بتهمة قتل متظاهري العراق.. هل يتمكن الكاظمي من محاكمة عبدالمهدي؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

منذ منح البرلمان العراقي الثقة للحكومة برئاسة مصطفى الكاظمي، لم تتوقف المطالبات الشعبية بمحاكمة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي على خلفية مقتل مئات المتظاهرين وإصابة الآلاف، إضافة إلى عمليات الإخفاء القسري والاغتيالات بحق عشرات الناشطين.

تطال عبدالمهدي اتهامات بعدم حماية الاحتجاجات التي انطلقت منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وتوقفت في فبراير/ شباط 2020 بسبب تفشي فيروس كورونا، إذ قتل نحو 700 متظاهر وأصيب 27 ألف آخرين، غالبيتهم سقطوا بالرصاص الحي وقنابل غاز خارقة للجماجم.

وتورطت بهذه الجرائم مليشيات موالية لإيران، لكن السلطات العراقية اتهمت "طرفا ثالثا" دون الكشف عنه.

تساؤلات كثيرة أثارتها مطالبات العراقيين بمحاكمة عبدالمهدي، منها: هل تُقدم الحكومة الجديدة على محاسبته أم أن الإفلات من العقاب الذي أصبح عرفا بعد عام 2003 في العراق سيحول دون ذلك، وهل تفرّط به القوى السياسية الحاكمة، أم أنها تخشى من أن مثل هذه الخطوة قد تكون بداية لمحاسبتها مستقبلا لمساهمة بالانتهاكات؟

"حكومة جادة"

بعد يومين من تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة، أعلن الأخير في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع الأول لمجلس الوزراء في 9 مايو/ أيار 2020 تشكيل لجنة لتقصي الحقائق عما حدث في العراق منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019 وحتى الآن، وإنصاف من تعرض للأذى ومحاسبة المقصرين، والإفراج عن معتقلي المظاهرات.

تلك القرارات اعتبر الخبير السياسي والقانوني طارق حرب في حديث لـ"الاستقلال" أنها تعبر عن جدية الحكومة في ملاحقة الجناة الذين تسببوا في مقتل المتظاهرين، وكذلك المسؤولين الذين لم يستخدموا سلطاتهم في منع وقوع هذه الجرائم.

ورأى حرب أن "الحكومة الحالية جادة في التحقيق بقضايا المتظاهرين ومحاسبة الجناة، لأن القرار اتخذ بعد ساعات من تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة وهذا تطبيق لما وعد قبل تسلمه السلطة".

وبين أن اللجنة التي شكلها تضم شخصيات مشهود لها بالكفاءة والعدالة، وأنها مطالبة بتقديم توصيات بخصوص ما جرى من أحداث، وبعدها تحال إلى مجلس القضاء الأعلى حتى تتولى المحاكم النظر فيها حسب الاختصاص.

ما يؤشر ربما على تلك الجدية التي تحدث عنها الخبير القانوني العراقي، هو إعلان السلطات الأمنية لأول مرة منذ بدء الاحتجاجات عن اعتقال 5 عناصر على الأقل من مليشيات "ثار الله" العراقية بتهمة قتل متظاهر في محافظة البصرة جنوب البلاد.

وعلى إثر عمليات الاعتقال التي طالت عناصر من المليشيات بتهمة قتل متظاهر، غرد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي على حسابه في "تويتر" قائلا: "وجهت، فجر اليوم (11 مايو/ أيار 2020)، بملاحقة المتورطين بمهاجمة المتظاهرين في البصرة، ونفذت القوات الأمنية عملية اعتقالهم بعد صدور مذكرات قضائية، شكرا للقضاء العادل والأجهزة الأمنية البطلة".

رئيس الوزراء العراقي الذي كان يدير في السابق جهاز المخابرات اعتبر عملية الاعتقال بأنها إيفاء لما وعد به في وقت سابق، قائلا: "وعدنا بأن المتورطين بدم العراقيين لن يناموا ليلهم، نحن نفي بالوعد. سلمية الاحتجاج واجب يشترك به الجميع".

مصير عبدالمهدي

لكن خطوة رئيس الوزراء هذه سبقتها حملة أطلقها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بضرورة #محاكمة_عبد_المهدي، والتي حظيت بتفاعل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أكد ناشطون ضرورة أن تحيل حكومة الكاظمي المتهمين بقتل المتظاهرين إلى المحاكم وعدم إفلاتهم من العقاب.

الخبير القانون طارق حرب، رأى أن من يطالب بمحاسبة عبدالمهدي يجب أن يفرق بين أمرين: الأول الاتهام بشكل مباشر بقتل المتظاهرين ومحاكمته كقاتل وهذا يجب أن يكون وفق أدلة. أما الأمر الثاني، هو أن يحاكم باعتباره صاحب سلطة ولم يمارس سلطاته القانونية.

وبخصوص لجنة تقصي الحقائق التي شكلها عبدالمهدي خلال عهده للكشف عن قتلة المتظاهرين، قال حرب: "قتل المتظاهرين استمر بعد انتهاء أعمال اللجنة والتي لم تذكر أي شخصية متهمة بالقتل، وهذا من المحال لأن أمامنا أشخاصا مقتولين ومصابين، ولا بد أن هناك قاتلين، وإنما اكتفت بتقصير بعض العسكريين".

وتابع: "أما اللجنة الجديدة التي شكلها الكاظمي، فستتولى تثبيت من ارتكب جريمة القتل أو الاعتداء وتتولى محاسبة المسؤولين المقصرين بما فيهم رئيس الوزراء على اعتبار أنه كان عليهم اتخاذ ما يلزم لمنع هذا القتل، أو الوصول للفاعلين وتقديمهم إلى المحاكمة".

وأشار حرب إلى أن "الأمور اليوم أكثر جدية، وأن رئيس الوزراء اعتبر قضية قتل المتظاهرين من أول المبادئ في سياسته الحكومية"، مضيفا: "أرى أن الكاظمي جاد في اتخاذ الإجراءات القانونية، والظروف مهيأة لمحاكمة من تسبب بالقتل أو التغاضي عنه".

وأعرب عن اعتقاده بأن "أغلبية من قتل في هذه الأحداث كان على يد فصائل مسلحة وليس من الأجهزة الأمنية الرسمية، ولا بد من إحالة حتى مسؤول الفصيل المسلح وليس الأفراد فقط، على اعتبار أنه كان محرضا ودافعا للآخرين على ارتكاب جريمة القتل".

لكن تقارير صحيفة كشفت في 10 مايو/ أيار 2020 أن "جهات سياسية وأخرى مسلحة مقربة من طهران، أوصلت إشارات للكاظمي تحذره من أن رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي وأعضاء مكتبه ومساعدوه خارج نطاق تحقيقاته التي أمر بها".

وأوضحت التقارير نقلا عن مصادر قالت إنها مقربة من الكاظمي أن "أغلب أعضاء حكومة عبدالمهدي وبمن فيهم هو نفسه تورطوا في  ملف التظاهرات من خلال أوامر أفضت إلى إزهاق أرواح متظاهرين خاصة في الناصرية والنجف عقب حرق القنصلية الإيرانية، وكذلك أحداث البصرة خلال عملية فتح الطرق المؤدية لحقول النفط وقتل الأمن لعدد من المتظاهرين".

وأكدت أن "رئيس الوزراء الجديد، يمتلك معلومات مهمة بقضية قتل المتظاهرين وقمعهم، خصوصا فيما يتعلق بعمليات القنص، فهو كان يتابع هذا الملف عندما كان على رأس جهاز المخابرات العراقية، خصوصا أن هناك شخصيات حكومية وسياسية وأمنية وعسكرية، متورطة بهذا الملف، الذي تضغط جهات عدة، لمنع فتحه".

"مكافأة المقصرين"

جهات قانونية عراقية ذهبت إلى أبعد من ذلك، فقد أكدت أن "بعض الضباط صدرت بحقهم عقوبة بسبب التقصير في حماية المتظاهرين (خلال عهد عبدالمهدي)، أعيدوا من جديد وتسلموا مناصب أمنية عليا".

وقال عضو مجلس "مفوضية حقوق الإنسان" في العراق علي البياتي: إن "اللجنة العليا للتحقيق بعمليات قتل وقمع المتظاهرين، من قبل الحكومة العراقية، أكدت واعترفت بأن هناك جهات حكومية قتلت واستهدفت المتظاهرين، بطرق مختلفة، بقنابل الغاز المسيل للدموع، والرصاص الحي، وعمليات القنص، وغيرها".

ولفت البياتي خلال تصريحات صحفية في 12 مايو/ أيار 2020 إلى أن "هذا الاعتراف كاف ليتسلم القضاء التحقيقات لمحاسبة ومعاقبة كل متورط بهذا الملف".

وتابع: أن "القضاء العراقي شكل لجان تحقيق في المحافظات، وعلى ضوء هذه التحقيقات صدرت مذكرة قبض بحق أحد القادة العسكريين بمحافظة ذي قار، لكنها لم تنفذ حتى الساعة".

وأشار البياتي إلى أنه "حتى اليوم لم نسمع أو نطلع على عمل هذه اللجان، وإلى أين وصلت وماذا كشفت؟ والغريب في الأمر، أن هناك بعض الضباط صدرت بحقهم عقوبة بسبب التقصير في حماية المتظاهرين، أعيدوا من جديد وتسلموا مناصب أمنية عليا".

ونوه إلى أن "مجلس مفوضية حقوق الإنسان في العراق، أحال أكثر من 200 قضية من عمليات القتل والقمع والخطف والاغتيال، إلى الادعاء العام والجهات القضائية، لكن حتى الساعة لم تصدر أي نتائج حول هذه التحقيقات من الجهات القضائية المختصة".

إلى ذلك اعتبر عضو البرلمان العراقي، باسم خشان، في تصريحات صحفية " أن الضغوطات والتهديد لمنع فتح تحقيق مهني وجاد بقضية قتل وقمع المتظاهرين، بأنه "أمر متوقع، لتورط شخصيات حكومية وأمنية وسياسية، ومليشيات بهذا الملف".

وأشار إلى أنه سيكون هناك تحرك من المتظاهرين والناشطين ومنظمات المجتمع المدني، لرفع دعاوى على رئيس الوزراء السابق، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، عادل عبدالمهدي، لتورطه بهذا الملف، منوها إلى أن "غالبية عمليات القمع والقتل، حصلت على يد القوات الأمنية، من خلال قنابل غاز مسيل الدموع".