عودة تنظيم الدولة.. واقعه وما يقال

رائد الحامد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بحلول مارس/آذار الماضي، وبخسارته منطقة الباغوز جنوب شرق دير الزور على الحدود مع العراق، يكون تنظيم الدولة قد خسر آخر معاقل سيطرته التي استمرت لنحو خمس سنوات على مناطق واسعة في غرب وشمال غرب العراق وفي شمال سوريا وشرقها.

قدرت تقارير غربية أن مساحة الأراضي التي خضعت لسيطرة تنظيم الدولة بقدر مساحة بريطانيا، وأن ما بين 7 إلى 11 مليون نسمة كانوا يعيشون تحت سيطرتها في العراق وسوريا.

في بدايات إعلان أمير "تنظيم داعش" دولة "الخلافة الإسلامية" في يونيو/حزيران 2014، جذب التنظيم إلى صفوفه عشرات الآلاف من المسلمين الشباب من أكثر من 90 دولة حول العالم، معظمهم انخرط بالقتال في صفوفه.

تشير بعض التقديرات إلى أن ما بين 12 إلى 18 ألفا من مقاتلي التنظيم يوجدون حاليا في سوريا والعراق، على شكل مجموعات صغيرة "متنقلة" أو مختبئة في مناطق صحراوية غرب وشمال غرب العراق، وفي مناطق جبلية في وسط وشرق العراق، أو في صحراء حمص والسويداء وقرى نائية في مناطق عدة من سوريا، بالإضافة إلى ما يعرف باسم الخلايا النائمة الذائبة المختبئة بين السكان في المجتمعات المحلية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك عدة أو عشرات الآلاف من مقاتلي التنظيم لا يزالون محتجزين في سجون تابعة للحكومة العراقية وفصائل الحشد الشعبي بالعراق أو لدى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وفي سجون أخرى تابعة لفصائل المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام.

بعد أحداث الموصل 2014 أشارت تقارير استخباراتية متقاربة إلى أن ما لا يقل عن 21 إلى 30 ألف مسلح يشكّلون أعضاء تنظيم "داعش"، وأن التنظيم خلال فترة سيطرته على محافظات سنية في العراق ومناطق واسعة في سوريا استطاع تجنيد المزيد من سكان تلك المناطق، ما يعني أن الخسائر التي تكبدها التنظيم جراء العمليات القتالية وقصف قوات التحالف الدولي تم تعويضها بشكل ما سواء تعويضا كليا أو جزئيا، دون تأثير كبير على بنية التنظيم ونواته الأساسية على الرغم من خسارته العدد الأكبر من قيادات الصفوف الأولى المتقدمة.

لكن هذا قبل فقدانه كافة مناطق سيطرته واعتقال المزيد من مقاتليه سواء الذين سلموا أنفسهم لقوات سوريا الديمقراطية أو الذين أسروا في معارك الأشهر الأخيرة في ريف دير الزور الشرقي.

لا يزال تنظيم "داعش" يحتفظ بإمكانيات مالية عالية قدرتها تقارير الأمم المتحدة بأكثر من 300 مليون دولار، ومع واقع امتلاكه العنصر البشري، فإن ثمة إمكانية لاستعادة بعض نشاطاته على نطاق محدد في العراق وسوريا، وديمومة عمل آلته الإعلامية الدعائية الخاصة به عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي أغسطس/آب 2018، تحدثت تقديرات لوزارة الدفاع الامريكية عن احتفاظ تنظيم "داعش" بما لا يقل عن 30 ألف مقاتل في سوريا والعراق بزخم قتالي وقدرات تنظيمية تتفوق على تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين في أوج قوته بين عامي 2005 و2007.

لكن التنظيم وخلال السنوات الخمس من القتال فقد الكثير من مقاتليه وقياداته في العمليات القتالية التي قادتها دول التحالف الدولي للحرب على التنظيم بمشاركة وإسناد قوى محلية من مقاتلين عرب وأكراد انضموا في صفوف قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وقوات البيشمركة العراقية والحشدين الشعبي (شيعي عراقي) والعشائري (شيعي سني) بالإضافة إلى القوات الأمنية العراقية وقوات خاصة من عدد من دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة.

على الرغم من تراجع قدرات التنظيم إلى مستويات متدنية في مختلف الجوانب، لكن خبراء غربيون لاحظوا تصاعدا في وتيرة نشاطات التنظيم في العراق وسوريا خلال الأشهر القليلة الماضية في نصب الكمائن وتنفيذ هجمات محدودة على مواقع أمنية واغتيالات وغيرها من الأنشطة المزعزعة للاستقرار، التي يرسل التنظيم عبرها رسائل لمؤيديه ولحكومات العالم تفيد باستمرار وجوده.

وأقرَّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الثلاثاء 20 أغسطس/آب، بأن تنظيم داعش يكتسب قوة في بعض المناطق أكثر مما كان عليه قبل ثلاث أو اربع سنوات.

وفي تقرير المفتش العام لوزارة الدفاع الامريكية في الأول من أغسطس/آب، ذكر أن مقاتلي التنظيم يستعيدون قوتهم نسبيا بسبب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا ومتغيرات في سياساته المتبعة في العراق، محذرا من أن تنظيم داعش يعيد بناء قدراته.

وينشط التنظيم في سوريا بدرجة أكبر من العراق لأسباب تتعلق بالحرب الأهلية السورية وغياب السلطة المركزية وسيطرة فصائل المعارضة المسلحة وقوات سوريا الديمقراطية على أجزاء من سوريا تمتاز بهشاشة السيطرة الأمنية.

نقلت مواقع مقربة من التنظيم حصيلة الهجمات على قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية خلال 100 يوم في شرق وشمال شرق سوريا أنها بلغت 66 عملية أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 200 شخص وتدمير أو أعطاب 41 آلية عسكرية.

ومع أن الحكومة العراقية أعلنت "النصر الحاسم" على تنظيم "داعش" منتصف ديسمبر/كانون الأول 2017، وإعلان الرئيس الروسي النصر على التنظيم في سوريا في يناير/كانون الثاني 2018، إلا أن التنظيم شن خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2018 نحو 1271 هجوما، و148 عملية اغتيال لقادة وعناصر من القوات الأمنية العراقية وشيوخ عشائر وقادة في الحشد العشائري، حسب دراسة لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

لا شك أن تجربة ما يزيد على خمسة عشر عاما من ظهور نواة تنظيم "داعش" والتحديات التي واجهها أعطته قدرة متميزة في التكيّف مع التحديات والتعايش مع الهزائم العسكرية والمرونة في إعادة بناء قدراته المالية والعسكرية بالإضافة إلى متغيرات في خطابه الإعلامي والترويج الفكري لمنهجه تناسب كل مرحلة لعدم فقدان القدرة على التجنيد وهو العامل الأهم في وجوده، الذي يأتي متقدما على العامل المالي وعامل المعدات القتالية.

من المحتمل أن ينجح التنظيم في استعادة بعض ما فقده من العلاقات مع قيادات المجتمع خلال فترة سيطرته على المدن وتحويل البيئة الاجتماعية "السنية" التي عرف عنها أنها بيئة طاردة للتنظيم بعد أشهر من أحداث الموصل 2014، إلى بيئة حاضنة له طالما ظلت الحكومة المركزية غير مكترثة بإعادة الإعمار والخدمات الأساسية للمدن المدمرة، واستمرار سيطرة فصائل الحشد الشعبي على الملف الأمني في المدن المستَعادة من التنظيم مع رفض عودة مئات الآف من سكانها من مخيمات النزوح بذريعة الانتماء إلى التنظيم أو تأييده. 

وبالإضافة إلى ذلك، سيكون لاستمرار حالات الاعتقالات والتنكيل بالعرب السنة في العراق وسوريا، وبقاء عشرات الآلاف من ذوي عناصر التنظيم محتجزين في المخيمات، أو في المعتقلات دون محاكمات قضائية مدخلا يمكن لقيادات التنظيم استثماره في تجنيد المزيد من "الساخطين" في صفوفه وتدريبهم وإعدادهم لمهام قتالية مستقبلية.