غلق معبر "ترخال".. توافقي أم جولة في صراع الرباط ومدريد؟

12

طباعة

مشاركة

15 مليون يورو سنويا، هو المبلغ الذي اقترحه رئيس حكومة سبتة (ذاتية الحكم تابعة إقليميا لإسبانيا) خوان فيفاس، على الحكومة المركزية لمدريد مقابل إعادة تدبير الاقتصاد المحلي للمدينة، موضحا أنها لا يمكنها الصمود بعد إغلاق معبر "ترخال".

في 9 من أكتوبر/تشرين الأول 2019 قررت حكومة الرباط إغلاق معبر "ترخال" الذي يعد قناة لتهريب البضائع، بين مدينتي سبتة المتنازع على ملكيتها مع إسبانيا منذ 1580، ومدينة الفنيدق المغربية.

فيفاس، اتهم الرباط بخنق اقتصاد المدينة، الذي كان قائما على بيع البضائع للتجار المغاربة وتمريرها من المعبر، على ظهور حمّالين رجال ونساء مغاربة، مقابل دراهم قليلة مع تعريض حياتهم للخطر، بسبب ضيق المعبر وشدة الازدحام، وأيضا ثقل ما يحملونه على ظهورهم.

صحيفة "كونفيدوثيال" الإسبانية، قالت: إن "الضغط الكبير على المعبر التجاري، أدى إلى إغلاقه مؤقتا، قبل أن يتحول القرار إلى شبه نهائي"، لكن المسؤول الإسباني حمل المسؤولية لمدريد، معتبرا النهوض الاقتصادي للمدينتين مرتبط بإسبانيا، وليس المغرب.

حصار "سبتة"

"يمضي المغرب إلى مزيد من حصار اقتصاد سبتة"، هذا ما استقرأته صحف مغربية من قرار الرباط إنشاء منطقة تجارية حرة بالفنيدق.

وفي 7 يناير/ كانون الثاني 2020 بدأ البرلمان مناقشة التوصية التي جاءت من لجنة استطلاعية، شددت على ضرورة تقوية المغرب لتجارته الداخلية بدلا من اعتماد عدد من سكان الشمال على أنشطة التهريب.

وأكد تقرير اللجنة أن التهريب يهدد الأمن الصحي والاقتصادي كذلك، إذ لا يؤثر فقط على المشتغلين في تجارة حمل البضائع المهربة من النساء والرجال، بل في حركة التجارية الداخلية في المنطقة التي ارتبطت بالسلع المهربة.

ومن جهته رأى فيفاس في تحركات المغرب "إشارات واضحة"، ودعا حكومة مدريد التدخل بشكل عاجل.

رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان محمد بنعيسى، قال في تصريح سابق لـ"الاستقلال": "المرصد وباعتباره جهة حقوقية متتبعة لملف ممتهني التهريب المعيشي يرفض إعادة فتح معبر ترخال إلى حين أن تضع الحكومتان المغربية والإسبانية نصب عينيها تحسين أوضاع مرور الآلاف من التجار، أغلبهم نساء، من هذا المعبر بشكل يومي وفي ظروف تفتقد لأدنى شروط الإنسانية".

وأضاف المتحدث أن "عملية التهريب المعيشي نشاط تجاري تستفيد منه سلطات المدينة المحتلة بالدرجة الأولى، من خلال إنعاش اقتصادها بطرق غير مشروعة، وإغراق السوق المغربية ببضائع وسلع غذائية منتهية الصلاحية، وأخرى لا تستجيب للمعايير المعمول بها، دون وجود أي آليات للمراقبة من طرف المغرب نظرا للكم الهائل من السلع التي تدخل بطريقة عشوائية".

وتابع بنعيسى: "كبار تجار مدينة سبتة يحتجون على المسؤوليين الإسبان، إذ يعتبرون أن الزبون المغربي هو المساهم الأول في إنعاش التجارة داخل المدينة، واستمرار غلق الحدود من شأنها أن تهوي بالاقتصاد الداخلي، الذي تأثر في الشهرين الأخيرين منذ إغلاق المعبر".

واعتبر المتحدث أن "السلطات الإسبانية لها منفعة في إعادة فتح المعبر رغم استثمار مآسي نساء ورجال وشباب ممن دفعتهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتوزيع غير العادل للثروات وانتشار الفساد والبطالة، إلى المخاطرة بأرواحهم وسلامتهم مقابل دريهمات معدودة".

أما أستاذ التاريخ عبدالوهاب الدبيش فذهب إلى حد القول: إن "إسبانيا ستعيد في غضون 4 أو 5 سنوات سبتة ومليلية والجزر المجاورة لها إلى المغرب لأنها كانت تستفيد منها عن طريق تهريب السلع إليها وبيعها هناك، لكن المغرب اليوم أغلق الثغرين وقريبا ستصبح مدينة الفنيدق (الحدودية مع سبتة) مدينة أشباح والناظور أيضا (الحدودية مع مليلية)".

وبالنظر إلى ذلك، تساءل أستاذ التاريخ في حديثه مع "الاستقلال" عن "القيمة التي ستجعل إسبانيا تنفق على مدينتين مغربيتين تحتلهما، وهما أقدم مستعمرة في التاريخ، احتلها البرتغاليون في 1415 وسلموها للإسبان بعد سنوات.

حدود بحرية

في تصريحاته للصحافة اتهم المسؤول الإسباني، المغرب بـ"تدمير الجهود الإسبانية من أجل تسوية الأوضاع"، مشيرا إلى مسألة المياه الإقليمية.

ففي 16 ديسمبر/ كانون الأول 2019 قدم وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، مشروعي قانون أمام أعضاء لجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، يتعلقان بحدود المياه الإقليمية، وتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة على مسافة 200 ميل بحري، عرض الشواطئ المغربية. 

وتحدث عن عزم بلاده "بسط سيادتها على المجال البحري، ليمتد حتى أقصى الجنوب"، ليشمل المياه الإقليمية لإقليم الصحراء، المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو.

القرار أثار ردود فعل إسبانية، إذ أعلن الحزب الاشتراكي الحاكم في بيان نشره عبر موقعه الرسمي رفضه، قائلا: "ترسيم الحدود المائية المغربية المجاورة لجزر الكناري ولمدينتي سبتة ومليلية، ينبغي أن يتم في إطار اتفاق مشترك". 

وأشارت مصادر إلى أن الدافع وراء ترسيم الحدود هي المعلومات التي تتوفر عليها شركات التنقيب المتعددة الجنسيات الفاعلة في المغرب، والتي تفيد بأنه يحتضن كميات هائلة من احتياطات الغاز الطبيعي والنفط من العرائش (الشمال) إلى الداخلة (الجنوب).

ومن المرجح أن يكون خنق مدينتي سبتة ومليلية - اللتان سيطرت عليهما إسبانيا - اقتصاديا، نوع من الضغوط التي تمارسها الجارتان في الكواليس لحل أزمة مجال المنطقة الاقتصادية المغربية الذي يتداخل مع المجال البحري لجزر الكناري، وهي إحدى الجيوب السبعة التي تسيطر عليها إسبانيا في حين يطالب المغرب باستعادتها.

قرار توافقي

أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية كلية الحقوق جامعة القاضي عياض بمراكش، الحسين اعبوشي، قال: "أي دولة لها الحق في التصرف في مجالاتها الترابية، وأنه لا يمكن اعتبار هذا القرار إلا قرارا سياديا يدخل في المجال المحفوظ للدولة الكاملة السيادة التي تريد تنظيم مجالها فيما يتعلق بترسيم الحدود، دون الخروج عما ينص عليه القانون الدولي المنظم لهذا الإطار".

لكن الخطوة، يوضح اعبوشي لصحيفة "الاستقلال"، "تكون بشكل اتفاقي مع الدولة الحدودية، خصوصا وأن حساسية معبر ترخال في أنه يربط بين مدينة مغربية وأخرى محتلة وخاضعة للدولة المجاورة". 

يستبعد أستاذ القانون الدستوري أن "يؤثر قرار المغرب على العلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصا وأنه لا يمكن أن يكون قد تم سوى بشكل توافقي بينهما، زيادة على أن الروابط التاريخية والاقتصادية متينة". 

لا يرى المتحدث أن "الضرر يتجاوز كونه محليا، وليست له تأثيرات على مدريد، غير أنها قد تحل الأمر عبر تنظيم المعبر، وإعادة ترتيبه حسب مصالح الطرفين".

ويخضع إغلاق المعبر بحسب الأستاذ الجامعي إلى "مصالح الدولة الاقتصادية والأمنية وكذا الإستراتيجية، وتسعى الرباط إلى إنهاء الصورة القاتمة التي كانت تعكسها التقارير الدولية لحقوق الإنسان عن معبر سبتة، بالإضافة إلى توالي حالات الوفيات التي أصبحت مألوفة لدى سكان المنطقة، رغم فظاعتها وغياب التنمية المستدامة لهذه الأسر، من أجل عدم مزاولة التهريب".