعد حلقة في مسلسل الصراع بين حزبي الإصلاح والناصري، حسب قول الكاتب والصحفي شاكر خالد لـ "الاستقلال" "يعتبر الحزب الناصري حزبَ الإصلاح ذا القاعدة الشعبية الواسعة، عدوا تقليديا، يسعى للهيمنة والاستئثار واحتكار التمثيل السياسي، وعلى الخصوص في مدينة تعز، الذي يعدها الناصري معقلا رئيسيا والحاضنة الشعبية الأولى له، ويحرص على تصدر المشهد فيها، ويسعى لأن يكون ممثلا في هرم  السلطة اليمنية في مرحلة ما بعد الحرب".

وفي سياق صراعه مع حزب الإصلاح بذل التنظيم الناصري محاولات سابقة لإقصاء الإصلاح من أي تمثيل سياسي في المدينة، حيث كانت  القيادة السياسية للتنظيم الناصري قد أعلنت عن تشكيل تحالفٍ سياسيٍّ من القوى المدنية، وتم الإعلان في بيان عن ائتلاف سياسي من الأحزاب اليمنية، واستثنى البيان حزب الإصلاح من الأحزاب الموقعة على البيان.

الناصري والميلشيات

ليست هذه المرة الأولى التي يقف فيها التنظيم الناصري مع مجموعات مسلحة، فالأمين العام للتنظيم عبدالله نعمان، كان قد أشاد في وقت سابق، في لقاء متلفز على قناة اليمن الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بقائد الحركة عبدالملك الحوثي، إثر انقلابه على الدولة.

ومع أن تلك التصريحات قد تغيرت فيما بعد، لكن كان لها أثرها، حينذاك، في تقوية شوكة الحوثيين، وفي الدعم المعنوي التي تلقته الحركة، في لحظة حساسة وحرجة، كانت تتطلب أصواتا شجاعة تحد من تمدد الحوثي وتخلق وعيا رافضا لدى أعضاء التنظيم لما قام به الحوثيون.

عبدالله نعمان أمين التنظيم الناصري في اليمن على قناة اليمن الفضائية

يقول الكاتب والصحفي، عبد الله الحرزاي، لـ "الاستقلال"، "لا نستغرب ممن دعم ميلشيا الحوثي في بداية الانقلاب، أن يدعم ميلشيا أبو العباس الآن، فحالة السخط التي يحملها التنظيم الناصري من حزب الإصلاح، ما زالت تسيطر عليه حتى اللحظة".

يضيف الحرازي، "تم تصوير وتصدير انقلاب الحوثي في بداية الأمر على أنه صراع بين قوى سياسية وقبلية وليس بين دولة وميلشيا انقلابية، وهو الأمر الذي يجري حاليا تصويره في المواجهات المسلحة بين السلطات الأمنية وكتائب أبي العباس على أنها صراع بين قوى  مسلحة".

قيادي في كتائب أبي العباس يتعهد بحرق تعز

عناصر اليسار وبالذات التنظيم الناصري، المدعوم من الإمارات، تماهت مع تشكيلات يمينية متطرفة ، ككتائب أبي العباس المدعومة من الإمارات أيضا، والعلة التي تجمع بين هذين المكونين هو محاولة تقويض نفوذ حزب الإصلاح في تعز والمناطق المحررة.

الكاتب والصحفي محمد اللطيفي قال لـ"الاستقلال"، "الفوبيا من حزب الإصلاح دفعت اليساريين، والتنظيم الناصري بالذات، باتجاه دعم كتائب أبي العباس كقوة لإضعاف حزب الإصلاح، وتصادف أن الحد من نفوذ حزب الإصلاح  شكل رغبة يسارية تتقاطع مع رغبة إقليمية ورغبة دولية".

وكانت كتائب أبي العباس قد أصدرت بيانا أثناء الحملة قالت فيه" عناصرنا ينتمون إلى مدينة تعز ونحن جزء أصيل من مكونها المدني"، وعلق الكاتب هشام المسوري على هذا البيان في منشور كتبه على صفحته بـ"فيسبوك" بقوله: "الناصري مجرد متعهد بيانات للعصابات، من كتابة بيانات القوة الصاعدة أثناء حربها على القوى التقليدية في صعدة وصولا إلى صنعاء، يكتب اليوم بيانات كتائب المكون المدني في تعز". ،  في إشارة إلى أن الناصري تولى كتابة البيان لمسلحي أبي العباس.

كتائب أبي العباس

كتائب أبي العباس تشكيلات مسلحة تم استيعابها ضمن اللواء 35 مدرع التابع للشرعية، يرأس الكتائب القائد السلفي عبده فارع المكنى أبو العباس، الرجل الذي أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية في قوائم الإرهاب لديها بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2017، لانخراطه في العمل مع تنظيمات إرهابية، وارتباطه بأنشطة تمويلية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، بحسب بيان الخزانة الأمريكية.

يقول الباحث في العلاقات الدولية، مراد يحي، في حديث لـ"الاستقلال"، "تدعم الإمارات هذه الكتائب السلفية وتمولها بالسلاح والأموال، رغم أن قائدها مصنف كعنصر إرهابي، وتسعى من خلالها، لتنفيذ مشاريعها في المدينة التي تقع على مقربة من مضيق باب المندب، بالإضافة إلى دورها في الحد من نفوذ حزب الإصلاح في المحافظة ،، كما تقوم بمحاولاتها في إنشاء حزام أمني على المدينة، على غرار الحزام الذي تم تشكيله في عدن والمحافظات الجنوبية المجاورة".

البعد الإقليمي

الصحفي حمدي البكاري علق على مواجهات تعز على صفحته بـ"فيسيوك" قائلا إنها "صراع إقليمي بأذرع محلية وسط غياب واضح لأي مشروع وطني مستقل ينشد دولة مستقلة ذات سيادة".

من جانبه قال المحلل السياسي ياسين التميمي، لـ"الاستقلال"، "هناك تنافس غير معلن بين الرياض وأبو ظبي، لكنه لم يصل بعد إلى درجة الاحتكاك والتصادم، وما هو مؤكد هو أن التحالف السعودي الإماراتي يستفيد من الصراع الحزبي القائم في تعز، ويتم تغذيته ليكون غطاء لمخطط الشيطنة التي تستهدف قوى الثورة في تعز وفي مقدمتها الإصلاح، وهذا الأمر يحدث في جبهات كثيرة، والسعودية لديها نفس الالتزام فيما يتعلق بإضعاف الإخوان المسلمين".

يضيف التميمي "هناك رغبة مشتركة لدى الإمارات والسعودية لإنهاء نفوذ قوى الثورة وفي مقدمتها الإصلاح في تعز، لكن لا يوجد توافق بشأن الدولة التي يتعين أن تكون لها الكلمة العليا في هذه المحافظة".

مؤكدا أن "الإمارات قطعت شوطاً منذ البداية لتكون هي المتحكم بالأمور كلها في تعز، وأبقت المحافظة قطاعاً عسكريا منفصلاً عن وزارة الدفاع، حتى أنها أجهضت في أوائل 2016 أول محاولة لقيادة عملية عسكرية هدفها تحرير تعزيز بالتنسيق مع المقاومة، وذلك عن طريق باب المندب، فقد أطلق الحوثيون صاروخاً استهدف القائد السعودي للحملة، ما أدى إلى توقف التقدم العسكري عبر هذه الجبهة لمدة عام كامل قبل أن تستأنف العملية من قبل الإمارات وتحت قيادتها وتحت مسمى الرمح الذهبي".

يضيف الكاتب والصحفي ماهر أبو المجد، لـ "الاستقلال"، "رؤية السعودية والإمارات لليمن مرتبطة بأبعاد الصراع الدولي وبالتالي فإن هاتين الدولتين لا تريان في اليمن سوى مساحة نفوذ يجب أن يسودها حالة اللادولة، والخلاص من هذه الدائرة لا يتأتى إلا بالبحث عن شركاء دوليين جدد لهم القدرة على الافتكاك من هذه الكماشة المهددة لوجود الدولة اليمنية".