"لوفيجارو": هذه نقاط القوة والضعف في الثورات الجديدة بالمنطقة

12

طباعة

مشاركة

في العراق ولبنان مرورا بالجزائر وإيران، تشهد العديد من البلدان العربية والإسلامية مظاهرات نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والفساد المنتشر، وهو ما رأته صحيفة "لوفيجارو" رياح جديدة من الاحتجاج تهب على المنطقة، فهل تحقق ثمارا أكثر من عام 2011؟

وقالت الصحيفة الفرنسية: "بعد ثمان سنوات من ثورات الربيع العربي، لم تنجُ البلدان التي شهدتها من ثورات عام 2011، ففي انسجام تام، يندد المحتجون بالوضع الاقتصادي ونقص الإصلاحات وشلل السلطة، لكن إذا كان الوضع محبط، هل يمكن أن تؤدي هذه الحركة إلى الإصلاحات المطلوبة".

يقظة مفاجئة

ورأت "لوفيجارو" إذا كانت هذه التحركات تشكل مفاجأة، فإن المواجهة الجديدة بين السلطة والشارع جزء من الاستمرارية، ونقلت عن الباحث زيد العلي قوله: كما كان الحال في الربيع العربي عام 2011، خيم الغضب لبعض الوقت، في تونس ومصر واليمن، كانت هناك موجات من المظاهرات لعدة سنوات، ثم في مرحلة ما، وجد التفاعل.

وأشار مؤلف كتاب "النضال من أجل مستقبل العراق" إلى أن التباطؤ ضد الفساد، وعدم كفاءة القوى القائمة أصبح واسع الانتشار، وهو ما جعل الحراك ينمو وبات له تأثير الدومينو على البلدان الأخرى.

وبينت الصحيفة أنه في السودان، ثار المتظاهرون بكثافة خلال ديسمبر/ كانون ثاني عام 2018 ضد ارتفاع المعيشة، وفي الجزائر، حيث تمكن المتظاهرون أخيرا من الإطاحة بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وهي الشرارة التي أشعلتها المعارضة في فبراير/شباط الماضي ضد ترشيحه لفترة رئاسية خامسة.

وأكد زيد العلي للصحيفة: "في العراق ولبنان"، حيث السكان معزولون إلى حد كبير عن هذين البلدين الآخرين، جذور الغضب الأخيرة متشابهة وهي: فساد السلطة، وارتفاع البطالة، ومستقبل مستقر.

ولفتت "لوفيجارو" إلى أنه في بغداد، بدأت حركة الاحتجاج في الأول من أكتوبر/ تشرين أول الماضي بدعوات للمطالبة بوظائف وخدمات، وفي لبنان، تُفرض ضريبة على الاتصالات عبر واتساب، وهو ما أشعل الغضب في 17  من الشهر ذاته.

ونقلت عن مها يحيى، مديرة مركز "كارنيجي" الشرق الأوسط: " يقول الشباب لأنفسهم: ليس لدينا ما نخسره، لا توفر الدولة الخدمات المطلوبة، ومستوى المعيشة يزداد سوءا بينما تزداد النخبة السياسية الصغيرة ثراء".

ماذا يريد المتظاهرون؟

ونوهت "لو فيجارو" إلى أنه من بين الشكاوى الرئيسية الفقر وتزايد عدم المساواة والشعور بالظلم، وعدم حرية التعبير، ففي كل مكان، يتشارك المتظاهرون الرغبة في أن يكونوا مواطنين محترمين بشكل أفضل.

وبحسب الصحيفة، فإن الخبير جوزيف باحوط، المتخصص في الشرق الأوسط بـ"معهد الدراسات السياسية" بباريس يتعقد أنه "كما في الثورات السابقة في العالم العربي، هناك معركة حقيقية تحت اسم الكرامة. في لبنان، يقول لك الناس إنهم لا يستطيعون أن يقفوا أمام مشهد الطبقة السياسية التي، بكل الاتجاهات، تضع خلافاتها جانبا عندما يتعلق الأمر بنهب البلد وتبقى للنقد صماء".

وأضاف: "كل ذلك في سياق لا يزداد فيه مستوى المعيشة سوءا فحسب، بل وأيضا تتزايد الأعطال مثل مشاكل الكهرباء والإنترنت وأزمة القمامة. إن رد فعل الرجل العادي هو أن يقول لنفسه إذا غادروا، فإننا سنجد الحد الأدنى على الأقل لنتمكن من العيش الكريم". ونفس القصة في بغداد، حيث يشجب المتظاهرون باستمرار "السلطات الذين يملؤون جيوبهم" دون أي رؤية للمستقبل.

وبخصوص ما إذا كانت مطالب التغيير الجذري مشتركة في هذه البلدان، رأت "لوفيجارو" أنه في كل مكان، يرفض المتظاهرون تسوية الإصلاحات الصغيرة، فعلى الرغم من استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري ووعده بإصلاحات لإخماد الغضب، لم يهدأ الشارع اللبناني، واستمر المتظاهرون يهتفون "كلن يعني كلن!"، كما أن استخدام القوة لا يبدو طريقة مناسبة أيضا، كما يتضح من المظاهرات العراقية رغم العدد المتزايد باستمرار من الضحايا.

وقال زيد العلي للصحيفة: "في العراق، حيث 60 بالمئة من السكان تقل أعمارهم عن 24 عاما، نشأ جيل كامل بعد سقوط صدام حسين مع وعد بتحسين مستوى المعيشة. لكن الطبقة السياسية لا تهتم بالمستقبل، لقد فقد الشباب الثقة، إنهم يشعرون بأن من يحكمهم لصوص وكذابون، إنهم يريدون محو كل شيء، والبدء من الصفر، كما يقول أحد الشعارات (أريد وطنا)".

ووفقا للصحيفة، فإنه بعد ثمانية وثلاثين أسبوعا من الحشد في الجزائر، وعلى الرغم من استقالة بوتفليقة، لا يزال التحدي قائما، واشتعلت المظاهرات من جديد قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 ديسمبر/ كانون أول المقبل، لتحقيق الهدف "مغادرة النظام" بالكامل.

وأشارت إلى أنه على الصعيد السوداني، والتخلص من ديكتاتورية عمر البشير بفضل دعم الجيش، يظل الديمقراطيون على أهبة الاستعداد منذ الاتفاق الموقع في أغسطس/ آب الماضي مع الطغمة العسكرية وتشكيل حكومة جديدة، في سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث من المفترض أن تضمن الحرية السياسية.

وبحسب الصحيفة، فقد حذر الديمقراطيون من خلال شعارات عديدة "إما النصر أو السيسي" في إشارة لتجنب تكرار السيناريو المصري، حيث أصبح وزير الدفاع السابق رئيسا للبلاد في ظل قمع أي محاولة لإعادة ولادة جديدة لثورة عام 2011 التي لم تكتمل.

هل تتشابه الثورات؟

ونقلت "لوفيجارو" عن جوزيف باحوط قوله: "هذه الحركات المختلفة تشترك في أن تكون، جزئيا، يحملها جيل جديد، جيل ما بعد جيل الألفية (المولود بعد 2000) الذين يعيشون تجربتهم السياسية الأولى".

وأردفت: بسبب عدم وجود أي شكل من أشكال القيادة، بما في ذلك داخل المعارضة، فهي ليست تابعة لأي حزب، إنها قوة، وفقا لبعض الخبراء، الذين حددوا نقاط ضعفها أيضا: وهو غياب أي شخصية محورية، وعدم وجود مطالب محددة، والافتقار إلى متحاورين للتفاوض.

وترى الصحيفة أنه إذا كانت الدوافع متشابهة، فكل ثورة فريدة، ففي الجزائر والخرطوم، حيث تمكن المحتجون من وضع حد لسلطة الرجل الواحد، لا يزال السكان يمارسون الضغط في المطالبة بظروف معيشية أفضل ومزيد من الحرية. أما بالنسبة للبنان، وهو أبعد عن كونه ديكتاتورية، المظاهرات هناك ضد نظام قائم على الطائفية.

وتابعت: ففي هذا البلد متعدد الطوائف، يدور التحدي حول حلم إقامة دولة مدنية وحكومة من التكنوقراط. أما في العراق، يستنكر المحتجون، بالإضافة إلى الفساد، تدخل طهران ويطالبون بإنهاء حكم المليشيات الموالية لها.

وبخصوص ما إذا كان يمكن لهذه الاحتجاجات أن تؤتي ثمارها؟، قال الباحث زيد العلي: يظل مستقبل هذا "الفصل الثاني" من الربيع العربي غير واضح "يمكن أن يكون طويل وسريع جدا، ولكن يمكن أن يفشل أيضا، في الواقع، من الصعب التنبؤ بالنتيجة". خاصة أنه يعتمد على مجهوليْن: درجة العنف والوضع الاقتصادي.

وأضاف العلي في حديثه للصحيفة: "في العراق، يبدو أنه يمكن أن يزداد سوءا في أي وقت، وأيضا التحول إلى حرب أهلية، ليس بين السكان والميليشيات، ولكن بين المليشيات نفسها".

وأشارت الصحيفة إلى أنه من وجهة نظر اقتصادية، فإن إغلاق الطرق والبنوك وشلل القطاع المالي يمكن أن يغرق لبنان بسرعة، أما بالنسبة للعراق، يشعر القادة بقلق أقل لأنه يمكنهم الاعتماد على بيع النفط، لكن إذا قام المتظاهرون بالتصعيد مثل إغلاق ميناء أم قصر، فقد يصبح ذلك خطيرا على السلطة.

ووفقا لـ"لوفييجارو"، فإن هناك سيناريوهات عدة ممكنة: "القمع بالقوة أو التفاوض أو منح بعض التنازلات، لكن تجربة الانتفاضات السابقة أظهرت أن رفض السلطات تلبية المطالب الشرعية للسكان هو مصدر عدم استقرار دائم".

من جهته، رأى باحوط في حديثه للصحيفة: أنه "ربما يريدون إخماد المظاهرات، ويمكن أن ينفجر الوضع في أي وقت، انظر إلى مصر، حيث يستيقظ الشارع بانتظام، أما بسوريا نجح بشار الأسد في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات في استعادة قوته، ستكون هناك مظاهرات جديدة، وهذا أمر واضح".

وتختتم الصحيفة تقريرها بالقول: "يضاف إلى هذه الأمور المجهولة المختلفة البعد الإقليمي: فخلايا تنظيم الدولة النائمة وأيضا الجيرانان إسرائيل وإيران الذين يمكنهما، في الوقت المناسب، الاستفادة من الوضع لزعزعة الاستقرار في العراق ولبنان أو التأثير عليه".