يقرر لصالحه وينفذ بقواته.. هكذا يسلب نظام السيسي أملاك المصريين

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"كل فرد له الحق في الملكية الخاصة، بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين.. لا يجوز حرمان أي فرد مما يملكه بصورة تعسفية"، هذا المبدأ منصوص عليه في المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يعلن أن لكل فرد حق في أملاكه، كما أن المادة 33 من دستور 2014 في مصر تنص على أن "الدولة تحمي الملكية العامة، والخاصة، والتعاونية".

ووفقا للمادة 35 من الدستور المصري "الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبحكم قضائي، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يدفع مقدما وفقا للقانون". 

ولكن على أرض الواقع، تبرز أمام المواطن المصري مشكلة معقدة، إذ إن النظام الحاكم هو الخصم والحكم، فعندما تعتدي الدولة في صورة الأجهزة الأمنية، وتحديدا الجيش الذي يمثل قمة الهرم فيها على المواطنين في أراضيهم وأقواتهم، ماذا يفعل المواطن أمام تلك المعضلة؟ 

وقد شهدت مصر في الآونة الاخيرة أكثر من حالة تعدٍ بشكل مختلف على ملكيات خاصة، لمصريين من طبقات اجتماعية مختلفة.

وادي النطرون

في 26 سبتمبر/ أيلول 2020، تم تداول مقاطع فيديو على نطاق واسع، لاستغاثات ملاك نحو 3500 فدان من الأراضي الصحراوية المستصلحة، من محاولة استيلاء الجيش على أراضيهم.

واشتكى ملاك الأرض التي تقع بمنطقة وادي النطرون بمحافظة البحيرة شمالي مصر، وتقوم بتصدير ما قيمته 6 مليارات جنيه من المنتجات الزراعية، بخلاف ما تورده للسوق المحلية، من محاولة مشروع "مستقبل مصر" التابع للجيش المصري الاستيلاء على أراضيهم، وإجبارهم على التنازل عنها، ثم التوقيع على عقود إيجار من الجمعية.

وكتب الصحفي المصري أحمد جمال زيادة عبر صفحته بموقع "فيسبوك" قائلا: "مزراعون يملكون أراضي في منطقة وادي النطرون من سنة 91،  هذه المزارع مجاورة لما يسمى مشروع مستقبل مصر الزراعي".

وأضاف: "كل أصحاب المزارع معاهم عقود ملك نهائية من جمعيات (أطباء أبناء المنوفية، وجمعية أطباء أبناء الغربية)، هل العقود هتمنع أي جهة مهما كانت سيادية من السطو والبلطجة؟ لا طبعا، ده بيحصل في دولة القانون بس".

وذكر أن "مشروع مستقبل مصر راح لأصحاب المزارع وطلب منهم التوقيع على تنازل عن الأراضي الملك، وإنهم هياخدوا منهم إيجار شهري، بزعم أن الأراضي ملك المشروع من سنة 2009، مع أن ما يسمى مشروع مستقبل مصر قد يكون عمره حوالي 4 أو 5 سنين". 

وأورد: "واحد من الملاك اسمه (عبد الجليل صلاح) عمره 70 عاما، بعد ما طلبو منه التوقيع على التنازل عن أرضه، رفض، هددوه بإنه هيتاخد للنيابة العسكرية، قال لهم مش هسيب أرضي، وفعلا اتاخد للنيابة العسكرية".

وأفاد أصحاب الأرض ضمن استغاثتهم أنهم تملكوها بعقود صحيحة من محافظة البحيرة منذ عام 1991، كما أنهم حاصلون على تراخيص رسمية بحفر آبار المياه، وتصاريح توصيل المرافق مثل الكهرباء، ويملكون حيازات زراعية.

وحسب ملاكها، فإنه يعمل بهذه الأراضي نحو 600 فرد بصفة دائمة، كما يعمل بها نحو 5000 فرد بصفة مؤقتة. 

وفي 10 سبتمبر/أيلول 2020، اجتمع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي مع عدة مسؤولين عسكريين وآخرين في الحكومة لمتابعة الموقف التنفيذي لمشروع (مستقبل مصر)، حيث اطلع على مراحل العمل بمحاور المشروع. 

وتأتي محاولة الاستيلاء على أراضي المواطنين، والتضييق عليهم في أرزاقهم ضمن حالة متكررة منذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، عقب انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013. 

عزبة البرج 

وعلى نسق آخر برزت أزمة عزبة البرج، وهي مدينة تقع مقابل رأس البر عند نهاية نهر النيل، شمال مدينة دمياط بحوالي 15 كم، وعلى الضفة الشرقية لنهر النيل عند مصبه بالبحر المتوسط وتبعد حوالى 210 كم شمال القاهرة، يعتمد أهلها بشكل أساسي على حرفة الصيد، التي يعملون بها منذ مئات السنين، بالإضافة إلى صناعة السفن. 

والمدينة لها أهمية كبيرة، ففيها واحدة من أكبر الموانئ لبناء السفن واليخوت السياحية في مصر. كما يوجد بها أكبر أسطول بحري لصيد الأسماك في مصر، بالإضافة إلى مصنع لتعليب الأسماك.

تلك الحياة الهادئة لم تمر من قبضة السيسي، الذي أمر حكومته بإصدار قرارات تمنع الصيادين من الصيد في منطقة شرق بورسعيد حتى العريش والحدود الشرقية، وهي منطقة أساسية لصيد الأسماك بالنسبة لصيادي عزبة البرج.

وفي 28 سبتمبر/ أيلول 2020، نظم الصيادون وقفة احتجاجية بمراكبهم، على كورنيش النيل برأس البر، احتجاجا على منعهم من الصيد، وتدهور حالتهم المعيشية، وفرض المزيد من الضرائب عليهم.

وأطلق هؤلاء صافرات التنبيه وعملوا على تشغيل سرينات (آلة تنبيه) المراكب لإعلان اعتراضهم بالقرب من نقطة تابعة للجيش بشارع النيل احتجاجا على ممارسات القوات البحرية تجاههم، وبناء عليه داهمت قوات من الجيش المظاهرات واعتقلت بعض الصيادين من أبناء مدينة عزبة البرج من البحر وحولت العشرات منهم للمحاكمة العسكرية. 

هذا إلى جانب فرض الضرائب ورفع سعر الجاز وغيرها من الإجراءات المجحفة والتي نتج عنها ظروف معيشية قاسية لجميع صيادي عزبة البرج وأسرهم.

ويذكر أن الأزمة تفاقمت في الآونة الأخيرة بعد ظهور باكورة أسطول سفن صيد باسم "وطنية" تابعة لشركة وطنية المملوكة للجيش. 

وفي 26 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلنت شركة القناة للإنشاءات البحرية بمحافظة بورسعيد، التابعة لهيئة قناة السويس، أنها دشنت مركبي صيد وطنية 11 و12 بالمشروع الذي أطلقه  السيسي، لإنشاء 100 مركب صيد ضمن أسطول مراكب الصيد المصري، ما قضى على أي فرصة ممكنة لهؤلاء الصيادين أن ينافسوا أو يوجدوا في منطقة يعمل فيها أسطول تابع للجيش. 

ونشر أحد الصيادين شكواه على مواقع التواصل الاجتماعي وفيها: "والله العظيم احنا بنعاني من الجوع والعطل.. احنا أكبر أسطول صيد فى الشرق الأوسط. القوات البحرية قافلين البحر والدولة فرضت علينا ضرائب وتأمينات ملهاش لازمة، والجاز بقى أغلى من الدولي والمراكب واقفين والبحارة مش لاقيين ثمن رغيف العيش ولا أصحاب السفن لاقين حتى فلوس الضرائب المفروضة عليهم .. احنا بنموت".

جرين لاند 

يد الجنرال لم تقف عند ملاك الأراضي الزراعية، أو مجموعة الصيادين الكادحين في عزبة البرج، بل طالت طبقات أخرى من المجتمع، ووصلت إلى المنتجعات والنوادي الترفيهية.

ففي 14 سبتمبر/ أيلول 2020، سادت حالة من الغضب والاستياء لدى أعضاء نادى جرين لاند الرياضى التابع لوزارة السياحة ومقره المنتزه شرق محافظة الإسكندرية، بعد إعلان شركة المنتزه غلق النادي نهائيا اعتبارا من 30 سبتمبر/ أيلول 2020.

وقررت شركة المنتزه للسياحة والاستثمار رد نسبة من المبالغ المالية للأعضاء المشتركين بالنادى منذ 2011 وحتى عام 2020 فقط، ولم تحدد النسبة من سعر العضوية الذى سيتم رده للعضو.

وكتب حساب باسم "تميم الداري" على "فيسبوك" قائلا: "نادي اسمه جرين لاند في إسكندرية في المعمورة اشتراكه 140 ألف وهو نادي  اجتماعي زي باقي الأندية الخاصة.. شوية ضباط عجبهم المكان راحوا عاوزين ياخدوه ويردموه ويحولوه لفيلل وعمارات بالعافية.. والناس معتصمة هناك". 

وجاء قرار مسؤولي شركة المنتزه للسياحة والاستثمار بغلق النادي، الذي تم تنفيذه بالفعل يوم 28 سبتمبر/ أيلول 2020، نظرا لبدء أعمال تطوير منطقة المنتزه، وذلك بعد صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 481 لسنة 2020، بتاريخ 6 سبتمبر/أيلول 2020، الذى ينص فى مادته الأولى على انتهاء تولي وزارة السياحة مسؤولية الإدارة والاستغلال المؤقت لمنطقة قصر المنتزه، وتسليم المنطقة إلى رئاسة الجمهورية.

وقد طالب مجموعة أعضاء بالنادي بتفويض أحد القانونيين برفع دعوى تعويض يتضامن من خلالها جميع الأعضاء، خاصة وأن الشركة قررت إنهاء علاقة الأعضاء بالنادي بشكل نهائي، ما يسلب جميع حقوقهم المادية والأدبية. 

لا مفر 

الصحفي المصري محمد مجدي يرى أنه "لا مفر من إعادة صياغة العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة، هناك خلل عميق في تلك الجزئية، فالنظام يستثني الإنسان على حساب الإصلاح، والإنسان مقدم كأولوية على كل شيء، لأن هدف الدولة والحكومة والحياة عموما حفظ المواطنين أولا، ثم تأتي بعد ذلك كافة المتطلبات". 

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "إذا استمرت عجلة النظام في سحق المواطنين بهذه الطريقة، فسنكون أمام ثورة جياع، أو انتفاضة أشبه بما حدث عام 1977 أو ثورة 25 يناير، لأن ما يحدث يمثل استفزازا لكل شرائح المجتمع، بعيدا عن الخلافات السياسية، أو عداء النظام لجماعة معينة أو أحزاب محددة، فالأمر تجاوز تلك الحالة منذ فترة". 

وأورد: "أبسط حقوق المواطن داخل الدولة هو حق الملكية الخاصة، ما اشتراه الإنسان من ماله الخاص، أو ورثه عن أجداده، فلن يتحمل أن يضيع هباء وفقا لسياسات تم إقرارها بين ليلة وضحاها".

ويعتقد أنه "إذا أرادت المنظومة الحاكمة إصلاح أخطاء سابقة ارتكبتها أيضا أجهزة الدولة، فإن المواطن بمعزل عنها، لأن المواطن قبل الدولة وقبل أنظمة الحكم نفسها، فلا يمكن إذا أن يكون هو نفسه الحلقة الأضعف، وأن يدفع ثمن أخطاء سابقة". 

ومن جهة أخرى فهناك إشكاليات أكبر تولد من السياسات القائمة، وتؤثر على مستقبل الدولة، وهي أزمة الثقة بين المواطن وحكومته، وفق مجدي.

ويتساءل: كيف يمكن لمواطن أن يثق في حكومة تسلبه ملكيته؟ أو يستثمر لدى نظام يمكن أن يهدر أمواله؟ ولا بد أن يتبادر إلى ذهنه سؤال من الذي سيحميه إذا ضاع حقه؟ وهي أطروحات مشروعة لا بد أن تستوعبها الدولة وتضعها في الحسبان أمام كل خطة أو قرار بنزع ملكية أو تحديد نشاط لمجموعة من المواطنين.