ينتظر إذن أبوظبي.. كيف يمول الجيش المصري صفقات التسليح؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي تعاني فيه مصر من عجز شديد في ميزانيتها العامة، وديون داخلية وخارجية، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وتداعيات أزمة جائحة كورونا، يعقد نظام عبد الفتاح السيسي صفقات تسليح، ويوجه بنفقات عسكرية ضخمة.

بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، اتجه نظام السيسي، نحو سباق تسليح غير مسبوق، بدعم مالي وسياسي من الإمارات وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، حليف السيسي الأهم والأبرز.

بالنظر إلى خريطة تسليح مصر، سنجد أنها عددت من مصادر تسليحها، مع حكومات وشركات في مختلف دول العالم، بداية من روسيا إلى فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية، كجانب من الجزء المعلن عنه لتلك الصفقات، وما خفي كان أعظم داخل المنظومة التي تتسم بعدم الشفافية في إظهار ميزانيتها وما يتم التعاقد عليه من معدات وأسلحة.

"مهمة القرن"

بين الإعلان والرفض عن وجود صفقة أسلحة تاريخية بين القاهرة وروما، نشرت صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية، تقريرا في 29 مايو/ آيار 2020، عما اعتبرته روما صفقة السلاح الأهم خلال القرن الأخير، والتي عقدتها مع مصر. 

كشفت الصحيفة الإيطالية، موافقة حكومتها على عقد أضخم صفقة عسكرية مع السيسي، في حين التزمت القاهرة الصمت.

وأورد تقرير "لاريبوبليكا" الإيطالية، أن الصفقة الضخمة تضم فرقاطتين من نوع "فريم بيرجاميني" الموجودتين في البحرية الإيطالية، فضلا عن 4 فرقاطات أخرى سوف يتم بناؤها لمصر خصيصا.

بالإضافة إلى ذلك، تشمل الصفقة، نحو 20 لانش صواريخ، وعدد 24 مقاتلة يوروفايتر تايفون، وعدد 24 طائرة إيرماكي إم-346 للقتال المتقدم، وقمرا للتصوير الراداري.

لكن الصحيفة الإيطالية نقلت تصريحات عن مصدر برئاسة الوزراء الإيطالية، أكد أنه رغم الكثير من الصعوبات والمعوقات، ومن ضمنها مسألة مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في مصر، إلا أن تلك الصفقة تعد بمثابة مهمة القرن، فهي لا تمثل قيمة تجارية وصناعية لإيطاليا فحسب، بل تأتي ضمن رغبة روما في الحفاظ على علاقات صلبة مع القاهرة، وكذلك الحفاظ على حوار سياسي يختص بالعديد من الملفات المفتوحة بمنطقة شرق المتوسط.

مجلة "إنتيليجنس أون لاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، نشرت في عددها الصادر بتاريخ 10 يونيو/ حزيران 2020، أن روما تلقت مؤخرا قائمة تسوق بالمعدات العسكرية، التي يتطلع كبار ضباط الجيش بالقاهرة إلى شرائها.

وأشارت إلى أن أبوظبي، التي تعد أحد الداعمين الماليين الرئيسيين لنظام السيسي، لا تمانع في إبرام هذه الصفقة. وإذا ما وافقت دولة الإمارات، فسترغب القاهرة كذلك في أن تستحوذ على 4 فرقاطات من طراز "فريم" في نهاية المطاف، لتمتلك بذلك أسطولا كبيرا في شرق البحر المتوسط، المنطقة التي أضحت ذات أهمية إستراتيجية بسبب الاحتياطات النفطية بها.

"ريجيني" عطلها

في 11 يونيو/ حزيران 2020، نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، أن الجانب الإيطالي أعلن بأن الصفقة المليارية مع مصر لم تتم.

ونقلت الوكالة نفى وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، اكتمال الصفقة مع القاهرة، بسبب دعوة لجنة في البرلمان الإيطالي لإجراء مشاورات مع رئيس الوزراء بشأن مقتل ريجيني في القاهرة بدون سبب.

ونقلت بلومبيرغ عن صحف إيطالية محلية تناولت الصفقة، قائلة: "مبيعات الأسلحة المربحة إلى القاهرة قد تصل إلى ما بين 9 مليارات و11 مليار يورو. وستكون صفقات بهذا الحجم بمثابة طوق نجاة للشركات الإيطالية المحاصرة من توابع الأزمات الاقتصادية، خاصة شركات بناء السفن شركات الطيران والفضاء والدفاع.

لكن الصفقة مازالت معطلة بسبب الضغوطات التي تتعرض لها الحكومة الإيطالية من قبل البرلمان، الذي يناقش المخاوف العامة بشأن حقوق الإنسان في مصر، بالإضافة إلى مقتل ريجيني بعد تعذيب غير مبرر في القاهرة عام 2016، وهو ما ترك أثره السلبي على العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين البلدين. 

روما لا تزال تنتظر النتائج النهائية للتحقيق في وفاة ريجيني. وإذا رفضت هذه الصفقة بناء على قضية ريجيني، فسوف تضع القاهرة في موقف حرج بعد الدعاية الإعلامية الضخمة التي روجت للصفقة.

وفق مراقبين، فإن نظام السيسي الذي تمول الإمارات كثيرا من صفقات سلاحه، يهدف من خلال الصفقة الإيطالية إلى زيادة التوازن العسكري أمام تركيا في البحر المتوسط.

كذلك تسعى أبو ظبي والقاهرة إلى جعل إيطاليا أقرب للتحالف المضاد لتركيا في هذه المنطقة، خاصة وأن روما كان لديها موقف متوازن مع أنقرة. 

صفقات تسليح

إستراتيجية التسليح التي انتهجها الجيش بعد انقلاب 2013، اختلفت عن الأعوام السابقة، من حيث تنوع مصادر التسليح، وحجمها، وطبيعة الأسلحة نفسها، بالإضافة إلى القفزة الهائلة في التمويل والدعم المادي لتلك الصفقات، التي بلغت مليارات الدولارات، في وقت تتضاءل فيه القوة الاقتصادية والتنموية للدولة.

صحيفة "الاستقلال" نشرت في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، دراسة تقدير موقف بعنوان "التسليح المصري خلال 6 عقود.. التأثيرات المحتملة للتهديدات الأميركية".

الدراسة أوردت أن القوات المسلحة المصرية اتجهت بعد الانقلاب، إلى تنويع مصادر تسليحها بشكل كبير، واستحوذت شركات السلاح الروسية، ثم الأوروبية على نصيب الأسد من مشتريات السلاح المصرية، مع تطرق المشتريات لدول مثل الصين وكوريا الشمالية وحتى كرواتيا.

وحسب معهد ستوكهولم لبحوث السلام (SIPRI)، في تقريره السنوي للعام 2018، جاءت مصر في المرتبة الثالثة عربيا من حيث واردات الأسلحة بنسبة 215 بالمئة خلال الفترة بين 2008 و2017.

ومن أبرز الصفقات التي تعاقدت عليها القوات المسلحة المصرية بعد 2013:

  • في 16 فبراير/شباط 2015، وقعت مصر وفرنسا، اتفاقية بموجبها وردت الحكومة الفرنسية لمصر طائرات حربية من طراز "رافال" في صفقة بلغت قيمتها 5.2 مليار يورو.
  • في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2015، شهد السيسي، ورئيس الوزراء الفرنسي السابق مانويل فالس، مراسم التوقيع على صفقة حاملتي الطائرات (ميسترال)، بتكلفة قدرها 950 مليون يورو.
  • في أبريل/نيسان 2016، تسلمت القاهرة من موسكو، طائرات من طراز (ميج 29)، ضمن صفقة أسلحة ضخمة تشمل شراء منظومة  (SA-17 و SA-23) دفاع جوي، بالإضافة إلى شراء 46 طائرة من طراز (KA-52)، في اتفاقية تسليح تاريخية لم تحدث منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، بلغت قيمتها 5 مليارات دولار، بحسب موقع ديفينس ويب المتخصص في الشؤون العسكرية. 
  • في 2019 استوردت مصر من ألمانيا أنظمة دفاع جوي متوسطة المدى، بالإضافة إلى التعاقد على شراء فرقاطتين من طراز "MEKO A-200" الخفيف، وسبق لمصر شراء 4 فرقاطات من نفس الشركة في 2018، وكذلك حصلت مصر على صاروخ جو-جو حراري للاشتباك الجوي من طراز "AIM-9 Sidewinder".
  • أبرمت مصر مع فرنسا في 2018، صفقة ضخمة لشراء طائرات "الرافال"، بالإضافة لصفقة الزوارق المطاطية القابلة للنفخ من فئة "رافال 1200" مع منح مصر رخصة التصنيع محليا، في صفقة بلغت قيمتها الإجمالية 6 مليارات يورو.
  • كما منحت الولايات المتحدة، شركة "Lockheed Martin" عقدا بتزويد مروحيات "APACHE" الهجومية، الخاصة بمصر، تقنيات رصد وتصويب متقدمة.
  • في 2018  أقدمت مصر على شراء الجيل الرابع من قذائف دبابات M1 Abrams الأميركية، والتي سيسدد ثمنها كباقي الصفقات من برنامج المعونة الأميركية العسكرية الموجهة لمصر.

تأتي تلك الصفقات وسط حالة من الضبابية يفرضها الجيش المصري حول أوضاعه المالية، وعدد الصفقات التي يعقدها، والدول التي يتعامل معها، وشفافية تلك العقود.

مخصصات الدفاع والأمن القومي في مصر تحتل المرتبة رقم واحد في الميزانية العامة للدولة، بالإضافة إلى الجانب الأهم وهو دعم الإمارات الحليف الإقليمي الأول والدائم لنظام السيسي، لتلك الصفقات وتمويل جانب كبير منها.

دعم إماراتي

دعم الإمارات للسيسي، بداية من يوليو/تموز 2013، صاحبه تطور في العلاقات العسكرية بين الدولتين، بدأ بالزيارات العسكرية المتبادلة، على مستوى وزراء الدفاع، وكبار الجنرالات، وامتد إلى إجراء مناورات مشتركة، وتعزيزه بالعمليات العسكرية المشتركة في بعض الأماكن مثلما حدث في الضربات الجوية في ليبيا.

في 22 يوليو/ تموز 2017، افتتح السيسي قاعدة محمد نجيب العسكرية، بمدينة الحمام في مرسى مطروح، والتي تعد أكبر قاعدة عسكرية في إفريقيا والشرق الأوسط.

جرى الافتتاح بحضور أمراء ومسؤولين من عدد من الدول العربية وعدد من السفراء العرب والأجانب. 

لكن الذي كان لافتا الاستقبال الخاص لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وقد ظهر بجانب السيسي في كل المواضع، والتقطت كاميرات التصوير، خلال حفل الافتتاح، ابن زايد وهو يقوم بتصوير العرض العسكري للقوات الجوية المصرية بهاتفه المحمول. 

في 15 يناير/ كانون الثاني 2020، كتب ولي عهد أبوظبي تغريدة على تويتر: "سعدت برفقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حضور افتتاح قاعدة برنيس العسكرية ومطارها المدني".

حضر ابن زايد، برفقة السيسي افتتاح قاعدة "برنيس" العسكرية، التي تقع على البحر الأحمر جنوب شرقي مصر، وهي مجاورة لمطار برنيس الحربي، "ضمن مجموعة قواعد جديدة نفذتها القيادة العامة للقوات المسلحة بتوجيه رئاسي". 

وسائل الإعلام الإماراتية الرسمية احتفت بتلك القاعدة، وبحضور محمد بن زايد ذلك الافتتاح، ومدى روعة الاستقبال الذي أبداه السيسي لضيفه.

ابن زايد يعد الممول الرئيسي والأكبر لنظام السيسي، وصفقات تسليحه وقواعده العسكرية، وحسب ما نقل موقع ميدل إيست آي البريطاني من تسريبات لابن زايد، في 2015 قوله: "يحتاج هذا الرجل إلى معرفة أنني لست ماكينة صراف آلي، الآن سوف أعطي ولكن وفقا لشروطي، إذا أعطيت، فلا بد أن أحكم".