توترات سياسية.. من يتضرر بإلغاء اتفاقية التجارة بين تركيا ومصر؟

أحمد علي حسن | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك، في فبراير /شباط 2011، إلا أن اتفاقيات كان قد أبرمها خلال فترة حكمه مع دول في الإقليم ظلت قائمة، ومن بينها اتفاقية التجارة الحرة بين جمهوريتي تركيا ومصر، التي وقعت عام 2005 ودخلت حيز التنفيذ بعد عامين.

 لكن الاتفاقية التي مضى على عمرها 15 عاما، أصبحت اليوم في مرحلة حرجة مع اقتراب موعد انتهائها هذا العام، حيث من المقرر أن تخضع لمرحلة من التقييم.

وعلى طول السنوات التي شملتها الاتفاقية، شهدت علاقات البلدين توترا؛ بدءا بالإطاحة بمبارك عقب ثورة يناير 2011، ومرورا بالانقلاب على الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، وصولا إلى تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد في 2014.

وفي أعقاب انقلاب يونيو/حزيران 2013، استضافت أنقرة قيادات من "جماعة الإخوان المسلمين" ووفرت لهم المأوى والحماية، كما شنت تركيا حملة إعلامية ضد الحكومة المصرية الجديدة، ردا على هجوم مماثل.

وردا على ذلك، استدعت وزارة خارجية مصر في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 سفيرها لدى أنقرة، وأمهلت نظيره التركي 48 ساعة لمغادرة القاهرة، وبدأت العلاقات -التي كانت إيجابية نسبيا في عهد مرسي- بالتدهور السريع.

التوتر بلغ حدته في إطار المواقف السياسية للسيسي الذي يُكن عداء لنظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن على الرغم من ذلك فإن العلاقات الاقتصادية تقدمت بين الجانبين، بموجب الاتفاقيات التجارية المبرمة بينهما.

وأجمع محللون ومختصون تحدثوا بشكل منفصل لـ"الاستقلال" على أن الاتفاقية ستستمر بين البلدين، على الرغم من الأخبار التي تتحدث عن مراجعة لبنودها، في ظل افتقار مصر لبديل عن تركيا.

الاتفاقية في سطور

وقع الطرفان الاتفاقية التجارية في 27 ديسمبر/كانون الأول 2005، وتمت مراجعتها والتصديق عليها قبل أن تدخل حيز النفاذ مطلع مارس/آذار 2017. وتعكس أحكامها فصول اتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي.

ويتلخص الهدف الكلي للاتفاقية، من خلال مادتها الأولى الرامية إلى "تشجيع التجارة بين الدولتين ورفع مستوى معيشة المواطنين، وتشجيع الاستثمار والمشاريع بشكل خاص، وتنمية التجارة المصرية التركية مع دول أخرى".


ومن بين الأهداف أيضا "إقامة منطقة حرة بصورة تدريجية بين مصر وتركيا، وذلك خلال فترة انتقالية تمتد طوال 14 عاما من 2007 وحتى 2020، على أن تتضمن تجارة السلع في بيئة تضمن المنافسة العادلة بين الطرفين".

ونصت الاتفاقية على "إلغاء جميع الرسوم ذات الأثر المماثل والقيود غير الجمركية الخاصة بتجارة السلع بين الدولتين فور دخولها حيز النفاذ، كما أنه لا يجوز أن تفرضا أية رسوم ذات أثر مماثل أو قيود غير جمركية جديدة".

السيناريو الأرجح

قبيل دخول العام الجديد بدأت تلوح في الأجواء تساؤلات حول مصير اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين وإمكانية استمرارها أو توقفها، خاصة بعد ما أعلنت مصر تقييم بنود الاتفاقية المقصودة.

وبالاستناد إلى مجموعة أرقام (ستظهر في هذا التقرير) فإنه يمكن القول: إن البلدين استفادتا من الاتفاقية على الرغم من التوتر السياسي بينهما، وهو ما يعني إمكانية استمرارها حتى بعد مراجعة البنود.

الخبير الاقتصادي المصري، عبد الحافظ الصاوي، أكد لـ"الاستقلال" أن العلاقات التجارية والاقتصادية بين الجمهوريتين لم تشهد خلال السنوات الماضية أية توتر، بصرف النظر عن الخلافات السياسية.

واستند الصاوي إلى إحصائيات نشرها "معهد الإحصاء التركي" مع نهاية 2018 بشأن حجم التبادل التجاري بين البلدين، والذي بلغ 5.1 مليار دولار أمريكي، منها  3 مليارات للصادرات التركية إلى مصر، مقابل 2.1 مليار صادرات مصرية.

هذا الرقم جعل الخبير الاقتصادي يقول: "إننا أمام رقم مهم"، موضحا أن "مصر ضمن أكثر من 20 دولة مستوردة من تركيا، وتأتي في المرتبة الخامسة عشرة".

وتدعم دراسة أعدتها أستاذة الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة منى الجرف، قول الصاوي، إذ توقعت "استمرار العمل بالاتفاقية المترقب انتهاء فترة تنفيذها عام 2020 عند حدها الأدنى".

وأشارت الدراسة التي نشرت نتائجها صحيفة "صوت الأمة" في مايو/آيار 2019، إلى "احتفاظ مصر باستخدام ما أتاحته الاتفاقية من أدوات لحماية السوق المصرية والصناعة بما يتفق مع قواعد منظمة التجارة العالمية".

مصلحة متبادلة

وبالعودة إلى الرقم الذي تسجله قيمة الصادرات المصرية إلى تركيا فإنه مهم بالنسبة للقاهرة، كجزء من 25 مليار دولار أمريكي تجنيها من صادراتها إلى العالم، "وبالتالي ستحرص كل من الدولتين على استمرار علاقتهم التجارية والاقتصادية".

وبالنسبة للحديث الذي طُرح حول تعديل بنود الاتفاقية، يشير الصاوي إلى أن الأمر يتعلق بتنفيذها بشكل تام، موضحا أن مصر قد تطلب استثناءات وتعديلات.

ويجدد الصاوي التأكيد على أن "الاتفاقية مستمرة ولم تظهر أية بوادر لإلغائها، ومجرد التفكير في ذلك من الجانب  المصري مستبعد".

وفي حال انقطعت الاتفاقية ولم تتجدد -وهو أمر مستعبد بحسب محللين- كان هناك سؤال حول إمكانية أن تستعيض مصر عن تركيا بالسعودية والإمارات صاحبتا العلاقات القوية مع نظام السيسي.


يجيب الصاوي، قائلا: ذلك "لن يعوض مصر (...) إذ أن سوق تركيا ضخم، ويصل عدد سكانها إلى 83  مليون نسمة، أما السوق الخليجي فيضم  35 مليونا بينهم مقيمون، وهذا يشكل نسبة أقل من 50 بالمئة".

ويزيد في توضيحه: "الاقتصاد التركي صناعي يقدم ما يُشكل حاجة حقيقة لمصر، وهو ما تعجز السعودية والإمارات عن تقديمه، خاصة في بعض السلع التي يقبل عليها المستوردون المصريون".

الرأي ذاته ينبع من تحليل الباحث السياسي الاقتصادي، جلال سلمي، نظرا "لأنهما (الإمارات والسعودية) لا تمتلكان صناعة مهمة، وإن كانت أبوظبي تشكل منفذا بحريا مهما لاستقطاب البضائع حول العالم إلا أنها بعيدة جغرافيا عن مصر".

وأضاف سلمي في حديثه لـ"الاستقلال" أن "تركيا بالنسبة لمصر أفضل (من الإمارات والسعودية) لأنها تقع على ذات المحور البحري"، إضافة إلى انعدام وجود تبادل موسع بين القاهرة والعاصمتين الخليجيتين.

فصل السياسة

الباحث السياسي الاقتصادي، قال: إن "مصر وتركيا تطبقان مبدأ فصل الاتفاقيات التجارية والاقتصاد عن السياسة"، مستدركا أن العلاقات الاقتصادية بينهما تأثرت لكنها لا تصل مرحلة القطيعة.

وبالنسبة لإمكانية استمرار الاتفاقية، فإن سلمي يرى -كما الصاوي- أن جميع البوادر على الساحة تشير إلى إمكانية تجديدها على الرغم من تلويح مصر باعتزامها مراجعة البنود.

والسبب في ذلك أورده خلال حديث لـ"الاستقلال"، ويرجع إلى عدة أسباب، أبرزها: "إدراك مصر أهمية الموانئ التركية في استقطاب الموارد الأوروبية وتصديرها بشكل متبادل".

التراجع عن الاتفاقية أو إلغاؤها، برأي سلمي، سيؤثر سلبا على مصر التي ستذهب بدورها إلى استيراد السلع الأوروبية والتركية من أسواق أخرى كاليونان وإيطاليا، وبذلك سترتفع قيمة الجمارك والنقل.

كما أن تركيا لن تنجو في حال لم تجدد الاتفاقية، إذ أن التبادل التجاري مع السوق المصري سينعدم، وبالتالي سيؤثر على ثقة المستثمرين من كلا الطرفين.

فائدة اقتصادية

ورغم الصعوبات التي واجهت مسار تطبيق الاتفاقية، فإن مجمل النتائج تظهر تحقيق مصر قيما مطلقة تزيد عن الاتفاقية المناظرة لها في تونس والمغرب، وتكاد تتقارب مع حجم التجارة "التركية- الإسرائيلية".

كما سجلت الصادرات الصناعية المصرية إلى تركيا زيادة بنحو 3 أمثالها خلال الفترة بين 2009 و2017، بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وبلغت أعلى قيمة لها في 2017 بنحو 1.8 مليار دولار بزيادة نسبية بلغت نحو 415 بالمئة مقارنة بعام 2006.

وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية في مصر، إلى أن قيم التبادل التجاري مع تطبيق الاتفاقية ارتفعت من 753 مليون دولار عام 2006 إلى 3 مليارات و923 مليون دولار عام 2017.

وعلى الجانب الآخر، ارتفعت قيمة الواردات المصرية من تركيا خلال الربع الأول من 2018، لتصل إلى 611 مليون دولار، مقابل 503 ملايين دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي.

هذه الأرقام دفعت القائم بالأعمال التركي في مصر، مصطفى كمال الدين آريغور، للقول: إن "البلدين حققا رقما قياسيا تاريخيا، خلال السنوات الأخيرة، في حجم التجارة، بلغ 5.24 مليار دولار".

وزاد القول في كلمة خلال مأدبة إفطار نُظمت في شهر رمضان الماضي: إن "القاهرة وأنقرة حققتا رقما قياسيا في حجم التجارة البينية عام 2018، وذلك رغم التوترات السياسية بينهما".