تسليم عمر البشير للمحكمة الجنائية الدولية.. الدوافع والتوقعات

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في أقل من أسبوع تقدمت الحكومة الانتقالية، والمجلس السيادي الحاكم بالسودان، خطوتين في إطار سلسلة من الإجراءات التي طالبت بها الولايات المتحدة خلال زيارة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لواشنطن، قبل أيام من نهاية 2019، وجرى فيها الاتفاق على إجراءات ثقة متبادلة بين الجانبين، من أجل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

الخطوتان اللتان قامت بهما الحكومة والمجلس الانتقالي، أثارا الكثير من الجدل عن توقيتهما، وتأثيرهما على الوضع في السودان الذي ما زال يعاني من تفاقم الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية.

الخطوة الأولى تمثلت في اللقاء المفاجيء الذي جرى في العاصمة الأوغندية عنتيبي، بين رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، وجرى فيه الاتفاق على فتح المجال الجوي السوداني أمام الطيران الإسرائيلي المتجه للهند وجنوب القارة الإفريقية، مع وضع تصورات مستقبلية لإنجاز ملف التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب.

وقبل أن تهدأ عاصفة لقاء البرهان ونتنياهو، فجرت الحكومة السودانية المفاجأة الثانية، بإعلانها للمرة الأولى عن عدم ممانعتها تسليم الرئيس السابق عمر حسن البشير، وثلاثة آخرين للمحكمة الجنائية الدولية، لمحاكمته في الاتهامات الموجهة له بتهم الإبادة الجماعية في دارفور.

والحرب في دارفور هي نزاع مسلح اندلع في فبراير/شباط 2003 عندما بدأت مجموعتين متمردتين هما حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة بقتال الحكومة السودانية التي تتهم باضطهاد سكان دارفور من غير العرب. ردت الحكومة بهجمات عبارة عن حملة تطهير عرقي ضد السكان قتل على إثرها مئات الآلاف من المدنيين.

فعل ورد فعل

وفقا لخبراء ومحللين سودانيين تحدثوا لـ صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن قرار تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، ربما لن يرى النور، لأنه كفيل بفتح أبواب جهنم على كثير من قيادات الجيش السوداني الذين مازال بعضهم في السلطة، وكانت لهم مشاركات واسعة في عمليات الإبادة التي جرت في دارفور، قبل وبعد قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي صدر عام 2009.

وتشير تحليلات أخرى إلى أن خطوة تسليم البشير للجنائية الدولية جاءت في هذا التوقيت لتخفيف ضغوط قوى الحرية والتغيير السودانية التي انتقدت لقاء البرهان ونتنياهو وبدء طريق التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب، بالإضافة للحصول على دعم الحركات المسلحة بدارفور، والتي رهنت قبولها بالمفاوضات السلمية مع المجلس السيادي بتسليم البشير والمتورطين معه في الجرائم للمحاكمة الدولية.

ووفقا لإعلان محمد حسن الطايش، عضو المجلس السيادي الحاكم، يوم 11 فبراير/ شباط الجاري، فإن المجلس توصل إلى اتفاق "لتسليم الذين يواجهون الاعتقال من المحكمة الجنائية الدولية"، ورغم أنه لم يذكر البشير صراحة، أو تحديد جدول زمني من أجل تنفيذ ذلك، إلا أن التقارير التي خرجت عن الجماعات المسلحة بدارفور، ومنظمات حقوق الإنسان المعنية بهذا الملف، قالت إن الاتفاق يتضمن البشير.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن عضو آخر بالمجلس السيادي مشارك في الوفد الحكومي بمحادثات جوبا، تأكيده أن الوفد الحكومي لديه "ضوء أخضر" من القادة العسكريين في المجلس، بمن فيهم رئيسه الجنرال عبد الفتاح برهان، بالإعلان عن تسليم البشير، مؤكدا أن رغبتهم هي: "طمأنة الجماعات المسلحة بأننا جادون ونريد تحقيق السلام في أسرع وقت ممكن".

وقال عضو المجلس السيادي، الذي تحفظت الصحيفة الأمريكية على هويته: إن أي تسليم "قد يستغرق شهورا" لأنه مطلوب لجرائم أخرى في السودان تتعلق بـ "الثورة" والانقلاب العسكري المدعوم من الإسلاميين في عام 1989، مشيرا كذلك إلى أن القرار قد يواجه برد فعل عنيف من داخل الجيش السوداني، الذي خرج منه البشير، وكذلك من الإسلاميين في البلاد.

انتقادات وشكوك

رغم أن "محمد الحسن الأمين"، عضو هيئة الدفاع عن البشير، أكد في تصريحات صحفية، أن تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية مخالف لقرار الاتحاد الإفريقي الذي صدر قبل سنوات برفض هذه الخطوة، إلا أنه لم يقدم ما يمكن البناء عليه من مواقف قانونية تدعم موقف البشير ورفاقه، وإن كان في الوقت نفسه كشف أن القرار له أبعاد سياسية واضحة، كما أنه يمثل خطورة على الأمن القومي السوداني.

ووفق الأمين، فإن إصرار الحكومة على تسليم البشير للمحكمة الجنائية، وعدم إجراء محاكمته في الخرطوم، يثير الشكوك عن الهدف من هذه الخطوة، خاصة وأن "الجنائية الدولية"، لم ترفض سابقا محاكمة عمر البشير في السودان، موضحا أن الرجل المسجون حاليا يرفض التعامل مع الجنائية، لأنه يعتبرها "محكمة سياسية"، وأن القضاء السوداني بمقدوره التعامل مع أي قضية.

وعزلت قيادة الجيش، في 11 أبريل/ نيسان الماضي، البشير من الرئاسة، تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية.

ودعا الأمين الحكومة السودانية بالتراجع عن خطوة تسليم الرئيس السابق للجنائية، مؤكدا أن الجيش كان يقوم بمهامه في دارفور والمحكمة لن تكتفي بتسليم البشير بل قد تتم المطالبة بقيادات أخرى موجودة بالسلطة.

وكشف الأمين في تصريحات أخرى لوكالة أسوشيتد برس"، أن الأمر "لن يحدث بسهولة"، خاصة وأن نائب رئيس المجلس السيادي، الجنرال محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي"، يقود وحدة شبه عسكرية شاركت في سحق تمرد دارفور.

ومن النقطة الأخيرة التي أشار إليها الأمين، نقلت "نيويورك تايمز"، عن الباحث السوداني مجدي الجزولي زميل معهد ريفت فالي للأبحاث والتدريب، شكوكه في تنفيذ هذه الخطوة".

وقال: "إنني أشك بشدة في أن هذا يعني أي شيء. إرسال البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية هو كيس من الديدان لست متأكدا من رغبة الجيش في فتحه، إنها قضية مثيرة للجدل داخل الجيش".

وأضاف الجيزولي أن الطايش عضو مجلس الحكم السيادي، أعلن القرار أثناء مغادرته محادثات السلام بين الحكومة والجماعات المتمردة في دارفور، الذين يقاتلون الجيش السوداني منذ سنوات، والذين عانوا بشكل كبير تحت حكم البشير، وربما يكون ذلك تجاوز من الطايش، أو أن يكون التصريح "مجرد جزء من قصة المفاوضات".

ترحيب دولي حذر

رغم أن الإعلان عن تسليم البشير للمحكمة الجنائية كان مفاجئا للجميع، بمن فيهم المعنيون بالمحكمة نفسها، خاصة وأن تأكيدات سابقة لحكومة حمدوك، أعلنت عدم تفاعلها مع المطالب المتزايدة لأبناء دارفور بتسليم البشير للمحكمة، فإن الترحيب الدولي بقرار تسليمه غلفه الحذر والتقرب، وهو ما ظهر في التصريحات التي نقلتها "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، ووكالة رويترز، وشبكة cnn، عن مختصين دوليين بهذا الملف.

وحسب "مايكل نيوتن"، أستاذ القانون بجامعة فاندربيلت، والمدرج في قائمة محامي المحكمة، فإن هذه الخطوة "إذا حدثت"، قد تمثل "لحظة فاصلة" بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية، بينما رفض المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية، فادي العبد الله، تقديم أي إفادة لوسائل الإعلام عن قرار الخرطوم.

وأكد العبدالله أن المحكمة ليس لديها تعليق حتى تتلقى تأكيدات من السلطات السودانية. ومع ذلك، قال: إن البلاد لن تضطر إلى التصديق على المعاهدة التأسيسية للمحكمة (نظام روما الأساسي)، قبل إرسال البشير إلى لاهاي.

وقال جون برندرغاست، الخبير والمؤسس المشارك لمجموعة مراقبة الحراسة "في سنتري": "تظهر حكومة السودان الناشئة بعد البشير، التزاما جادا بمبادئ حقوق الإنسان في الأشهر الأولى من توليها السلطة". أخيرا ، نرى أن تحقيق قدر ضئيل من العدالة في جرائم الفظائع الجماعية في دارفور، يبث روح جديدة في الجهود العالمية لدعم حقوق الإنسان ومنع الإبادة الجماعية".

واعتبر جينس ديفيد أولين، نائب عميد كلية الحقوق بجامعة كورنيل في تصريحات لـ "أسوشيتد برس" أن البشير هو "الحوت الأبيض الكبير" بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية.

ودعت جولي فيرهار، الأمينة العامة بالنيابة لمنظمة العفو الدولية إلى ترجمة الكلمات التي صدرت عن المسؤولين في الخرطوم لأفعال، من خلال نقل البشير وغيره من الأفراد بموجب مذكرة توقيف المحكمة الجنائية الدولية إلى لاهاي على الفور".

وأضافت في بيان نشرته على حسابها بـ"تويتر": "عليهم أن يثبتوا كذلك أن عصر الإفلات من العقاب على حكومة البشير، قد انتهى من خلال تقديم جميع مرتكبيه المزعومين بارتكاب جرائم مروعة في النظام السابق إلى العدالة".

لماذا الآن؟

المراقبون للأوضاع في السودان، توافقوا أن خطوتي لقاء البرهان بنتنياهو في أوغندا، ثم إعلان النية حول تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، لا تخرج عن خطوات مشتركة بين البرهان ورئيس حكومته حمدوك، في كسر الجمود الدولي وخاصة الأمريكي حول الوضع الاقتصادي المتأزم في السودان.

وهو الوضع الذي عبر عنه بشكل واضح "ريتشارد داوني" الخبير في برنامج إفريقيا بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) بالولايات المتحدة الأمريكية، من أن حمدوك هو الذي يراهن على دعم المجتمع الدولي ومساعدته في ضبط الاقتصاد السوداني الذي يشهد تدميرا كبيرا.

وحسب تقدير الموقف الذي كتبه "داوني"، عن تقييم أداء الحكومة السودانية، فإن حمدوك في موقف ضعيف، حيث يتنقل في شراكة غير مريحة مع الجيش ويقود حكومة عديمة الخبرة، ويجب عليه أن يدير توقعات الجمهور، وأن يُظهر للمانحين الدوليين أنه قادر على الوفاء بأجندته الإصلاحية.

وبالتالي فإنه يواصل السعي بأشكال مختلفة من أجل إزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وهي القائمة التي لا تقف عائقا أمام الوصول إلى صناديق التنمية الأمريكية فقط، وإنما تمنع السودان فعليا من الدخول للمؤسسات المالية الدولية.

ويشير "دواني" أن حمدوك يشعر بالقلق إذا لم تتحرك الولايات المتحدة وشركاؤها بسرعة لتوفير دعم مالي وتقني ودبلوماسي قوي له، لأنه في هذه الحالة سيدخل في صدام مباشر مع ملايين السودانيين الذين كانوا يتطلعون لمستقبل أكثر ازدهارا.

ويدعم الطرح الذي قدمه "دواني"، التصريحات الواضحة التي أطلقها رئيس حزب "الأمة الإصلاح"، ونائب رئيس الوزراء السوداني الأسبق، مبارك الفاضل المهدي، على خلفية لقاء نتنياهو البرهان، بأنه يأتي لخدمة الشعب السوداني.

وحسب وصف المهدي لصحيفة "الشرق الأوسط"، بأن التطبيع في مرحلته الأولى يمكن أن يقدم للسودان "شهادة براءة من الإرهاب"، وأن "إسرائيل دولة مهمة في إصدار هذه الشهادة".