عمر خالص دمير.. ضابط ساهمت رصاصته في إنقاذ تركيا من الانقلاب

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"إنني أوكلك مهمة تاريخية باسم وطننا وأمتنا، العميد ترزي هو خائن للوطن وعاص، اقتله قبل الدخول للمقر، نهاية ما ستفعله هو الاستشهاد، أنت تعلم أننا كنا سويا لعشرين سنة، سامحني أرجوك".

كان هذا الأمر المباشر الذي أعطاه قائد القوات الخاصة التركية "زكائي أكسقالي" للضابط الأكثر ثقة لديه "عمر خالص دمير" للتصدي للانقلاب العسكري في تركيا يوم 15 يوليو/ تموز 2016. 

استقبل دمير أمر قائده، قائلا: "على الرحب والسعة يا سيدي، أسامحك، وأنتم أيضا سامحوني"، ثم توجه إلى العسكر الانقلابيين وقتل قائدهم، ليقتل بعدها في سبيل أمته. 

ما أقدم عليه عمر خالص دمير كان له أثر كبير في إفشال محاولة انقلاب 2016، فلو نجح الانقلابيون في السيطرة على مقر القوات الخاصة لكانوا حققوا إنجازا كبيرا وأعاقوا تحرك الجنود لدحر الانقلابيين، ولنفذوا عمليات اغتيال واسعة، وفق تقديرات تركية.

بعدها أضحى دمير رمزا وطنيا، وكانت صوره مرفوعة خلال أيام فعاليات "صون الديمقراطية" التي عاشتها تركيا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة.

كما أن اسم "الشهيد" عمر خالص دمير تردد في خطب السياسيين الأتراك، وتحول إلى أيقونة من أيقونات الجمهورية التركية الحديثة، وأصبح قبره أحد أهم المزارات لآلاف الأتراك تقديرا للبطولة التي قام بها لتحيا أمته.

الضابط التركي عمر خالص دمير واحد من 7 أبناء لحسن حسين خالص دمير، ولد في 4 مارس/ آذار 1974 في قرية "تشوكر كويو" القريبة من بلدة بُر في محافظة نييدة في مرتفعات وسط الأناضول الجنوبي بتركيا، لعائلة مسلمة.

قضى دمير طفولته في تشوكر كويو، وكان بعد الدراسة يعمل في رعي الأغنام، ثم تزوج من امرأة تدعى خديجة وله طفلان هما إليف نور ودوغان أرطغرل. 

التحق دمير بالقوات المسلحة التركية في عام 1999، من خلال مدرسة ضباط صف المشاة، وخدم في القوات المسلحة التركية داخل البلاد وخارجها، ومن البلدان التي خدم فيها أفغانستان. 

لحظة فارقة

جاءت اللحظة الحاسمة والأخيرة في حياة دمير، مع حلول ليلة 15 يوليو/تموز، وبداية الانقلاب العسكري في البلاد، ومع توجه فرقة عسكرية مدججة بالسلاح إلى مقر القوات الخاصة، رفض دمير الانصياع لأوامر الانقلابيين.

فعندما وصلت قواتهم بقيادة العميد الانقلابي سميح ترزي إلى مقر القوات الخاصة بمنطقة غولباشي بالعاصمة التركية أنقرة، طالبوا عمر بتسليم مقر القيادة، بصفته سكرتير قائد القوات الخاصة التركية، وهو ما رفضه بشكل قاطع.

ثم تطورت الأحداث سريعا، حيث اتصل دمير بقائد القوات الخاصة، الذي طالبه بالدفاع عن المقر وعدم تسليمه، فلم يتردد دمير، وأخرج سلاحه فورا، وأطلق رصاصة قاتلة على العميد الانقلابي فأرداه قتيلا، قبل أن يلقى المصير نفسه على يد رفاق ترزي، وبحسب المصادر التركية فإن جسده تلقى نحو ثلاثين رصاصة.

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر لحظة قتل عمر لترزي، وتبادله إطلاق الرصاص مع الانقلابيين، قبل أن يلقى حتفه.

وكما أوردت وسائل الإعلام التركية في روايتها عن الواقعة، فقد حمل الانقلابيون العميد ترزي إلى داخل مبنى القيادة، وتم جلب دمير المصاب إصابات بالغة إلى الحديقة أمام المبنى، وفي هذه الأثناء جاءت سيارة الإسعاف الموجودة في رئاسة القوات الخاصة، ولكن لم يجر أي تدخل طبي لدمير بناء على تعليمات الانقلابيين.

 وعلى العكس، عندما قاموا بجس نبضه وعلموا أنه لم يمت وأنه تحمل 15 رصاصة، أطلقوا النار عليه مرات متعددة وهو ملقى على الأرض.

واتضح أن من قام بهذا هو الملازم أول الانقلابي "مهرالي أتماجا"، وفي هذه الأثناء أرجع الانقلابيون سيارة الإسعاف التي كانت تنتظر. 

ثم اتضح أن العساكر الانقلابيين نقلوا العميد ترزي إلى أكاديمية الطب العسكرية في "غُل هانه" وتركوا جثة خالص دمير ملقاة أمام المقر، وأما الجنرال الانقلابي فقد مات في المروحية قبل الوصول للمستشفى.

وبحسب الرواية الرسمية للدولة، وحديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عدة مناسبات، فإن ما أقدم عليه دمير كان له أثر كبير في إفشال محاولة الانقلاب.

وبعد أن استتبت الأوضاع الأمنية، جرى دفن دمير في اليوم التالي للانقلاب، بعد أن لف جثمانه بالعلم التركي، وحمل على أكتاف الجنود، وشيعه نحو 5 آلاف شخص في جنازة عسكرية مهيبة، وذلك بمسقط رأسه في قرية "تشوكور كويو" وسط الأناضول.

تكريم وثأر 

أصبح عمر خالص دمير، هو "الأيقونة" الحقيقية لبطولات التصدي لانقلاب 15 يوليو/ تموز 2016، ومع حلول كل ذكرى، يبدأ الأتراك بالتدفق لزيارة قبره في بلدة "تشوكور كويو"، ويقرؤون آيات من القرآن الكريم على روحه، وينثرون الورود على مرقده.

وتم إطلاق اسم دمير على عدة مؤسسات، منها جامعة نييده، ومدرسة ثانوية في منطقة اتيمسغوت بأنقرة، ومدرسة إعدادية في مقاطعة يونس إمره في مانيسا، ومدرسة ابتدائية في كهرمان مرعش، وكذلك إحدى مدارس الأناضول للأئمة والخطباء في إزمير، ومدرسة أئمة وخطباء في يني محلة بأنقرة، وأخرى محلها في جكمه كوي في إسطنبول.

وفي 19 أبريل/ نيسان 2018، حكمت محكمة تركية، بالسجن مدى الحياة على 18 شخصا أدينوا بقتل العسكري الذي يعتبر بطلا وطنيا وقد اعترف المتهمون بـ"القتل العمد" له وبـ"محاولة إسقاط النظام الدستوري"، في إشارة إلى الانقلاب.

وبذكر بطولات دمير، ومدى تأثيره في إفشال عملية الانقلاب، لا بد من إسقاط الضوء على القوات الخاصة نفسها، ولماذا كانت السيطرة عليها أمرا حاسما، وبسقوطها كانت الموازين ستنقلب في ذلك اليوم.

فالقوات الخاصة التركية تعد جزءا تابعا للقوات المسلحة إلا أن لها وضعا استثنائيا، فهي تتبع مباشرة رئيس الأركان، ولا تنتمي إلى قوات المشاة، ويتم اختيار قائدها وأفرادها بعناية شديدة.

وتتلقى هذه القوات تدريبات خاصة، ومن ضمن مهامها الحراسة الخاصة للشخصيات المهمة والبارزة في الدولة، لذلك فهي تتعامل وتختلط مع المسؤولين التنفيذيين في الحكومة والرئاسة.

والقوات الخاصة في الجيش التركي أنشئت عام 1992، لكن بعد صعود حزب العدالة والتنمية للحكم في عام 2002، بدأ اهتمام خاص بوضع تلك القوات، وأتاحت التعديلات التي أدخلت على الدستور، تقليص نفوذ قادة الجيش عليها، ما مكن السلطة التنفيذية من ربط ولاء القوات الخاصة بها، وأعطيت أمر قيادتها لرئيس الأركان مباشرة دون تصرف باقي القوات.

ومن ضمن شروط الالتحاق بها أن يكون العضو فيها يجيد لغة أجنبية غير التركية، للاستعانة به في العمليات الخارجية.

وكذلك يتلقى أعضاء القوات الخاصة تدريبات عن الحرب النفسية وإدارة الاستخبارات والتوصل إلى المعلومات، كما يجتازون تدريبات على الإسعافات الأولية وأساليب التخريب وتفكيك العبوات الناسفة والألغام، بالإضافة إلى تدريبات تأهيلية خارج تركيا في اللغات الأجنبية والعلاقات العامة وأساليب الحرب النفسية ودورات في الإدارة والقيادة.