خطة دولية لمحاربة تنظيمي الدولة والقاعدة بغرب إفريقيا.. لماذا الآن؟

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أجْبر تزايد نفوذ تنظيمي الدولة والقاعدة في منطقة الساحل الغربي بإفريقيا، 15 دولة على توحيد جهودها القارية والإقليمية لمواجهة "خطر الإرهاب" المُتمدد، في منطقة تشهد تهميشاً دولياً كبيراً، ولا تلقى الاهتمام الأمريكي والأوروبي في مواجهة التنظيمات المسلحة.

وهذه الدول الـ15 من بلدان إفريقيا الغربية، تشكلت ضمن منظمة تعاون إفريقية حكومية تعرف اختصاراً باسم "إكواس". رفعت المنظمة شعارَ تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين دول المنطقة كمدخلٍ إلى اندماج اقتصادي شامل، لم يشهد نتائج فعلية حتى الآن.

وتضم المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في عضويتها الآن دول: ساحل العاج، بنين، مالي، بوركينا فاسو، السنغال، توغو، غينيا، غينيا بيساو، النيجر، نيجيريا، ليبيريا، سيراليون، غامبيا، غانا، وجزر الرأس الأخضر. 

وعقدت دول إكواس اجتماعاً طارئاً في بواغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في 14 سبتمبر/ أيلول الجاري، بعد عدة أسابيع من تولي الجنرال استيفن ج. تاونسند، قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا المعروفة اختصاراً بـِ "أفريكوم"، وإعلانه عن خطة موسعة لمواجهة تنظيمي الدولة والقاعدة في القارة الإفريقية وخاصة منطقة الساحل التي تشهد امتداداً مريعاً لهذه التنظيمات، وفق وصفه.

وبالإضافة إلى دول إكواس، حضر الاجتماع ممثلين عن دول: موريتانيا، الكاميرون، تشاد، المغرب، الجزائر، السعودية، الإمارات، ألمانيا، فرنسا، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

وحسب البيان الختامي لـِ "إكواس"، فإن مبلغاً بمليار دولار سيتم توفيره من دول المجموعة سيغطي الفترة من 2020 وحتى 2024، من خلال إنشاء صندوق مشترك، يهدف لتعزيز العمليات العسكرية للدول المعنية والأخرى المنضوية في العمليات العسكرية المشتركة بالمنطقة، والمقصود بها الولايات المتحدة وفرنسا على وجه التحديد.

ويرجع النشاط الجديد في هذه الدول، بعد أن وصلت أرقام العمليات التي نفذتها هذه التنظيمات خلال الأشهر الأولى من عام 2019 الجاري، إلى ما يقرب من 400 عملية وفقاً لإحصاء قدّمه وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة، خلال جلسات المؤتمر.

حلم التحالف الدولي

ورغم أن القمة اتخذت خطوات عملية في محاولة للتصدي لهجمات التنظيمات المسلحة التي شهدت زيادة مضطردة خلال 2018، إلا أن المتابعين ومن بينهم الأمين العام للأمم المتحدة، يرون أن الحل لن يكون عسكرياً، وإنما في تغيير البيئة الاقتصادية والاجتماعية في دول الساحل.

وحسب المتابعين لأعمال القمة، فإن الغرض الأساسي منها كان تشكيل تحالف دولي تقوده الدول الكبرى التي لها مصالح بمنطقة الساحل، يكون على شاكلة التحالف الموجود لمواجهة تنظيم الدولة في سوريا والعراق تحت قيادة واشنطن، والتحالف الآخر الذي حاولوا تشكيله في ليبيا لمواجهة نفس التنظيم، وهو ما أعلن عنه صراحة رئيس النيجر محمدو ايسوفو، في يوليو/ تموز الماضي.

ورغم أن صندوق العمليات المشتركة الذي تتبناه فرنسا، يهدف لتشكيل قوة عسكرية جديدة باسم "قوة الساحل"، تضاف للقوة الموجودة التي تشكلها موريتانيا ومالي وبوركينا والنيجر وتشاد، لمواجهة تنظيم الدولة.

إلا أن التجارب السابقة لفرنسا في بعض تلك الدول، لا تُشير لوجود فرص كبيرة لنجاح هذه القوة المقترحة، خاصة إذا كان الهدف منها أن تكون بديلاً للقوات الفرنسية الموجودة بالإقليم والتي يبلغ قوامها 4500 مقاتل فرنسي، وليست داعمة لهذه القوات أو مكملة لها.

تمدد الجماعات

ووفقاً لإحصاءات فإن جماعة بوكو حرام التي بايعت مؤخراً قائد تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي، نفذّت وحدها خلال الفترة من 2000 وحتى 2018، ما يقرب من 39 ألف عملية ضد المدنيين والقوات الحكومية، نتج عنها هجرة ما لا يقل عن 2 مليون نسمة من مناطقهم.

ويُشير تقدير موقف عسكري صادر عن القيادة العسكرية الأمريكية فى إفريقيا "أفريكوم" منتصف شهر يوليو/ تموز الماضي، إلى أن تنظيم الدولة في غرب إفريقيا الذي حل مكان حركة بوكو حرام، قد تحوّل شيئاً فشيئاً لقوة متوسعة ذات طموح سياسى وثقل مجتمعي.

ووفق التقدير الذي أعده الجنرال توماس والدوزر قبل تسليم مهامه كقائد لـِ "أفريكوم"، فإن مكافحة تنظيم الدولة وتمدده في غرب إفريقيا يحتاج إلى ما هو أبعد من العمل العسكري والقتالي، وشدد على ضرورة إيلاء حكومات الدول الـ15 ومنطقة الحوض التشادي اهتماماً أكبر بتقديم الخدمات الصحية والتعليمية لأبناء المناطق النائية وعدم ترك الفراغ الخدمي لتشغله التنظيمات المسلحة.

ورصدت أفريكوم تمدداً لنشاط تنظيم الدولة انطلاقاً من مناطق شمال شرق نيجيريا باتجاه دول الحوض التشادي العظيم فى غرب إفريقيا وعلى رأسها جمهورية النيجر التي استطاع مقاتلو التنظيم إشعال شريط حدودها مع نيجيريا بعمليات قتالية متوالية منذ مطلع العام الجاري.

وقدرت أفريكوم، إجمالي القوة العسكرية لتنظيم الدولة في غرب إفريقيا بما يتراوح بين 3500 إلى 5000 مسلح، وكشفت أن الجانب الأعظم من تسليحهم لا يعدو كونه "غنائم حرب" في مواجهات مجموعات التنظيم مع التشكيلات العسكرية والأمنية التي تلاحقه.

ويدعم التقدير الأمريكي لعدد قوات تنظيم الدولة بغرب إفريقيا (بوكو حرام سابقاً)، دراسة موسعة عن تطورات التنظيم، نشرتها مجلة "أفريكان أرجيومينتس"، في يوليو/ تموز الماضي، أشارت فيه إلى أن عدد مقاتلي بوكو حرام يصل لأكثر من 6000 مسلح، منقسمين لمجموعتين، الأولى وهي الأكثر عدداً وتطوراً تنتمي لتنظيم الدولة في ولاية غرب إفريقيا ISWAP، في حين يقود الفصيل الأقل عددًا وخبرة زعيمهم أبو بكر شيكاو، ويسمون أنفسهم "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد (JAS).

وتُشير الدراسة إلى أنه بالرغم من نشاط الجماعتين، إلا أنهما يسيطران اليوم على أراضٍ أقل من تلك التي استولوا عليها عام 2014، عندما أعلن أبو بكر شيكاو قيام ما سماها "دولة إسلامية" في نيجيريا. كما أصبح للجماعتين قدرة أقل اليوم مقارنة بعام 2012 فيما يتعلّق بشنّ الهجمات عبر مساحة كبيرة من الأراضي؛ حيث استطاعت تلك الجماعة في ذلك الوقت أن تشُنّ هجمات منظمة على المدن الوسطى والشمالية في نيجيريا، بما في ذلك العاصمة أبوجا والمركز التجاري شمالي مدينة كانو.

ماذا تريد أمريكا؟

حسب تقرير سابق نشرته الاستقلال عن الوجود الفرنسي في دول غرب إفريقيا، وتأثيره الكبير على صناعة القرار هناك، خاصة في دول مثل مالي التي تعتبرها باريس ضمن مستعمراتها السابقة، إلا أن تساؤلات عديدة طرحت نفسها عن التحركات الأمريكية المؤخرة في منطقة الساحل، ولماذا وجهت القوات الأمريكية ضربات لتنظيم الدولة في ليبيا رغم قرارها السابق بسحب قواتها العاملة هناك.

وتُشير الدراسات التي تناولت الأهداف الأمريكية من هذا النشاط في القارة السمراء، إلى أن أمريكا ما تزال تشعر بالخطر من تنظيم القاعدة الذي فرض نفوذه على مناطق كثيرة في دول الساحل، وبالتالي فإن التركيز فقط على تنظيم الدولة وترك القاعدة، سيكون له آثارٌ سلبية سيئة على الولايات المتحدة والدول الأوروبية كذلك.

وضمن هذه الدراسات واحدة صادرة عن حسن أبو طالب، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية، والذي أكد أنه رغم مرور 18 عاماً على أحداث 11 سبتمبر وما تبعها من الحرب على تنظيم القاعدة في أفغانستان، وإعلان الرئيس الأمريكي قبل أيام مقتل حمزة نجل أسامة بن لادن، إلا أن الولايات المتحدة ما تزال حتى الآن تخشى عودة التنظيم لكامل قوته ولياقته.

ويستدل أبو طالب في تحليله بتصريحات سابقة لمنسق مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية ناثان سيلز نشرتها وكالة "بلومبيرغ" مطلع أغسطس/ آب الماضي، بأن "تنظيم القاعدة ما يزال يُشكل تهديداً على الولايات المتحدة، كما كان في السابق، حيث أعاد التنظيم بناء نفسه، في وقت كانت الولايات المتحدة تركز كل اهتمامها على القضاء على داعش في العراق وسوريا".

ويذهب أبو طالب في تحليله إلى أن الاعتراف الأمريكي الرسمي بوجود تهديد من القاعدة لا يعني بالضرورة أنه تهديد مباشر للداخل الأمريكي كما حدث في سبتمبر 2001، بل في حقيقته تهديد للمصالح الأمريكية عبر العالم ولعدد كبير من حلفائها.

هل تنجح المحاولات؟

في ظل التحركات السابقة، فإن التعويل على الجانب العسكري لوقف تمدُد الحركات الجهادية في غرب إفريقيا، بات محل نظر، كما سبق وأعلن ذلك كلاً من الأمين العام للأمم المتحدة، ووزير الداخلية في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يرجع في الأساس لعدم الترحيب الشعبي لدول غرب إفريقيا بهذه القوات، سواء الأمريكية أو الفرنسية أو حتى الإيطالية التي ظهرت مؤخراً على سطح الأحداث.

وذهبت مؤسسة "Institute For Security Studies" المعنية بالدراسات الأمنية، إلى أن الاستياء الشعبى من الوجود العسكري الأجنبي ازداد في المنطقة، بل إن القوات الفرنسية ــ التى حظيت بإجماع شبه عام عندما دخلت مالي عام 2013- تواجه الآن بانتقادات عامة متنامية، حيث نشبت الاحتجاجات فى جميع أنحاء البلاد منددة بالسياسة الفرنسية، والتي ينظر إليها على أنها تسعى فقط لحماية مصالحها على حساب مصالح السكان المحليين، وفى النيجر أيضاً، هتف المتظاهرون برحيل الجيوش الفرنسية والأمريكية والألمانية، خلال المظاهرات التى اجتاحت البلاد في فبراير/ شباط الماضي.

وتُشير المؤسسة إلى أن التدخلات العسكرية العديدة فى منطقة الساحل الإفريقي تُظهر رغبة القوى الغربية في الدفاع عن مصالحها الإستراتيجية والأمنية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية، وهذا يدل على وجود منطقة ضحية للحسابات الجغرافية السياسية للقوى الأجنبية، وهذه المنطقة مكانها الآن دول غرب إفريقيا.