تركي الدخيل.. ذراع ابن سلمان الذي خدم أبوظبي فكرَّمته الرياض

سلطان العنزي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 28 مايو/أيار 2020، سلط تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية الضوء على الأبواب الرئيسية التي دخل من خلالها الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية إلى بلاط أبوظبي.

أحد أبرز هذه الأبواب هو تركي الدخيل، الذي نزل من جبال "تورا بورا" في أفغانستان، ليستقر في أحضان حكام أبوظبي، قبل أن يُعينه ابن سلمان سفيرا للمملكة بالإمارات، في 18 فبراير/شباط 2019.

ورجح مراقبون أن التعيين جاء بترشيح من محمد بن زايد الذي يعتبر "المعلم الأول" للحاكم الفعلي في الرياض. فمن هو تركي الدخيل، وما علاقته بحكام أبوظبي، وكيف تسلل ابن زايد وابن سلمان إلى قصور بعضهما عبر هذا الرجل؟.

علاقته بأبوظبي

في فترة مبكرة من شبابه، سافر تركي بن عبدالله الدخيل الذي كان إمام مسجد إلى أفغانستان أثناء فترة الجهاد ضد القوات السوفيتية هناك، والتي اشترك فيها آلاف السعوديين، بدعم من حكومة بلادهم.

ولد الدخيل في 2 يوليو/تموز 1973، بمدينة الرياض، ونشأ في أسرة محافظة، وتلقى تعليمه الجامعي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في كلية أصول الدين قسم السنة.

بعد عودته من أفغانستان، انتقل الدخيل من النقيض إلى النقيض، حيث خلع رداء التدين، وارتدى بدلة الليبرالية، وغاص في العمل الإعلامي حتى أصبح واحدا من أبرز وأهم فاعلي الإعلام السعوديين بالإمارات.

في عام 2003 شارك تركي في تأسيس قناة العربية، وكذلك موقع "العربية نت"، وعمل مشرفا عليه. وقدم برنامج "إضاءات" مدة عقد كامل من 2003 حتى 2013. وحرص الدخيل خلال إطلالاته التليفزيونية على الظهور كليبرالي ينتقد التشدد السلفي.

نتيجة لفاعليته، تلقفته أبوظبي سريعا، وجعلته أحد أدواتها. وجمعته علاقة وثيقة بحكامها، لاسيما مع ولي عهدها محمد بن زايد، حيث تربطهما صلات عميقة دفعت البعض للاعتقاد بأنه أحد أبرز مستشاري ابن زايد.

الدخيل الذي اعترف بكثرة "أفضال" شيوخ الإمارات عليه، أسس عددا من الصحف والمراكز التي يؤدي بعضها دورا استخباراتيا بامتياز، مثل مركز "المسبار"، الذي أسسه عام 2005 واتخذ من الإمارات مقرا له.

المتابع لإنتاجات مركز "المسبار" يجدها بوضوح مُنصبة على رصد الحركات الإسلامية في البلدان العربية والإسلامية عموما، وفي الخليج على وجه الخصوص، والعمل على تشوييها، ووصم رموزها بالإرهاب، وفق النظرة الإماراتية.

وحسب وثائق عرضتها قناة "الجزيرة" القطرية، فإن "المسبار" يتلقى دعما سخيا من محمد بن زايد بقيمة 12 مليون درهم إماراتي سنويا. وهو ما يجعل المركز مُوجَّها لخدمة السياسة الإماراتية.

كما شارك الدخيل أيضا في تأسيس صحيفة إيلاف الإلكترونية، وموقع جسد الثقافة، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وكان عضوا في اللجنة العليا لها. فضلا عن كونه مؤسس ومالك دار "مدارك" للنشر، ومالك ورئيس مجلس إدارة مركز "دربة" للتدريب.

جسر للعبور

وبناء على علاقاته القوية مع الحاكم الفعلي لدولة الإمارات، دخل تركي الدخيل دائرة مستشاري محمد بن سلمان الموثوقين بعد صعود الأخير السريع داخل أروقة الديوان الملكي.

واستخدم ابن سلمان الدخيل كجسر عبور يختصر له الجهد والوقت، وطريقه للوصول إلى ولي عهد أبوظبي سريعا، وهو ما تحقق له بالفعل، فقد استفاد منه في توثيق علاقاته بمحمد بن زايد، الذي يعتبره الأمير الشاب قدوة ومُلهما.

لم يمضِ وقت طويل حتى عُيِّن تركي الدخيل مديرا عاما لقناة العربية في عام 2015، لتتحول القناة إلى أداة دعاية لمحمد بن سلمان ومشاريعه، حيث قدمه الدخيل للسعوديين والعرب كـ"أمير مصلح" سينقل المملكة إلى عصر الحداثة والتنوير.

قبل أن تأتي حادثة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/تشرين أول 2018 في سفارة الرياض بإسطنبول، لتعصف ليس بابن سلمان فقط، وإنما بتركي الدخيل أيضا، حيث أقيل من منصبه مطلع العام 2019 بسبب تخبط القناة وارتباك سياستها الإعلامية في أعقاب الجريمة.

وفي فبراير/شباط 2019، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن اعتراض المخابرات الأميركية لمكالمة هاتفية بين ولي العهد السعودي والدخيل، يهدد فيها الأول بقتل خاشقجي بالرصاص، قبل عام من اغتياله وتقطيعه في القنصلية السعودية بإسطنبول.

المكالمة بين ولي العهد والدخيل كشفت عن علم الأخير بنية ابن سلمان تصفية خاشقجي في حالة لم يتوقف عن انتقاد سياساته. ولم تؤكد الاستخبارات الأميركية قيام تركي بإيصال التهديد إلى خاشقجي.

رجل مخابرات

بدورها، أكدت صحيفة "لوموند" الفرنسية، أن تركي الدخيل، إلى جانب سعود القحطاني وتركي آل الشيخ، ليسوا فقط مقربين من ابن سلمان، بل لديهم ارتباط بجهاز المخابرات السعودي.

وحسب الصحيفة، فإن هؤلاء المستشارين الثلاثة هم اليد الطولى لولي العهد في البطش بالخصوم، بعد أن عهد إليهم مراقبة الإعلام الداخلي، وملاحقة المعارضين.

أما عن مهمة الدخيل الرئيسية ضمن الفريق القمعي، فأكدت "لوموند" أنه لم يحول قناة العربية إلى آلة دعاية مناهضة لقطر وحسب، بل يقوم بتقديم أسماء منتقدي سياسات ابن سلمان، داخل الوسط الإعلامي، إلى سعود القحطاني، الذي بدوره يقوم بـ"العمل القذر" ضدهم.

ولدور تركي في خدمة "العهد الجديد" بالمملكة، اعتبرته الصحيفة الفرنسية أحد "أبالسة" ابن سلمان، وضمن "العقول الكبيرة" التي تسوق أفكاره، وتبطش بمعارضيه.

من جانبه، ذكر الباحث المتخصص في شؤون دول الخليج العربي سايمون هندرسون، أن ولي العهد السعودي حرص منذ البداية على اصطحاب الدخيل معه في جولاته الخارجية، خاصة عند توقيعه لاتفاقيات دولية جديدة، مع إعطائه الحق الحصري في نشر المعلومات حول ما يخطط له.

 

ثراء سريع

حقق تركي الدخيل ثراء سريعا، وكان المال الإماراتي حاضرا بقوة في مصادر ثروته، وهو ما كشفه موقع "ميدل إيست أوبزرفر" البريطاني، وقناة الجزيرة القطرية.

وفقا للموقع البريطاني، فإن أبوظبي نقلت في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2012 نحو 316 ألف دولار، إلى الحساب المصرفي الشخصي للدخيل، وفي يوليو/تموز 2014 تلقى الدخيل أيضا حوالة مالية من حكومة أبوظبي تصل إلى 633 ألف دولار تقريبا.

أما النقلة النوعية في رصيد الدخيل، فتمثلت في قيمة الاستثمارات المسجلة باسمه، والتي قفزت من نحو 8.4 ملايين ريال سعودي، في 15 فبراير/شباط عام 2015، إلى 94 مليون ريال في 13 أغسطس/آب من العام نفسه، بزيادة أكثر من 11 ضعفا في 6 أشهر فقط.

ونتج عن هذا الفائض المالي المتصاعد شراء شركة "الدخيل" في 21 يونيو/حزيران 2015 لعقار في "دبي مارينا" مقابل 17 مليون درهم إماراتي، أي نحو 4.6 ملايين دولار.

كما عرض برنامج "ما خفي أعظم"، الذي يبث على قناة الجزيرة، وثائق تثبت تسلم الدخيل ملكية عقارين في لندن على نهر التايمز، بقيمة تزيد على 3 ملايين جنيه إسترليني، صبيحة اختراق وكالة الأنباء القطرية في مايو/أيار 2017، الذي أعقبه اندلاع الأزمة الخليجية.