محادثات غامضة.. ماذا تخفي الاتفاقية الإستراتيجية بين إيران والصين؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أعاد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، فتح قضية اتفاقية طويلة الأمد بين طهران وبكين، والتي توصف بأنها "غامضة" وذلك بعد انتقاده الحاد لحكومة خلفه حسن روحاني، إذ أكد أن التوقيع على اتفاق مدته 25 عاما دون علم الشعب الإيراني، يعد باطلا.

على الرغم من أن انتقادات نجاد لوثيقة الاتفاق التي تأتي في إطار طموحه بالعودة إلى الرئاسة في الانتخابات المقبلة، إلا أنها أثارت جدلا واسعا في الداخل الإيراني دفع الحكومة إلى إصدار نفي في 29 يونيو/ حزيران 2020، على لسان المتحدث باسمها عباس موسوي.

ويأتي الحديث عن هذا الملف وسط حراك انتخابي، حيث تقام الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار من سنة 2021 وذلك بعد انتهاء فترة الولاية الثانية لروحاني. 

"اتفاق سري"

في 29 يونيو/ حزيران، قال أحمدي نجاد: إن "الأمة الإيرانية لن تعترف باتفاق سري جديد مدته 25 عاما بين إيران والصين"، محذرا من أن أي عقد يتم توقيعه مع دولة أجنبية دون أن يعرف الناس عنه، سيكون باطلا.

وخلال زيارته إلى مقاطعة جيلان (شمالي إيران) أكد أحمدي نجاد أن إدارة روحاني وافقت على مسودة الاتفاق في "الأشهر الأخيرة" من ولايته التي تنتهي في يونيو/ حزيران 2021.

وبحسب موقع "دولت بهار" المقرب من نجاد، فإن الرئيس الإيراني قال في لقاء مع مجموعة من مواطني محافظة جيلان: "لقد سمعت أنهم يتفاوضون ويريدون التوقيع على اتفاقية جديدة مدتها 25 عاما مع دولة أجنبية، ولا أحد يعرف".

وفي خطاب وجهه للحكومة، قال نجاد: "هل أنتم أصحاب هذا الوطن لكي تعطوا أموال الشعب للآخرين من دون علمه؟! لقد قمنا بالثورة کي لا تُخفى قضية عن المواطنين ولا يعتبر أحد نفسه وصيا على الشعب".

ونقلت تقارير عن مقربين من نجاد قولهم: إن "بعض الشركات الصينية" التي من المحتمل أن تشارك في هذا المشروع "لديها مالكون أو مساهمون إيرانيون، مما يعني أنهم أقارب المسؤولين الذين توصلوا إلى المشروع".

وأفاد موقع راديو "فاردا" الإيراني بأن حديث أحمدي نجاد عن الاتفاقية يعد بمثابة "ضربة شعبوية بارعة". وأشار إلى أنه "انتهز الفرصة ليظهر كمدافع قومي عن سيادة إيران".

من جهته، قال المحلل السياسي رضا حقي في تصريحات صحفية في 30 يونيو/ حزيران 2020: إن "معظم المعلومات التي تم نشرها حول الاتفاقية الصينية الإيرانية ليست صحيحة. إنها ليست عقدا، هي دعوة مرسلة من إيران إلى الصين".

وأشار إلى أن "الصين لا يمكنها إبرام عقد بقيمة 400 مليار دولار مع إيران، لأنها غير قادرة على شراء النفط من إيران بسبب العقوبات الأميركية التي أصبحت المعاملات المالية بين طهران وبكين بعدها أقل بـ20 مرة مما تحلم طهران بكسبه عبر هذا العقد".

تفاخر حكومي

لم تنتظر كثيرا حكومة روحاني، للرد على تصريحات نجاد، والجدل الواسع الذي أثارته، فقد أعلن المتحدث باسمها عباس موسوي أن "الوثيقة تغطي الأبعاد السياسية والاقتصادية المختلفة، وأنه من المرجح نشرها بالكامل مستقبلا بعد الموافقة النهائية عليها".

وأبدى موسوي في مؤتمر صحافي، في 29 يونيو/ حزيران 2020، تفاخرا بما حققته الحكومة في الاتفاق، بالقول: إن "هذه الوثيقة مشرفة وفي مصلحة البلدين"، دون الخوض في التفاصيل.

لكن المتحدث الحكومي كشف في تصريحاته أن هذه الوثيقة ما زالت "مسودة" وأن ما قيل "في وسائل الإعلام أو من قبل بعض الأشخاص لا صحة له"، في إشارة إلى الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد.

وفي 21 يونيو/ حزيران 2020 كانت قد وافقت الحكومة الإيرانية على مسودة مشروع "برنامج التعاون الشامل لمدة 25 عاما بين إيران والصين"، وكلف الرئيس حسن روحاني، وزير خارجية حكومته محمد جواد ظريف، بالتوقيع على الاتفاقية مع الجانب الصيني بعد المفاوضات النهائية.

وبعد ذلك أعلن ظريف، في تغريدة نشرها باللغة الصينية في 24 يونيو/ حزيران 2020، عن إجراء مقابلة بالفيديو مع نظيره الصيني، تحدث فيها عن "الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين"، وتسيير "برنامج التعاون الثنائي لمدة 25 عاما".

وفي السياق ذاته، قال موقع "تابناك" التابع لأمين مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران الجنرال محسن رضائي: إن "هذه الوثيقة هي الأولى للتعاون طويل الأمد مع قوة عظمى في السنوات الأربعين الماضية".

وفي إشارة إلى أهمية الاتفاقية المبرمة بالنسبة لإيران، قال الموقع: إنه "يمكن اعتبار هذه الوثيقة منعطفا كاملا نحو الشرق.. في الواقع، قد يعني ذلك خيارا وترجيحا نهائيا للشرق على الغرب".

عمل طويل

لم تكن الاتفاقية وليدة اللحظة وإنما حصيلة عمل امتد إلى 5 سنوات، توصل خلالها الطرفان، إلا أن الطرف الصيني لم يعلق على الموضوع رسيما حتى 3 يوليو/ تموز 2020.

ويعود تاريخ العمل بهذه الوثيقة إلى عام 2015 في اجتماع لرئيسي الصين وإيران، حيث شدد الجانبان على وضع واعتماد وثيقة إستراتيجية للتعاون المشترك.

وخلال تصريحاته، أكد المتحدث الحكومي موسوي أن "الموضوع ليس جديدا"، لافتا إلى توصل طهران وبكين إلى تفاهم للتعاون الشامل والإستراتيجي عندما زار الرئيس الصيني طهران في يناير/ كانون الثاني 2016، بعد أسبوع على دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ.

وأشار موسوي إلى توقيع مذكرة تفاهم بين روحاني والرئيس الصيني، جين بينغ، حينذاك تمهد لتوقيع البلدين وثيقة تعاون شامل في المجالات كافة، وهو ما لاقى ترحيبا من المرشد الإيراني علي خامنئي.

وفي 30 سبتمبر/ أيلول 2019، نفى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، "ادعاءات" تفيد بتقديم إيران امتيازات طويلة الأمد للصين، على مبيعات النفط.

وقال ظريف في حوار مع وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا": إن "إيران منحت خصومات على مبيعات النفط للصين، لكنها ليست على المدى الطويل كما عكست بعض الأخبار".

وزاد للوكالة الإيرانية: "توقيع اتفاقية إستراتيجية بين البلدين لمدة 25 سنة، كان من اقتراح إيران.. العمل جار على ذلك ولم نتوصل إلى اتفاق لكي يتم الإعلان عنه".

مضمون الاتفاقية

ومع أن الجانبين الإيراني والصيني، لم يكشفا عن مضمون الاتفاقية الإستراتيجية المبرمة بين البلدين، فإن تقارير غربية كشفت أن بكين عرضت على إيران اتفاقية شراكة طويلة المدى في مشروعات الطاقة لمدة 25 عاما، أثناء زيارة ظريف إلى بكين الصين في أغسطس/ آب 2019.

وبحسب التقارير، فإن الصين تعهدت باستثمار 400 مليار دولار في تطوير مشروعات النفط والغاز، مقابل أن تمنح الحكومة الإيرانية بكين الحق في كيفية إدارة الاستثمارات وتسويق النفط والغاز ومنتجات البتروكيميائيات التي ستنفق فيها الاستثمارات.

وذكرت مجلة "بتروليوم إيكونومست" الشهرية المتخصصة في الطاقة خلال تقرير نشرته في سبتمبر/ أيلول 2019، تناولت فيه اتفاق الشراكة، الذي يسمح  للصين بوضع 5 آلاف جندي في إيران لحماية هذه الاستثمارات الضخمة.

ونقلت عن مصدر في صناعة النفط الإيرانية للمجلة المتخصصة في الطاقة، قوله: إن "280 مليار دولار من المبلغ المرصود سيتم استثمارها في مشاريع النفط والغاز، فيما سترصد الـ120 مليار دولار المتبقية من المبلغ لمشاريع البنية التحتية كالطرق والكهرباء وغيرها".

وجرى الاتفاق بين طهران وبكين في الاتفاق المبرم بينهما على إعطاء الصين الأولوية في شراء النفط والغاز ومنتجات البتروكيميائيات الإيرانية وبحسم كبير يبلغ 12 ٪ من أسعار السوق، كما ينص كذلك على منح الشركات الصينية تعويضات مخاطر استثمارية تتراوح بين 6 إلى 8 بالمئة.

أما الصين، فإنها ستدفع جزءا من المبلغ بعملات الدول الناشئة التي تراكمت لديها من الفوائض التجارية مع الدول الآسيوية والإفريقية"، وهذا يعني أن بكين ستتمكن عبر الدفع بهذه العمولات من الحصول على حسومات أخرى، حسبما أفاد التقرير.

وتسعى إيران من خلال هذه الخطة، إلى إعادة تشغيل وتطوير صناعة الطاقة، حيث توقفت معظم المشاريع التي تم الاتفاق عليها بعد عودة الحظر الأميركي وتهديد واشنطن للشركات الغربية بأنها ستواجه الحرمان من السوق الأميركية واستخدام الدولار والمتاجرة في أدوات المال الأميركية حال كسرها العقوبات المفروضة على طهران.

قلب "الحرير"

استطاع الإيرانيون خلال المفاوضات مع الصنيين، إقناعهم باستثمارات تجعل إيران مستقبلا قلب مشروعها المعروف بـ"حزام واحد طريق واحد" أو مبادرة الحزام والطريق، حسبما أفاد تقرير لموقع "الجزيرة نت" في 16 سبتمبر/ أيلول 2019.

وأورد التقرير أن آفاق ورؤى التنين الصيني لا تقتصر على مد طريق تعبر من إيران إلى أوروبا، بل إن الصينيين يخططون للاستفادة من اليد العاملة الرخيصة والفتية في طهران لإنتاج بضائعهم خارج البلاد وتصديرها مباشرة للجمهورية الإسلامية.

وحتى تسهل إيران هذه الفرصة أمام الصينيين، فإنها فتحت مناطق صناعية حرة على الحدود العراقية والباكستانية والتركية وضفاف بحر عمان والخليج، حيث جرى السماح للشركات الصينية بتأسيس معاملهم في هذه المناطق.

وبموجب الاتفاق، فإن إيران ستعفي بكين من جميع الرسوم لمدة طويلة تصل إلى 25 عاما، حيث ستنشئ الصين معامل ضخمة، مثل معامل السيارات، وسيتم تصدير المركبات الصينية إلى الشرق الأوسط من هذه المناطق الحرة.

وتشير إحصاءات لوكالة "بلومبيرج" الأميركية إلى أن الصينيين استوردوا ما يزيد على 12 مليون طن من النفط الخام الإيراني بشكل رسمي منذ بداية عام 2019، حيث جرى تسليم عشرة ملايين طن إلى المصافي الصينية، في حين تم تخزين مليوني طن في مخازن تابعة لشركة النفط الإيرانية بالصين.

وتضيف "بلومبيرج" في تقرير لها عام 2019 أن نحو عشرين مليون برميل نفط إيراني جرى تعبئتها في 10 حاملات نفط، وهي في البحار وفي طريقها إلى الصين، وبعضها ينتظر خارج المرافئ لتخلية مخزونها، مبينة أن الصينيين اشتروا هذا النفط من إيران بتخفيضات كبيرة ومغرية جدا.