جنرال "العشرية السوداء" بالجزائر.. هل يفسد خطط رئيس الأركان؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عاد اسم الجنرال خالد نزار وزير الدفاع الجزائري الأسبق للتداول من جديد في الساحة السياسية، في وقت تتراوح فيه المواقف بين مؤيّد للمسار الذي تنتهجه السلطة الحالية في مرحلة ما بعد بوتفليقة، ومعارض له.

حساب جديد على "تويتر" منسوب لـ"نزار" أحدث ضجة واسعة إثر هجومه على الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش، فيما تحدثت مصادر إعلامية عن سفر نزار إلى إسبانيا من أجل العلاج، مع الإشارة إلى أنه من المحتمل ألا يعود إلى الجزائر مرة أخرى.

مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع وسائل إعلامية جزائرية في البداية نقلت تغريدة بالفرنسية منسوبة إلى خالد نزار قال فيها: "الحراك السلمي أرغم بوتفليقة على الاستقالة".

مضيفا: "غير أن السلطة تم الاستحواذ عليها بالقوة العسكرية، والدستور تم خرقه بواسطة تدخلات غير شرعية. الجزائر حاليا رهينة شخص فظ فرض الولاية الرابعة وهو من ألهم الولاية الخامسة. ينبغي أن يوضع له حد. البلد في خطر".

ورغم أن نزار لم يذكر أي اسم إلا أن الجميع فهم أن المعني بالأمر هو الفريق أحمد قايد صالح قائد أركان الجيش، وكتب حمانة بوشرمة، رئيس حزب الشباب على صفحته بـ"فيسبوك": "هُجوم خالد نزار على قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح هو بمثابة إنصاف له وتأكيد على صدق نوايا قيادة الجيش الحالية في إصرارها على القضاء على أذناب فرنسا".

الصحفي الجزائري نجيب بلحيمر اعتبر أن موقف وزير الدفاع الأسبق من قائد أركان الجيش "مسألة مثيرة للقلق على أكثر من صعيد"، وكتب بلحيمر في منشور له على صفحته الرسمية في فيسبوك: "أولا تهدد استقرار الجيش لأنها تحمل دعوة صريحة إلى الإطاحة برئيس الأركان، وهذا يمس بعامل الانضباط في الجيش والذي يعتبر الأساس الذي تقوم عليه المؤسسة العسكرية بصرف النظر عن الجدل الذي أثارته قراراتها في مراحل مختلفة".

مضيفا: "ثم إنها تعيدنا إلى صراع العصب الذي ثار الجزائريون سلميا من أجل طيه نهائيا ببناء جزائر جديدة بنظام مفتوح يقوم على أساس من القانون، وقد بقي نزار بعد خروجه من الخدمة قريبا من تلك الصراعات وفاعلا فيها ".

تغريدة جديدة

الحساب المنسوب لنزار عاد ونشر تغريدة أخرى قال فيها: "إنه من أجل مصلحة الوطن قام بمراسلة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة سنة 2015 ونبهه بحكم تجربته ومعرفته بالرجال الذين قادهم على ضرورة تغيير قائد الأركان قايد صالح بضابط أصغر سنا".

مضيفا: "كثرت الشائعات عني مؤخرًا، بالنسبة للبعض كنت طريح الفراش والموت هي ادعاءات كاذبة وجزء من حملة تستهدفني، وأنا على دراية كاملة، مصدرها وأهدافها، وسأعود إليها (الجزائر)".

لكن نزار عاد وكتب تغريدة ثانية، أكد فيها تراجعه عن الدخول إلى الجزائر بسبب وجود مخطط لاعتقاله من طرف السلطات.

وقال: "كنت على وشك العودة إلى الجزائر عندما وصلتني معلومات موثوق بها حول مشروع اعتقال تعسفي وغير عادل يستهدفني، سأعود إلى البلد حالما يتم تطبيع الوضع وعندما يتم انتخاب رئيس بطريقة ديمقراطية".

رجل التسعينات

طيلة فترة التسعينات كان وزير الدفاع السابق ملء السمع والبصر وردد الناس اسمه كثيرا، بعد تجميد "المسار الانتخابي" عام 1992، عندما فازت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بالأغلبية في الدور الأول من الانتخابات التشريعية التي تلت الانفتاح السياسي بعد انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988.

هذا الوضع يثير تخوفات العديد من الناشطين من سرقة المكتسبات التي حققها الحراك منذ انطلاقه في 22 فبراير/شباط الماضي، مع الخشية من الوقوع في مربّع العنف مجدّدا كالذي عاشته الجزائر طيلة فترة التسعينات.

في 4 أكتوبر/تشرين الأول 1988 ظهرت مناوشات بأحياء عدة بالعاصمة الجزائرية، بين شباب محتجّين وقوات الأمن التي حاولت التصدي لهم، لتنفجر بعد يوم واحد أحداث دامية في عدد من المناطق في العاصمة.

توسعت المظاهرات لتمتد لبقية أحياء العاصمة مثل الحراش والأبيار وحيدرة وبيلكور، كما امتدت أيضا لباقي الولايات الجزائرية أبرزها وهران وقسنطينة وعنابة وتيزي وزو، وبجاية. وحسب جريدة "الشروق" الجزائرية امتدت المظاهرات لقرابة 70% من التراب الجزائري.

في 7 أكتوبر/تشرين الأول 1988 أعلن الرئيس الشاذلي فرض حظر التجول ليلا في العاصمة وضواحيها، وكلف الجنرال خالد نزار بالملف، كما انتشرت قوات الجيش في كامل أحياء العاصمة، قدرت مصادر عددها بعشرة آلاف جندي.

وأسفرت الأحداث التي شاركت فيها مختلف شرائح المجتمع، من طلبة وعاطلين عن العمل وعمال، عن مقتل 120 شخصا حسب الإحصائيات الرسمية، ونحو 500 حسب نشطاء، كما تم توقيف 15 ألف شخص.

أجبرت تلك الأحداث الرئيس الشاذلي على الاستجابة لمطالبها في محاربة الفساد وإحداث انفتاح سياسي، حيث تعهد بتنفيذ إصلاحات سياسية، توّجت بدستور 23 فبراير/شباط 1989، ما سمح بإنشاء أكثر من 60 حزبا سياسيا وإنهاء حكم الحزب الواحد.

وفي أوّل انتخابات تشريعية تعدّدية وديمقراطية في الجزائر يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 1991، حصدت الجبهة الإسلامية للإنقاذ 188 مقعدا من أصل 228 مقعدا من مقاعد البرلمان.

حينها دخل نزار مع جنرالات آخرين كان من بينهم، عبد المجيد تاغيت قائد البحرية الوطنية، ومحمد تواتي مستشار وزارة الدفاع، ومحمد لعماري قائد جيش البر، في مباحثات سرية لوضع خطة لقطع الطريق على الإسلاميين الذين كانوا على وشك الوصول للسلطة بالانتخابات.

ونشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية تقريرا حول الظروف الغامضة التي دفعت بالرئيس بن جديد للاستقالة بعدما أيد المضي في الانتخابات، روت فيه كيف قام "جنرالات فرنسا"، كما يسميهم الشعب، بإجباره على التنحي، حتى يقوموا بإجهاض "المسار الديمقراطي".

 ومع استقالة بن جديد "الإجبارية"، دخلت الجزائر في نفق مظلم، واشتعلت في البلاد حرب أهلية أودت بحياة ما لا يقل عن 200 ألف جزائري، واختفاء عشرات الآلاف، وتهجير مليون شخص، ونفي جزء كبير من النخبة الجزائرية، حينها كان الجنرال نزار أحد أعضاء المجلس الرئاسي ووزيرا للدفاع في أولى سنوات العشرية السوداء.

إيقاع الحراك

يوم 14 أيار/ مايو الماضي، استمعت المحكمة العسكرية لخالد نزار الذي أدلى بشهادته في قضية سعيد شقيق الرئيس المستقيل بوتفليقة الموجود رهن الحبس مع مسؤولين سابقين في الاستخبارات بتهمة "التآمر ضد الدولة".

وزير الدفاع الأسبق أكد لموقع "ألجيري باتريوتيك" الذي يملكه نجله، خبر الاستماع إليه كشاهد في قضية سعيد بوتفليقة، دون تقديم توضيحات حول ما صرح به أمام المحكمة.

هذه الدعوى من قبل القضاء العسكري جاءت إثر بيان نشره الموقع كشف فيه نزار عن تفاصيل مكالمات جرت بينه وبين سعيد بوتفليقة، تتعلق بكيفية مواجهة الحراك الشعبي وتحركات الجيش.

وحسب بيان نشر 29 أبريل/نيسان الماضي، تحدث فيه وزير الدفاع السابق عن موقفه من الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد.

وقال نزار، إنه تحدث مع سعيد بوتفليقة مرتين خلال فترة الحراك بطلب من الأخير لاستشارته بشأن طريقة التعامل مع الأزمة، وإنه فهم من حديثه أنه كان الحاكم الفعلي للبلاد "وأن الرئيس كان مغيبا، وحتى الدقيقة الأخيرة كان سعيد يتمسك بالسلطة ويناور من أجل الإبقاء عليها".

وخلال لقاء مع سعيد بوتفليقة في 7 مارس/آذار الماضي، اقترح عليه نزار خطة للخروج من الأزمة باستقالة الرئيس وتغييرات في مختلف المؤسسات استجابة للشارع، "لكن سعيد بوتفليقة رفضها جملة وتفصيلا وقال إنها خطيرة عليهم يقصد جماعة الرئاسة"، حسب البيان.

وتابع: "ولما سألته عن الحل إذا رفض الشارع ورقة بوتفليقة للحل بتمديد حكمه وتنظيم مؤتمر للحوار، رد سعيد أنه سيتم فرض حالة طوارئ، وهنا أجبته أن المظاهرات سلمية ولا يمكن اللجوء إلى هذا الخيار".

عودة نزار إلى واجهة الحياة السياسية، يعتبرها البعض في سياق صراع الأجنحة داخل النظام، والتي تتنازع قيادة البلاد في ظل سيطرة الجنرال أحمد قايد صالح على مفاصل الدولة وامتلاكه للمبادرة السياسية في البلاد.