قائده انقلابي قديم.. هل يدين الجيش الموريتاني بالولاء لولد الغزواني؟

مهدي القاسمي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل أيام قلائل، أجرى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تعديلات داخل دواليب المؤسسة العسكرية، ما اعتبره مراقبون إطاحة من قبل الرئيس الحالي بقيادات لا تزال تدين بالولاء لسلفه محمد ولد عبد العزيز

فبعد تمام سنة من وصول ولد الغزواني إلى السلطة أصدرت الرئاسة بيانا، في 8 يونيو/حزيران 2020، قالت فيه: إنه "بموجب مرسوم تم تعيين الفريق محمد ولد بمب ولد مكت، قائدا للأركان العامة للجيوش (أعلى منصب قيادي ميداني للجيش)".

وأفاد ذات المصدر بتعيين الفريق محمد الشيخ ولد محمد الأمين ألمين، قائدا لأركان الحرس الوطني، وهو الذي كان يتولى قيادة الأركان العامة للجيوش، كما تم تعيين الفريق مسقار ولد سيدي، مديرا عاما للأمن الوطني.

ولد سيدي كان يتولى منصب قائد أركان الحرس، كما سبق أن تولى منصب مدير عام جهاز أمن الطرق.

وتم تعيين الفريق البحري إسلكو ولد الشيخ الولي قائدا للأركان الخاصة للرئيس، وكان يتولى منصب القائد المساعد لأركان الجيوش، كما سبق أن شغل منصب قائد أركان القوات البحرية، حسب بيان الرئاسة.

انقلابي قديم

كان ولد مكت هو أبرز اسم بين لائحة التعيينات، حيث تولى قيادة المؤسسة العسكرية، رغم أن تاريخه مليء بالانقلابات العسكرية التي شهدتها موريتانيا خلال السنوات الماضية.

آخر انقلاب شارك فيه مكت، قاده الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في 2008، وأطاح بأول رئيس مدني منتخب في البلاد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.

ومنذ التحاقه بالمؤسسة العسكرية عام 1976، وعمره 19 عاما، ومكت يحمل ميولا سياسية "قومية"، وإعجابا بسيرة "الضباط الأحرار" في مصر.

عندما كان ولد مكت قائدا للمنطقة العسكرية الثانية في الشمال الموريتاني، شنت "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية، أول هجوم ضد الجيش الموريتاني في 2005، فكان الشرارة الأولى لانطلاق ما عرف بعد ذلك باسم "الحرب على الإرهاب في الساحل".

في أغسطس/ آب من السنة نفسها، تحديدا بعد شهرين من الهجوم، كان تاريخ الانقلاب على الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطائع.

لعب ولد مكت دورا في فتح الباب أمام الانقلاب، إذ كان يقود واحدة من أهم المناطق العسكرية وأكثرها تسليحا.

ظهر اسم مكت بعد الانقلاب عضوا في "المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية"، وعمل في تلك الفترة مفتشا عاما للقوات المسلحة في 2007، والتي كانت قبله إدارة تابعة لوزارة الدفاع، وتحولت معه لتصبح تابعة لرئاسة الجمهورية.

شغل ولد مكت في 2008 منصب قائد مكتب التوثيق والأمن الخارجي (الاستخبارات العسكرية)، وهو المنصب الذي بقي فيه لعدة سنوات، ومنه شارك في انقلاب 6 أغسطس/آب من نفس السنة، ضد حكم الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.

ولد الشيخ عبد الله هو أول رئيس مدني منتخب لموريتانيا، حكم لمدة سنة ونصف فقط، قبل أن يطيح به انقلاب عسكري قاده الجنرالات: محمد ولد عبد العزيز، ومحمد ولد الغزواني، ومحمد ولد مكت، ومحمد ولد الهادي.

انتدب ولد مكت من طرف المجلس العسكري لمفاوضة ولد الشيخ عبد الله في إقامته الجبرية بقصر المؤتمرات، خلال الأزمة التي أعقبت الانقلاب.

وفي 2014 عُيّن ولد مكت مديرا لجهاز الأمن الوطني، وهو ذات المنصب الذي بقي فيه حتى تعيينه مؤخرا قائدا لأركان الجيش.

خلال فترة وجوده على رأس الجهاز الأمني واجه ولد مكت أحد أكبر الملفات التي عرفتها البلاد على المستوى الأمني، إذ خرجت مظاهرات استمرت لسنوات أطلق المتظاهرون فيها على أنفسهم اسم "جماعة النصرة"، لأن مطلبهم الأساسي كان إعدام الشاب محمد الشيخ ولد امخيطير، الذي كان قد كتب مقالا مسيئا للرسول صلى الله عليه وسلم.

البعض يرى أن ولد مكت تمكن من "إطفاء جذوة" المتظاهرين، ونجح بذلك في أن "ينهي واحدا من أكثر الملفات تعقيدا".

على المقاس

ولد مكت الذي تدرج بين مناصب عدة، واقترب من التقاعد عدة مرات، أصبح الضابط الأعلى رتبة في موريتانيا، بعد أن أصبح قائد الأركان العامة للجيوش.

وفيما يرى كثيرون أن تعيين الرجل في أعلى هرم المؤسسة العسكرية، يعد حدثا طبيعيا ومتوقعا من قبيل التكريم عقب 44 عاما من الخدمة العسكرية، وقبل مغادرته المؤسسة، فإن آخرون يعتبرونه رجل ولد الغزواني وهذا سبب اختياره.

نائب رئيس حزب "تواصل" والبرلماني السابق، السالك ولد سيدي محمود، كان أحد هذه الأصوات، واعتبر أن "كل نظام جديد يأتي يبدأ في ترتيب أوراق المؤسسة العسكرية على مقاسه ويضع على رأسها الرجال المناسبين الذين يدينون له بالولاء، حتى ينصرف هو إلى كل ما هو سياسي".

وأفاد سيدي محمود، في مقابلة تلفزيونية، أن ترقية الفريق العسكري يمكن أن يكون محل ثقة وذراعا قويا بالمؤسسة العسكرية يخدم مؤسسة الرئاسة.

وبينما ربط البعض بين الحرب التي تخوضها موريتانيا في مواجهة فيروس كورونا وبين التغييرات التي حدثت، بالقول: إن تأمين الحدود وانتهاج سياسة أمنية جديدة أصبح أمرا مُلحا، لم ير ولد سيدي محمود وجود علاقة بين تأمين الحدود لمواجهة كورونا وبين التغييرات العسكرية.

ونفى أن تكون الخطوة تقويما داخل المؤسسة بقدر ما هي سعي من الرئاسة بأن تحيط نفسها برجال تثق فيهم، وعلى هذا الأساس تم الاختيار، حسب ولد سيدي محمود، الذي اعتبر أنه إجراء روتيني في بلد تضمن استقراره المؤسسة العسكرية، لكنه غير موضوعي، بل تحكمه العلاقات والولاء.

لكن السفير السابق والقيادي في حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، المختار ولد داهي، ذهب إلى تحليل التغييرات، ورأى فيها 5 رسائل أساسية: أولاها، رسالة اهتمام ومتابعة من القائد الأعلى إلى القوات المسلحة، والرسالة الثانية هي تصحيح للهرمية العسكرية التي ربما كان فيها بعض الاختلال.

فيما استقرأ ولد الداهي من التغييرات رسالة ثالثة مفادها التطبيع مع الاختصاص، أما رابعا، فقد سعى ولد الغزواني، بحسب المتحدث، إلى تفعيل الهيكل التنظيمي للقيادة العليا للجيش، خصوصا وأن البلد يواجه مشكلة أمنية خاصة، وهي الإرهاب.

أما الرسالة الخامسة التي أرادت الرئاسة إرسالها عبر التعيينات الجديدة فهي رسالة طمئنة لكل الأطراف، على اعتبار أن المسؤولين الذين سحبت منهم المناصب حصلوا أيضا على أخرى. 

الثقة والولاء

وذهب الصحفي الموريتاني والمحلل السياسي محمد عبد الله ولد لحبيب، إلى العلاقة القديمة بين الرئيس وولد مكت، وأفاد أنه اشترك معه في الكثير من الملفات خلال 12 عاما، منذ أن كان ولد الغزواني قائدا للأركان.

واستبعد المحلل في حديث لـ"الاستقلال" قراءة التغييرات من زاوية الولاء لأحد الرئيسين (ولد الغزواني وولد عبد العزيز)، وفسر ذلك بالقول: إن مؤسسة الجيش خلال سنوات مضت صنعت على يد الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي تولت فعليا جميع ملفاتها وليس الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.

صحيح أن الأخير، يتابع المتحدث: "باعتباره كان القائد الأعلى للقوات المسلحة هو من كان يوقع الترقيات والإعفاءات، لكن في الحقيقة ولد الغزواني كان يدير المؤسسة بتفويض وثقة كاملة من ولد عبد العزيز".

وعاد ولد لحبيب للتوضيح أن "هذا السبب كاف لجعل الحديث عن الولاءات مستبعدا، بالإضافة لاحترام التراتبية وإعادة الاعتبار لبعض الشخصيات التي كان مغضوب عليها في العهد السابق، واستدل على كلامه بتعيين حمادي ولد الشيخ ولد بيده قائدا للقوات الخاصة.

الاسم كان من المغضوب عليهم من طرف ولد عبد العزيز، إذ حاول إبعاده عن المؤسسة العسكرية أكثر من مرة بسبب سلوكه أيام انقلاب 2008 ورفضه أن تدخل كتيبة من الحرس الرئاسي إلى قيادة أركان الجيش.

الاعتبار الثالث، بحسب المتحدث، هو إعطاء الثقة لبعض المقربين من الرئيس محمد الغزواني لهيكلة المؤسسة العسكرية.

ملاحظات على الأداء

ولد لحبيب، في تصريحه لـ"الاستقلال"، أشار إلى أن تعيين الفريق محمد الشيخ ولد محمد الأمين الملقب بـ"ابرور" قائدا لأركان الحرس الوطني، بعد أن كان يشغل منصب القائد العام لأركان الجيوش، ليس من أعراف المؤسسة العسكرية.

وأوضح المحلل أن قائد الأركان لا ينصرف إلا لوزارة الدفاع، إما أمينا عاما لها، أو على رأسها كما حدث مع محمد الشيخ ولد الغزواني الرئيس الحالي.

لكن ما حدث ولد محمد الأمين يمكن أن يفهم كنوع من التعبير عن عدم الرضا ربما عن الأداء، حتى وإن عرف عنه أنه رجل ذو مهنية عالية، وقد كان نائبا للغزواني عندما كان قائدا للأركان.

وقال لحبيب: "شخصيا لا أجد تفسيرا، إلا إذا كان الرئيس قد لاحظ مستوى من التباطؤ في أدائه خلال بعض الأزمات كأزمة الحدود أو في أدائه العام في بعض المهام التي كان الرئيس يتوقعها من المؤسسة العسكرية".

ولفت المتحدث إلى أن الرئيس يلاحظ أدق التفاصيل في المؤسسة العسكرية بسبب أنه أطول قائد فترة لها في موريتانيا، باعتبار أنه جاء إليها سنة 2007 و لم يغادرها إلى 2019، أي حوالي 12 عاما وهو يدير مؤسسة مما يعطيه خبرة كبيرة.