بعيدا عن صراع الساسة.. كيف تنسج شعوب المغرب العربي علاقاتها؟

تونس- الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

58 بالمئة من المستجوبين في استطلاع للرأي أجراه المعهد المغربي لتحليل السياسات (مؤسسة غير حكومية)، عبروا عن تفاؤلهم بمستقبل "الاتحاد المغاربي" المقترح إقامته.

ورأى 95 في المائة من المغاربة المشاركين في الاستطلاع أن "التبادل الاقتصادي بين الدول المغاربية سيعزز الاندماج"، وأقر 91 في المئة منهم بالتقارب الثقافي الكبير بين شعوب المنطقة.

وطالب 89 في المائة من المغاربة المستجوبين بفتح الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر، معتبرين أن الصراع القائم بينهما هو العائق في وجه الاتحاد. كما أقر 91 في المائة منهم بكون شعوب المنطقة متقاربة ثقافيا إلى حد كبير.

47 في المائة من المستجوبين أفادوا بأن لهم علاقات مع مواطنين من بلدان مغاربية، وتأتي الجزائر في الصدارة بـ45 في المائة، تليها تونس بـ34 في المائة، فيما 16 في المائة فقط من المستجوبين سافروا نحو إحدى البلدان المشكلة للاتحاد.

وأضاف الاستطلاع، أن تونس تتربع على عرش الدول المغاربية التي زارها المغاربة، وذلك لأغراض متفرقة، 31 في المائة للمشاركة في ندوات أكاديمية، و20 في المائة للسياحة، و18 في المائة لممارسة الأعمال، و12 في المائة لزيارة الأقارب، و10 في المائة لتفقد الأصدقاء.

المصدر ذاته أشار إلى أن "53 في المائة من المستجوبين يفضلون العيش في تونس، إذا ما اقترحت عليهم مواصلة الحياة ببلد مغاربي، وذلك للانفتاح الذي تعيشه".

صوت الشعب

لا يفوت سكان المغرب الكبير فرصة للتعبير عن رغبتهم في الانفتاح، مشيرين أن بلدانهم تضيع على نفسها فرصة أن تكون أقوى اقتصاديا وسياسيا.

الأمر الذي أكده رئيس مركز التفكير الإستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية، بوبكر حمداني، خلال استضافته في برنامج على التلفزيون المغربي، عندما قال: "إن حالة الجمود في دول المغرب الكبير تشكل خسائر، وتفرق الدول المغاربية يُضعف من قوتها التفاوضية مع الشركاء الأجانب".

وعلى المستوى الاجتماعي، تربط الشعوب علاقات صداقة حسب الاستطلاع، وفي حالات كثيرة تصبح العلاقات أسرية أيضا. والرغبة في فتح الحدود تظهرها هذه الشعوب في كل مناسبة، سواء مباريات كرة القدم عندما تصطف جميعها خلف الفريق المشارك في تظاهرة عالمية، وفي الأزمات الشعبية أيضا. 

هناك هاشتاجات أبرزها "أنا مغاربي" الذي تصدر مواقع التواصل الاجتماعي أواخر 2019، وأطلقته المؤسسة المغاربية للتواصل وحوار الثقافات، داعية الناشطين في دول المغرب والجزائر وموريتانيا وتونس وليبيا، للتدوين دعما للوحدة المغاربية.

وقالت وسائل إعلام مغاربية: إن هدف الحملة أن يعبر كل شخص حالم بالوحدة عن تأييده للمشروع المغاربي، وإيصال رغبة الشعوب في توحيد الأنظمة السياسية بالمنطقة.

دولة المرابطين

في سنة 555 هـ قامت الدولة الموحدية في المغرب الأقصى واجتاحت المغرب الأوسط وإفريقيا، وتمكنت من توحيد المغرب الكبير، كما ورثت حكم المرابطين أيضا بالأندلس.

في معركة "الأرك" عام 591 هـ بين قوات الموحدين بقيادة السلطان أبو يوسف يعقوب المنصور، وقوات ملك قشتالة ألفونسو الثامن، ورغم هزيمة المسيحيين، لكن بدأت الاضطرابات تعصف ببلاد المغرب من جديد، فسقطت معظم حواضر الأندلس عدا غرناطة التي احتفظ بها المسلمون تحت سلطة بني الأحمر، لكن المغرب الإسلامي انقسم إلى 3 إمارات في كل من أقطار شمال إفريقيا الثلاث.

وحكم بنو مرين فاس، والزيانيون تلمسان، والحفصيون تونس، وبدأت هذه الدول تحاول التوسع على حساب جاراتها، فاندلعت بينهم مواجهات في القرنين السابع والثامن الهجري. 

هذه المواجهات لا زال أثرها موجودا إلى الآن، لكن التوحد ترك أثره أيضا، على مستوى اللغة والعادات والثقافة واللباس والموسيقى والطعام، وإن طالتها اختلافات طفيفة إلا أنها واحدة.

"المغرب الكبير"

لم تسلم تسمية الاتحاد من الاختلاف، الباحث الجزائري في علم الاجتماع السياسي، ناصر جابي، يعتبر أن "المغرب الكبير" هو التعبير الأصح لتسمية المنطقة المغاربية، معتبرا أن "شمال إفريقيا" مصطلح جغرافي، بينما المغرب العربي "تسمية سياسية".

يتفق البعض مع طرح الباحث مشددين على أنه لا يوجد شيء اسمه المغرب العربي في التاريخ، لكون أغلب سكان شمال إفريقيا أمازيغ، و لهذا اسمه الحقيقي "شمال إفريقيا".

فيما يدافع البعض على تسمية المغرب الكبير حتى يشمل العناصر المشكلة للمنطقة من أمازيغ وعرب ويهود وأفارقه، وأجناس أخرى انصهرت في هذا الحيز الجغرافي الممتد من منطقة طرابلس بليبيا حتى نهر السنغال الفاصل بين موريتانيا والسنغال.

سعد الدين العثماني، وزير الخارجية المغربي السابق والقيادي بحزب "العدالة والتنمية" الذي يقود الحكومة الحالية، دعا أكثر من مرة إلى تبنّي مصطلح "المغرب الكبير" بدلا من مصطلح "المغرب العربي". 

وقال في تصريحات صحفية: "مصطلح المغرب العربي لا يتماشى مع الدستور الجديد خصوصا أن هنالك في دول الاتحاد المغاربي كثيرا من الأمازيغ، وهم يشكلون الأغلبية".

وورد في الدستور المغربي الذي نقّح لأول مرة عام 2011 مصطلح "المغرب الكبير" مكان "المغرب العربي"، في محاولة لإقرار مزيد من الحقوق للفئات الأمازيغية في البلاد، كجعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.

انفتح العاهل المغربي الحالي أكثر فأكثر على التنوع المغربي، والتقط بعض المتتبعين إشارته في خطاب ألقاه في البرلمان التونسي عند زيارته تونس في 2016، إلى مصطلح "المغرب الكبير" بدلا من "المغرب العربي" على أنها إشارة إيجابية تحترم مقتضيات الدستور الجديد.

ويضم اتحاد "المغرب العربي" أو "المغرب الكبير" الذي تأسس عام 1989 بالإضافة إلى المغرب، كلا من تونس والجزائر وليبيا وموريتانيا ولم يجتمع قادته سوى مرة واحدة بسبب النزاع على الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تدعمها الجزائر.

تجسيد الصرح

بيان صادر عن وزارة الشؤون الخارجية، بمناسبة إحياء الذكرى الحادية والثلاثين لإعلان قيام اتحاد المغرب العربي، جددت تونس خلاله "التزامها الثابت بمواصلة العمل مع شقيقاتها الدول المغاربية من أجل تجسيد صرح المغرب العربي الكبير، وتعزيز أركانه وتنشيط مختلف هياكله ومؤسّساته، بما يسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود".

وأضاف البيان: أن "تونس تسعى لخلق حركية تنموية تعود بالخير والفائدة على كافة الشعوب المغاربية، وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة التي تتطلع باستمرار إلى أن يكون الفضاء المغاربي فضاء للأمن والاستقرار والرخاء".

تونس أكدت هذا الالتزام "إدراكا منها لحجم التحديات التي تعيشها المنطقة المغاربية، وضرورة مواجهتها بشكل جماعي على جميع المستويات، لا سيما منها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية" وفق البيان.