لوموند: لهذا لم يؤد كورونا إلى نتائج كارثية في إفريقيا والشرق الأوسط

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على الأسباب التي لم تجعل جائحة فيروس كورونا كارثية في الشرق الأوسط، بالمقارنة مع الدول الغربية التي وصلت إلى وضع لا يمكن تحمله، رغم الفوارق التي لا يمكن تجاهلها.

ورأت الصحيفة أن انخفاض معدل الإصابات يمكن تفسيره بعدة أسباب من بينها عمر السكان وتعرض المنطقة للعديد من الأوبئة في السابق.

وقالت: "في لبنان، قتلت حوادث الطرق عددا من الأشخاص منذ 15 مارس/ آذار 2020 أكثر من الفيروس التاجي (28 مقابل 26)، أما في فلسطين، فعدد الوفيات جراء كوفيد- 19 أقل من خمسين مرة منه في إسرائيل (4 مقابل 239). 

وفي المملكة العربية السعودية، التي يبلغ عدد سكانها 33 مليون نسمة، توضح "لوموند": "أودى الوباء بحياة العديد من الأشخاص كما هو الحال في النرويج، وهي دولة يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة (219 و217)". 

وتابعت: "يمكن استمرار الوضع على هذا النحو لفترة طويلة، ففي الشرق الأوسط العربي، كما في إفريقيا، لم تحدث الكارثة المروعة".

ووفقا للصحيفة، فإنه بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإنه حتى 8 مايو/ أيار 2020، بلغت الوفيات التراكمية الناجمة عن الفيروس في هذه المنطقة 1125، إذ تعد مصر الأكثر تضررا بـ 503 حالات وفاة رسميا. 

أما من الناحية النسبية، فيما يتعلق بالسكان، فإن دولة الإمارات تأتي في المقدمة، مع 17 حالة وفاة لكل مليون نسمة، مع العلم أن نفس المعدل بفرنسا يبلغ 398، وذلك على الرغم من أنه، في نهاية فبراير/ شباط، تم التأكد من أن المرض لن يتوقف عند حدود الصين.

واعتبرت الصحيفة أن قرب دول الخليج من إيران، المصدر الرئيسي للعدوى في المنطقة، وأوجه القصور الواضحة للأنظمة الصحية السورية واللبنانية والعراقية والديمغرافيا المترامية الأطراف في مصر، تظهر للعيان أن تلك الدول تشكل أرضا خصبة لانتشار الوباء.

كما أن احتواء المنطقة على العديد من المواقع المكتظة والظروف غير الصحية على مستوى عال للغاية، سواء كانت مخيمات للاجئين الفلسطينيين، أو النازحين السوريين أو العمال المهاجرين، ناهيك عن السجون، التي غالبا ما تكون مليئة بالمعارضين، أمر يضاعف القلق. 

تدابير سريعة

لكن أسباب فشل هذه القنبلة الزمنية في الانفجار لا تزال غير معروفة، وفي ظل عدم وجود تفسيرات قاطعة، يقدم المراقبون فرضيات أكثر أو أقل إثباتا، بحسب لوموند التي ترى أن "العامل الذي يتفق عليه الجميع تقريبا هو السرعة النسبية للسلطات القائمة، مع إدراكها لضعف سكانها، تجاه تدابير العزل".

وبينت أن الحالة الأكثر رمزية تتعلق بالسعودية، ففي 26 فبراير/شباط 2020، عندما لم تكن المملكة بها أي إصابات بفيروس كورونا، أوقفت السلطات العمرة، عن طريق منع الوصول إلى المساجد المقدسة في مكة والمدينة.

كما تطرقت الصحيفة كذلك إلى لبنان، مبينة أنه في بلد الأَرز، أُغلقت المؤسسات التعليمية في 2 مارس/ آذار، قبل أسبوعين من فرنسا، في الوقت الذي كان في البلاد 13 مريضا فقط بكوفيد – 19.

وبعد ذلك تم تمديد إجراءات الإغلاق في الأيام التالية لتشمل الحانات والنوادي الليلية والمطاعم، بحيث أنه عندما انخفضت الإصابات في 15 مارس /آذار، كانت البلاد بصفة عامة في سبات لأكثر من أسبوع.

وحول الوضع في الأردن (494 إصابة، 9 حالات وفاة)، كان من الممكن أن يؤدي حفل زواج حضره عدة مئات من الضيوف، في إربد، شمال البلاد، 13 مارس/ آذار، رغم تحذيرات السلطات، إلى انتشار الوباء في جميع أنحاء البلاد، حيث أصيب عشرات الأشخاص بالعدوى خلال الحفل بما في ذلك العريس. 

لكن قرار السلطات، بعد أربعة أيام، بوضع البلاد تحت حظر التجوال، إلى جانب الحكم بالسجن لمدة عام على المخالفين، ساعد في منع انتشار الوباء.

شبكات النقل

وإضافة إلى سرعة رد الفعل، في دول الخليج، نوهت لوموند إلى سبب آخر ساعد في عدم انتشار الفيروس، إلى جانب القوة المالية لهذه الدول.

 فعلى سبيل المثال، تجري الإمارات التي يسكن بها 9 ملايين شخص، ما بين 30 -40 ألف اختبار يوميا، مما يسهل اكتشاف المرضى وتعقبهم وعزلهم.

وأوضحت أن فاعلية تدابير الاحتواء هذه عززتها خصائص موجودة بهذه الدول، بينها أن أغلب السكان من الشباب، حيث إنهم أقل احتمالا من غيرهم لتطوير شكل حاد من الفيروس، وكذلك ضعف أو عدم وجود شبكات النقل العام (القطار والمترو والحافلات)، مما يقيد اختلاط الناس.

إضافة إلى تعود المسنين في هذه البلدان على عدم مغادرة منازلهم إلا قليلا، لأنهم غالبا ما يعانون من أمراض مزمنة ولأن الأنشطة الخاصة بالمسنين نادرة.

ونقلت لوموند عن العراقي عمر الدواشي، عالم الأنثروبولوجيا الصحية في جامعة روتجرز الأميركية: "في النهاية، لا نعرف ما إذا كان الفيروس ينتشر بدون أعراض أو بصورة معتدلة، وما إذا كان هناك نوع من الحصانة الجماعية بسبب ارتفاع نسبة الشباب في السكان".

وبحسب الصحيفة الفرنسية: "في بعض البلدان، ربما لعبت العوامل المحلية أيضا دورا، حيث إن تفتيت المنطقة بسبب الجدار العازل بالضفة الغربية، وحواجز الطرق العسكرية الإسرائيلية، التي عادة ما تعوق حركة المرور، أبطأت بالتأكيد انتشار الوباء هناك".

وقالت: إن الحصار المفروض على قطاع غزة، حيث لم يتمكن سوى 2500 شخص فقط من الدخول منذ بداية مارس/ آذار، يوضح جزئيا لماذا سجلت هذه المنطقة، 20 حالة فقط حتى 7 مايو/ أيار".

الملاحظة نفسها في الأراضي غير الساحلية في شمال سوريا، إدلب في الغرب، حيث لم يسجل بعد مريض واحد في الوقت الراهن، مثل الأكراد في الشرق، حيث لم يتم الإعلان سوى عن ثلاثة إصابات.

ونوهت كذلك إلى أن السعودية استفادت بالتأكيد من الخبرة المتراكمة لديها في مكافحة فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS)، وهي نوع سابق من فيروسات التاجية انتشر على وجه الخصوص من قبل الإبل.

وتسبب المرض الذي ظهر عام 2012 ولا يزال ينتشر بمعدل بطيء، في وفاة 871 شخصا في أواخر فبراير / شباط، نصفهم تقريبا في المملكة العربية السعودية.

مفترق طرق

أما في مصر، تقول "لوموند": "تاريخيا، كانت البلاد دائما مفترق طرق لانتشار الأوبئة، مما يجعلها دولة مجهزة تجهيزا جيدا للوقاية".

إذ يوضح أيمن سباعي، مسؤول الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR): "هذه هي نقطة القوة في نظام الرعاية الصحية المصري. لدينا ممرضات وعمال مجتمع يبحثون من باب إلى باب لتجهيز وحدات الوقاية والعزل الجاهزة بالفعل".

وتؤكد الصحيفة أنه بعيدا عن هذه المسارات، لا تزال هناك العديد من علامات الاستفهام: "هل تقلل الحرارة والرطوبة من طول عمر الفيروس على الأسطح، كما ذكرت بعض الدراسات؟ هل ساعد المعدل المرتفع للتدخين والتطعيم في البلدان العربية سكانها على مقاومة الفيروس التاجي؟".

ويقول عمر الدواشي: إن "الأنثروبولوجيا الصحية تعترف بمفهوم علم الأحياء المحلي، فعلى المستوى الجيني، يُظهر المجتمع الاختلافات المرتبطة جزئيا بالعوامل البيئية والثقافية والتغذوية".

وتساءلت الصحيفة: "لكن ربما قبل استخلاص النتائج، هل يجب أن ننتظر حتى تنتهي المنطقة بالفعل من كوفيد-19؟ ففي مصر ودول الخليج، يستمر منحنى الإصابة اليومي في الارتفاع".

وفي اليمن، مسرح الأزمات الصحية المتعددة، قد لا يكون الوباء حتى في مهده، فمع وجود ثلاثة أطباء لكل 10 آلاف نسمة وقدرات اختبار محدودة للغاية، فإن الأرقام الرسمية (21 حالة و 10 وفيات) لا يمكن الاعتماد عليها. 

ويشير مصدر بأحد المنظمات الإنسانية في صنعاء إلى أن خطر حدوث ذروة في البلاد خلال الصيف وارد، ويقول: "ليس لدينا أي فكرة عن حجم الوباء في البلاد على الرغم من أننا نعرف أنه مستمر منذ بعض الوقت".