زيارة أردوغان لباكستان.. تعزيز للعلاقات في إطار التجاذبات الإقليمية

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"إننا هنا لا نستقبل أحد أصدقاء باكستان فحسب، إنما قائد وزعيم العالم الإسلامي"، بهذه الكلمات رحب رئيس البرلمان الباكستاني أسد قيصر، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال زيارته الأخيرة، لإسلام أباد، للمشاركة في أعمال الاجتماع السادس لمجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين.

الزيارة شهدت اهتماما بالغا من قبل البلدين، حيث رافق أردوغان في زيارته، عقيلته أمينة، ووزراء الخارجية مولود تشاووش أوغلو، والطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، والدفاع خلوصي أكار.

كما رافقه وزراء الخزانة والمالية براءت ألبيراق، والتجارة روهصار بكجان، والنقل والبنية التحتية محمد جاهد طورهان، ورئيس دائرة الاتصال الرئاسي فخر الدين ألطون، والمتحدث الرئاسي إبراهيم كالن.

وشهدت الزيارة التي بدأت في 13 فبراير/شباط الجاري واستمرت يومين، احتفاء بالغا بالرئيس التركي، والوفد المرافق له، وإقامة العديد من الفعاليات المشتركة بين الحكومتين.

وتأتي أهمية الزيارة في ظل حرب تنافس شرسة بين تركيا من جهة، والإمارات والسعودية من جهة أخرى على إقامة تحالف قوي مع الدولة النووية الإسلامية.

زعيم إسلامي

شارك أردوغان خلال الزيارة في أعمال الاجتماع السادس لمجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين. وكانت البداية من القصر الرئاسي بالعاصمة الباكستانية إسلام أباد، عندما التقى أردوغان نظيره الباكستاني عارف علوي.

ثم توجه الرئيس التركي، للمشاركة في جلسة مشتركة للبرلمان ومجلس الشيوخ الباكستاني، وخلال كلمة رئيس البرلمان الباكستاني، قال مرحبا بأردوغان: إن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليس صديقا لباكستان فحسب إنما قائد العالم الإسلامي برمته".

وأورد قيصر مخاطبا أردوغان "أشعر بفخر كبير جراء التحدث إليكم، فإننا هنا لا نستقبل أحد أصدقاء باكستان فحسب، إنما قائد وزعيم العالم الإسلامي". وأضاف: "إن أعضاء مجلس الشيوخ، ونواب البرلمان يشعرون بفارغ الصبر لسماع آرائكم النيرة، بصفتك أحد أعظم شخصيات العالم الإسلامي اليوم".

كما أشار أن "معاداة الإسلام منتشرة اليوم بشكل لا مثيل له من قبل، وأن العالم يشهد أزمات كبرى، مثل أزمة كشمير، حيث يعيش سكان المنطقة أياما عصيبة في ظل الاحتلال خلال آخر 6 أشهر".

ولفت إلى "وقوف تركيا وأردوغان إلى جانب أهالي كشمير في هذه المرحلة، معربا باسمه واسم الشعب الباكستاني وأهالي كشمير عن بالغ شكره وامتنانه لتركيا ورئيسها جراء موقفه الشجاع من هذه الأزمة". 

ثم اختتم اليوم من مقر رئاسة الوزراء بالعاصمة الباكستانية إسلام أباد، عندما أقام رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، مأدبة عشاء حافلة، ضمت كبار رجال الدولة، على شرف ضيفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. 

جيوش قوية

ما يعزز من أواصر الوحدة بين البلدين، القوة العسكرية الصاعدة لكليهما، حيث جرى لقاء جمع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بنظيره الباكستاني برويز ختك في إسلام أباد، وذلك في 14 فبراير/شباط الجاري.

وأفادت وزارة الدفاع التركية أن "أكار التقى أولا قائد القوات البرية الباكستانية الجنرال قمر جاويد باجوا، ثم عقد لقاء ثنائيا مع نظيره الباكستاني برويز ختك"، مشيرا إلى أن "أكار وختك تبادلا وجهات النظر حول الدفاع الثنائي والإقليمي وصناعات الدفاع والأمن".

وتعد تركيا من أقوى بلدان الشرق الأوسط عسكريا، فبحسب إحصائية "جلوبال فاير باور" للقوة العسكرية التركية لعام 2019، لدى القوات المسلحة التركية ما يزيد عن 735 ألف جندي منهم 355 ألف جندي فاعل، بالإضافة إلى امتلاك الجيش التركي أكثر من 3200 دبابة، وأكثر من 10 آلاف قطعة حربية أخرى بين آليات مدرعة ومدافع متعددة الأنواع. 

وتمتلك أنقرة أيضا قرابة 1067 طائرة من الأنواع القتالية والقاذفة والاعتراضية، من بينها أكثر من 200 طائرة هجومية، ونفس هذا العدد من الطائرات المقاتلة أبرزها مقاتلات من طراز F16 وغيرها من الطرز الأخرى، ويحتل سلاح الجو التركي المرتبة العاشرة عالميا من حيث القوة. 

أما القوة البحرية التركية فتضم 194 قطعة بحرية من أحجام وأنواع مختلفة، منها 12 غواصة، وهو الجيش الأقوى في منطقة الشرق الأوسط. وبالنسبة للجيش الباكستاني، يقدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام امتلاك باكستان ما بين 140 و150 رأسا حربيا نوويا. 

ووفق تقديرات المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في بريطانيا، لعام 2019، أنفقت إسلام أباد نحو 1.26 ترليون روبية باكستانية (11 مليار دولار)، أي نحو 3.6%  من ناتجها المحلي الإجمالي، على جيشها البالغ قوامه 653 ألفا و800 جندي. 

وبحسب المعهد فإن "برنامج باكستان الصاروخي الذي تأسس بمساعدة صينية، يتضمن صواريخ متحركة للمدى القصير والمدى المتوسط يمكن أن تصل إلى أي مكان في الهند. كما يصل مدى الصاروخ (شاهين 2) إلى ألفين كلم، وهو أطول صواريخ باكستان مدى". 

وتمتلك باكستان 425 طائرة حربية من بينها طائرات "أف-7بي. جي" الصينية ومقاتلات أف-16" الأمريكية. وأشار المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية أن "لديها أيضا سبع طائرات للإنذار المبكر والقيادة المحمولة جوا". 

وقال المعهد في تقديراته: إن "سلاح الجو (الباكستاني) يعمل على تحديث ما لديه من طائرات وفي الوقت نفسه تحسين قدرات توجيه الضربات الدقيقة والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع". ولباكستان 9 فرقاطات و8 غواصات و17 سفينة للدوريات والعمليات الساحلية و8 طائرات لديها قدرات حربية. 

شراكة اقتصادية

كانت الشراكة الاقتصادية على رأس أولويات النظامين، خلال القمة التركية الباكستانية، حيث أكد أردوغان، أن بلاده تهدف لرفع حجم التبادل التجاري مع باكستان إلى مليار دولار. 

وذكر أن "حجم التبادل التجاري بين البلدين البالغ 804 مليون دولار لا يتناسب مع حجم البلدين ومستوى العلاقات السياسية بينهما". كما شدد على "ضرورة رفع التبادل التجاري في المرحلة الأولى إلى مليار دولار وثم إلى 5 مليار دولار".

ولفت أن "حجم الاستثمارات التركية في باكستان تبلغ 500 مليون دولار، في مجال الطاقة والبناء والمواد الغذائية، في حين أن حجم الاستثمار الباكستاني في تركيا يبلغ 100 مليون دولار"

وذكر أنه "سيتم التوقيع مع رئيس الوزراء الباكستاني على 13 وثيقة تهدف إلى رفع مستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين". 

وتحتل تركيا المرتبة 13 للعام 2019، في قائمة اقتصاديات العالم، كما أنها عضو في حلف الناتو، ومجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم، وتصنف ضمن البلدان الـ 5 الأوائل الأكثر إسهاما في مهام حلف "الناتو" وعملياته، فيما تحتل باكستان المرتبة 41 عالميا. 

قضايا مصيرية

يشترك البلدان في مواجهة العديد من القضايا المصيرية، فلكل بلد منهما، معاركه المستعرة، والضغوط الدولية التي تواجهه، ففي 14 فبراير/ شباط الجاري، قال أردوغان، في معرض خطابه الذي ألقاه أمام البرلمان الباكستاني: إن "بلاده ستواصل دعم باكستان والوقوف بجانبها، في وجه الضغوط السياسية التي تتعرض لها".

وأوضح أردوغان أن "أنقرة ستواصل دعم إسلام أباد في كفاحها ضد التنظيمات الإرهابية". وأردف: "لن ننسى تقاسم الباكستانيين رغيفهم معنا في حرب استقلالنا". 

وتابع قائلا: "سندعم باكستان التي تتعرض لضغوط سياسية في اجتماعات مجموعة العمل المالي وسنقف إلى جانبها في كفاحها ضد التنظيمات الإرهابية".

وعلى الجانب الآخر، أعلن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أن "بلاده تقف إلى جانب تركيا ضد الهجمات التي تتعرض لها في سوريا". وشدد خان على ثقته بأن "الاتفاقيات الإستراتيجية المبرمة بين تركيا وباكستان، سترتقي بالعلاقات القائمة بين البلدين".

وقال: "الشعب الباكستاني وحكومته يقفان دوما إلى جانبكم وسيستمران على هذا المنوال". كماتحدث رئيس الوزراء الباكستاني عن ازدياد متانة العلاقات بين البلدين منذ مجيء أردوغان إلى سدة الحكم في تركيا. 

وفي نهاية المطاف أهدى الرئيس التركي كتاب "احتلال القرن: فلسطين في ظل الخطط الأحادية" إلى نظيره الباكستاني عارف علوي، ورئيس الوزراء عمران خان. 

ويتناول الكتاب نضال الشعب الفلسطيني، ومراحل الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته للقانون الدولي، ودعم تركيا للنضال الفلسطيني، وتفاصيل خطة الاحتلال والضم التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحت مسمى "صفقة القرن".

وتلعب كل من تركيا، وباكستان دورا محوريا في معارضة "صفقة القرن"، والحيلولة دون تنفيذها على أرض الواقع، في ظل غياب ملحوظ للدور العربي، وتعارض سياسات محور الرياض وأبوظبي والقاهرة، مع السياسة التركية في المنطقة.

عود جديد

زيارة الرئيس التركي، مثلت مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، وعودة لسياق الترابط، بعد إشكالية غياب إسلام أباد عن القمة الإسلامية، ففي 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي انعقدت القمة الإسلامية المصغرة بالعاصمة الماليزية كوالالمبور، بحضور زعماء دول "ماليزيا، تركيا، إيران، قطر" وذلك بعد أن اعتذر رئيس الوزراء "عمران خان" عن الحضور.

وقتها أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 20 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن باكستان تعرضت لضغوط سعودية من أجل ثنيها عن المشاركة في القمة الإسلامية بالعاصمة الماليزية. وأشار أردوغان أن مثل هذه المواقف التي تصدر عن السعودية وإمارة أبوظبي ليست الأولى من نوعها.

وعن الضغوط التي مارستها الرياض على باكستان لمنع مشاركتها في قمة كوالالمبور الأخيرة، أوضح أردوغان أن السعوديين هددوا بسحب ودائعهم من البنك المركزي الباكستاني، كما هددوا بترحيل "4 ملايين باكستاني يعملون في السعودية" واستبدالهم بالعمالة البنغالية.

وأوضح أن باكستان التي تعاني من أزمات اقتصادية كبيرة، اضطرت لاتخاذ موقف بعدم المشاركة في القمة الإسلامية، في ظل هذه التهديدات والضغوط.

وتعليقا على التقارب التركي الباكستاني الأخير، قال المحلل السياسي الباكستاني رؤوف حسن، في مداخلة هاتفية على قناة "الجزيرة الإخبارية": إن "بلاده على وشك القيام بتغييرات كبيرة في توجهاتها قد تشكل نقلة نوعية في علاقاتها، مضيفا أنها تريد الحفاظ على حرية خياراتها كأي دولة ذات سيادة". 

وأشار إلى أن "إسلام أباد بصدد توجيه رسالة إلى الرياض، مفادها أن باكستان تحاول تنويع علاقاتها والبحث عن خيارات أخرى، وأنها (حساسة جدا) تجاه الهند وقضية كشمير.. معتبرا أن السعودية تتقن فن خسارة الحلفاء، وأنه يمكن للباكستانيين إدارة ظهورهم للرياض إذا واصلت المملكة ضغوطها".