"سعوديات مغيّبات".. قصص الرعب لناشطات في سجون المملكة

أحمد مدكور | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم تتسامح السعودية قط مع معارضيها، ورغم وعود الإصلاح التي جاءت بصعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى سلم السلطة في المملكة المحافظة، ومحاولته الظهور بمظهر المجدد الفاتح لآفاق الحرية والديمقراطية بعد عهود من الانغلاق والتشدد، فخلال مقابلته مع برنامج "60 دقيقة" على قناة "CBS" الأمريكية في مارس/ آذار 201، قال محمد بن سلمان عندما سُئل عن المرأة السعودية: "الرجال والنساء متساويات في الحقوق وليس هناك فرق بينهما".

إلا أن كل ذلك تحطم على صخرة القمع غير المسبوق الذي سلكه الأمير الشاب في محاولته إحكام سلطته الشاملة على المملكة، لاسيما اعتقاله ناشطات سعوديات على خلفية قضايا حقوقية أو تغريدات خارج السرب تتعلق بإشكاليات سياسية أو اجتماعية، وتبدلت الصورة المخملية للنظام، بصورة يكتنفها التعقيدات وسجالات القهر والتعذيب، وقصص مرعبة عن الانتهاكات بحق النساء في سجون الصحراء القاسية، من إسراء الغمام، ولجين الهذلول، وإيمان النفجان، وعزيزة اليوسف إلى سمر بدوي وأخريات دفعن ثمن مطالب مشروعة بالحق في الحياة الكريمة.

 

"أتساءل عما إذا كانت لجين الهذلول مثلي، وهي واحدة من أشهر الناشطات السعوديات اللواتي اعتقلن الأسبوع الماضي، تتصارع مع هذه المعضلات. أو إذا كان محاميها، إبراهيم المديميغ، كان يقلب هذه الاختيارات في داخله أيضا. لقد اتهمهما أمن الدولة مع سواهما بالتورط في علم منظم للتجاوز على الثوابت الدينية والوطنية، والتواصل المشبوه مع جهات خارجية فيما يدعم أنشطتهم وتجنيد أشخاص يعملون بمواقع حكومية حساسة"، الكاتب السعودي جمال خاشقجي.

لجين الهذلول.. أحلام ساقتها للسجون

في مقالة كتبتها الناشطة السعودية علياء الهذلول شقيقة لجين، بتاريخ 13 يناير/ كانون الثاني 2019، في قسم الرأي بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أكدت "أن مستشار القصر الملكي السابق سعود القحطاني أشرف بنفسه تعذيب شقيقتها، وأنه كان يحضر جلسات التعذيب، وكان يضحك ويهدد باغتصابها وقتلها وإلقاء جثمانها في مجاري الصرف الصحي، وأجبرها على الأكل معه ورجاله خلال شهر رمضان".

اعتقلت لجين الهذلول في 25 مايو/ آيار 2018، من بين الناشطات المدافعات عن حرية المرأة، والقضايا النسوية، وعكفت الهذلول على الدفاع عن حق المرأة في قيادة السيارات بسبب الحظر الذي كان مفروضا عليهن لفترات طويلة، ورغم انتهاء ذلك الحظر، والاحتفاء البالغ بإزالته، إلا أنها دفعت ثمن أحلامها البسيطة، وسيقت إلى غياهب المعتقلات.

تلك الناشطة ابنة منطقة القصيم، وهي من المناطق المحافظة المتشددة إزاء الحريات الاجتماعية والعامة، ووالدها كان ضابطا في البحرية الملكية السعودية، وهو الذي قدم لها الدعم خلال حملتها المطالبة بحق المرأة السعودية في قيادة السيارة، وقام بتصويرها عندما قادت مركبتها لأول مرة.

لجين التي مثلت جيلا من السعوديات المتطلعات إلى التغيير، قضت سنوات من طفولتها في فرنسا، ودرست الأدب الفرنسي في جامعة "بريتش كولومبيا" في فانكوفر بكندا. قالت عن نفسها: "أنا محظوظة أنني من أسرة متحررة، انتابني شعور المسؤولية لكسر هذه الحلقة".

الهذلول في ذاتيتها مثلت صدمة حقيقية لواقعها المحفوف بالمخاطر، الغارق في سياق تقاليد ومحظورات فرضتها الدولة والمجتمع، فهي فتاة سعودية أصيلة، تنتمي لقبيلة الهذلول من القبائل الحجازية المنتمية لمنطقة القصيم، وكانت تذكر ذلك صراحة، وتقرن اسمها بإسم قبيلتها، ما جعلها تمثل نموذجا للفتيات السعوديات. الأمر الذي جعلها تحقق شعبية كبيرة، وتجاوز عدد المشاهدين لبعض مقاطع الفيديو التي تنشرها الخمسة ملايين متابع.

وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، قادت لجين الهذلول سيارتها من الإمارات إلى المملكة العربية السعودية لعبور الحاجز الحدودي بين الدولتين، وعندما أوقفتها السلطات على المعبر، أصدر وزير الداخلية السعودي بشخصه أمرا باعتقالها، بتهمة تقويض الأمن الوطني، وقضت في السجن 73 يوما، قبل أن يفرج عنها بمرسوم عفو ملكي بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز حكم المملكة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، أجرت مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، تحدثت عن تجربة السجن الأولى، وقالت فيها: "إنها كانت فرصة نادرة لمقابلة نساء لا يعترف بوجودهن، كانت تجربة ثرية لي".

قبل أن يتم اعتقالها للمرة الأخيرة في 18 مايو/ آيار 2018، على يد رئاسة أمن الدولة، برفقة 7 أشخاص بتهمة التواصل مع جهات أجنبية مشبوهة، وتهديد أمن البلاد.

بعدها أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، عن تعرض ناشطات سعوديات لانتهاكات جنسية وجلد وصعق بالكهرباء داخل مقر احتجازهن.

وفي يناير/كانون الثاني 2019، أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها مقالة علياء الهذلول، وسردت فيها الزيارة التي قام بها والدها إلى شقيقتها لجين وقالت: "لقد رأى والدي الكدمات على فخذيها جراء التعذيب الذي تعرضت له".

سمر بدوي.. سر الأزمة السعودية الكندية

في 2 أغسطس/ آب 2018، شنت السلطات السعودية حملة أمنية تحت مسمى "عملاء السفارات" واعتقلت مجموعة من الناشطين في المجالات الحقوقية، على رأسهم سمر بدوي، بتهمة التواصل مع جهات خارجية، وتقديم دعم مالي لجهات معادية للبلاد، وتعد سمر من أشد المدافعات عن حقوق المرأة السعودية، وتحديدا في جزئية وصاية الرجل على المرأة.

وهي طليقة المحامي السعودي الناشط أيضا في المجالات الحقوقية وليد أبو الخير، أحد سجناء الرأي، وشقيقة المدون المعارض السجين رائف بدوي، مؤسس "الشبكة الليبرالية الحرة"، وسمر هي وليدة خلافات عاصفة مع أسرتها، ووالدها على وجه الخصوص الذي دأب على تعنيفها حسب شهادتها، ما دفعها إلى الاحتماء بدار لرعاية النساء المعنفات وهي ابنة السادسة والعشرين، ليقيم والدها دعوى قضائية ضدها في ظل نظام "وصاية ولي الأمر" المعمول به في المملكة، ليتم سجنها 7 أشهر.

وشاركت بقوة في حملة قيادة المرأة السعودية للسيارة، وطالبت وزارة الشؤون البلدية بتسجيلها في انتخابات البلدية، لكن ديوان المظالم منعها.

وفي أغسطس/آب 2018، نشرت وزارة الخارجية الكندية في حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر: تغريدة تضمنت: "تشعر كندا بقلق بالغ إزاء الاعتقالات الإضافية لنشطاء المجتمع المدني، ونشطاء حقوق المرأة في السعودية، بما في ذلك سمر بدوي، نحث السلطات السعودية على الإفراج عنهم فورا، وعن جميع النشطاء السلميين الآخرين في مجال حقوق الإنسان".

تلك التغريدة أدت إلى أزمة سياسية كبيرة بين السعودية وكندا، بعد إقدام الأولى على طرد السفير الكندي، وإيقاف كل التعاملات التجارية الثنائية الجديدة بين البلدين

عزيزة اليوسف.. ستون عاما لم تشفع لها

عزيزة اليوسف أستاذة جامعية متقاعدة متخصصة في نظم المعلومات، درست في الولايات المتحدة الأمريكية بجامعة فرجينيا كومنولث، قبل أن تعود إلى جامعة الملك سعود، وتعمل بالتدريس والحقل العلمي لمدة 28 عاما، لتتقاعد في عام 2016.

اليوسف، عملت جاهدة لرفع نظام وصاية الرجل على المرأة، ودافعت بشدة عن حقوق النساء السعوديات، وأسست مبادرة "أنا ولية نفسي" التي لاقت رواجا إعلاميا ومجتمعيا، وجمعت أكثر من 14 ألف توقيع من رجل وامرأة، وقدمت على هذا الأساس التماسا إلى الملك سلمان بن عبد العزيز بمطالبها.

وتمحورت رؤيتها حول أنه لا توجد قوانين لولاية الأمر، ولكن الأمر أشبه بالعرف بين الوزارات والهيئات، فتدخل ولي أمر المرأة السعودية في كافة تفاصيل حياتها، أمر حديث على المجتمع.

وفي 15 مايو/ آيار 2018، تم اعتقالها ضمن حملة واسعة شنتها السلطات السعودية على نشطاء حقوق الإنسان في البلاد ومنهم لجين الهذلول وإيمان آل نفجان، ووجهت إليهم تهمة الاتصالات بأطراف خارجية، وتوفير الدعم لجهات معادية.

ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018، تقريرا بعنوان "ليالي الرعب وفظائع التعذيب داخل السجون السعودية كما عاشتها الناشطات"، أكدت فيه أن عزيزة اليوسف ضمن النساء اللواتي تعرضن للتعذيب والانتهاكات الجسيمة داخل السجون، رغم كبر سنها، وعدم قدرتها على تحمل تلك الفظائع.

إسراء الغمغام.. معارضة مآلها مقصلة الإعدام

في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2015، أقدمت السلطات السعودية على اعتقال إسراء الغمغام رفقة زوجها موسى الهاشم، بتهمة المشاركة في المظاهرات التي اندلعت في مدينة القطيف ذات الأغلبية الشيعية، وأنها حرضت على المسيرات، ورددت عبارات مناوئة للدولة.

وبرزت إسراء كناشطة حقوقية بالتزامن مع اندلاع ثورات الربيع العربي، والحراك الذي شهدته القطيف، وطالبت بالكف عن التمييز العنصري بين السنة والشيعة، وتحسين أوضاع منطقتها التي تعاني الفقر والإهمال والتهميش من جانب الحكومة، إضافة إلى تحقيق مطلب العدل والحرية، وإرساء قواعد الديمقراطية.

إلا أن تهمتها الأكبر التي تسببت في استهدافها المباشر، تمثلت في تصوير المسيرات ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، ليصبح صداها ذات بعد دولي وإقليمي، ليبدأ النظام السعودي في إنفاذ إجراءات أمنية، بدأت باعتقال الغمغام، وإيداعها سجن الدمام.

وفي سبتمبر/آيلول 2018، طالبت النيابة العامة السعودية بإعدام إسراء الغمغام، مستندة إلى مبدأ (التعزير في الشريعة) حسب منطوق القاضي، لتصبح أول ناشطة في تاريخ المملكة تواجه العقوبة القصوى نتيجة عملها السياسي السلمي.

الأمر الذي دعا سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط في منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى التعليق على الحكم قائلة: "كل إعدام مروع، لكن السعي إلى إعدام نشطاء مثل إسراء الغمغام، وغير متهمين حتى بأعمال عنف، أمر فظيع. يوما بعد يوم، يجعل استبداد السلطات السعودية غير المحدود المهمة أصعب على شركات العلاقات العامة، في الترويج لمقولة "الإصلاح" الخرافية بين حلفائها والشركات الدولية".

"جدار الإصلاح في المملكة"

في مقاله بـ"الواشنطن بوست" بتاريخ 5 أبريل/ نيسان 2018، والذي جاء بعنوان "تحميل عام 1979 كل أسباب المشاكل السعودية… ولي العهد يعيد كتابة التاريخ"، قال الكاتب السعودي المغدور جمال خاشقجي: "يود محمد بن سلمان تقديم رواية جديدة للتاريخ الحديث لبلدي، قصة تُعفي الحكومة من أي تواطؤ في تبني مبدأ الوهابية الصارمة. هذا ببساطة ليس صحيحا. وفي حين أنه محق في تحرير السعودية من القوى الدينية المتشددة، إلا أنه من الخطأ أن يستبدلها بمماثلة، على الرغم من أنها تبدو أكثر ليبرالية وجذابة للغرب، فإنها لا تتسامح مع المعارضة".

لم يكن يدري خاشقجي وهو يكتب مقالته، أنه على بعد خطوات من موت محتوم بطريقة بشعة على يد رجال الأمير محمد بن سلمان، وأن الأسوأ الذي سيأتي بعد لن يراه بنفسه، وإنما ستبقى كلماته شاهدة عليه.

فهناك قائمة من النسوة السعوديات المدافعات عن حقوق الإنسان، يقبعن خلف جدران السجون، ويواجهن انتهاكات لا حد لها على يد سدنة التعذيب.

وهو ما جعل "هيومن رايتس ووتش" تؤكد في تقريرها الصادر في أغسطس/آب 2018، "بأن ولي العهد السعودي إذا كان جادا بشأن الإصلاح، فعليه التدخل فورا لضمان عدم احتجاز أي ناشطة ظلما بسبب عملها الحقوقي".

آليات التعذيب والتنكيل المطلق

في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2018، خلال مؤتمر منظمة القسط لدعم حقوق الإنسان، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أكدت المنظمة أن النساء السعوديات المعتقلات تعرضن لتعذيب وحشي ممنهج، وأنهن قد ضربن على أرجلهن بطريقة الفلكة، وتعرضن للصعقات الكهربائية، وأمرت اثنتان منهن بتقبيل بعضهن على الشفاه، وحين رفضن جلدن بقسوة.

بالإضافة إلى معاناة الأمراض، وخسارة الوزن، والرجفة المستمرة، وظهور الكدمات وعلامات التعذيب الشديدة على أجسادهن.

وبحسب المنظمة كان التعذيب النفسي حاضرا في الكثير من حالات الناشطات، إذ قيل لبعضهن أن بعض أفراد العائلة قد فارقوا الحياة نتيجة حادث مروري، واستخدمت السلطات والد ناشطة ليشهد ضدها، ويقوم بتصوير مقطع فيديو ينتقدها بعد علمه بتعذيبها.

تواجه المعتقلات السعوديات حملة إعلامية شرسة، ويوصمون بالخيانة والخروج عن الأعراف والتقاليد، ولا يكاد يسمع صوت داخل المملكة يستطيع مناقشة مصير الناشطات، بعد فرض حالة من الخوف والرعب الشديد نتيجة حملات الأمير محمد بن سلمان الأمنية لقمع معارضيه بشكل مكثف غير مسبوق، لا يستثنى منه أحد.