افتتحته علنا وأغلقته سرا.. كيف تحول مطار المكلا لمعتقل إماراتي؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لنحو 5 سنوات واليمنيون محرمون من استخدام مطار الريان الدولي في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت شرقي اليمن، في وقت اشتد الحصار عليهم، وبلغت الأزمة السياسية والاقتصادية والإنسانية ذروتها.

لا يتعرض المطار للإغلاق من قبل جماعة الحوثي، بل من قبل الإمارات، شريك التحالف في اليمن، التي ادعت أنها أتت لمساعدة اليمنيين للتخلص من جماعة الحوثي، فمنعت ملايين من السفر عبر المطارات والموانئ الجوية.

استغلت الإمارات ضعف الحكومة الشرعية، فحرمت اليمنيين من حق استخدام مطارهم، في وقت كان اليمنيون أحوج ما يكونوا إليه، للتخفيف من الحصار الخانق الذي أبقى عشرات الآلاف منهم عالقين في عدة دول، غير قادرين على العودة، وعدم تمكن يمنيين آخرين من السفر لخارج اليمن لأغراض إنسانية وطبية في معظمها.

ليس ذلك فحسب، بل قامت الإمارات، علاوة على ذلك، بتحويل المطار إلى سجون ومعتقلات سرية لإخفاء وتعذيب معتقلين سياسيين وناشطين يمنيين رافضين للسيطرة الإماراتية على المدينة، كما اتخذت منه ثكنة وقاعدة عسكرية لقواتها، بالإضافة إلى جعله مقرا لقيادة القوات الإماراتية، تحت إشراف أمريكي بدعوى مكافحة الإرهاب.

تسيطر الإمارات على مطار الريان منذ خمس سنوات

إغلاق سري

نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت الإمارات إعادة فتح مطار الريان، واستقبال أول رحلة، وتم تغطية هذا الحدث من قبل وسائل الإعلام الإماراتية على نحو واسع، لكنها ما لبثت أن قامت بإغلاقه مرة أخرى بعد تسيير رحلة واحدة فقط، في ظل تكتم إعلامي وصحفي، كما منعت طائرة الخطوط الجوية اليمنية من المبيت أو البقاء في حرم المطار، لتعود المعاناة كما كانت منذ بداية التدخل الإماراتي في اليمن. 

وخلال السنوات الماضية، كانت الإمارات تبرر إغلاق المطار بإعادة ترميمه، مع أن المكلا لم تشهد وقوع أي حرب، ولم تصلها جماعة الحوثي، وبعد إعادة إغلاقه بررت الإمارات ذلك بأنه ليس آمنا.

الكاتب والصحفي اليمني محمد اللطيفي، قال لـ"الاستقلال": "الإعلان الإماراتي عن افتتاح مطار الريان هو غطاء إعلامي، الهدف منه تسويق دولي يراد منه القول إن العلاقات بين الحكومة والإمارات تم حلها".

مضيفا: "أبوظبي تريد دفع الآخرين للاعتقاد بأن الخلافات بين الشرعية والإمارات كانت طبيعية ولم تكن معقدة، وقد تم تجاوزها باتفاق رعته السعودية عرف باسم اتفاق الرياض، خصوصا وأن الافتتاح تم بحضور ممثلين للحكومة الشرعية، وهو ما أعطى انطباعا بأن العداء الحكومي للإمارات لم يكن بالحجم الذي لا يمكن تلافيه". 

يضيف اللطيفي: "من الطبيعي أن إغلاق الإمارات للمطار تم بدون ضجة إعلامية، لأن الهدف من افتتاحه هو تسويق وهم عودة نشاطه لهدف سياسي وليس مدني، ومن هنا، وكالعادة تقع الحكومة، في شِراك أبوظبي وخداع الرياض، مع أن المفترض أن تصدر الحكومة بيانا تتهم فيه الإمارات بإعاقة تطبيق اتفاق الرياض، وأنها مستمرة في الاعتداء على السيادة اليمنية والتدخل في الشؤون الداخلية وعرقلة تطبيع الأوضاع المدنية في المناطق المحررة".

وعن دوافع استمرار إغلاق المطار يقول اللطيفي: "أعادت إغلاقه لأنها في واقع الأمر لا تريد عودة النشاط الحكومي أو تطبيع الأوضاع في المناطق الجنوبية،، كما لا ترغب بتحقيق أي نجاح في المقرات الحكومية حتى ولو كان مطارا أو مشفى، يحسب للشرعية، وذلك بهدف خلق تمرد من المواطنين على الشرعية، التي عجزت دائما عن إسقاطها عسكريا".

قمع المحتجين

احتجاجات المواطنين ضد سياسات الإمارات في اليمن عادة ما تقابل بالقمع والاعتقالات، من قبل قوات النخبة الحضرمية، وهي التشكيلات العسكرية التي أنشأتها الإمارات منذ تدخلها في اليمن.

ففي يونيو/حزيران الماضي منعت قوات النخبة تظاهرة سلمية مطالبة بفتح مطار الريان في مدينة المكلا المغلق منذ أبريل/نيسان 2016، وقامت بإطلاق الرصاص الحي في الهواء، وتفريق الاحتجاجات، وقامت بملاحقة المتظاهرين واعتقلت عددا منهم.

ورغم المطالبات الحكومية والاحتجاجات الشعبية المطالبة بإعادة فتح المطار، إلا أن كل تلك المطالبات قوبلت بالتجاهل والرفض التام من قبل القوات الإماراتية التي تحكم قبضتها على المدينة.

وإزاء ذلك القمع لحرية المطالبات المشروعة، قال بعض المتظاهرين: إنه لا فرق بين ما ينتهجه الحوثي في الشمال، وما تنتهجه الإمارات في الجنوب عبر  التشكيلات المسلحة التي قامت بإنشائها.

كلفة إضافية

المعاناة التي تسببت بها الإمارات جراء إغلاقها المطار، لم تكن حصرا على اليمنيين، بل طالت حتى مؤسسات الدولة، فإلى جانب تقويضها لسلطات الحكومة الشرعية، عملت على منع الطائرات اليمنية من البقاء في حرم المطار أو صيانتها في المطارات اليمنية، لتكلف شركة الطيران اليمنية، بدفع آلاف الدولارات لمطارات خارجية، نظير بقاء طائراتها لديها وصيانتها.

وكشفت مذكرة بعثت بها إدارة الخطوط الجوية اليمنية إلى قيادة التحالف العربي في أغسطس/آب 2018، يطلب فيها السماح بأن تبيت الطائرات اليمنية في مطار عدن الخاضع لسيطرة الإمارات.

وجاء في الرسالة "الأخوة قادة التحالف العربي في مطار عدن الدولي، نرجو منكم الموافقة بالسماح لطائراتنا في المبيت بمطار عدن، لأن مبيتها في المطارات الخارجية مرتفع التكاليف حيث يتم دفع 20 ألف دولار مقابل اليوم الواحد".

وكشفت مذكرة أخرى بُعثت في نفس التاريخ طلبا من الشرعية لقيادة التحالف السماح بإجراء الصيانة الدورية للطائرات اليمنية في مطار عدن، لأن الصيانة في المطارات الأخرى مكلفة، بحسب المذكرة.

وكشف أحد موظفي شركة الطيران اليمنية لـ"الاستقلال" في وقت سابق، أن أحد أسباب ارتفاع تكلفة تذاكر الطيران يعود إلى "توزيع تكاليف مبيت الطائرات اليمنية خارج اليمن على تكلفة التذاكر، إذ تمنع الإمارات مبيت الطائرات اليمنية في مطار عدن".

لا تسمح الإمارات ببقاء الطائرات اليمنية أ وصيانتها في حرم المطارات اليمنية

قلب الحقائق

وفي الوقت الذي تدعي فيه الإمارات أنها تستخدم المطارات في تقديم المعونات والإغاثات الإنسانية تقول تقارير دولية إن الحصار الذي فرضه التحالف تسبب بتدهور الوضع الإنساني، وحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش فإن "القيود التي فرضها التحالف، بقيادة السعودية، أدى إلى تدهور الوضع الإنساني في البلاد بشكل كارثي".

حسب متابعين، تستمر الإمارات في رغبتها بعدم تطبيع الحياة في المدن المحررة، وعدم عودة الحكومة إليها، وتأليب الشارع الحضرمي على الحكومة الشرعية، وحاولت في وقت سابق، إفشال انعقاد جلسة لمجلس النواب في مدينة سيؤون بمحافظة حضرموت.

وحاولت أبوظبي بعد اتفاق الرياض، القيام بما اعتبره البعض مسرحية بإعلانها افتتاح مطار الريان، كمخرج من مخرجات اتفاق الرياض، لكنها ما لبثت أن قامت بإغلاقه، في ظل تبجح وصلف لازم الأداء الإماراتي منذ تدخله في اليمن، وفق مراقبين.