منذ الإطاحة بالبشير.. ماذا فعل السودان لرفع اسمه من قائمة الإرهاب؟

سليمان حيدر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يعول السودان كثيرا على التقارب مع الغرب لرفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتمثل ذلك مؤخرا في الزيارات الرسمية التي نظمها مسؤولون أوروبيون رفيعو المستوى إلى الخرطوم.

كان آخرها زيارة الرئيس الألماني فرانك والتر شتاينماير ومن بعده المفوض الأعلى للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل فونتيليس. 

ويقف تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب أمام حصولها على أي دعم خارجي في ظل العقوبات الأميركية المفروضة عليها والتي قيدت المعاملات المصرفية الدولية وتحويل الأموال، مما أثر بدوره على اقتصاد البلاد.

الدور الألماني

ويعتبر السودان الاستثمارات الألمانية مفتاحا لخطوات أوروبية أكبر، الأمر الذي يمهد الطريق لإزالة العقوبات التي تعيق التنمية الاقتصادية. كما تشير زيارة الرئيس الألماني إلى وجود تحسن واضح في العلاقات الثنائية والتي كانت في حالة جمود طوال العقود الثلاثة الأخيرة. 

ويعد شتاينماير أول رئيس ألماني يزور السودان منذ 35 عاما كما تعتبر زيارته هي الأرفع في مستوى الزوار الذين زاروا الخرطوم منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في شهر إبريل/ نيسان 2019. 

صحيفة بلومبرج الأميركية رأت أن الزيارة هي أحدث العلامات على وجود ذوبان كبير في العلاقات بين الغرب والسودان، مشيرة إلى أن الأسابيع الأخيرة بذل خلالها القادة الجدد في السودان جهدهم لتحسين صورتها ورفعها من التصنيف الذي وضعت فيه منذ عام 1993. 

وأبرزت الصحيفة تصريحات الرئيس الألماني التي أدلى بها خلال لقاء جمعه برئيس المجلس السيادي الفريق عبدالفتاح البرهان والتي أشاد فيها بالتغييرات السياسية في السودان قائلا: "من الظلم أن نرى الشعب السوداني لا يزال يعاني اقتصاديا بسبب أفعال نظام البشير". 

 

وأكد شتاينماير استعداد ألمانيا لتشجيع السودان اقتصاديا ودراسة مشاريع صناعية وأخرى خاصة بتوليد الكهرباء. وتعهد بالعمل على رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتمكينه من الاستفادة من دعم المؤسسات التمويلية الدولية ومساندته في مواجهة التحديات التي تواجهه خلال الفترة الانتقالية، وطالب المجتمع الدولي بمساعدة السودان والوقوف إلى جانبه خلال هذه المرحلة. 

على الجانب الآخر رأى رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك أن زيارة شتاينماير مجرد بداية لعلاقات متقدمة مع الدول الأوروبية وخارجها، ودعا في تصريحاته التي سبقت زيارة الرئيس الألماني المسؤولين في الغرب إلى السير على خطى شتاينماير، فيما أكد البرهان أن بلاده حريصة على بناء شراكة قوية مع ألمانيا، وكذلك مع الاتحاد الأوروبي.

أما صحيفة شبيجيل الألمانية فقالت: إن الرئيس الاتحادي يريد تعزيز الحكومة الانتقالية المدنية في السودان، مؤكدة أن الإصلاحيين لا يمكنهم البقاء على قيد الحياة من دون مساعدة خارجية سريعة. 

مصالح الغرب

ويعتقد السفير السابق الرشيد أبو شامة، أستاذ القانون الدولي بمركز الدراسات الدبلوماسية أن الأوروبيين لا تحركهم إلا مصالحهم وليس هناك ما يضمن هذا التحرك، مشيرا إلى وجود تجارب سابقة حيث أخلفوا وعدهم بعدما التزموا بدفع تبرعات لظروف محددة. 

لكنه يرى في تصريحات لصحيفة السوداني بتاريخ 5 ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٩ أنه يجب أن يكسب السودان تأييد الأوروبيين ومساندتهم للمساعدة في رفع اسمه من القائمة، موضحا أنه يجب السير في هذا الاتجاه على الرغم من أن الأوروبيين تغيرهم أبسط الظروف. 

وتوقع خبير العلاقات الدولية الدكتور عبدالرحمن الزومة في تصريح لذات الصحيفة، أن تلعب ألمانيا دورا مهما في رفع اسم السودان من القائمة السوداء ما يمهد الطريق للانفتاح وتحريك المياه، مشيرا إلى أن الخرطوم تلقت وعودا كثيرة من دول أوروبية في هذا الشأن ويمكن أن يكون لها دور كبير في ذلك. 

خلال الأسابيع الأخيرة شهد السودان انفتاحا على الكيان الإسرائيلي بشكل غير متوقع وبرغم التعثر المالي واقتراب الاقتصاد السوداني من الانهيار إلا أن الخرطوم أعلنت عن قبولها دفع تعويضات بخصوص تفجير سفينة حربية أميركية قبل 20 عاما كما أنها قررت التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية وتسليم البشير لها. 

الهدف من هذه الإجراءات كان واضحا حيث تسعى الحكومة الحالية إلى إعادة بناء علاقات وثيقة مع الغرب للحصول على دعم مالي لإنقاذ الاقتصاد المترنح بعد ارتفاع مستوى التضخم إلى أكثر من 60% وهو المعدل الأعلى عالميا. 

ويرى المانحون أن هذه الخطوات ربما ليست كافية، حيث تطالب الدول المانحة بمزيد من الشفافية بشأن الإنفاق العسكري وخطة واضحة للإصلاح الاقتصادي تتضمن إلغاء كاملا لدعم الوقود الذي يقدر تكلفته السنوية بقيمة 3.5 مليار دولار. 

وفي تصريحات لوكالة رويترز، يقول دبلوماسي غربي: إن السودان لن يحصل على أي أموال إذا لم يفعل شيئا فيما يتعلق بدعم الوقود، وهو ما يعني مشكلة جديدة داخل الأزمة حيث سيؤدي رفع الدعم عن الوقود إلى أزمات تفوق حدتها الوضع الحالي. 

فرفع الدعم يعني أن جميع أسعار السلع بما فيها الوقود سترتفع بشكل كبير بخلاف الارتفاع الحالي الذي عجز أمامه أغلب الشعب عن سد احتياجاتهم الأساسية، كما أن الحكومة بهذه الخطوة ستؤجج الوضع الداخلي وهو الأمر الذي ينذر بحدوث حراك كبير ومظاهرات ضد الحكومة كالتي حدثت ضد البشير والتي كان سببها أيضا التدهور الاقتصادي وارتفاع الأسعار. 

اقتصاد العسكر

التيارات اليسارية السودانية المنضوية تحت قوى الحرية والتغيير كان لها رأي آخر حيث ترى عدم وجود حاجة للدعم الخارجي وتفضل التركيز على استعادة الأموال المنهوبة والمهدرة بسبب الفساد كما أنها تطالب باسترداد الثروات المتراكمة لدى الأجهزة الأمنية. 

ويرى صادق فاروق وهو أحد الشخصيات القيادية في قوى الحرية والتغيير وينتمي للحزب الشيوعي السوداني أن زيادة المعونات لن تحل مشكلة السودان، وأن الدعم ليس سببا في الأزمة المالية الحالية.

وتابع لوكالة رويترز في 26 نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٩، أن السبب الحقيقي يكمن في طريقة تخصيص المواد داخل السلطة الانتقالية، مؤكدا أن العسكر يستغلون المرحلة الانتقالية لتوسيع نفوذهم. 

وكان الجيش السوداني قد أعلن عن تقديم مساهمة للحكومة بقيمة ملياري دولار سنويا لدعم الاقتصاد وهو ما يدلل على قوة اقتصاد الجيش السوداني الذي لا يصل إلى يد الشعب. 

ويتفق مع هذا الرأي الكاتب والمحلل السياسي السوداني جعفر عباس الذي طالب الحكومة بإخضاع كافة موارد البلاد الاقتصادية لسلطتها بدلا من السعي للحصول على منح مالية وصفها بـ "المذلة" أو قروض ذات أرباح مركبة. 

وأشار عباس في مقال له بتاريخ 29 فبراير/شباط ٢٠١٩ إلى أن ذلك لن يكون سهلا لأن العسكر لن يتخلوا بسهولة عن إمبراطوريتهم الاقتصادية الضخمة، وأضاف: "لكن وكما أجبرهم الحراك المدني على تقاسم السلطة مع المدنيين، فهو كفيل بانتزاع بعض أو كل موارد البلاد الاقتصادية من أيديهم لتصبح في أيدي جميع المواطنين". 

وخلال زيارة المفوض الأعلى للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، نهاية فبراير/ شباط المنصرم إلى السودان أكد دعم الاتحاد عملية الانتقال السياسي في السودان وبرنامج الحكومة الانتقالية. 

لكن السودان لا يهدف من وراء كل هذه الزيارات إلى الدعم المالي فقط لأن أغلبه في النهاية سيظل دينا على الدولة المنهكة والأمر الأكثر أهمية بالنسبة للسودان هو رفع العقوبات الأميركية عنها. 

ووضعت الولايات المتحدة معايير وشروط يتعين على الخرطوم الوفاء بها للخروج من قائمة الدول الراعية للإرهاب والتي تضم إلى جوار السودان كلا من إيران وسوريا وكوريا الشمالية.

لذلك اتخذ السودان خطوات كثيرة سواء بتطوير العلاقة مع إسرائيل والإعلان عن توقيع اتفاق في واشنطن مع أسر ضحايا تفجير المدمرة كول، بالإضافة إلى التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في قضية تسليم البشير والزيارات المتبادلة مع عدد من الدول الأوروبية والغربية. كل ذلك يهدف إلى رفع اسم السودان من القائمة السوداء.

الشروط الأميركية

في أغسطس/آب ٢٠١٩ أفاد وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل بأن رفع اسم السودان من القائمة السوداء مرهون بعدد من الشروط أهمها التحول إلى حكومة مدنية تكفل حقوق الإنسان وتحقق السلام وتستجيب للمطالب الأميركية الخاصة بمكافحة الإرهاب. 

وأشار إلى أن الولايات المتحدة تركز في علاقاتها مع الحكومة الجديدة على العديد من القضايا الهامة منها حقوق المرأة وإجراء تحقيق في الجرائم التي وقعت خلال عهد البشير والجرائم التي ارتكبت عقب سقوطه بالإضافة إلى مواجهة التحديات الاقتصادية وحقوق الإنسان. 

وبسبب تصنيف السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب والعقوبات الأميركية أصبح البلد غير مؤهل للحصول على أي تمويلات خارجية من مقرضين مثل البنك الدولي وصندوق النقد، فضلا عن عدم قدرته على جذب استثمارات أجنبية إلى البلاد. 

وفي هذا الشأن يقول حبيب العبيد القيادي بقوى الحرية والتغيير: إن المكون الجديد في السودان لديه حرص على الديمقراطية والمساواة والعمل على مكافحة الإرهاب والاستقرار السياسي متوقعا أن يؤدي ذلك إلى رفع السودان من القائمة. 

لكنه قال في تصريحات لموقع "عربي ٢١" مطلع سبتمبر/أيلول ٢٠١٩: إن رفع اسم السودان من تلك القائمة يحتاج إلى وقت، مشيرا إلى أن إمكانيات الشعب السوداني في النمو والتطور والعلاقات الدولية المختلفة عن السابق ستحقق ذلك. 

أما الكاتب السوداني كمال عوض فتساءل عن ماهية الصورة التي يهدد بها السودان واشنطن، وما هي المنظمات الإرهابية التي يرعاها السودان؟ وهل يوجد على أرضه شخصيات أو أعمال مشبوهة؟ 

وأضاف عوض في تصريحات لنفس الموقع: أنه "إذا كانت الإجابة بنعم، فأين تلك المهددات؟ وإن كانت بلا، فلماذا التعنت والتباطؤ في اتخاذ قرار إبعادنا من القائمة التي أقحمنا فيها إقحاما، لاعتبارات سياسية في فترة ماضية انتهت تفاصيلها؟". 

التمويل والتنصير

مع إعلان بوريل أن الاتحاد الأوروبي دعم السودان بأكثر من 150 مليون يورو وأنه على استعداد لزيادة ذلك الدعم بأكثر من 100 مليون يورو بالإضافة إلى دعم إنساني آخر في المجال الإنساني بقيمة 30 مليون يورو لدعم الإغاثة في إقليم دارفور، يتساءل البعض عن طريقة توزيع هذه الأموال وإلى أين يتم توجيهها وما هي الكيفية وما علاقة ذلك بالتنصير؟.

ونشر موقع التبيان تقريرا عن التنصير في القارة السوداء وفي الجزئية الخاصة بالسودان ذكر الموقع أنه من أكثر الدول التي عانت من التنصير وخاصة في المناطق والأقاليم الحدودية.

وأكد أن انفصال جنوب السودان كان من أكبر نجاحات حركات التنصير خلال العقود الأخيرة والتي منعت من خلالها نشر الدعوة الإسلامية هناك واستطاعت توسيع الرقعة المسيحية سياسيا واقتصاديا. 

وذكر التقرير أن المنظمات الكنسية تتولى العديد من المشاريع العلاجية والتعليمية والإنسانية والإغاثية مثل "مدارس كمبوني وأطباء بلا حدود والراهبات وسنت جيمس".

ومن خلال مثل هذه المؤسسات يتم ربط الخدمات والأنشطة التي تقدمها بالمؤسسات مثلما فعلت في جمعية القديس منصور والقديسة ماريا تريزا بالدمازين، كما أنها ربطت الكنائس بأسماء القبائل لضمان استمراريتها. 

وبحسب دراسة نشرها موقع الشروق السوداني عن المشردين في أبريل/نيسان ٢٠١٢، استوعبت جمعية القديس منصور 520 طفلا مشردا خلال الفترة الأخيرة.

وفي منطقة دارفور يشير التقرير إلى وجود نحو 30 منظمة تعمل تحت ستار المنظمات الإنسانية تركز جهودها في مخيمات اللاجئين بعد أن تسللت إلى الإقليم بسبب أعمال العنف هناك. 

ويعبر القسم التنفيذي للطوارئ في دارفور وهو "مجموعة مشتركة بين كاريتاس وعمل الكنائس سوية" عن ماهية المنظمات المنضوية تحته. ومنظمة عمل الكنائس سوية هي تضامن شامل بين الكنائس والمؤسسات التي تعمل لإنقاذ حياة الجماعات التي تعاني من حالات الطوارئ في العالم.