شيعة إيران ويهود إسرائيل.. عداء حقيقي أم فرقعة إعلامية؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لطالما كانت العلاقة بين التيار الشيعي وإسرائيل محل جدل واسع ومتجدد، ولطالما طرحت تساؤلات عن حالة العداء بين الجانبين، هل هو عداء فعلي، أم عداء غير حقيقي، ويمثل غطاء لاتحاد مشروعين في استهداف دول عربية، أو في التخادم بينهما، بموجب تحالفات قديمة؟.

ففي حين يقول البعض: إن هناك عداء حقيقيا بين الجانبين، وأن الحرب بينهما سوف تندلع إذا اكتملت شروطها الموضوعية، يؤكد آخرون أن العداء بين البلدين ليس حقيقيا، وأن الشعارات الإيرانية الشيعية تجاه إسرائيل والكيان الصهيوني ليس سوى مفرقعات إعلامية، بدليل أنه لم يحصل، منذ أكثر من 40 عاما، أي منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، أي تهديد حقيقي ووجودي لإسرائيل.

بالإضافة إلى أن تصريحات رسمية كشفت عن علاقة الشيعة بإسرائيل، وعن طبيعة التعاون بينهما، فضلا عن وجود مشتركات عقائدية لدى الشيعة واليهود، اتخذت من فكرة الاصطفاء الإلهي عمودا لها، وكذلك أهداف إستراتيجية مشتركة، أهمها معاداة الإسلام السني الأصولي الذي يحمل في أدبياته أفكارا تحد من توسع المشروعين الفارسي والصهيوني.

وليٌ حميم

في مذكراته، كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إرييل شارون: "لم أرَ يوما في الشيعة أعداء إسرائيل على المدى البعيد"، شارون، أضاف في مذكراته: "توسعنا في كلامنا عن علاقات المسيحيين بسائر الطوائف الأخرى، لا سيّما الشيعة والدروز".

وتابع: "شخصيا طلبت منهم توثيق الروابط مع هاتين الأقليتين، حتى أنني اقترحت إعطاء قسم من الأسلحة التي منحتها إسرائيل، ولو كبادرة رمزية إلى الشيعة الذين يعانون هم أيضا مشاكل خطيرة مع منظمة التحرير الفلسطينية".

كانت هذه العبارة، بحسب مراقبين، واضحة بما يكفي للتدليل على أن طائفة الشيعة لم تكن يوما من الأيام على عداء مع الكيان الصهيوني، وأن ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما.

حسب صحيفة هافينجتون بوست، النسخة الإنجليزية، فإن إسحاق رابين في عام 1987، قال: "إيران هي أفضل صديق لإسرائيل، ونحن لا ننوي تغيير موقفنا فيما يتعلق بطهران".

ويلاحظ من خلال الفترة التي تم الإدلاء فيها بهذا التصريح أنها قيلت في الفترة التي كان شيعة إيران ترفع فيها شعار "الموت لإسرائيل"، ولم تكن في عهد الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان معروفا بعلاقته الجيدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني، وكان من أوائل من اعترف بإسرائيل منذ تأسيسها عام 1948.

وزير الخارجية الإسرائيلي ديفيد ليفي، في حكومة بنيامين نتنياهو، أدلى بتصريح نقلته جريدة هارتس اليهودية مطلع يونيو/حزيران 1997، قال فيه: "إسرائيل لم تقل في يوم من الأيام إن إيران هي العدو".

وأوردت صحيفة معاريف في 23 سبتمبر/أيلول 1997 مقالة للصحفي اليهودي أوري شمحوني قال فيها: "إيران دولة إقليمية، ولنا الكثير من المصالح الإستراتيجية معها، فإيران تؤثر على مجريات الأحداث وبالتأكيد على ما سيجري في المستقبل".

وأضاف: "التهديد القائم على إيران لا يأتيها من ناحيتنا، بل من الدول العربية المجاورة، فإسرائيل لم تكن أبدا ولن تكون عدوا لإيران".


دعم عسكري

طبيعة العلاقة التي أفصح عنها مسؤولون إسرائيليون بكونها علاقة صداقة مع إيران، أو حالة عدم عداء، كانت في حدودها الدنيا، لكنها ظهرت بشكل جلي في التعاون والدعم العسكري الذي تلقته إيران من إسرائيل، منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، وخاصة إبان اندلاع الحرب الإيرانية العراقية.

وثائق عديدة كشفت أن تل أبيب زودت طهران بأسلحة متطورة، خلال فترة الثمانينيات، وهي الفترة التي كانت إيران تعلن فيها العداء مع إسرائيل، وترفع شعارات معادية لها، على شاكلة شعار "الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود".

حسب هافينغتون بوست، فإن إسرائيل باعت للإيرانيين أسلحة، في الثمانينيات، أثناء الحرب الإيرانية العراقية، حيث تم بيع 100 صاروخ من نوع "تاو" لإيران.

وأضافت الصحيفة، أن تريتا بارسي ذكر في كتابه "التحالفات الغادرة" أن "كميشي، وهو دبلوماسي إسرائيلي سابق مولود في بريطانيا ونائب مدير الموساد، كان قد تساءل ما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ستوافق على تزويد إسرائيل مجددا بترسانة صواريخ، في حال استمرارها بعقد صفقة مع إيران، وأجاب الدبلوماسي الإسرائيلي بأن دونالد ريجان وافق على ذلك بسرور".

في 18 يوليو/تموز 1981 كشفت حادثة إسقاط طائرة أرجنتينية من قبل سلاح الجو السوفيتي، أن شحنة أسلحة كانت في طريقها إلى طهران، الطائرة كانت تابعة لشركة أروريو بلنتس، وهي واحدة من سلسلة طائرات كانت تتنقل بين إيران وإسرائيل قد انطلقت من تل أبيب باتجاه طهران وضلت طريقها ودخلت الأجواء السوفيتية.

ونشرت صحيفة التايمز اللندنية تفاصيل دقيقة عن هذا الجسر الجوي، وكان عراب العملية حينها التاجر البريطاني إستويب ألن، حيث تسلمت إيران ثلاث شحنات أسلحة، خلال تلك الفترة، بحسب الصحيفة.

وفي 28 أغسطس/ آب 1981 أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة القبرصية في نقوسيا أن طائرة أرجنتينية حطت في مطار لارنكا قادمة من تل أبيب وغادرته في اليوم ذاته إلى طهران محملة ب 50 صندوقا وزنها 6750 كيلوغرام.

صحيفة ميدل إيست البريطانية ذكرت في نوفمبر/تشرين الثاني 1982 أن مباحثات تجري بين إيران وإسرائيل، بشأن عقد صفقة تبيع فيها الأولى النفط إلى الثانية، في مقابل إعطاء إسرائيل أسلحة إلى إيران بمبلغ 100 مليون دولار كانت قد صادرتها من الفلسطينيين بجنوب لبنان.

وذكرت مجلة أكتوبر المصرية في أغسطس/ آب 1982 أن إيران عقدت صفقه مع إسرائيل، اشترت بموجبها السلاح الذي صادرته إسرائيل من جنوب لبنان، وتبلغ قيمة العقد 100 مليون دولار.

اعترافات رسمية

بعد اندلاع الثورة الإيرانية، لم يكن الجانب الإيراني الرسمي من يدير تلك العلاقة، بل المرجعية الدينية الشيعة المتمثلة بروح الله الخميني، واعترف الرئيس الإيراني الأسبق أبو الحسن بني صدر، وهو أول رئيس للجمهورية بعد اندلاع الثورة، بأن التيار الديني هو الذي كان يدير العلاقة مع إسرائيل.

في مقابلة مع صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية بتاريخ 24 أغسطس/آب 1981، قال الرئيس الحسن بني صدر إنه كان على علم بوجود علاقة بين إيران وإسرائيل، وإنه لم يستطع أن يواجه التيار الديني هناك.

وفي برنامج "زيارة خاصة" على قناة الجزيرة مطلع ديسمبر 2000، قال بنى الصدر: "في اجتماع المجلس العسكري أعلمنا وزير الدفاع أننا بصدد شراء أسلحة من إسرائيل، وعند سؤاله عن الجهة التي سمحت بذلك أجاب: الإمام الخميني".

الدعم العسكري الذي تقدمه تل أبيب لطهران، كان يهدف إلى إضعاف العراق، وهو الأمر الذي يصب في مصلحة إسرائيل، ففي 3 مايو/آيار 1982 اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيجن، بأن إسرائيل كانت تمد إيران بالسلاح، وعلل أرييل شارون، وكان وزير الدفاع الإسرائيلي حينها، أسباب المد العسكري الإسرائيلي لإيران بأنه كان بغرض إضعاف العراق.

إيران لم تكن تعلن هذه العلاقة ولا تكشف عن هذه الصفقات، بل كانت ترفع شعارات العداء مع إسرائيل، والعداء ضد اليهود، وتعد بتحرير القدس والأقصى.

الجانب الإسرائيلي الرسمي لم يعلن حينها عن الدعم الذي يقدمه لإيران، ولم يتحدث عن الجسر الجوي الذي أنشأه من تل أبيب إلى طهران، بل أصدر بنيامين نتنياهو أمرا يقضى بعدم نشر أي معلومات عن أي تعاون عسكري أو تجاري أو حتى زراعي بين إسرائيل وإيران.