اللغة في مدارس المغرب.. جدل سياسي يشغل الشارع والبرلمان

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تزال اللغة العربية في المملكة المغربية تصارع من أجل احتلال موقعها الطبيعي كلغة رسمية في البلاد، آخر فصول هذا الصراع هو مشروع قانون لإصلاح التعليم في المملكة يقضي بفرنسة المواد العلمية بالمرحلتين الإعدادية والثانوية (البكالوريا).

وبعيدا عن القوانين، فإن الواقع الحالي في المغرب يقول بأن تدريس المواد العلمية في المدراس يتم بشكل اختياري لكل مدرسة على حدة بين اللغتين العربية والفرنسية.

لكن مشروع تعديل القانون المقترح أثار جدلا واسعا بين المغاربة انطلق من أروقة البرلمان إلى مجامع النخب والشارع، بين الداعين لـ"فرنسة" التعليم أو الإبقاء على التدريس باللغة العربية (طبقا للقانون الحالي) ولكل فريق حججه في انتظار حسم الخلاف من البرلمان.

القانون الجدلي

أقرّ مجلس الوزراء المغربي الذي يترأسه الملك محمد السادس، مشروع قانون رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، هذا القانون تطرّق في خطوطه العامة لإعادة تنظيم قطاع التعليم في المغرب من حيث التمويل والموارد وكذلك على مستوى المناهج.

ونص مشروع القانون على ضرورة إتقان المتعلم لغتين رسميتين، العربية والأمازيغية، وكذا اللغات الأجنبية، ولا سيما في التخصصات العلمية والتقنية والتي لازالت تدرّس باللغة العربية. 

المشروع انتقل إلى البرلمان ليحدث انقساما حاداً، إذ أيدته أحزاب الأصالة والمعاصرة، والتجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، في حين أكد حزبا العدالة والتنمية الحاكم والاستقلال المعارض دفاعهما عن اللغة العربية في مواجهة التعدد اللغوي، معتبرين أن عودة وزارة التربية الوطنية إلى اعتماد الفرنسية في تدريس المواد العلمية، ليس له أي أساس قانوني أو سند دستوري.

الغريب في الأمر أنه وقبل أن يصوت البرلمان على مشروع القانون وافق وزير التعليم حسن أمزازي على اعتماد تعليم الفرنسية في بعض المدارس، معلنا أن استخدامها في تدريس المواد العلمية "خيار لا رجعة عنه". 

تأويل للدستور

في 31 يناير/ كانون الثاني 2018، أصدرت محكمة الاستئناف بالرباط، قرارا مؤيدا للحكم الصادر عن المحكمة الإدارية في يونيو/حزيران 2017، والقاضي بعدم مشروعية استعمال اللغة الفرنسية من قبل الإدارة المغربية.

وتبعا لهذا الحكم، فإنه يجب على الإدارة المغربية وغيرها من المؤسسات العمومية والخاصة استعمال اللغة العربية في جميع معاملاتها.

ويدعم الحكم القضائي الجديد الذي نطقت به المحكمة الإدارية بالرباط، الفصل الخامس من الدستور المغربي، الذي يقرّ بأن "تظل العربية اللغة الرسمية للدولة". وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها. وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.

الجدل القديم

الجدل حول اللغات في المغرب ليس جديدا، فهو من جهة يتناول قضايا اللغات من حيث تداولها وكيفية تطويرها، ومن جهة أخرى يتّخذ طابعا قانونيا يناقش وضعيّة اللغات في المؤسّسات العمومية وخاصّة التعليمية منها.

لكن مؤخرا تحول الأمر إلى جدل سياسي يغذّيه واقع اجتماعي وثقافي وأيديولوجي مرتبط بالتنوّع الثقافي والعرقي في البلاد، فالجانب الإيديولوجي ظل لعشرات السنين طاغيا على هذا الجدل خصوصا بين المدافعين عن اللغة العربية والمروجين للفرانكوفونية، وكذلك الداعين إلى الاهتمام باللغة الأمازيغية واعتمادها لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية وهو ما تم إقراره في الدستور المغربي في العام 2011.

أنصار الانفتاح

حزب الأصالة والمعاصرة من أشد المدافعين على فرنسة التعليم باعتباره انفتاحا على لغات العلوم، وهاجم الحزب دعاة التعريب في بيانه الصادر 17 مارس/آذار 2019 إثر اجتماع مكتبه السياسي قائلا إن "النقاش الدائر تحول إلى استغلال سياسي وأيديولوجي، إذ جعل البعض من لغات التدريس فرصة للمزايدة السياسية، وتغليب منطق الانتماء الأيديولوجي، على حساب مصلحة الوطن وانتظارات المغاربة".

وهدد النائب البرلماني والقيادي بالحزب عبداللطيف وهبي، بأن فريق حزبه البرلماني قد ينسحب من جلسات البرلمان لحظة التصويت على مشروع القانون، إذا لم يتم فرض اللغة الفرنسية كلغة تدريس للمواد العلمية بالمدارس.

معارضة للمشروع

جاءت أولى المواقف المعارضة لفرنسة المواد العلمية من جماعة العدل والإحسان المعارضة (غير ممثّلة في البرلمان)، حيث اعتبرت في بيان لها أنّ مشروع القانون "لن ينتج نظاما تعليميا نراهن عليه لبناء الإنسان، لأنه لم ينسجم وهوية المجتمع ومقوماته ومقدراته، ولم يخضع لنقاش عمومي على مرأى ومسمع من الشعب، وهو المعني بمخرجاته أساسا".

وفي خضم الجدل الدائر حول لغة التدريس في المغرب عقد الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالرباط يومي 15 و16 مارس/ آذار 2019 ندوة بعنوان "اللغة العربية والسياسة التعليمية بالمغرب" بمشاركة ثلة من الباحثين والأكاديميين والفاعلين المدنيين والسياسيين لنقاش القوانين المعروضة على المؤسسة التشريعية.

المؤتمر ندد في بيانه الختامي "بمحاولات فرنسة المدرسة العمومية والتراجع عن المكتسبات التي راكمها المغرب بمزاعم وهمية وواهية قائمة على اختزال أزمة المدرسة المغربية في المسألة اللغوية ودون الاستناد إلى دراسات علمية موضوعية".

كما أكد الحضور رفضهم المطلق لمشروع القانون فيما يتعلق بلغة التدريس داعين كافة الفاعلين وخاصة الأحزاب الوطنية إلى "تحمل مسؤولياتها التاريخية في الوقوف أمام هذا المد الفرانكفوني الذي يتاجر بمقوم رئيس من مقومات الهوية والسيادة الوطنيتين".

ليست إصلاحا

كان من أبرز المشاركين في المؤتمر رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران الذي حظيت كلمته باهتمام واسع، حيث اعتبر أن اللغة العربية مستهدفة في حد ذاتها، مستدلّا على ذلك بالدعوة إلى التدريس بالدارجة المغربية، قائلا "تبنّي الأشخاص أنفسهم الداعين إلى التدريس بالدارجة (العامية المغربية) تدريسَ العلوم باللغة الفرنسية، يقصد به قطع الصلة بيننا وبين لغتنا الأم، وبضعف شديد يحول بيننا وبين تراثنا وبين محيطنا العربي الإسلامي".

كلمة بنكيران

بنكيران أكد أن تدريس العلوم بالفرنسية قد يتحوّل إلى مشكلة إضافية أمام الطلبة وقد تتسبب في انخفاض معدلات النجاح بامتحان البكالوريا (الثانوية العامة)، معتبرا أن "اللغة محايدة، والعلم ليس له دين أو لغة، بل يُدرّس بكل لغات العالم".

موضحا أن تدريس العلوم باللغة الفرنسية لا يعني إصلاح التعليم، "هناك دول إفريقية تدرّسها بالفرنسية، ولكنها ليست أحسن من المغرب، بينما هناك دول استبدلت اللغة الفرنسية بالإنجليزية ونجحت".

إرضاء الجميع

موقف بنكيران الحازم قوبل بموقف ليّن ومهادن من قبل خليفته على رأس الحكومة والأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية سعد الدين العثماني.

بدا موقف العثماني وكأنه يحاول مسك العصى من المنتصف لإرضاء الجميع، ففي نفس اليوم الذي حضر فيه مؤتمر اللغة العربية التقى بمسؤولي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وذهب في مساء اليوم ذاته، إلى اجتماع آخر للتيار الفرانكفوني.

وهو ما يترك الباب مفتوحا أمام كل التأويلات التي لن تحسم إلا بالموقف النهائي للكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية والتي يمكنها حسابيا مع كتلة حزب الاستقلال حسم هذا الجدل ديمقراطيا عبر المؤسسة التشريعية.