برلماني جزائري لـ"الاستقلال": حان الوقت لخلع فرنسا من عقولنا
.jpg)
تغييرات سياسة وإستراتيجية تشهدها الجزائر، منذ انطلاق شرارة الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2019، واستقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بعد 20 عاما من الحكم، وتولي الرئيس عبد المجيد تبون خلفا له.
خارجيا حالة من الجمود تشوب العلاقات الجزائرية الفرنسية، إثر مطالبة الحراك بالقطيعة مع فرنسا، فيما اعتبر الرئيس تبون أن تقديم فرنسا اعتذارا كاملا عن فترة الاستعمار ضرورة لعودة العلاقات لنطاقها، وإن كان البعض قد اعتبر تسليم باريس عددا من جماجم شهداء الثورة الجزائرية خطوة على الطريق الصحيح.
كذلك يحيط بالجزائر حدود ملتهبة مع ليبيا التي تشهد صراعا متصاعدا منذ شهور طويلة، بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، واللواء الانقلابي المتمرد خليفة حفتر المدعوم من فرنسا وروسيا والإمارات ومصر.
كل هذه القضايا وغيرها كانت على مائدة الحوار الذي أجرته "الاستقلال" مع لخضر بن خلاف، النائب في البرلمان الجزائري، ورئيس مجلس الشورى في حزب جبهة العدالة والتنمية.
أبناء فرنسا
-
برأيك، هل مازالت هناك تدخلات فرنسية في السياسة الجزائرية؟
قبل الحراك الشعبي وقت أن كانت تحكم بلادنا العصابة، كانت فرنسا تعتبر الجزائر مقاطعة من مقاطعاتها وكانت تتدخل في كل كبيرة وصغيرة، والرئيس المخلوع (بوتفليقة) بعصابته كان لا يريد إحراج فرنسا ويطبق كل الأوامر التي تأتيه من هناك، وفرنسا المستفيد الأكبر من كل الصفقات وأموال الجزائر.
اليوم حان الوقت بعد الحراك المبارك، أن تبتعد فرنسا عن شؤوننا الداخلية، وأن نبعد فرنسا من داخلنا بإبعاد ثقافتها وحضارتها، وأن نبعد كذلك اللغة الفرنسية، ونطبق تعميم استخدام اللغة العربية التي يؤكدها الدستور في مادته الثالثة بأنها اللغة الرسمية والوطنية، لكن لا نجد لها أثرا في بعض الإدارات لأن أبناء فرنسا هنا ما زالوا يعيشون معها في عقولهم وثقافة وأفكار فرنسا.
-
لكن ماذا يمكن أن يقدمه حراك الشارع في هذا الملف، خاصة وأن هناك مطالب بالقطيعة مع فرنسا؟
يجب أن يستمر النضال والحراك ليبعد كل هذه الأمور من البلاد حتى تكون دولة مسلمة عربية وفق بيان أول نوفمبر الذي حرره الشهداء والذي بين معالم الدولة التي تقام بالجزائر، وهي دولة تتميز بأنها جمهورية ديمقراطية شعبية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية وهذا في الحقيقية ما يجب أن نقوم به.
علينا أن نقطع كل تدخل لفرنسا في شؤوننا الداخلية ويبقى التعامل مع العدو والمستعمر بالأمس تعامل الند للند في إطار المصلحة العامة التي تخدم الجزائر في شتى مجالاتها سواء السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، هذه هي ملامح العلاقة التي نريدها مستقبلا بعيدا عن الهيمنة الفرنسية وأذناب فرنسا والعصابة التي أوصلت البلاد إلى ما نحن عليه اليوم، والذي أقام دولة الفساد والاستبداد.
عودة الجماجم
-
كيف تابعتم عودة جماجم قادة الثورة الجزائرية من المتحف الفرنسي؟
موضوع الجماجم هو في الحقيقية كان موضوع نضالنا منذ 2013، تقدمنا للحكومات المتعاقبة التي كانت من قبل بأسئلة شفهية وكتابية، وكانت في كل مرة تعدنا بأنها تقوم بالواجب لاستقدام الجماجم التي كانت في أقبية متحف الإنسان بباريس، لكن تبين فيما بعد أنها كانت وعودا من حكومات العصابة التي أقامت دولة الاستبداد والفساد، وأوصلتنا إلى ما نعيشه اليوم.
عندما وجد الأمر من يتحرك له بجدية وتوفرت شروط جلب الجماجم فقد جيء بها بالفعل بمناسبة 5 يونيو/حزيران وهو عيد للاستقلال، ولأن مكانها ليس متحفا في باريس، لكن الأرض الطاهرة التي سقوها بدمائهم الزكية، ومكانها مقابر الشهداء هنا في الجزائر، ومن ثم اعتبرنا الخطوة بأنها كبيرة في إطار خطوات أخرى يجب أن تتخذ لتسترجع الجزائر سيادتها واستقلالها كاملا غير منقوص كما يريده الشهداء والمجاهدون.
-
هل هناك جماجم أخرى لا تزال تحتجزها فرنسا؟
استرجعنا 24 جمجمة فقط لشهداء المقاومة الأوائل، لكن المؤرخين والذين يملكون المعطيات في هذا الملف يقولون إن هناك مزيدا من الجماجم ما زالت موجودة في فرنسا تقدر بـ170 جمجمة، وهو ما يجب أن نواصل العمل من أجل استرجاع كل الجماجم هناك، ولا نترك جمجمة واحدة، أو رفاتا واحدا لشهيد تبقى في متاحف فرنسا لتتباهى بها في جرائمها الوحشية التي اقترفتها بحق الشعب الجزائري.
-
ماذا تبقى للجزائر لدى فرنسا بعد استرجاع الجماجم؟
بعد رجوع الجماجم لا زالت هناك ملفات مهمة، كاسترجاع الأرشيف الذي ما زال بحوزة باريس، ومعالجة الملف المتعلق بتجريم الاستعمار الفرنسي، وهذا القانون الذي تقدمنا به مرات عديدة في 2006 و2009 و2012، وكان يرفض من رؤساء البرلمان السابقين من رؤساء العصابة الذين لهم علاقة قوية مع فرنسا والذين لا يريدون إحراجها، واليوم نحن كنواب في البرلمان نرى أن الظرف موات لتمرير هذا القانون وقدمنا مشروع قانون وهو اليوم على مستوى مكتب المجلس (البرلمان) لينظر فيه ويقدمه للحكومة لكي تعطي رأيها فيه حسب الآجال القانونية المقدرة بشهرين.
ننتظر اليوم تمرير القانون المتعلق بتجريم الاستعمار كي تعترف فرنسا بجرائمها التي اقترفتها بحق الشعب الجزائري، ولا بد عليها من الاعتذار، وتقديم التعويضات اللازمة عن جرائمها، خاصة جرائم التفجيرات النووية التي وقعت بصحراء الجزائر.
البرلمان الفرنسي مجد الاستعمار بتمريره قانونا لذلك في 2005، فعلينا اليوم إذا أردنا استعادة سيادتنا أن نمرر القانون ردا على قانون تمجيد الاستعمار الفرنسي
-
هل احتجاز الجماجم يعتبر شاهدا على حقبة سوداء للاستعمار؟
فرنسا حجزت الجماجم منذ قرن ونصف، وهذا يبين بشاعة الدول التي تدعي احترام حقوق الإنسان، فهي تقتل الشهداء والمجاهدين وتنكل بجثثهم بالجزائر وتضعهم كمفخرة لها في متاحفها، هذا هو الوجه الحقيقي للاستعمار، الذي ترك ذيولا له في الجزائر ما زالوا يحافظون على مصالحها، وهو ما يرفضه الشعب الجزائري ويرفض الشرذمة التي ما زالت هنا، وعلى هذا الأساس يجب أن يمرر القانون الذي يجرم الاستعمار.
تعديل الدستور
-
ما رأيكم في المسودة المقترحة لتعديل الدستور والنقاشات حول أهم البنود المطروحة؟
بالفعل اللجنة المكلفة أعدت مسودة للدستور، لكن بعد إطلاعنا عليها للأسف الشديد، فهي لا تعبر بصدق عما ينتظره الشعب الجزائري الذي كان يعيش ثورة سلمية أبهرت العالم كله، فهو لا يعبر بصدق عما يريده الشعب في تحقيق دولة بيان أول نوفمبر الذي حدد معالم الدولة الجزائرية التي مات من أجلها ملايين الشهداء.
خلاصة القول: الدستور أسوأ من الدساتير التي كانت من قبل، فرأينا أن الرئيس تبون مثلا طلب من اللجنة المكلفة أن تقلص صلاحيات الرئيس، لكن اللجنة أضافت صلاحيات واسعة للرئيس، بأن جعلته هو المهيمن على كل شيء ولا يحاسب، وأضافت له بعض الصلاحيات التي لم يمارسها حتى الرئيس المخلوع والتي من بينها التشريع بأوامر حتى أثناء انعقاد البرلمان في دورته العادية بحجة "الاستعجال"، لكن من يحدد حالة الاستعجال وكيف تكون، هذه نقاط استفهام.
هذه اللجنة التي نصبت للأسف هي من تيار أيديولوجي واحد وهو تيار علماني فرنسي وهو ما ظهر في مواد مسودة الدستور، نرى أن رئيس اللجنة يقول مثلا: نحن نضع دستورا للمواطنين وليس للمؤمنين وهو يعلم أن الشعب الجزائري كله مسلم، ويعلم أن دين الدولة هو الإسلام كما تنص المادة الثانية من الدستور، بل ويدعي أيضا أن الأمور المتعلقة بالثوابت الوطنية من دين ولغة وتاريخ ستذهب تدريجيا في الدساتير القادمة.
الشعب الجزائري أصيب بصدمة كبيرة جدا خاصة بعد دراسته للمسودة واطلاعه على هذه التصريحات الخطيرة التي لم تتجرأ العصابة من أذناب الرئيس المخلوع أن تقولها من قبل، لذا مسودة الدستور هذه ليس فيها توازن في الصلاحيات أو استقلالية للقضاء، أو فصل بين السلطات.
-
أنتم ترفضون مسودة الدستور الحالي، لكن ماذا تقترحون للخروج من هذا المأزق؟
بعض المواد تتناقض مع بعضها البعض، لذا اقترحنا نحن في جبهة العدالة والتنمية أن تذهب هذه اللجنة ويؤتى بلجنة أخرى تستقبل المقترحات وتأخذها بعين الاعتبار، وذهبنا إلى القول: إنه قد آن الآن للبناء على هذه المسودة، الدستور أصبح ليس من الأولويات خاصة مع الوضع الصحي الخطير وهو كورونا.
المشكلة المطروحة في الدستور كانت تتعلق بصلاحيات الرئيس التي وضعها الرئيس المخلوع لنفسه وكنا نتمنى أن تتقلص تلك الصلاحيات، لكن اللجنة جاءت بدستور غريب عن المجتمع الجزائري لا يتطلع إلى متطلبات الحراك والشعب ومن ثم هو مرفوض جملة وتفصيلا وليس من الأولويات والأحسن أن يؤجل وأن تكون الأولوية لبناء مؤسسات شرعية وتنظيم انتخابات تشريعية ومحلية قبل نهاية السنة أو بداية السنة القادمة، وتوكل مهمة تعديل الدستور إلى البرلمان القادم الذي نتمنى أن يكون مبنيا على الإرادة الشعبية وليس على التعيين الذي رأيناه في الحقيقة من قبل وكان النواب يعينون ولا ينتخبون كي يصادقوا على جميع السياسية السابقة التي كانت تضعها العصابة والتي أوصلتنا إلى هذا الواقع.
جبهة ليبيا
-
كيف ترون موقف الجزائر من التطورات الأخيرة في ليبيا، خاصة وهي جارة لكم وتربطكم بها حدود طويلة؟
نحن مع كل القرارات التي اتخذتها السلطة الجزائرية بخصوص الملف الليبي، فإذا كنا نختلف في بعض القضايا التنفيذية التي تتعلق في أداء الحكومة، أو ما جاء في الدستور، فنحن عموما بالنسبة للسياسة الخارجية لا نختلف مع القرارات التي تصدرها السلطة الجزائرية والرئيس.
لا نريد أن تشتغل النيران في ليبيا، ونحن مع الحل البعيد عن الحل العسكري، بل مع الحوار الجاد، والشرعية الدولية، ومع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا وتملك الشرعية، وضد كل اعتداء من طرف الدول التي تريد أن تغلب جهة على جهة أخرى وعلى حساب الشرعية لمصالحها الشخصية، وهي تريد من ذلك الاستحواذ على ممتلكات ليبيا.
من ثم فكل شيء وأي أمر يمس ليبيا يمس الجزائر في الدرجة الأولى خاصة مع الحدود الملتهبة، ونحن نرى أن الحل لا بد أن يأتي عبر الحوار مع الأطراف المتصارعة والحكومة الشرعية التي يجب أن تكون هي المهيمن خاصة أن المجتمع الدولي صادق عليها، ونحن مع الموقف الرسمي للدولة الجزائرية.
نعلم أن الجزائر ليس لها أطماع فيما موجود في ليبيا من خيرات، لكن الجزائر تريد حلا عادلا يوقف الأزمة التي نعيشها والحرب، والجزائر تعهدت أن تعزز دور القيادة الحالية الشرعية، كي يتوقف القتال هناك، وتتوقف الدول التي تدعم القتال وتدعم حفتر على وجه الخصوص للاستحواذ على ممتلكات ليبيا وإطالة أمد الحل العسكري هناك.