تفاصيل مثيرة.. هذه خفايا وأبعاد اغتيال "دبلوماسي" تركي في أربيل

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أعاد الهجوم المسلح على البعثة الدبلوماسية التركية في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، وأدى إلى مقتل نائب القنصل واثنين من المدنيين الأكراد، في 17 يوليو/ حزيران 2019، فتح ملف وجود حزب العمال الكردستاني المعروف إعلاميا بـ"بي كا كا"، الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية.

ورغم أن الهجوم يحمل بصمات حزب العمال، إلا أن التنظيم لم يتبنَه حتى اليوم (23 يوليو/ حزيران 2019)، لأنه يعرف أن تبنيه لمثل هذه العملية، سيدفع أربيل إلى مزيد من التنسيق مع بغداد وأنقرة لاقتلاعه، بحسب قول خبراء.

منفّذ الهجوم

بعد مرور ساعات على مقتل الدبلوماسي قرب مطعم في أربيل، توعدت أنقرة على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرد بالشكل اللازم على الهجوم الشنيع، وأنها بدأت التدابير للعثور على مرتكبيه.

وتواصلا مع ذلك، نشرت السلطات الأمنية في إقليم كردستان العراق صورا لمنفذ الهجوم ويدعى "مظلوم داغ"، إلا أن المفاجأة كانت عندما أكدت وسائل إعلام كردية، أنه شقيق نائبة في البرلمان التركي.

وذكرت، أن "مظلوم داغ" (27 عاما) وهو شقيق "ديرسم داغ" النائبة عن حزب الشعوب الديمقراطية (الكردي) في البرلمان التركي، يقيم في إقليم كوردستان منذ 6 سنوات، وعمل خلال هذه الفترة في 3 مطاعم ومقاهٍ مختلفة.

"مظلوم داغ" من سكان مدينة ديار بكر التركية، وأخته تنتمي لحزب الشعوب الديمقراطية برئاسة المعارض التركي صلاح الدين دميرطاش المسجون منذ نحو عامين على خلفية اتهامات بدعم "التنظيم الإرهابي حزب العمال الكردستاني".

وبعد مرور ثلاثة أيام على وقوع الهجوم، أعلنت الأجهزة الأمنية في الإقليم العراقي، اعتقال منفذ الهجوم "مظلوم داغ" ومعاونه "محمد بيسكز" المعروف بـ" دژوار، مامند، يوسف" وذلك بعد تبليغ الأهالي عنهما، بحسب بيان رسمي.

ولم يشر البيان المقتضب الصادر عن جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان، إلى الجهة التي ينتمي إليها المتهمان الرئيسيان، إلا أن تصريح رئيس الإقليم السابق مسعود البارزاني ألمح إلى أنهما ينتميان إلى "العمال الكردستاني".

وطالب مسعود البارزاني، الذي حيّا الأجهزة الأمنية الكردية على سرعة اعتقال المنفّذين، جميع الأطراف بعدم جعل إقليم كردستان ساحة لمشكلاتهم، وأن يكونوا سببا لإلحاق الضرر بشعبه، في إشارة إلى أنقرة وحزب العمال الكردستاني. ‎

هوية المقتول

بعد إعلان الجانبين التركي والعراقي، أن الهجوم أدى إلى مقتل نائب القنصل، ذكر موقع أمريكي، السبت، أن المسؤول التركي الذي اغتيل الأسبوع الماضي في مطعم بأربيل، لم يكن دبلوماسيا، وإنما كان عضوا في جهاز الاستخبارات التركي المعروف بـ"ميت".

ونقل موقع "المونيتور" الأمريكي، عن مصدر مطلع، أن "عثمان كوسة الذي اغتيل في الهجوم المسلح بأربيل، عضو في جهاز الاستخبارات الخارجية التركي (ميت) ومسؤول عن شؤون إيران، ويؤدي مهمة لمدة 6 أشهر بالقنصلية التركية في أربيل". 

وأضاف الموقع، نقلا عن المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن "عنصر الميت كان يتناول طعام الغداء مع عدد من مساعديه، الذين لم يكن أي منهم يعمل في القنصلية التركية بأربيل".

وبعكس ما أشيع في وسائل الإعلام واعتباره نائبا للقنصل في أربيل، أشار التقرير، إلى أن "المسؤول الاستخباري التركي لم يكن يحمل أي مسؤولية في وزارة الخارجية أو الدوائر التابعة لها".

وتابع التقرير إلى أنه لم "تظهر حتى الآن الدوافع الحقيقية وراء عملية الاغتيال، لكنه وبحسب مسؤول كبير في حكومة إقليم كردستان فضل عدم الكشف عن اسمه، فإن التحقيقات أظهرت أن عملية الاغتيال تم التخطيط لها بدقة متناهية".

وفي السياق ذاته، ذكرت قناة (آي خبر) التركي، أن "أجهزة الأمن التركية بدأت التحقيق وجمع المعلومات في مكان الحادث".

وتظهر صور صلاة الجنازة التي نشرتها وكالات تركية، وقوف رئيس المخابرات التركي هاكان فيدان إلى جانب وزيري الدفاع والداخلية، الذين أدوا الصلاة على جثمان عثمان كوسة.

هل من تداعيات؟

سارعت السلطات العراقية في بغداد وإقليم كردستان إلى إدانة الهجوم ومقتل الدبلوماسي التركي، إضافة إلى أن جميع الأطراف السياسية العراقية، في بغداد والإقليم، استنكروا الفعل ذاته.

وقال رئيس الوزراء العراقي، عادل عبدالمهدي، الخميس الماضي، أن الهجوم الذي استهدف موظفي القنصلية التركية في مدينة أربيل، بإقليم كردستان العراق، لن يؤثّر على العلاقات بين البلدين.

جاء ذلك في اتصال هاتفي أجراه عبد المهدي، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفق بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي.

وقال البيان: إنّ عبد المهدي، "عبر عن خالص تعازيه للشعب التركي، عقب الاعتداء على القنصلية التركية في أربيل، وعن حزنه العميق ومواساته لعائلة معاون القنصل التركي وضحايا الحادث الإجرامي".

وأعرب عبد المهدي، عن "اعتزاز العراق بعلاقاته مع تركيا، والحرص على حماية أمن البعثات الدبلوماسية العاملة في العراق، ورفض أي اعتداء عليها".

وشدد على أن "هذه الجريمة لا يمكن أن تؤثر على العلاقات الأخوية والعميقة بين البلدين والشعبين الجارين"، مشيرا إلى أن "الأجهزة الأمنية تواصل تحقيقاتها، وعازمة على الوصول إلى المجرمين وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل".

من جهته، أشاد الرئيس التركي بـ"موقف الحكومة العراقية، ومتابعتها لمجريات الاعتداء من أجل الكشف عن تفاصيل الاعتداء الإرهابي ومحاسبة الفاعلين".

ونقل البيان نفسه عن أردوغان تأكيده أن "الإرهاب لن ينجح في تحقيق أهدافه، وأن البلدين مستمران بالتعاون ضده، إلى جانب الحرص على تطوير العلاقات الثنائية في جميع المجالات".

وتعليقا على الموضوع، أكد الخبير التركي في الشؤون السياسية أوكتاي يلماز، علاقة حزب العمال الكردستاني بالعملية، وقال: إن "العمليات التركية كالمخلب وغيرها أوصلت حزب العمال إلى نهاية الطريق، ودفعته لاتخاذ هذه الخطوة".

وأشار إلى أن "تحسّن العلاقات بشكل متسارع بين الحكومة التركية وحكومة إقليم كردستان، خاصة بعد الانتخابات الأخيرة في الإقليم، وتبادل الزيارات بين الطرفين، ربما دفع الحزب للإقدام على هذه الخطوة لخلط الأوراق من جديد".

أما الباحث في الشؤون التركية، محمد العباسي، فقد استبعد أن "يتبنى حزب العمال الكردستاني العملية"، مؤكدا أن "الحزب يعرف أن تبنيه لعملية من هذا النوع، سيدفع أربيل إلى مزيد من التنسيق مع بغداد وأنقرة لاقتلاع هذا الحزب".

ورأى العباسي، أن "الحزب لديه القدرة على توليد جماعات بأسماء مختلفة مثل يبكه ويبجه والصقور وغيرها من أسماء الفصائل التي يُمكن أن تتبنى هذه العملية والتي يُمكن أن يستخدمها حزب العمال ليتجنب تحمل مسؤولية تبعات العملية".

ورغم عدم تبنّي أي جهة للعملية، إلا أن وسائل الإعلام التركية المقربة من الحكومة، تتحدث عن إمكانية علاقة عدة أطراف بالعملية، من بينها حزب العمال الكردستاني.

عمليات سابقة

في 13 سبتمبر/أيلول 2017، كشفت تقارير صحفية، عن زيارة رئيس جهاز الاستخبارات التركي هاكان فيدان إلى أربيل في إطار مهمة تهدف إلى الإفراج عن عناصر في المخابرات التركية يحتجزهم مسلحون أكراد.

وأكدت، أن فيدان تفاوض بشكل مطوّل للإفراج عن اثنين من ضباط المخابرات التركية المحتجزين لدى حزب العمال الكردستاني، في حين أكد مسؤولون من الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الراحل جلال الطالباني لتركيا أنه سيتم الإفراج عن هذين الشخصين.

ونقلت التقارير عن مصطفى كاراسو، وهو قائد مخضرم من حزب العمال الكردستاني، في مقابلة إذاعية أن منظمته لا تحتفظ باثنين فقط من "المخابرات التركية" رفيعي المستوى المحتجزين لديها، وإنما لديها 18 مسؤولا تركيا آخرين. ولم يقدم أي دليل على ما إذا كان بالإمكان الإفراج عنهم.

وبحسب ما نقلت التقارير، فإن كاراسو ادعى في وقت سابق أن المواطنين الأتراك يحملون جوازات سفر دبلوماسية وكانوا مسؤولين عن إدارة شبكة من الجواسيس تعمل على حزب العمال الكردستاني.

ويحكم الاتحاد الوطني الكردستاني محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق، ويقال إن عملية "اللدغة" التي وصفها بالتفصيل الفاضل هورامي، قد تمت. وقيل إن الأتراك سافروا من أنقرة وتم اعتقالهم بينما كانوا يجتمعون مع عناصرهم داخل حزب العمال الكردستاني.

وقد تعرّض الاتحاد الوطني الكردستاني المقرب من إيران، لهجوم كثيف من أنقرة بسبب موقفه المتراخي تجاه "العمال الكردستاني". وقد طلب من بهروز جلالي، ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني في أنقرة المغادرة يوم 23 آب/ أغسطس 2017، بسبب فشله في الإفراج عن الأتراك. ولم تعلّق الحكومة التركية على ذلك.

ما علاقة إيران؟

وتفتح المعلومات التي تفيد بأن المسؤول التركي الذي قتل بأربيل هو رجل مخابرات مختص بالشؤون الإيرانية، باب التساؤل واسعا حول علاقة "حزب العمال الكردستاني" بإيران، وهل ثمة رابط في مقتل الدبلوماسي التركي؟

بالعودة إلى الوراء قليلا، فإن آخر قضية أثيرت عن حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، هي عندما وقعت في مارس/ آذار المنصرم صدامات عنيفة مع قوة من الجيش العراقي، قتل فيها عدد من الجنود العراقيين.

وقال الجيش العراقي في بيان: إن "اشتباكات مع مسلحي حزب العمال الكردستاني في سنجار، أدت إلى مقتل جنديين وإصابة خمسة مسلحين".

وأضاف، أن الاشتباكات وقعت بعد منع مقاتلي حزب العمال الكردستاني من اجتياز نقطة تفتيش تابعة للجيش، مشيرا إلى أن المسلحين صدموا جنديا بسيارة وهاجموا نقطة التفتيش.

وبعد مضي ساعات من بيان الجيش، أعلن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في مؤتمر صحفي، احتواء تطورات الأوضاع في قضاء سنجار، مؤكدا اتخاذ الإجراءات اللازمة، دون الكشف عنها.

ومع أن الجيش العراقي طالب حزب العمال الكردستاني بتسليم قتلة الجنود ومنحه مدة زمنية، إلا أن إعلان عبد المهدي التوصل إلى تهدئة أثار موجة من التساؤلات، حول التهدئة دون خضوع أي طرف لمطالب الآخر.

لكن وسائل إعلام محلية، ذكرت أن نائب رئيس قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس الرجل المقرب من إيران، وصل إلى سنجار في ساعة متأخرة من اليوم ذاته، قبل إعلان عبد المهدي في اليوم التالي.

ونقلت تقارير إعلامية عن مصدر مسؤول في محافظة نينوى قوله: إن "دخول إيران على خط الوساطة لاحتواء الأزمة، أعاد الهدوء إلى سنجار".

وأضافت، أن "فريقا أمنيا إيرانيا وصل إلى العراق في الأيام الماضية، وأجرى اتصالات مكثفة مع جانبي النزاع، حيث التقى قيادات عليا في حزب العمال، الذي أكد للوفد رفضه تسليم عناصره الذين قتلوا الجنود".

وكشفت التقارير، أن "الوفد الإيراني قال لـ(العمال) إن الخيارات أمام الحزب ضيقة، وإن عليه دفع ثمن قتل الجنود العراقيين، وبخلاف ذلك سيكون الحل العسكري هو الخيار الأخير".

وأشارت إلى أن "الإيرانيين توصلوا إلى حلٍّ يقضي بإيكال محاسبة القتلة إلى الحزب مقابل انسحابه من سنجار باتجاه مدينة السليمانية التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الحليف التقليدي لإيران في المنطقة".

ورقة بيد إيران

من جهته، قال محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي: إن "حزب العمال الكردستاني، له دور كبير في عمليات تهريب المخدرات من إيران إلى العراق وسوريا ومنها إلى الخليج العربي".

ورأى النجيفي في تصريحات سابقة، أن "حزب العمال يعد بمثابة الصفقة الرابحة لطهران ولا يمكن التخلص منهم بهذه السهولة"، مشيرا إلى أن "إيران رفضت خروج الجناح العسكري للحزب (بي كاكا) من سنجار العراقية وبعض المناطق الأخرى التي يوجد بها".

وأضاف النجيفي أن "بعض الجهات العراقية وبدعم إيراني غامرت بدعم حزب العمال لمحاربة الكرد، وخلق صراع كردي - كردي على حساب الوطن، إيمانا منهم بأنها الطريقة الأسهل لتحجيم المطالب الكردية".

ولفت إلى أن "هناك جهات تستفيد من وجود العمال الكردستاني، على الشريط الحدودي العراقي السوري، لاستخدامهم في الصراع الإيراني الأمريكي في المنطقة، وأن المتضرر الوحيد هو العراق".