حل "منظمة الدعوة".. هل بدأ الصدام بين إسلاميي السودان ويساره؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حرب الهوية القائمة الآن بين الإسلاميين واليسار في السودان، ليست وليدة اللحظة بل تعود إلى حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ويبدو أنها مستمرة ولن تتوقف.

في تعليقه على قرار لجنة "إزالة التمكين" بحل "منظمة الدعوة الإسلامية" في السودان، ومصادرة ممتلكاتها، قال صلاح مناع عضو اللجنة: "لن يعود الإسلاميون في السودان للسلطة أبدا.. عشم إبليس في الجنة".

محاولات اليسار إقصاء الإسلاميين من المشهد الجديد في السودان، بدأت مع تدشين الفترة الانتقالية واستلام عبدالله حمدوك رئاسة الحكومة التي يغلب عليها الطابع اليساري.

"الدعوة الإسلامية"

في 11 أبريل/ نيسان 2020، وخلال مؤتمر صحفي عقدته لجنة إزالة التمكين، التابعة للمجلس السيادي السوداني، وبثته وكالة الأنباء السودانية الرسمية عبر مواقعها، ونقلته بعض القنوات المحلية، إلغاء تسجيل "منظمة الدعوة الإسلامية"، وحجز واسترداد جميع أموال وأصول المنظمة، داخل السودان وخارجه لصالح وزارة المالية. 

منظمة الدعوة الإسلامية التي تأسست عام 1980، واتخذت من العاصمة السودانية الخرطوم مقرا لها، نص قرار حلها على إلغاء سجل كل الشركات المملوكة للمنظمة ومشاريعها الاستثمارية.

 

حسب موقعها الرسمي، تتمحور معظم أنشطة المؤسسة، على "رعاية وتنمية المجتمعات المسلمة كافة، وبالأخص المجتمعات الناطقة بغير العربية، ونشر الإسلام بين الوثنيين واللادينيين، وإشاعة روح التسامح بين أهل الملل، بالإضافة إلى رعايتها للأرامل والأيتام والمساكين وإغاثة المحتاجين والمكروبين، وعملها على كفالة الدعاة وطلاب العلم والمهتدين إلى الإسلام".

ويضم مجلس المنظمة (70) عضوا، وهيئة مراقبة من (65) عضوا، وتمثل فيها قطر، والإمارات، والكويت، واليمن، والمغرب، ومصر، وليبيا، ودول أخرى.. بالإضافة إلى مكاتبها المنتشرة في 41 دولة إفريقية. 

ضربات سابقة

لم يكن قرار إلغاء تسجيل منظمة الدعوة الإسلامية، هو أول ضربات الحكومة السودانية، للجمعيات والمنظمات الخيرية والإسلامية، ففي 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أصدرت مفوضية العون الإنساني بالسودان التابعة للحكومة، قرارها بإلغاء تسجيل 24 منظمة، من المنظمات الأهلية والشبابية والنقابية، وجمدت أرصدتها وحساباتها داخل البلاد وخارجها.

المنظمات الإنسانية التي شملها قرار الإلغاء رقم "47" لسنة 2019، بعضها حكومية وأخرى مستقلة، أبرزها: سند الخيرية - البر والتواصل - أنا والسودان - مجذوب الخليفة - تنميات الإنسانية - الاتحاد الوطني للشباب - اتحاد المرأة - الاتحاد العام للطلاب السودانيين - منظمة السالكين - مؤسسة صلاح ونسي - جمعية بنت البلد الخيرية.

وفيما لم يتم الإعلان رسميا عن سبب إلغاء تسجيل تلك الجمعيات، أرجع معارضون السبب، كونها محسوبة على نظام الرئيس السابق عمر البشير، الذي عزلته قيادة الجيش السوداني، في 11 أبريل/نيسان 2019، من الرئاسة، بعد نحو 3 عقود من حكمه، تحت وطأة احتجاجات شعبية عارمة منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية.

وطالب تجمع المهنيين السودانيين، صاحب التوجه "اليساري"، وأبرز مكونات قوى "إعلان الحرية والتغيير"، التي قادت المظاهرات في البلاد، بحل هذه الاتحادات والمنظمات والجمعيات، والحجز على حساباتها المصرفية والأصول والممتلكات.

دولة علمانية 

لم ينقطع الحديث عن علمانية الدولة في السودان، منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية التي تقدمت بها "قوى الحرية والتغيير"، بعد الإطاحة بحكم البشير، وعليها تم الإعلان الدستوري واعتماده في منتصف أغسطس/ آب 2019 بجوبا عاصمة جنوب السودان.

وفي 10 يناير/ كانون الثاني 2020، أثناء زيارة حمدوك لمدينة "كاودا" إحدى مناطق التمرد في الشمال، استقبله عبد العزيز الحلو، رئيس الحركة الشعبية شمالا، وعبر عن شكره وتقديره، ثم قال مخاطبا حمدوك: "التاريخ وضعك على قمة المسؤولية في هذه المرحلة المفصلية مما يتطلب منك اتخاذ قرارات حاسمة من أجل الحفاظ على وحدة السودان، وذلك بإعلان دولة علمانية ديمقراطية وموحدة على أسس جديدة".

وفي 11 ديسمبر/ كانون أول 2019، أعلنت وساطة دولة جنوب السودان تشكيل لجنة مشتركة من كافة الأطراف لصياغة مبادئ اتفاق السلام، عقب جلسة مباحثات بين الخرطوم والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، ناقشت علمانية الدولة.

التصريحات المتكررة عن علمانية الدولة، أثارت حالة احتقان في الشارع السوداني، ودفعت عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، للتأكيد أثناء افتتاح مسجد في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2019، على أن "الشعب السوداني لن يجامل فى دينه الإسلامي".

انقلاب 1971

نزاعات قديمة

حرب الهوية بين الإسلاميين واليسار في السودان، تعود إلى عقود تاريخية قديمة، من أبرزها الحادثة التي عرفت تاريخيا بـ"رقصة العجكو" عام 1968، عندما أشرف تنظيم "الجبهة الديمقراطية"، الذراع الطلابي للحزب الشيوعي، على تقديم تلك الرقصة داخل الجامعات السودانية، ليحتج أعضاء تنظيم "الاتجاه الإسلامي"، وتبدأ أول أحداث عنف بين الجانبين. 

وفي 25 مايو/أيار 1969، بمعاونة عدد من الضباط وبتخطيط من اليسار وفي مقدمتهم الحزب الشيوعي، تمكن العقيد (آنذاك) جعفر محمد نميري من القفز على السلطة، وإنفاذ انقلاب عسكري ناجح.

وظهر منذ الأيام الأولى التوجه اليساري للنظام الجديد، فمعظم الوزراء من الحزب الشيوعي والبقية من القوميين العرب واليساريين، وكان للحزب الشيوعي الدور الأكبر في دعم نظام نميري والترويج له.

وفي 19 يوليو/ تموز 1971، تمكن بعض الضباط التابعين للحزب الشيوعي من الاستيلاء على السلطة، لكنهم لم يتمكنوا من الحفاظ عليها غير 3 أيام فقط، عاد بعدها نميري، ليسقط الانقلاب، وينفذ أكبر حملة ضد الحزب الشيوعي.

وأطلق ما عرف بـ"محاكمات الشجرة"، وبناء عليها تم إعدام 11 ضابطا، و5 مدنيين، على رأسهم زعيم الحزب عبد الخالق محجوب، والقائد النقابي الشفيع أحمد الشيخ، والقيادي جوزيف قرنق، وقادة الانقلاب الرائد هاشم العطا، والمقدم بابكر النور، والرائد فاروق حمدالله.