المغرب يقترب من الصين ويعطي ظهره لأميركا.. ما علاقة ملف الصحراء؟

مهدي القاسمي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أجرى ملك المغرب محمد السادس في 31 من أغسطس/ آب 2020، مباحثات هاتفية مع رئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، تطرقت لتطوير العلاقات الثنائية في جميع المجالات، وخاصة الحوار السياسي، والتعاون الاقتصادي والمبادلات الثقافية والإنسانية.

الخبر يمكن اعتباره عاديا لو أعلنت عنه وزارة الخارجية المغربية أو وسائل الإعلام الرسمية، لكن إصدار الديوان الملكي لبيان تفصيلي حول المباحثات كان مؤشرا على فهم جديد للعلاقات بين البلدين، بل ذهبت بعض التحليلات إلى حد اعتباره إمكانية لإعادة بناء العلاقات الخارجية المغربية.

في مقال تحليلي نشرته صحيفة "الأسبوع" المغربية، في الأسبوع الأول من سبتمبر/ أيلول 2020، اعتبر الكاتب أن "التوجه الملكي نحو الصين، صمام أمان للمرحلة"، وعزز صاحب التحليل فكرته بالقول: إن "الصينيين أكدوا تقديرهم للملك المغربي في فرص عديدة".

"الأمان" الذي تحدث عنه التحليل يتعلق بقضية المغرب الأولى وهي الصحراء الغربية، المتنازع عليها مع "جبهة البوليساريو" المدعومة من طرف الجزائر، والتي يسعى المغرب إلى حشد الدعم الدولي حولها لتعزيز شرعيته عليها.

تشكل الصين إحدى أهم الدول التي تحرص الماكينة الدبلوماسية المغربية على تحول موقفها من الحياد إلى الاصطفاف. فهل نجح المغرب بالفعل في جعل الصين تأخذ صفه؟ وهل يأتي هذا التحول على حساب علاقة المملكة مع أميركا التي لا تجتمع مع غريمتها على نفس الطرف؟.

عدم الانحياز

في مايو/ أيار 2018 امتنعت الصين مع كل من روسيا وإثيوبيا، عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على إنهاء وجود بعثة "المينورسو" الأممية لحفظ السلام ومراقبة تحركات القوات الموجودة في الصحراء، بهدف  الضغط على كل من المغرب وجبهة البوليساريو لبدء مفاوضات سياسية.

وُصف الامتناع بالمفاجأة غير السارة للمغرب في الوقت الذي كان يجري فيه الحديث عن علاقات متميزة بين البلدين. لكنه كان بمثابة جرس إنذار جعل المغرب يتحرك بنجاعة أكبر للظفر باعتراف العضو المؤسس للأمم المتحدة وواحدة من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

تبنت الصين دائما موقفا وسطا في نزاع الصحراء، ورجح الكاتب المغربي حسين مجدوبي في مقال له بصحيفة "القدس العربي" في 2 مايو/آيار 2018، تعليقا على الامتناع، بأن يكون اتخاذ هذا الموقف قد جاء في إطار عودة الحرب الباردة بين الصين وروسيا في مواجهة الغرب، لينعكس بقوة على ملف الصحراء الغربية.

وفي كتابه "الصين في العلاقات الدولية.. دراسة في البراغماتية الصينية" قال الباحث وأستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، ميمون مدهون: "قضية الوحدة الترابية بامتداداتها المرتبطة بالسيادة والشرعية تمثل إحدى القواسم المشتركة بين المغرب والصين".

لكن دكتور التاريخ أشار إلى أنه إذا كانت مواقف المغرب واضحة وصريحة ترتكز على قناعات مبدئية تجاه قضايا الوحدة الترابية بالنسبة للصين، فإن الأخيرة تتخذ موقفا محايدا إزاء قضية الصحراء التي تشكل حجر الزاوية بالنسبة لسياسة المغرب الخارجية، وأحد ثوابت دبلوماسيته.

موقف ثابت

من جهة أخرى، يشير المؤرخ في كتابه، أنه حينما قبلت منظمة الوحدة الإفريقية في فبراير/ شباط 1982 عضوية "البوليساريو"، دافعت الصين عن ضرورة حل القضية عن طريق المشاورات السلمية بدلا من المواجهات العسكرية.

وأضاف: أنه "منذ إعلان الملك الحسن الثاني في 1981 موافقته على إجراء استفتاء في الأقاليم الصحراوية تحت رعاية منظمة الوحدة الإفريقية، انتهاء بمقترح الحكم الذاتي الذي أعلن عنه الملك محمد السادس في 2005، وعُرض على هيئة الأمم في 2007، لم يُسجِّل الموقف الصيني أي تطور أو تحول".

نأت الصين بنفسها عن أي انزلاق في الملف، يقول الكاتب: "وتخندقت وراء ضرورة احترام الشرعية الدولية لإيجاد حل سلمي للقضية عن طريق المشاورات السياسية بين الأطراف المعنية، محافظة بذلك على موقف محايد يرفض تأييد طرفي النزاع، بل إنها لم تُدِن جبهة البوليساريو كما لم تسمح لممثليها بزيارة أراضيها".

وخلص المتخصص في العلاقات الخارجية الصينية في كتابه، إلى أن المحاولات المغربية المتعددة "لم تنجح في انتزاع موقف واضح من الصين، التي لم يتجاوز موقفها مستوى التفهم".

في يونيو/ حزيران 2020 انعقدت القمة الصينية الإفريقية عن بعد، بين الرئيس الصيني وعدد من الزعماء الأفارقة، لتدارس ومناقشة التضامن ضد فيروس "كوفيد 19" دون أي إشارة إلى جبهة البوليساريو، على غير العادة، ما اعتبره الإعلام المغربي "انتصارا".

وألمحت صحف مغربية إلى عدم إدراج الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الجبهة في مناقشات القمة، مشيرة إلى أن الجزائر كانت تنزل بكل ضغطها في العديد من القمم واللقاءات الدولية لإشراك البوليساريو.

شريك مهم

وبالموازاة مع تشبثها بالشرعية الدولية والبحث عن حل سلمي لملف الصحراء، بلورت بكين خطابا يعكس ضمنيا البعد الاقتصادي لعلاقاتها مع دول شمال إفريقيا من خلال حرصها على التأكيد على أن عدم إيجاد حل لملف الصحراء يرهن المنطقة بكاملها، ويعطل اندماجها الاقتصادي.

وفي أغسطس/ آب 2020، أكد عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانج يي، أهمية تعزيز التعاون مع المغرب، واتفق مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، على تعزيز التعاون بين البلدين في الحرب ضد وباء كورونا من أجل "استئناف العمل والإنتاج".

عدد السياح الصينيين بالمغرب يقدر بحوالي 150 ألف سائح سنويا، فيما تبلغ حصة المغرب من صادرات الشاي الصينية حوالي 70 ألف طن سنويا، ما يمثل 25 في المائة من إجمالي صادرات الصين من هذه الشاي.

بسبب كورونا سجل نقص في أجهزة البث والإرسال والأجهزة الإلكترونية التي يستوردها المغرب من الصين، وتتصدر قائمة الواردات المغربية بأزيد من ملياري درهم، متبوعة بالشاي ومشتقاته بـ1.41 مليار درهم، والنسيج بـ1.32 مليار درهم، (1 درهم مغربي = 9.18 دولار).

وفي المقابل، يصدر المغرب إلى الصين، على الخصوص، معادن الرصاص والزنك والنحاس (1.24 مليار درهم)، والمنتجات الآزوتية والأسمدة (348.09 مليون درهم)، والأسماك المجمدة (166.62 مليون درهم).

ومن شأن توقف المعاملات التجارية بين البلدين أن يفاقم العجز التجاري للمغرب، حيث بلغت الصادرات للصين 2.5 مليار درهم عام 2018، فيما استوردت منها ما قيمته الإجمالية 47 مليار درهم، وهو ما يشكل عجزا قدره 44.5 مليار درهم في ميزان المملكة التجاري.

براغماتية اقتصادية

منذ أن زار الملك محمد السادس الصين عام 2016، زادت الاستثمارات والتبادلات التجارية أيضا. وأضحت المنصة الأولى لميناء طنجة المتوسط في الشمال الميناء الأكبر للحاويات في إفريقيا، متجاوزا منافسيه بورسعيد (في مصر) وميناء ديربان (في جنوب إفريقيا).

وأفاد مقال نشره مركز بروكنجز للسياسات الخارجية، أن شركات مثل شركة الاتصالات العملاقة هواوي تخطط لتشييد مراكز لوجستية محلية في الميناء. كما أعلنت الرباط عن مشروع استثماري بقيمة 10 مليارات دولار يحمل اسم "مدينة محمد السادس طنجة تيك"، ومن المفترض أن يضم 200 مصنع في السنوات العشر القادمة، ليصبح المغرب بذلك المقر الصناعي الصيني الأكبر في القارة.

وفي ديسمبر/ أيلول 2019، أثار قرار المغرب منح الصين تشييد القطار السريع بين مدينتي مراكش وأكادير وسط البلاد قلق بعض الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة، بسبب أهميته المالية للبعض منها، وبسبب الاختراق الصيني لإفريقيا لأسباب جيوسياسية.

دراسة موسعة أصدرها معهد الدراسات الأمنية بإفريقيا (ISS) في مارس/ آذار 2019، أفادت بأنه نتيجة لسياسة "عدم المشروطية" التي تتبعها الصين، لجأت العديد من الدول الإفريقية إلى الترحيب بالصين كشريك اقتصادي مفضل.

وفي مقابل تقليل الفوائد المستحقة على القروض، اعتمدت الصين على شروط ضمانات القروض التي تمنحها، مستخدمة نظام المقايضة، بمعنى أنه مقابل رأس المال الاستثماري، تمنح بعض الدول الإفريقية الصين حصة ملكية في مشروعات البنية التحتية، أو تأمين القروض مقابل الحصول على مواردها الطبيعية كضمان.

المنافس الأميركي

في مايو/ أيار 2016، شهدت العلاقات بين الرباط وواشنطن، توترا على خلفية تقرير لوزارة الخارجية الأميركية، انتقد بشدة أوضاع حقوق الإنسان في المغرب، بتحدثه عن "استخدام أساليب تعذيب على يد قوات الأمن لانتزاع اعترافات بجرائم، إضافة إلى عدم وجود تحقيقات ومحاكمات للأفراد المتهمين بالتعذيب".

التقرير الأميركي قال أيضا: إن "أوضاع السجون المغربية سيئة، ولا تخضع للمعايير الدولية"، مضيفا: أن "الحكومة (المغربية) تستخدم قوانين لتقييد منظمات حقوق الإنسان المستقلة والصحافة ووسائل الإعلام".

استدعى وزير الخارجية المغربي السابق، صلاح الدين مزوار، حينها السفير الأميركي السابق، دوايت بوش، وأبلغه احتجاج الرباط على ما اعتبرته الخارجية المغربية "مضمونا افترائيا لتقرير حول حقوق الإنسان"، و"مزاعم خطيرة" تعطي الانطباع بأن المؤسسات المغربية لا تقوم بمهامها.

لم يكن حظ الاتحاد الأوروبي مع غضب الرباط، أقل من واشنطن، بل كان أشد، ووصل في 25 فبراير/ شباط 2020، حد "وقف الاتصال" مع مؤسسات الاتحاد، بسبب إصدار المحكمة الأوروبية (الدرجة الابتدائية) قرارا بالإلغاء الجزئي لاتفاقية تبادل المنتجات الزراعية بين الجانبين، بسبب تضمنها منتجات إقليم الصحراء المتنازع عليه.

في السنة والشهر نفسه سعت الدبلوماسية المغربية إلى توسيع دائرة حلفائها من الدول الكبرى، لاسيما الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، ومن بينهم الصين، بهدف "التنويع"، و"عدم الاقتصار على الحلفاء التقليديين، خصوصا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج العربي".

زيارة العاهل المغربي محمد السادس لبكين، سبقها بعشرة أيام تصريح لوزارة التجارة الخارجية المغربية، قالت فيه: إن الصين اقترحت على المغرب توقيع اتفاقية التبادل التجاري الحر بين البلدين.

وبحسب تحليل الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، خالد يايموت، في حديث للأناضول، كان المغرب محكوما في تحولات دبلوماسيته حينذاك، "بهاجس وحدته الترابية (قضية الصحراء)".

أيضا "حاول خلق مصالح إستراتيجية دائمة ومشتركة مع الصين وروسيا، تجعلهما من الدول المساندة في مجلس الأمن الدولي لحل الحكم الذاتي، الذي يقترحه المغرب لحل نزاع الصحراء"، بينما تدعو جبهة "البوليساريو"، مدعومة من الجزائر، إلى استفتاء لتقرير مصير الإقليم، برعاية الأمم المتحدة.

خلص المتخصص إلى أنه في الوقت الذي شهدت فيه علاقات المغرب وحليفيه التقليديين، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، توترات دبلوماسية، اختارت المملكة تعزيز علاقتها مع روسيا والصين ودول شرق آسيا، دون أن يعني ذلك، ولاعتبارات تاريخية وجيوإستراتيجية واقتصادية، رغبة مغربية في خسارة واشنطن وبروكسل.