دخلت على خط الاحتجاجات.. كيف شلّت النقابات الدولة العراقية؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ انطلاقها مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شهدت الاحتجاجات الشعبية في العراق، تحولات عدة في مسيرتها، إذ وصلت بفضل دخول النقابات على الخط إلى مراحل إعلان الإضراب والعصيان المدني، رغم تهديد الجهات الحكومة باعتبارها تحريضا ضد الدولة.

تلعب النقابات دورا بارزا في مساندة الاحتجاجات الشعبية ما عرّضها إلى ضغوط من السلطات وصلت إلى رفع الحكومة دعوى قضائية ضد نقابة المعلمين.

الإضراب العام

لاقت دعوة نقابة المعلمين في 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عموم المدارس للتضامن مع الاحتجاجات ورفض "ما يتعرض له المتظاهرون من عنف غير مبرر وهم يطالبون بحقوقهم المشروعة"، استجابة واسعة من المدارس في عموم البلاد.

وقالت النقابة في بيان: إن "المجلس المركزي لنقابة المعلمين عقد اجتماعا طارئا لمناقشة الوضع الراهن في العراق، واتخذ قرارات مهمة، أعلنت فيه الاضراب العام لمدة 4 أيام، في جميع محافظات العراق عدا إقليم كردستان".

ولم تكتف المدارس بالدخول في إضراب عن الدوام، وإنما خرج الطلبة في جموع غير مسبوقة للمشاركة في المظاهرات ولاسيما في ساحتي التحرير والنسور في جانبي الرصافة والكرخ بالعاصمة بغداد، وكذلك في محافظات الوسط والجنوب.

يأتي ذلك رغم رفض وزيرة التربية سها العلي بك: "زج الطلبة وإخراجهم من المدارس في المظاهرات التي تشهدها العاصمة بغداد وبعض المدن الجنوبية"، مؤكدة: أنه "لا يمكن القبول بها".

ودعت الوزيرة في بيان سابق الكوادر التدريسية، وإدارات المدارس، فضلا عن مديريات التربية في عموم المحافظات: "للحفاظ على التلاميذ وعدم السماح بإخراجهم من المدارس تحت أي ظرف، إلا عند انتهاء مدة الدوام الرسمي، وعودتهم إلى منازلهم".

ضغوط حكومية

موقف نقابة المعلمين عرّضها لضغوط من السلطات، إذ كشف نائب نقيبها علي الخالدي، عن تعرض نقابته إلى "ضغوط" من الحكومة لإنهاء الاضراب عن الدوام في المدارس، إضافة إلى تلقيها طلبا بذلك من رئيس الجمهورية برهم صالح ومسؤولين في الدولة.

وقال الخالدي: "نقابة المعلمين تساند المتظاهرين وهي معهم، ووفاء لدماء الشهداء منهم أصدرنا بيانا بتوقيف الدوام (في المدارس) 4 أيام، وخرج الطلبة ورياض الأطفال جميعا دعما للتظاهرات"، مبينا: أن "إعلان الاضراب جاء حفاظا على سلامة الطلبة والتلاميذ، وهو ليس قرارا اعتباطيا".

وأكد: أن "الحكومة تضغط على نقابة المعلمين من أجل إنهاء الإضراب عن الدوام، كما أن رئيس الجمهورية ومسؤولين في الدولة طلبوا إنهاءه أيضا، ولم يخرج اللقاء معه (الرئيس برهم صالح) بنتيجة إيجابية"، لافتا: إلى "تعرض الكوادر التدريسية إلى محاسبات وعقوبات من الحكومة".

وكشف نائب النقيب: أن "النقابة لديها قانونها الخاص، إضافة إلى وجود مادة قانونية بالدفاع عن المعلمين والمنتسبين لها، ولن نقف مكتوفي الأيدي في حال تنفيذ إجراءات عقابية بحق المعلمين الداعمين للإضراب"، مشيرا إلى: أن "إطلاق وزارة التربية خطا ساخنا للإبلاغ عن الكوادر الممتنعة عن الدوام شأن يخصها، ونحن كنقابة طالما طالبنا بتحسين البنى التحتية للمدارس والنقص الحاصل بعددها".

ووصل الأمر إلى أبعد من ذلك، إذ كشف وكيل نقابة المحامين رزاق العبيدي، عن قيام الأمانة العامة لمجلس الوزراء برفع دعوى قضائية ضد نقيب المعلمين، وقال: إن "أمانة مجلس الوزراء رفعت دعوى قضائية ضد نقيب المعلمين بسبب الإضراب العام".

وأضاف: أن "الحكومة الحالية تستطيع أن تقيم دعوى ضد نقابة المعلمين بسبب دعوتها للإضراب عن الدوام، لكن من المستحيل كسبها في ظل الوضع الراهن"، مؤكدا: أن "العصيان المدني قانوني إذا لم يتخلله إخلال بالقانون، وهناك وضع ظالم يجب عدم السكوت عنه".

وحسب العبيدي: فإن "النقابات العراقية تشهد تعاونا بخصوص الأوضاع التي يشهدها البلاد من احتجاجات كبيرة، الأمر الذي دفع بنقابة المحامين إلى أن تقوم بدورها في التضامن مع التظاهرات".

تنسيق المواقف

لم تكن نقابة المعلمين وحدها التي تضامنت مع المظاهرات الشعبية، وإنما أعلنت العديد من النقابات والاتحادات الدخول في إضراب عام لأيام عدة في موقف عبرت فيه عن تأييدها لمطالب المتظاهرين.

وأعلنت نقابة المحامين على لسان وكيل نقابة المحامين رزاق العبيدي: الإضراب العام في كافة غرف المحامين وعدم دخول قاعات الترافع، الأمر الذي رحب به جميع المحامين، حسب قوله.

وفي السياق ذاته، دعت نقابة المهندسين في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي: إلى الاعتصام السلمي وتعليق العمل الهندسي من دون المساس بالخدمات ذات التماس المباشر مع حياة المواطن.

وطالبت النقابة أعضاء المؤتمر العام وجميع الزملاء المهندسين إلى الاعتصام السلمي، وتعليق العمل الهندسي، دون المساس بالخدمات التي لها تماس مباشر مع حياة المواطن".

أعلنت نقابات الأكاديميين، العمال، وأطباء الأسنان، المهندسين الزراعيين: التضامن مع المتظاهرين في عدد من المحافظات وإعلان الإضراب عن العمل.

وعن تنسيق المواقف بين النقابات، أكد نقيب المعلمين عباس السوداني: "وجود تنسيق بين كافة النقابات والاتحادات بشأن دعم المتظاهرين واتخاذ قرارات تسهم في دعم المطالب المشروعة، مع حرصها على السلمية".

وأضاف السوداني: أن "نقابة المعلمين وجميع النقابات والاتحادات، على اتصال دائم من خلال التنسيق بينها وتوحيد المواقف من أجل دعم المطالب المشروعة للمتظاهرين".

مطالب موحدة

وفي موقف موحد، طالبت 15 نقابة واتحاد عبر بيان مشترك: باستقالة حكومة عادل عبدالمهدي، واختيار مرشح مستقل لتشكيل حكومة مصغرة مؤقتا لإدارة شؤون البلاد لمدة 6 أشهر لحين إجراء انتخابات نيابية.

وطالب الموقعون على البيان بـ"إيقاف إجراءات الحكومة التعسفية ضد المتظاهرين والكشف عن القتلة". ودعا البيان إلى: محاسبة المسؤولين المتهمين كافة بالفساد فورا وتشريع قانون من أين لك هذا؟ ولكل المسؤولين منذ عام 2003.

وشددت النقابات على ضرورة تعديل الدستور بمدة أقصاها 6 أشهر وبالتنسيق مع النقابات والاتحادات والجمعيات على أن يكون لمجلس النواب سلطة تشريعية فقط وإلغاء مجالس المحافظات وإعطاء الدور الرقابي للجهات المختصة.

ودعت إلى: تشكيل لجنة من المختصين من النقابات والاتحادات والجمعيات القطاعية لمتابعة حزمة الإصلاحات والقرارات التي تم التصويت عليها في مجلس النواب والوقوف على مدى حاجتها إلى تشريعات جديدة أو تعديل التشريع لغرض وضعها حيز التنفيذ.

ومن النقابات الموقعة على البيان: الأطباء، المهندسين، الصيادلة، أطباء الأسنان، الجيولوجيين، المهن الصحية، الأطباء البيطريين، المحاسبين والمدققين، التمريض، المحامين، المعلمين، واتحادات العمال، الحقوقيين، المقاولين، الصناعات.

إشادة أممية

وبعد دور النقابات المهم في تحريك الشارع وشل حركة الدولة، التقت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالعراق جينين هينيس- بلاسخارت في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، برؤساء الاتحادات والنقابات.

وبحثت المبعوثة الأممية مع رؤساء النقابات الوضع السياسي الراهن في البلاد، ولا سيما المظاهرات الجارية والحلول الممكنة.

وقالت بلاسخارت في مؤتمر صحفي عقب اللقاء: "الاجتماع كان فرصة قيمة للاستماع للمطالب الشعبية المشروعة، وقدم لنا رؤساء النقابات والاتحادات الممثلين لقطاعات المجتمع التي خرجت في ساحة التحرير، آراءهم حول مجمل التطورات وأفكارهم حول أفضل السبل للمضي قدما".

وأضافت: أن "الأمم المتحدة على تواصل مستمر مع كافة الناشطين والمتظاهرين والسلطات الحكومية للتحرك في الاتجاه الصحيح والوصول إلى إصلاح حقيقي لأن هذا ما يطلبه الناس".

وأكدت بلاسخارت: أن "لكل عراقي حرية التعبير عن رأيه، والعراق دولة ذات سيادة، ولا يمكن للأمم المتحدة أن تفرض أي أمر محدد عليه، لكن دورنا هو تقديم المساعدة والمشورة والدعم من أجل تحقيق التغيير"، مقدمة شكرها لرؤساء الاتحادات والنقابات على الاجتماع الذي نأمل استمرار التواصل معهم".

بغداد، ١٢ تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٩ - التقت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيدة جينين هينيس-بلاسخارت اليوم بمجموعة من رؤساء الاتحادات والنقابات العراقية. وجرى بحث الوضع السياسي الراهن في البلاد، لا سيما المظاهرات الجارية والحلول الممكنة. pic.twitter.com/B7FiC9EDVQ

— UNAMI (@UNIraq) November 12, 2019

لم تفلح محاولات كبار المسؤولين في وقف الإضراب وإغلاق العديد من المدارس والمؤسسات الحكومية، فرغم توجيه نقابة المعلمين في بغداد إلى خروج الطلبة بالمظاهرات بعد انتهاء الدوام الرسمي، إلا أن محافظات الوسط والجنوب لا تزال مستمرة في الامتناع عن الدوام.

وفي مسعى لتهدئة الأزمة تعهد رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بتنفيذ إصلاحات، داعيا لعودة الحياة لطبيعتها لتجنيب اقتصاد البلاد خسائر بـ"مليارات الدولارات".

وقال عبد المهدي في بيان: إن الاحتجاجات التي "هزت المنظومة السياسية" حققت غرضها ويجب أن تتوقف عن التأثير على الأنشطة التجارية والاقتصادية في العراق.

ورأى نقابيون عراقيون: أن مشاركة النقابات المهنية في الاحتجاجات التي يشهدها العراق منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعطت هذه الاحتجاجات قوة وجعلتها أكثر تنظيما لنيل مطالبها المتمثلة بإقالة الحكومة والقضاء على الفساد وإنهاء النفوذ الإيراني في العراق.

ومنذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول، أسفرت الاحتجاجات الدامية عن مقتل 319 شخصا وإصابة أكثر من 16 ألف آخرين، بحسب أرقام رسمية. وفي نهاية الشهر ذاته، تحول الحراك في جنوب البلاد ذات الغالبية الشيعية، إلى موجة عصيان مدني، التي غالبها تبنتها النقابات.