صحيفة إسرائيلية: هكذا تغلغلت روسيا في الشرق الأوسط تحت أعين أمريكا

12

طباعة

مشاركة

بفضل الانسحاب الأمريكي الأخير من سوريا، تواصل روسيا بقيادة فلاديمير بوتين إستراتيجيتها المفضلة وهي فرض نفسها في جميع مناطق الفراغ الإستراتيجي والسياسي.

ووفقا لصحيفة "جيفورم" الإسرائيلية الناطقة بالفرنسية، فمن خلال الاستفادة من الفرص الدبلوماسية التي تنشأ وسط الاضطرابات الدولية، استطاعت روسيا بالفعل وضع بيادقها في سوريا.

الملف السوري

وقالت الصحيفة: "طالبت أوروبا والولايات المتحدة برحيل بشار الأسد، الديكتاتور السوري المسؤول عن مقتل مئات الآلاف من السوريين لحل الأزمة السياسية التي أدت إلى حرب أهلية".

وتابعت: "لكن بوتين اختار أن يسير في اتجاه عكس هذا المطلب، وتمكن من إقناع الجميع، حتى الأمريكيين، بأن القضاء على بشار الأسد وجيشه سيكون خطأ، وقدم بشار كحصن ضد الانتشار الإرهابي، الذي قال إنه يتمثل فيمن يقاتلون بجانب المتمردين (المعارضة) السوريين".

وأوضحت أن بوتين: "جاء لإنقاذ بشار الأسد بطيرانه وتعهد بمساعدته على استعادة سوريا، وهو أمر لم يكن ليصدقه أحد في ذلك الحين".

وأكدت أن: الروس بقيادة بوتين استطاعوا فرض أنفسهم على القواعد البحرية ونشروا قوتهم الجوية، التي قصفت بسخاء القوات المعادية للأسد دون أي قلق، "فالقوات الجوية الروسية التي ساعدها حزب الله وإيران دفعت ثمنا باهظا للغاية، وفي الوقت نفسه قُتل المدنيون بالغاز الكيميائي ولم يحاسب بشار على ذلك مطلقا". 

لقد حقق الروس أخيرا أهدافهم في سوريا، أولا وقبل كل شيء فرضوا أنفسهم هناك، بناء على طلب نظام الأسد، الذي استفاد من دبلوماسية الكرملين وإستراتيجيته، تقول الصحيفة.

ورأت الصحيفة أن رحيل الأمريكيين عن سوريا والهجوم التركي الأخير ضد الأكراد يصب الآن في مصلحة بوتين، الذي يهدف بالفعل إلى تقديم نفسه كوسيط، خاصة عندما لجأ الأكراد إلى قوات الأسد عقب تنفيذ عملية "نبع السلام" وأبرما اتفاقا مشتركا.

وتحدثت "جيفورم" عن منطقة أخرى من المواجهة وهي اليمن، حيث إيران والسعودية تتقاتلان بالوكالة، فطهران حليفة بوتين، تريد وساطة روسية محتملة مع الرياض.

بديل عسكري

وأكدت أن الأمريكيين عانوا من التراجع الدبلوماسي لأنهم لم يتمكنوا من الدفاع عن المصالح النفطية السعودية، ضد هجمات الطائرات بدون طيار التي دمرت جزءا من المنشآت النفطية السعودية.

إذ أحجمت واشنطن عن التدخل، كما أن أنظمة دفاع باتريوت الأمريكية المنتشرة بالسعودية لم تكن كافية لصد هجمات الصواريخ والطائرات الإيرانية التي أطلقت بتبني زائف من المتمردين الحوثيين في اليمن.

ونوهت الصحيفة أن فلاديمير بوتين اقترح في 16 سبتمبر/أيلول على المملكة العربية السعودية شراء نظام صاروخي روسي مضاد للطائرات للدفاع عن أراضيها بعد الهجمات التي استهدفت بنيتها التحتية النفطية.

وأكد بوتين من أنقرة عقب مباحثات أجراها مع الرئيسين حسن روحاني ورجب طيب أردوغان في أنقرة حول سوريا مؤخرا: "نحن على استعداد لتقديم المساعدة المناسبة للمملكة العربية السعودية".

وتابع: "يكفي أن تتخذ القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية قرارا، كما فعل قادة إيران، وهو شراء منظومة إس-300، أو كما فعل الرئيس أردوغان الذي اشترى من روسيا أحدث منظومة للدفاع الجوي إس 400، بذلك يحمون البنى التحتية في السعودية".

وأكدت أنه: "هذه المرة يذهب بوتين إلى أبعد من ذلك، تم الترحيب به الاثنين (الماضي) بحفاوة كبيرة في المملكة العربية السعودية، حيث خطط لإبرام صفقات مع السعوديين على النفط ومحاولة استخدام نفوذه لتخفيف التوترات في الخليج بين الرياض وطهران".

وأشارت إلى أن السعوديين استقبلوا بوتين بالطلقات المدفعية لدى وصوله إلى مطار الرياض، وكان برفقة سعوديين يحملون أعلاما روسية إلى القصر الملكي حيث استقبله الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وتحدث الرئيس الروسي والعاهل السعودي لفترة وجيزة قبل حفل استقبال رسمي على شرف فلاديمير بوتين، بثه التلفزيون السعودي، إذ جرت المباحثات بين الوفود المعنية، وكذلك تلك التي جرت بين بوتين وولي العهد في وقت لاحق في نفس اليوم وطغى عليها موضوع النفط.

تقارب اقتصادي

وأكدت الصحيفة أن المملكة العربية السعودية، زعيم منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، بالإضافة إلى روسيا، على الرغم من أنها ليست عضوا في المجموعة، تعملان بشكل وثيق في السنوات الأخيرة للحد من المعروض من الذهب الأسود في محاولة لرفع السعر.

وذكرت أن آخر تمديد لخفض الإنتاج، الذي قررته 24 دولة منتجة للنفط، أو "أوبك +"، في نهاية مارس/أذار 2020.

 ووفقا لوزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، فقد خططت موسكو والرياض للتوقيع على ميثاق تعاون طويل الأجل لصالح أوبك +، وبالتالي إضفاء الطابع الرسمي على اتفاق تمت الموافقة عليه في الصيف بفيينا. 

وأكد الرئيس الروسي في مقابلة مع قنوات تلفزيونية ناطقة باللغة العربية: "بالتأكيد سنعمل مع المملكة العربية السعودية وشركائنا وأصدقائنا الآخرين في العالم العربي لتقليص أي محاولة لزعزعة سوق النفط "، مشيدا: "بعلاقاته الجيدة مع الملك، كما هو الحال مع ولي العهد".

وقالت الصحيفة: "أظهرت موسكو والحليف التقليدي للولايات المتحدة، الرياض، في السنوات الأخيرة تقاربا مذهلا، ميزها بشكل خاص زيارة تاريخية للملك سلمان إلى روسيا في أكتوبر/تشرين الأول 2017". 

وأضافت أنه: "بعد ذلك بعام، بينما تعرض محمد بن سلمان للانتقاد بعد اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في تركيا، استقبل فلاديمير بوتين ولي العهد السعودي بمصافحة حماسية أمام قادة مجموعة العشرين".

وسيط محتمل

ويقول محللون سياسيون روس: إن موسكو، المسلحة بهذه العلاقات مع الرياض وفي الوقت نفسه متحالفة مع إيران، العدو اللدود للمملكة، يمكن أن تسعى إلى "لعب دور صانع السلام" في التوترات الإيرانية السعودية. 

ففي تعليقه على توجيه أصابع الاتهام لإيران، قال بوتين: "موقفنا يبقى ثابتا، حيث نعتبر أنه من غير الصحيح تحديد من هم المذنبون قبل أن يعرف بشكل موثوق وواضح ومفهوم من يقف وراء هذا العمل".

وأكد أنه على اتصال مع القيادة السعودية وولي العهد: "الذي ناقش معه الحادث وأخبره أنه من الضروري الحصول على أدلة وتحديد المذنبين"، مؤكدا أن: "هناك من يقف وراء هذا العمل". كما أوضح: "سنبذل قصارى جهدنا لتهيئة الظروف اللازمة لديناميكية إيجابية تهدف إلى تخفيف التوترات".

ورأت الصحيفة أنه: "في سوريا هناك تعارض بين الروس، المتحالفون مع نظام بشار الأسد وإيران من جهة، والسعوديون الذين يدعمون المعارضة، وخلال زيارة الرياض كان الوضع في هذا البلد على جدول أعمال محادثات فلاديمير بوتين في الرياض، وفقا لمستشار الكرملين، يوري أوشاكوف، وهذا دليل آخر على ديناميكية الكرملين، بالنظر إلى سلبية الولايات المتحدة".

وبحسب الصحيفة: "يمكننا الآن التأكيد على أن موسكو استولت بالكامل على الملف السوري كمحرك لنفوذها في المنطقة وتعمل على تشكيل التطورات الدبلوماسية والإستراتيجية التالية لحصولها على الدور الذي يخدم مصالحها".

ويقول الخبير السياسي فيودور لوكيانوف: "من المهم بالنسبة لروسيا أن تشارك دولة عربية في التسوية السياسية في سوريا" ، لأنه الآن يوجد "ثلاث دول غير عربية " تشارك حتى الآن وهي تركيا وروسيا وإيران.

أخيرا، فإن زيارة بوتين ووفده للرياض أدت إلى توقيع ثلاثين عقدا واتفاقية، بما في ذلك العشرات بقطاعات التكنولوجيا المتقدمة، والذكاء الاصطناعي والطاقة والبنية التحتية تبلغ قيمتها أكثر من 2 مليار دولار، ما يسلط الضوء على نفوذ موسكو المتنامي في الشرق الأوسط.

وبذلك، وفقا للصحيفة، يواصل بوتين تحقيق أهدافه من خلال هجماته الدبلوماسية عن طريق الإغراء، فبعد السعودية، مبعوث الكرملين وجه بيادقه إلى الإمارات العربية المتحدة للقاء ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان.