نظام الأسد في مرمى "قيصر" الأميركي.. هل تطال العقوبات الشعب السوري؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حالة من الترقب تسود جميع المعنيين بالملف السوري، ولاسيما رئيس النظام بشار الأسد وحليفيه روسيا وإيران، إذ يدخل قانون "قيصر" الأميركي حيز التنفيذ في 17 يونيو/ حزيران 2020، والذي يهدف إلى معاقبة النظام السوري وداعميه والمتعاونين معه.  

قرب تطبيق القانون الأميركي، أثار تساؤلات مهمة عن النتائج المتوقعة، وهل بالفعل سيتضرر النظام السوري وداعموه أم أن الضرر سيطال الشعب السوري أكثر من النظام نفسه كما حصل مع إيران التي تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات خانقة منذ سنوات؟.

ضربة قاسية

بنظرة تفاؤل، يرى طيف واسع من المؤيدين للعقوبات الأميركية ضد نظام الأسد، بأن قانون "قيصر" سيكون أقسى عقوبة يتلقاها النظام منذ بداية الأزمة السورية في مارس/ آذار 2011، والذي سيجبره على التنازل ويدفع داعميه إلى التراجع.

ورأى الكاتب منير الربيع في مقال نشره بموقع "المدن" اللبناني أن "القانون يندرج في خانة الضغط لإجبار نظام الأسد على التنازل، ودفع داعميه إلى التراجع. وللمرة الأولى يصدر قانون بهذا الحجم من اتساع نوعية الأشخاص والشركات والمؤسسات الرسمية والخاصة التي يشملها برنامج العقوبات".

ولفت إلى أن "المرحلة الأولى من القانون، تشمل فرض عقوبات على النظام السوري ومؤسساته والمسؤولين فيه، سواء كانوا عسكريين أم أمنيين. ويطال كل المتعاونين معهم. ستكون تداعيات القانون قاسية جدا على النظام السوري، وعلى سوريا ككل. وسيفاقم الأزمة الاقتصادية الاجتماعية".

ورأى الكاتب أن الهدف من ذلك "خلخلة البنية الحاضنة للنظام والمؤيدة له، والتي ستشعر بسيف العقوبات على عنقها. فتندفع إلى الانفضاض عن النظام. وإذا ما ربط هذا القانون بما يجري بين آل الأسد وآل مخلوف، فيفترض أن ينعكس على البيئة العلوية التي ستشهد المزيد من الانقسامات".

وأكد أن "قسوة القانون، لا يقتصر على سوريا، بل تطال شركات روسية وصينية، وإدراجها على لائحة العقوبات الخاضعة لمقتضيات سياسية. ومن خلال هذا القانون، تقول الولايات المتحدة إنه لا يمكن الوصول إلى حل للأزمة السورية بدونها، ولا يمكن الشروع في مشاريع إعادة الإعمار قبل التوافق معها على المرحلة السياسية".

وحسب منير الربيع، فإنه "يفترض بالقانون أن يؤسس لمفاوضات جدية مع القوى الداعمة للنظام، لإجباره وإجبارها على تقديم تنازلات لم يكن متوافقا على تقديمها من قبل، سواء فيما يتعلق بالدستور الجديد أو بالانتخابات، أو بكل المسار السياسي الذي يفترض أن ينطلق".

وفي حديث سابق مع "الاستقلال" رأى العقيد السابق أحمد الرحال، الخبير الإستراتيجي والعسكري السوري أن "موعد رحيل الأسد يبدو بالفعل قد وصلنا إليه، فقانون قيصر سيمنع كل شيء عن النظام ويعاقب كل من يتعاون معه حتى روسيا، وسيقصم ظهر النظام السوري".

وتساءل الرحال: "لماذا في هذه المرحلة بعد 9 سنوات، بدأنا نسمع عن تقارير للأمم المتحدة عن استخدام الكيمياوي وقانون قيصر الصادر من الولايات المتحدة، والذي من المقرر أن يطبق في منتصف يونيو/ حزيران المقبل؟".

وأجاب الخبير السوري، قائلا: "واضح أن الموضوع السوري طرح مجددا على طاولة الحل. لكن لا يعني أن ذلك سيحدث غدا أو بعده، لكن الملف خلال التسع سنوات الماضية كان مغيبا، ويبدو الآن سيوضع على الطاولة".

"خنق سوريا"

وفي المقابل، فإن مؤيدي النظام السوري يرون أن القانون هو استهداف للشعب السوري أكثر منه للنظام السياسي الحاكم، إذ يقول الكاتب عبدالباري عطوان: "الهدف من هذا القانون خنق سوريا، وإلحاق أكبر قدر من الضرر الاقتصادي بداعميها، وخاصة في لبنان وإيران وروسيا، وكل الجماعات والشركات والأفراد التي تمولها، وتتعاون تجاريا معها، وتشارك في عملية إعادة الأعمار والبنى التحتية وإنتاج الغاز والنفط المحلي".

وأضاف عطوان خلال مقال نشره بصحيفة "رأي اليوم" في 2 يونيو/ حزيران 2020: "تأثير هذا القانون على سورية سيكون محدودا لأنها واقعة ومنذ عقود تحت مجموعة من العقوبات الأميركية نجحت في امتصاص آثارها رغم الحرب المستمرة منذ 9 سنوات".

وتابع: "لن يُؤثر تطبيق القانون بشكل كبير على إيران، والخط البري الذي يربط طهران بيروت مرورا بسوريا والعراق، فإيران تواجه العقوبات الأميركية منذ أكثر من 30 عاما، ولكن من غير المستبعد أن يكون له تأثير على لبنان بسبب وجود جهات سياسية على أرضه، ترحب بالقانون وتطبيقاته".

وفي السياق ذاته، قال العميد عبد الحميد سلهب، الخبير الإستراتيجي والعسكري السوري: "العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا ليست وليدة اللحظة، فمنذ الثمانينيات وتفرض أميركا والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية، تمكنت دمشق بالاعتماد على مواردها الذاتية بتخطيها كاملة".

ونوه في تصريحات صحفية إلى أن "العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر ستؤثر بالسلب على الاقتصاد السوري، لكن من الممكن تخطيها عبر الاعتماد على أصدقاء سوريا خاصة روسيا وإيران والصين، ودول الجوار العربية التي تقف موقف الصمود، وتساند الدولة في حربها ضد الإرهاب".

ومن هذا المنطلق، يضيف سهلب، يمكننا القول: إن "القانون سيؤثر سلبا على الحالة الاقتصادية الراهنة، لكن لن يؤثر بشكل قطعي في الاقتصاد السوري، خاصة أن دمشق لديها من القدرات الاقتصادية والتخطيط ما يمكنها من تجاوز أي محنة".

وأشار إلى أن "الدولة السورية تعول على تخطي الأزمة الراهنة على الحلفاء روسيا وإيران، وكذلك العلاقات الاقتصادية القوية والمتينة مع الصين، وهو ما سيمكن سوريا من الاستمرار في مكافحة الإرهاب.

"تخفي وكذب"

وفي ظل انقسام التقديرات في النتائج المتوقعة من العقوبات الأميركية على النظام السوري وداعميه، رأى الكاتب السوري فايز سارة أن "الأطراف التي يمكن أن تصيبها عقوبات قانون قيصر، سوف تسعى قدر إمكانها وعبر كل الطرق ومنها التخفي والكذب والغش، حتى لا تقع عليها العقوبات بشكل أو بآخر، وهو أمر بديهي، وهي ستسعى للتهرب من العقوبات، طالما أمكن ذلك".

وأشار في مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في 3 يونيو/ حزيران 2020 إلى أن "جميع هذه الأطراف بدأت موجة إعلامية - دعائية ضد عقوبات قيصر بإعلان رفض العقوبات وعدم شرعيتها، ووصفتها بأنها تندرج في إطار سياسة عدوانية، وأنها لن تكون ذات جدوى وستفشل، وقد ظهرت الموجة عند الإيرانيين ونظام الأسد في خطوة استباقية لبدء تنفيذ قانون قيصر".

وخلص الكاتب إلى أنه "وسط كل الوقائع، التي تحمل تناقضات حول النتائج المرتقبة لقانون قيصر، فإنه لا يمكن التسليم بعدم تأثير العقوبات على المشهد السوري الحالي نظرا للبيئة الدولية المحيطة، ولحالة الأطراف ذات العلاقة المتردية وخاصة إيران ونظام الأسد، التي باتت غارقة في أزمات سياسية وانهيارات اقتصادية واجتماعية عميقة، بالتزامن مع تصاعد في رغبة واشنطن وإسرائيل لإخراج إيران من سوريا، ولجم تمددها على الخط الواصل بين طهران والبحر المتوسط".

وأردف: "الأمر الذي يعطي واشنطن فرصة تأثير يمكن أن يتصاعد إذا شددت الأخيرة من سياساتها وعقوباتها لتغيير المشهد السوري، خاصة أن موسكو لن تمانع التبدلات في سوريا، طالما تم الاحتفاظ بدورها الذي لا تمانعه واشنطن، وتوافق عليه إسرائيل".

حديث الكاتب فايز سارة، ربما يأتي تفسيرا لما صدر عن النظام السوري مع بداية يونيو/ حزيران 2020، من تنديد بقانون "قيصر" الأميركي، إذ نقلت وكالة "سانا" الرسمية عن مصدر في وزارة الخارجية، قوله: إن بلاده تعرب "عن إدانتها الشديدة لقيام الإدارة الأميركية بتشديد الإجراءات القسرية المفروضة على سوريا عبر ما يسمى قانون قيصر".

نظام الأسد اعتبر أن القانون "يستند إلى جملة من الأكاذيب والادعاءات المفبركة". وشدد على أن "قيام الإدارة الأميركية بفرض هذا القانون يجعلها تتحمل مسؤولية أساسية عن معاناة السوريين في حياتهم ولقمة عيشهم"، لافتا إلى أن "الإرهاب الاقتصادي ما هو إلا الوجه الآخر للإرهاب الذي سفك دماء السوريين".

وأكد المصدر في خارجية النظام السوري أن بلاده ستتصدى للقرار "الجائر"، موضحا أن "تضافر جهود السوريين لحماية الاقتصاد الوطني كفيل بإفشال مفاعيل هذا الإجراء والحد من آثاره".

تفاصيل القانون

يسعى التشريع الأميركي الجديد إلى تقديم كل المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان إلى العدالة، يسمى بـ"قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين"، وأدرج في موازنة الدفاع الأميركية لعام 2020 لتفادي أي عرقلة جديدة في الكونجرس بعد أكثر من 5 سنوات على كتابته وصياغته.

وأطلق على القانون اسم "قيصر" نسبة إلى مصور عسكري سابق في الشرطة العسكرية السورية يُعرف باسم مستعار هو "قيصر"، استطاع الهرب من سوريا صيف عام 2013 حاملا معه 55 ألف صورة مروعة تظهر جثثا تحمل آثار تعذيب.

ومن المقرر أن يفرض القانون عقوبات على بشار الأسد ويلاحق الأفراد والشركات التي تمول النظام سواء كانوا سوريين أو أجانب، كما يسمح بتجميد أصولهم ومنعهم من الدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية.

وتشمل العقوبات المدرجة في القانون المصانع العسكرية والبنى التحتية والمصرف المركزي في سوريا، كما يسمح القانون بمعاقبة روسيا وإيران في حال استمرارهما في دعم نظام بشار الأسد.ومن شأن القانون أن يزيد الضغوط على النظام السوري، إذ قد تنسحب شركات روسية متخصصة في الطاقة، وهو ما ستتأثر البلاد من تبعاته، خاصة وأن سوريا تستورد نحو 60 في المئة من احتياجاتها المحلية للغاز.

وحسب تقارير، فإن الإدارة الأميركية ترى أن الأسد يستغل مشاريع إعادة الإعمار لتعزيز موقعه في السلطة، ومصادرة الأملاك، وإعادة رسم التركيبة السكانية عبر انتزاع ملكية الفقراء.

وبما أن تأثير العقوبات الأبرز سيظهر على قطاع الغاز والنفط المتأزم أصلا، وفي محاولة منهم لتحديد أطر لحماية المدنيين، أضاف مشرعو القانون بنودا تستثني المساعدات الإنسانية من العقوبات، وذلك عبر إعطاء الرئيس الأميركي صلاحية عدم فرض العقوبات على المنظمات غير الحكومية التي توفر المساعدات الإنسانية لسوريا.

وتشدد بنود القانون على أن الولايات المتحدة منفتحة على الحل الدبلوماسي، لكن بستة شروط ترفع بعدها العقوبات الأميركية، وهي: وقف قصف المدنيين من قبل الطائرات الروسية والسورية، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة من قبل القوات الإيرانية والروسية والسورية، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية وتحرك المدنيين بحرية.

وتشمل الشروط أيضا، إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، والسماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى السجون والمعتقلات السورية، ووقف قصف المراكز الطبية والمدارس والمناطق السكنية والتجمعات المدنية كالأسواق من قبل القوات السورية والإيرانية والروسية، والمجموعات التابعة لها، وعودة المهجرين السوريين بطريقة آمنة إرادية محترمة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا، وإحقاق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري.