العنصريون ملة واحدة!

حسين صالح السبعاوي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

إن ظهور العنصرية والتطرف لهو نذير شؤم، فكلما بدأ ظهور العنصرية بدأنا بالاقتراب من الحرب والدمار. فقد سبق الحرب العالمية الثانية ظهور هتلر في ألمانيا وموسوليني في إيطاليا والشيوعية في روسيا وأوروبا الشرقية، وما أن وصل هؤلاء إلى سدة الحكم حتى أشعلوا الحرب بين الدول، وكانت نتيجتها الدمار الهائل حيث كان ثمن هذه الحرب، التي دامت قرابة ٦ سنوات مقتل ١٧ مليون عسكري و١٨ مليون مدني، أما ثمنها الاقتصادي فكان آلاف المليارات وتدمير عشرات المدن ومن أبرزها (ستالين غراد، وباريس، وبرلين...)، أما مدينة هيروشيما ونكازاكي اليابانيتين فقد أبيدت بالقنابل الذرية الأمريكية عن بكرة أبيها وبما فيها من سكان، كل هذا كان ثمن وصول أصحاب الفكر العنصري إلى سدة الحكم.

وهنا لابد أن نقف على أسباب ظهور العنصرية ونتائجها.

لا يوجد سبب علمي أو شرعي لظهور العنصرية وتفشيها في المجتمعات إلا أنها من الأمراض النفسية التي يعيشها هؤلاء أو بسبب عادات وتقاليد قد توارثوها من الآباء والأجداد! 
فمثلاً المواطن الأوروبي قد ابتلى بالعنصرية العرقية وهي تبني فكرة الإنسان الأبيض أو الإنسان الآري...

وهي تعتمد على أفضلية هذا النوع من البشر عن بقية الناس الآخرين بينما يقابله عنصرية الإنسان الأسود فمثلا في زمبابوي هناك تمييز ضد الإنسان الأبيض في محاولة لتطهير الدولة عرقياً، وكذلك في ليبيريا فقد شرع قانون سنة ١٩٨٤ بأنه لا يسمح لغير السود بحمل الجنسية الليبيرية وهذا دليل على أنه لا يوجد دليل علمي يثبت ادعاءات العنصريين بل الصحيح (كلكم  لآدم وآدم من تراب).

وكما ابتلى الأوروبيين والأفارقة بالعنصرية فلسنا بمنأى عنها نحن العرب فإن عنصريتنا هي القبلية والمناطقية فكم فرقتنا مقولة (عرب الشمال وعرب الجنوب)، لقد كانت هذه العنصرية القبلية واحدة من الأسباب غير المباشرة لزوال الدولة الأموية.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن ظهور قادة الفكر العنصري ووصولهم إلى سدة الحكم لم يكن من فراغ، بل هناك جماهير غفيرة أوصلتهم إلى سدة الحكم وتبنت أفكارهم العنصرية؛ فمثلاً كان أغلب الشعب الألماني يتبنى فكرة الإنسان الآري وأفضليته على بقية البشر، وكذا الفاشية في إيطاليا، وهكذا بقية الأفكار العنصرية ما كانت لتصل إلى سدة الحكم لو لم يكن خلفها جماهير تؤيدها رغم خطورتها وضحالة أدلتها العلمية في الوجود.

يقول رونالد سترومبرج مؤلف كتاب الفكر الأوروبي الحديث:" لا يمكن أن يتحمل هؤلاء القادة الذين أشعلوا الحروب المسؤولية بمفردهم بل يتحمل المسؤولية معهم المثقفين ورجال الدين والإعلام والعسكريين كل هؤلاء كانوا يحملون نفس الفكر وكل يقوم بواجبه ودوره حسب اختصاصه إذا هي منظومة متكاملة! 

إذاً عندما تنتشر العنصرية والتطرف يكون صوت الاعتدال خافتاً وغريباً، ولا يجد آذاناً صاغية له، وهكذا إلى أن تدق طبول الحرب.

ومن الأهمية بمكان التمييز بين عنصرية أوروبا البيضاء وبين عنصرية إفريقيا السوداء، فلا يمكن التعميم ووضعها جميعها في سلة واحدة فالعنصرية السوداء جاءت كرد فعل وليست أصل فيهم بينما عنصرية الإنسان الأبيض هي متجذرة فيهم وكانت نتائجها كارثية على العالم ورغم تشريعات الأمم المتحدة وميثاقها لسنة ١٩٤٥، الذي ينص على عدم التمييز العنصري بين البشر.

وكذلك بقية المؤسسات الدولية مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي تأسس سنة ٢٠٠٦ وغيرها من المؤسسات الدولية، إلا أن الأوروبيين والغرب عموماً لم يتخلصوا  من هذه الفكرة العنصرية وأصبحت جزء من ثقافته العامة إلا ما رحم ربي!

أما اليوم فقد بدأ أصحاب هذا الفكر بالانتشار والتوسع الأفقي والعمودي؛ فمثلاً صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الحكم ووصول جونسون البريطاني إلى رئاسة الوزراء ومحاولة روسيا باستعادة أمجادها سواء القيصرية،أو في زمن الاتحاد السوفيتي كل هذا هو نذير شؤم لحرب كونية قادمة يكون ثمنها أكبر بكثير مما دفعه العالم في الحرب العالمية الثانية بسبب تطور الأسلحة الفتاكة والمدمرة لأنه لاحظنا أن ثمن الحرب العالمية الثانية كان أكبر من ثمن الحرب العالمية الأولى، وهكذا كلما تطورت صناعة الأسلحة كلما  كانت الخسائر أكبر!

أما العنصرية اليوم فهي عنصرية هجينة ومتعددة لكنها تتبنى هدفاً واحداً وهو استهداف الشعوب المسالمة، ومن بينهم الشعوب الإسلامية أياً كان جنسهم ولونهم وجغرافيتهم! 
فعنصرية الإنسان الأبيض في أمريكا وأوروبا قد أعلنوا صراحة موقفهم من المسلمين، لكن يبدو أن أصحاب البشرة الصفراء من الصين أيضاً أظهروا عنصريتهم من المسلمين، واليوم ملايين المسلمين الإيغور يعانون من هذه العنصرية المقيتة، كذلك أصحاب البشرة السمراء من الهندوس أعلنوا عدائهم للمسلمين في الهند وآخرها في كشمير، والغريب أن جميع هؤلاء يمارسون العنصرية حتى مع من يحمل نفس بشرتهم ولونهم وجنسهم!

هذه العنصرية هي العنصرية الدينية وهي عنصرية هجينة، والأغرب من كل هذا أن أغلب الحكام العرب يحملون نفس الفكر العدواني ضد المسلمين ومتحالفين مع كل من يحارب المسلمين سواء كان عنصري أبيض أو أسود أو أصفر أو حتى يكون لونه (قوس قزح)، وما تكريم ابن زايد ولي عهد الإمارات لرئيس وزراء الهند العنصري الهندوسي ناريندرا مودي والمشهور بعدائه للمسلمين إلا شاهد على هذا التحالف العالمي العنصري ضد المسلمين.

لكن ما لا يعلمه غالبية العنصريين بأنهم يخسرون أي حرب يخوضونها سواءََ ضد المسلمين أم غيرهم، وهذا ما شاهدناه في الحرب العالمية الثانية، التي انتهت بخسارة هتلر وموسوليني وتدمير بلدانهم، كما لا يعلم غالبية العنصريين بأن الفكر العنصري لا يبني حضارة بل هو هادم للحضارات والتطور لأنه فكر منغلق عكس متطلبات الحضارة للفكر النير والمنفتح الذي يخدم العالم أجمع دون النظر إلى العرق واللون والجغرافية.

من هنا نقول إنه على المجتمع الغربي الحفاظ على مبادئ الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والتصدي للأفكار العنصرية وعدم السماح لها بالوصول إلى سدة الحكم، وإلا فإنهم في خطر وفي خسارة كبيرة، فكما خسرت ألمانيا الحرب بتبنيها للعنصرية فكذلك أنتم خاسرون إذا تبنيتم نفس الفكر، وسنن الله تعالى تسري على الجميع دون استثناء وبعدها (لا ينفع الندم) وإن غداً لناظره لقريب. 

الكلمات المفتاحية