عبدالعزيز المقالح.. أديب وشاعر يمني حلم بوطن شامخ وغادره ممزقا

صنعاء - الاستقلال | a year ago

12

طباعة

مشاركة

بعد مسيرة طويلة من الكتابة والإبداع، توفي في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، الأديب اليمني عبد العزيز المقالح، أبرز شعراء اليمن في العصر الحديث عن عمر ناهز 84 عاما.

ونعى عدد كبير من الكتاب والناشطين اليمنيين والعرب على منصات التواصل الاجتماعي "المقالح"، الذي توفي في العاصمة اليمنية صنعاء بعد صراع مع المرض، إذ كان يعاني منذ سنوات من التهاب بالصدر.

تولى عدة مناصب أكاديمية مهمة، إذ ترأس جامعة صنعاء خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وشهدت الجامعة في عهده طفرة علمية وثقافية غير معهودة.

ويعد المقالح أديبا وشاعرا وناقد وثائرا ومؤلفا، وله أكثر من 26 ديوانا ومؤلفا أدبيا ونقديا وفكريا، وصدرت دراسات بعدة لغات تناولت أعماله.

النشأة والتكوين

ولد عبد العزيز المقالح في عام 1937 بقرية المقالح في محافظة إب الخضراء وسط اليمن، وتلقى تعليمه الأولي هناك.

قضى طفولته في قرية "الصول" مسقط رأس والدته، في محافظة إب، قبل أن ينتقل إلى صنعاء التي كانت خاضعة حينها تحت حكم إمامي وبيئة مقيدة للإبداع.

وفي صنعاء درس على عدد من العلماء والأدباء وتخرج في دار المعلمين في صنعاء عام 1960، وواصل تعليمه حتى حصل على الشهادة الجامعية في عام 1973.

ثم انتقل إلى مصر ومنها حصل على شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة عين شمس عام 1973، ثم الدكتوراه من نفس الجامعة عام 1977.

وحصل المقالح على الأستاذية عام 1987، وعمل أستاذا للأدب في جامعة صنعاء ورأس الجامعة منذ عام 1982 وحتى عام 2001.

والمقالح صديق للكتاب منذ سنوات طفولته الأولى، حيث كان يحب القراءة، وتجلى ذلك من خلال اعتكافه في مكتبة والده التي كانت بالنسبة له حديقة ثرية متنوعة الزهر والثمار.

وكانت تلك الكتب، خاصة الأدبية منها، هي التكوين المعرفي الأول الذي صاغ وجدانه وصلصل أفكاره الأولى ووجه بوصلته الفكرية نحو الأدب والشعر.

وروى المقالح تلك التجربة في "كتاب القرية" الذي ألفه بعد نحو 6 عقود من مغادرته قريته، بالقول: "أتذكر أن من بين هذه الكتب (مقامات بديع الزمان الهمداني)، و(مقامات الحريري) وبعضا من كتب الجاحظ".

ويضيف: إلى جانب كتب السير الشعبية، وكان أهمها بالنسبة لي سيرة (سيف بن ذي يزن) التي امتلكت مشاعري الغضة في وقت مبكر، وتجلت آثارها فيّ لاحقا في ديوان (رسالة إلى سيف بن ذي يزن).

ويتابع: وزادت الصلة بيني وبين الكتاب عبر مراحل الدراسة غير المنتظمة، ثم الدراسة المنتظمة التي بدأت في الجامعة وما تلاها من مراحل الدراسات العليا.

رؤية ثاقبة

وأسس المقالح العديد من الكليات، ونهج سياسة الانفتاح على الجامعات العربية، فاستقدم أبرز الشخصيات الأكاديمية واستفاد منها في تطوير أداء جامعة صنعاء ومناهجها.

فضلا عن عمله كأستاذ للأدب والنقد الحديث في كلية الآداب بجامعة صنعاء.

كما رأس المقالح مركز الدراسات والبحوث الذي تأسس عام 1972، وعزز مهمة المركز بتوثيق كل ما يتعلق باليمن من علم وأدب وفكر وتراث.

كذلك وسع من مهام المركز ليتولى مسؤولية صيانة الأعمال الفكرية والأدبية من التلف والإهمال، بالإضافة إلى مهمة التحقيق العلمي وتدريب الباحثين على التحقيق.

كما شغل عضوية عدد من الكيانات الأدبية العربية، منها عضوية المجمع اللغوي في القاهرة، وعضو مؤسس للأكاديمية الدولية للشعر في إيطاليا.

بالإضافة إلى عضويته في المجمع اللغوي بدمشق، وعضوية مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت. 

ويوصف المقالح برائد القصيدة اليمنية المعاصرة، وتدين له أجيال من شعراء اليمن الشباب بالأبوة الرمزية، وله حضور واسع يتجاوز اليمن والوطن العربي، ولديه إسهامات أدبية كبيرة، بعضها كان موضوع دراسات أكاديمية وبحثية.

وخلال مسيرته نال المقالح جوائز وأوسمة عدة، وله مؤلفات شعرية وأدبية تصل إلى 30 عملا، فضلا عن الدراسات الصادرة عن مؤلفاته الشعرية، إضافة إلى مقالاته وأعمدته الصحفية في صحف رسمية وأهلية داخل اليمن وخارجه.

ومن أبرز الأوسمة التي نالها المقالح جائزة اللوتس التي يمنحها اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا، بالإضافة إلى جائزة الشارقة للفنون من الدرجة الأولى، وجائزة الفارس من الحكومة الفرنسية، وعدة جوائز أخرى.

وفي هذا الإطار، وقبل وفاته بأيام، احتفت مكتبة قطر الوطنية في 6 نوفمبر 2022 بالمقالح بمناسبة مرور أكثر من نصف قرن على نشر أول ديوان للشاعر اليمني.

وحمل الاحتفاء عنوان "عبد العزيز المقالح.. عمر من الإبداع والخيال".

وأكد الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية أن هذا الاحتفاء ينسجم مع اهتمام وحرص المكتبة "على الاحتفاء بالأدباء العرب الذين يمثلون مشاعل الثقافة العربية المضيئة".

وبحسب نقاد وأدباء، فإن المقالح بدأ أعماله الشعرية بالقصيدة العمودية شكلا والرومانسية مضمونا، ثم انتقل للمراوحة بين القصيدة الجديدة من حيث الشكل، وبين الواقعية الرومانسية من حيث الرؤية، وفي المرحلة الثالثة من تجربته اقترب من القصيدة الجديدة (التفعيلة/ النثرية) شكلا، الواقعية مضمونا.

وكان من أهم أعماله الشعرية ديوان "لا بد من صنعاء" الذي ألفه عام 1971، وفيه قصيدته الشهيرة "لا بد من صنعاء"، التي قال فيها: 

لا بد من صنعاء وإن طال السفر  
لا بد منها.. حبنا.. أشواقنا:
تدوي حوالينا: إلى أين المفر؟
إنا حملنا حزنها وجراحها
تحت الجفون فأورقت وأزكى الثمر
وبكل مقهى قد شربنا دمعها
الله ما أحلى الدموع وما أمر
وعلى المواويل الحزينة كم بكت
أعماقنا وتمزقت فوق الوتر
ولكم رقصنا في ليالي بؤسنا
رقص الطيور تخلعت عنها الشجر
صنعاء وإن أغفت على أحزانها
حينا وطال بها التبلد والخدر
سيثور في وجه الظلام صباحها
حتما ويغسل جدبها يوما مطر

رسائل خاصة

رغم حديث البعض عن تماهي المقالح مع نظام الرئيس الراحل عبد الله صالح، وخذلانه لثورة الشباب، إلا أن هذا لم يكن صحيحا.

فرغم أنه كان يعمل مستشارا ثقافيا لصالح ولم ينضم للشباب في ساحاتهم وفعالياتهم الثورية، لكنه كتب مقالات يفهم من خلالها بشكل واضح رفضه لنظام صالح وممارساته الدموية تجاه الثوار.

وكانت مقالاته التي تزامنت مع خروج الشباب إلى الساحات بمثابة رسائل خاصة للثوار أن "استمروا في طريقكم"، وفي صحيفة البيان الإماراتية كتب المقالح مقالا بعنوان "السيناريوهات المقبلة في اليمن" ونشرته الصحيفة في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2011.

المقالح قال في مقاله: "الآن وبعد هذا المسار المؤلم والتراجيدي تكتمل صورة الفشل والخيبة اللذين يلاحقان السلطة من خلال التدهور الاقتصادي غير المسبوق والعقاب الجماعي للمواطنين عبر قطع إمدادات الطاقة والغذاء والدواء والماء وانفلات الأسعار من عقالها ومعاناة ملايين المواطنين القابضين على جمر الصبر والخيار السلمي رغما عن ثقافة السلاح وتوفره بالترافق مع القدرة الناجزة لمقارعة أي قوة غاشمة".

ويضيف: "وعلى خط متصل، ظل الزخم الجماهيري اليومي مستمرا في ساحات الاعتصام في كافة المدن اليمنية وخاصة صنعاء وتعز وإب، كما أدار النظام سلسلة من الحروب والحرائق والاشتعالات في أبين وأرحب وتعز".

وكان الشباب يرددون في ساحات التغيير قصيدته المشهورة التي قال فيها: 

ذهبت مثلما أتيت..
ملعون المساء والنهار. 
أيامك الطوال عار. 
وعهدك القصير عار. 
أكبر منك نملة.
 أشهر منك ريشة على جدار.
 يا أمسنا الذبيح.
 يا فأرنا القبيح.
 يا قاتل الأطفال
 يا مهدم الحياة والديار.

وقوف المقالح مع ثورة الشباب كان امتدادا لنضاله الوطني في ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962 التي أسست لأول جمهورية في اليمن، وكان المقالح ضمن أبرز رموزها النضالية، وأحد معدي البيان الأول الذي أعلن تأسيس الجمهورية.

وفي يناير/ كانون الثاني 2018، انتشرت صورة للمقالح وهو يصافح صالح الصماد، الرجل الذي عينته جماعة الحوثي المسلحة رئيسا للمجلس السياسي التابع للحوثيين.

وكان الصماد قد زار المقالح في مكتبته، بغية الحصول على مكسب معنوي، وانتزاع اعتراف ضمني بجماعة الحوثي والتطبيع معهم من قامة أدبية كبيرة، وأحدثت تلك الصورة ردود أفعال متباينة.

بين من يلوم المقالح لتطبيعه العلاقة مع الحوثيين، وبين من يعذر الرجل الذي ناهز التسعين على عدم الحيلة تجاه جماعة تمكنت من الانقضاض على الدولة.

ومنذ أن ساء الوضع السياسي والاقتصادي في اليمن، أقام المقالح في صنعاء، ولم يخرج منها ولم يفارقها منذ نحو 10 سنوات، كأنما يستجيب لندائه الذي أطلقه قبل أكثر من 5 عقود "لا بد من صنعاء وإن طال السفر".

حزن ونعي

ومع انتشار أخبار وفاته، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي برسائل نعي المقالح ودعوات له بالرحمة والغفران.

وكتبت الناشطة اليمنية الحائز على جائزة نوبل توكل كرمان: "أعزي نفسي وأعزي الشعب اليمني بوفاة أحد رجالات اليمن الكبار ومبدعيها العظام، الشاعر والناقد والباحث الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح".

وأضافت عبر تويتر: لقد شكل المقالح حالة إبداعية استثنائية؟ لا في اليمن وحسب، ولكن على الصعيد العربي أيضا. عاش المقالح مهموما بالثقافة والأدب واليمن، رحمه الله.

من جانبه، قال الروائي عزت القمحاوي عبر تويتر: "كان من حق المُعلم عبدالعزيز المقالح أن يرحل عن يمن أفضل. لكن هكذا شاءت الأقدار. البقية في حياة كل مثقفي اليمن، بناتا وأبناء. إنا معكم لمحزونون".

فيما كتب الصحفي فيصل مكرم: "عاش حرا مناضلا لوطنه ولشعبه قداسة في وجدانه، ومات عزيزا وذو هامة سبأية، تاريخه حافل بصنوف الإبداع الذي عم الأصقاع، ولم يتخل عن صهوة جواده فارسا للكلمة وقائدا لفرسان الكلام وقامة للشعر والأدب لا يشق له غبار".

وشدد الإعلامي سمير النمري على أن "اليمن خسر اليوم أديبه الكبير وشاعره الأبرز الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته".