رغم الإفراج عن معتقلي طالبان.. هذه التحديات تواجه محادثات أفغانستان

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن أزمة المعتقلين الأفغانيين في طريقها للحل بعد أن أعلنت الحكومة في 5 سبتمبر/أيلول 2020، استعدادها للإفراج عن جميع معتقلي حركة طالبان، ما يمهد الطريق لإجراء محادثات سلام بين الجانبين في العاصمة القطرية الدوحة.

يأتي هذا الإجراء في ظل تساؤل كثيرين حول المدى الذي ستسهم فيه هذه الخطوة بنجاح المحادثات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان المزمع انعقادها في الدوحة خلال الأيام القادمة.

حركة طالبان كانت قد رفضت القبول بالانخراط بأي محادثات سلام مع السلطات الأفغانية إلا بعد الإفراج عن جميع معتقليها في السجون.

إفراج وتحفظ

في 3 سبتمبر/أيلول 2020، وغرد الناطق باسم مجلس الأمن القومي التابع للحكومة الأفغانية جاويد فيصل على تويتر، معلنا استكمال إطلاق سراح بقية سجناء حركة طالبان باستثناء 7 منهم يتحفظ الشركاء الدوليون (فرنسا وأستراليا) بشأنهم.

وقال فيصل: إن الحكومة استقبلت مجموعة القوات الخاصة الأفغانية "الكوماندوز" التي كانت طالبان احتجزتهم كرهائن، حسبما نقلت قناة "طلوع نيوز" المحلية.

وأضاف فيصل أن ذلك تم بعد إطلاق الحكومة سراح السجناء المتبقين البالغ عددهم 400، باستثناء السبعة التي أثار الحلفاء تحفظات حولها. الجهود الدبلوماسية مستمرة ونتوقع أن تبدأ المحادثات المباشرة على الفور".

وفي السياق ذاته، نقلت القناة عن مصادر مقربة من طالبان، لم تسمها، قولها: إنه "تم إطلاق سراح 5000 سجين باستثناء سبعة، كانت الدول الأجنبية حثت الحكومة الأفغانية على عدم إطلاق سراحهم بشكل مباشر لارتكابهم جرائم خطيرة".

وفي 29 فبراير/شباط 2020، شهدت العاصمة القطرية الدوحة، اتفاقا بين الولايات المتحدة و"طالبان" يُمهد الطريق، وفق جدول زمني، لانسحاب أميركي على نحو تدريجي من أفغانستان، وتبادل الأسرى.

ونص الاتفاق على إطلاق سراح حوالي 5 آلاف من سجناء طالبان، مقابل نحو 1000 أسير من الحكومة الأفغانية.

وتعاني أفغانستان حربا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2001، حين أطاح تحالف عسكري دولي بحكم طالبان، لارتباطها آنذاك بتنظيم القاعدة، الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، في الولايات المتحدة.
 

تحديات كبرى

في واقع الأمر، فإن الإفراج عن جميع معتقلي حركة طالبان، وإن كان يتوقع أن ينعكس بشكل إيجابي على أجواء المحادثات، إلا أنه يأتي كإجراء من إجراءات بناء الثقة، وليس بالضرورة أن يفضي إلى نجاح المحادثات والاتفاق على القضايا المطروحة.

المحادثات بين الجانبين تحوي ملفات كثيرة ومعقدة، منها وقف دائم لإطلاق النار في عموم البلاد، وسبل إدارة الدولة مستقبلا، ومشاركة طالبان في الحكومة، وتقاسم السلطة، كما تشمل المحادثات نقاشات حول التعديلات الدستورية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة.

هذه الملفات تمثل تحديا كبيرا للجانبين، وهو ما أكدته صحيفة لوموند الفرنسية في تقريرها المنشور في مارس/آذار 2020، مشيرة إلى أن العقبات التي تواجه الطرفين عديدة، فالحكومة الأفغانية تخشى من تقليص امتيازاتها عندما يتعين لها التفاوض مع طالبان أو إشراكها في الحكم.

علاوة على ذلك، فإن الدول الغربية تظهر قلقها من رؤية طالبان لمسألة الحقوق والحريات، نظرا للفجوة الكبيرة في تصورات كل طرف.

نائب زعيم حركة طالبان سراج الدين حقاني أكد في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن الحركة في حال تمكنت من المشاركة في الحكم ستنطلق من منطلقات إسلامية في مسألة الحقوق والحريات.

حقاني قال: "سنجد معا طريقة لبناء نظام إسلامي يتمتع فيه جميع الأفغان بحقوق متساوية، حيث حقوق المرأة التي يمنحها الإسلام ويكفلها، من الحق في التعليم إلى الحق في العمل، وحيث تكون الجدارة هي أساس تكافؤ الفرص". 

وأضاف حقاني في المقال المنشور 20 فبراير/شباط 2020: "سنبقى ملتزمين بجميع الاتفاقيات الدولية ما دامت متوافقة مع مبادئ الإسلام، ونتوقع من الدول الأخرى احترام سيادة واستقرار بلادنا واعتبارها أرضية للتعاون بدلا من المنافسة والصراع".

ومع أن تلك التصريحات من أجل تطمين المجتمع الدولي، إلا أن التصور الإسلامي لمسألة الحقوق والحريات، والانطلاق منه في عقد الاتفاقيات والقبول بها، كان فيما يبدو مقلقا للدول الغربية التي تدعم الرئيس الأفغاني أشرف غني.

القوات الأميركية

يكمن التحدي الأكبر في الوجود الأميركي المسلح في أفغانستان، وطريقة تعاطي الجانبين مع هذا الوجود، فطالبان تعتبر القوات الأميركية عدوا، وتطالب برحيلها بشكل كامل، في حين ترى الحكومة الأفغانية ذلك الوجود شراكة تسهم بإرساء السلام في أفغانستان.

وحسب صحيفة لوموند فإن العقبة الكبرى تتعلق بوجود جنود أميركيين على الأراضي الأفغانية، وهو شرط تتمسك به طالبان، لكنه في ذات الوقت أمر بعيد المنال.

صحيفة لوفيغارو الفرنسية ذكرت أن الاتفاق الذي وقع في 29 فبراير/شباط 2020، بين واشنطن وحركة طالبان في الدوحة نص على انسحاب تدريجي للقوات الأميركية، خلال أقل من عام، شريطة أن تمنح واشنطن ضمانات من قبل طالبان بعدم تحول البلد إلى بؤرة للإرهاب الدولي.

وبالفعل، خفضت واشنطن من قواتها في أفغانستان، حيث سحبت منذ 9 مارس/آذار وحتى 13 يوليو/تموز 2020، نحو 4 آلاف جندي من 5 قواعد عسكرية، لينخفض الوجود الأميركي من 12 ألفا إلى نحو 8 آلاف جندي، وقضى الاتفاق بسحب بقية القوات بحلول مايو/أيار 2021.

وكالة أسوشيتد برس الأميركية في 15 يوليو/تموز 2020، نقلت عن كبير المتحدثين باسم البنتاغون، جوناثان هوفمان، قوله: إن "القوات الأميركية في أفغانستان لا تزال عند حوالي 8000، وقد تم تسليم 5 قواعد كانت تستخدمها القوات الأميركية، إلى شركائنا الأفغان، وفاء لتعهدها بموجب الاتفاق الموقع بين الولايات المتحدة وطالبان، أواخر فبراير/شباط 2020".

حركة طالبان رحبت بذلك الانسحاب، وتطلعت إلى الإيفاء بالتعهدات حتى انسحاب بقية الجنود الأميركيين، ونقلت وكالة "شمشاد" الأفغانية عن متحدث طالبان، ذبيح الله مجاهد، قوله في بيان: "الحركة ترحب بإعلان انسحاب القوات الأميركية من 5 قواعد عسكرية، وتتطلع إلى الإيفاء بالتعهد وسحب القوات بشكل كامل".

ومع أن الولايات المتحدة قد بدأت سحب قواتها، إلا أن البعض يشكك في وفاء ترامب بالتزاماته بسحب الجنود بشكل كامل، إثر تأكيده في قمة دافوس الاقتصادية التي عقدت 21 يناير/كانون الثاني 2020، أنه سيترك قوة أميركية لمكافحة الإرهاب في البلاد، بغض النظر عن طبيعة الاتفاقات التي يتوصل إليها الطرفان (الحكومة الأفغانية وحركة طالبان).

الجدير بالإشارة أن بقاء جنود أميركيين في أفغانستان لن يتسبب بتوتر الوضع بين طالبان وواشنطن فحسب، بل سيتسبب بالإضافة إلى ذلك بتوتر العلاقات بين الحكومة الأفغانية وطالبان، وهو الأمر الذي قد يهدد بانهيار المفاوضات أو يحكم عليها بالفشل.

فرص الحل

ومع كل تلك التحديات والعقبات التي تجعل من الاتفاق الكلي أمرا مستبعدا، ويرجح فكرة الاتفاق الجزئي، إلا أن مسؤولين أفغان لا يستبعدون نجاح المحادثات، لكنهم يؤكدون أنها تتطلب وقتا وجهدا والتزاما من الجانبين.

السفير الأفغاني السابق في السعودية سيد جلال كريم، أكد أنه لن تكون هناك مشكلة مستقبلا، إذا تم تقديم تنازلات من قبل الطرفين المتفاوضين.

وأضاف كريم في تصريح نقلته صحيفة الأهرام المصرية في مايو/أيار 2020، أن هناك نوعا من الإجماع الإقليمي بخصوص مشاركة طالبان في الحكم، مؤكدا أن هذا الإجماع سوف يسهم بالتوصل لحل.

وأضاف أن الإجماع حول مشاركة طالبان يعني التفاوض حول التعديلات الدستورية ومكافحة الفساد وكذلك لجنة الانتخابات.

يؤيد ذلك الاتجاه ما ذهب إليه نائب زعيم حركة طالبان سراج الدين حقاني في مقاله على صحيفة نيويورك تايمز بقوله: "لا يمكن للسلام أن يأتي دون تنازلات متبادلة. عندما ألغى الرئيس ترامب المحادثات، أبقينا باب السلام مفتوحا، لأننا نحن الأفغان نعاني أكثر من غيرنا من استمرار الحرب".

وأضاف حقاني: "نحن على دراية بالمخاوف والأسئلة داخل وخارج أفغانستان، حول نوع الحكومة التي ستتولى لدينا بعد انسحاب القوات الأجنبية، وردي على هذه المخاوف هو أننا سنعتمد على توافق الآراء بين الأفغان".

وتابع: "لا ينبغي أن ندع لمخاوفنا أن تقف في طريق إجراء مناقشة ومداولات حقيقية خالية لأول مرة من الهيمنة والتدخل الأجنبي، ونحن ملتزمون بالعمل مع الأطراف الأخرى، بطريقة استشارية من الاحترام الحقيقي، وذلك للاتفاق على نظام سياسي جديد وشامل ينعكس فيه صوت كل أفغاني ولا يشعر فيه أي أفغاني بأنه مستبعد".