"قشة" يهود الفلاشا.. هل تقصم إسرائيل من الداخل؟

عبدالرحمن سليم | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"الله أكبر وتحيا فلسطين"، بهذا الهتاف علت أصوات يهود الفلاشا ذوو البشرة السمراء من أصول إثيوبية، في قلب إسرائيل بعد مقتل الشاب سليمان تيكا (19 عاماً) على يد شرطي إسرائيلي كان خارج الخدمة، وتم إطلاق سراحه من قبل محكمة بعد ليلة واحدة من ارتكاب جريمته، وإرساله إلى حبس منزلي داخل فندق، حسب ما نقلت صحيفة القدس العربي.

مشاعر اليأس والحقد على سلوكيات سلطات الاحتلال تتأجج من جديد بعد أن غذتها تراكمات عنصرية ارتكبتها في حق يهود "الفلاشا" منذ اليوم الأول من وصول أول فوج قادم من إثيوبيا بعد رفض قاطع لمبدأ هجرتهم إلى الكيان الصهيوني بحجة عدم تحقق شروط ما يسمى بـ "قانون العودة".

وخاض أبناء الجالية الإثيوبية عدة مواجهات مع الشرطة الاسرائيلية، خلال السنوات الماضية، على خلفية التمييز. 

حادثة مقتل الشاب الأخيرة يوم 29 يونيو/حزيران الماضي، أشعلت نيران الاحتجاجات الأعنف التي قام بها يهود "الفلاشا" اعتراضاً على أوضاعهم المعيشية الصعبة، ومعاناتهم الدائمة من النظرة الدونية من قبل أعراق التفوق الصهيوني "الاشكنازية"، إضافة إلى انتشار البطالة بين مجتمع "الفلاشا" بنسب بلغت 80 في المئة أوائل القرن الحالي، بين مجتمع بلغ عدده نهاية عام 2017، 148 ألفاً، استناداً إلى دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية.

واقعة القتل

مساء الأحد 29 يونيو/حزيران الماضي تم الإعلان عن مقتل سليمان تيكا، 19 عاما، برصاص شرطي إسرائيلي في مدينة كريات حاييم (شمال). 

ونقلت صحيفة "جروزاليم بوست" الاسرائيلية عن الشرطة قولها إنه في يوم الأحد، وُجد شرطي خارج الخدمة، مع زوجته وأطفاله الثلاثة في متنزه، عندما لاحظ مشكلة بين عدد من الشبان في مكان قريب. 

وأشارت إلى أن الشرطي اقترب من الشبان، وعرّف على نفسه بأنه شرطي، وحينها شرعوا برشقه بالحجارة. وزعم الشرطي أن حياته كانت في خطر حينما أطلق النار. 

ولكن هيئة البث الإسرائيلية قالت إن قيادة الشرطة أعربت عن "شكوكها" بشأن شهادة الشرطي. وأفرجت محكمة الصلح الاسرائيلية، الاثنين، عن الشرطي الذي أطلق النار على الشاب الإثيوبي، ولكنها فرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله لمدة 15 يوما. 

وقالت محطة الأخبار الإسرائيلية الثانية:" وفقا للتحقيق حتى الآن، تعتقد الشرطة أن الشرطي أخطأ". وأضافت:" إذا ما شعر الشرطي خارج الخدمة بالتهديد، فيجب عليه أن يطلق النار أولاً في الهواء، بدلاً من إطلاق النار على ساقيه، لقد ارتدت الرصاصة من الأسفلت، وأصابت الشاب (تاكه) في صدره". 

لكن ميشال أفيرا صموئيل، مديرة جمعية التعليم والإدماج الاجتماعي للمهاجرين الإثيوبيين، قالت لصحيفة "معاريف" الاسرائيلية إن الشرطة "تبني الآن قضية، وتحاول التخفيف من الأضرار وتقول إن الأولاد كانوا يقومون بأعمال شغب". 

واستنادا إلى "معاريف" فإنه منذ عام 1997، قتل 11 من الشباب من الجالية الإثيوبية في اشتباكات مع ضباط الشرطة. وأضافت صموئيل:" لا تزال هناك افتراضات وتحيزات عنصرية ضد أفراد من الجالية". 

تواصل الاحتجاجات

الشرطة الاسرائيلية قالت إن 111 من أفرادها، أُصيبوا في موجة احتجاجات اليهود الاسرائيليين، من أصل إثيوبي في عدد من المدن الاسرائيلية، مساء الثلاثاء 2 يوليو/تموز الجاري. 

وقال ميكي روزنفيلد، المتحدث بلسان الشرطة الاسرائيلية، في تصريح مكتوب حصلت وكالة الأناضول على نسخة منه، إنها اعتقلت 136 متظاهرا. 

وكان آلاف اليهود الاسرائيليين من أصل إثيوبي قد نظّموا تظاهرات واسعة، احتجاجا على مقتل شاب برصاص شرطي إسرائيلي، لم يكن في مهمة رسمية.

وأغلق المتظاهرون شوارع رئيسية في عدة مدن، وأضرموا النيران في إطارات السيارات وفي سيارات، ورشقوا قوات الشرطة الاسرائيلية بالحجارة. 

واضطرت الأحداث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى اصدار خطاب متلفز، أعرب خلاله عن حزنه على وفاة الشاب الإثيوبي. 

وقال نتنياهو في الخطاب:" كلنا نحزن على الموت المأساوي للشاب (القتيل) سلمون تاكه، نحن نحتضن الأسرة، نحن نحتضن المجتمع الإثيوبي، إنه عزيز علي، إنه عزيز علينا، هذه ليست مجرد كلمات". 

وأضاف نتنياهو: "أعلم أن هناك مشاكل تحتاج إلى حل، لقد عملنا بجد ونحتاج إلى بذل المزيد من الجهد لحلها، لكنني أطلب منكم شيئًا واحدًا، توقفوا عن سد الطرق، نحن أمة القانون، لن نتسامح مع إغلاق الطرق، أنا أطلب منكم، دعونا نحل المشكلات مع التمسك بالقانون". 

ومن جهته، فقد قال الرئيس الاسرائيلي رؤوبين ريفلين في بيان للجمهور:" يجب أن نتوقف، وأكرر نتوقف، ونفكر سوية في كيفية المضي قدمًا من هنا، لا يمتلك أي منا دمًا أكثر كثافة من دماء الآخرين، ولن تُخسر حياة إخواننا وأخواتنا أبدًا، يجب أن نسمح للتحقيق في وفاة (الشاب الإثيوبي) سلمون أن يسير في طريقه، ويجب أن نمنع الموت التالي". 

وفي إشارة الى تصريحات أفراد من أبناء اليهود الاسرائيليين من أصل إثيوبي، قال ريفلين:" لن نقبل موقفًا يخشى فيه الآباء السماح لأطفالهم بالخروج من المنزل خوفًا من التعرض للأذى بسبب لون بشرتهم أو أصلهم العرقي، هذه ليست حربا أهلية". 

وأضاف ريفلين: "أطلب منا جميعًا التصرف بمسؤولية وباعتدال، أعلم أنكم تفعلون كل ما في وسعكم لإيصال صوت احتجاجكم وقيادة التغيير الذي يدور حول تصحيح الأخطاء وإيجاد مستقبل أفضل، لا أحد يريد الانتقام". 

ولكن الرئيس الإسرائيلي استدرك:" يجب أن نكون حذرين للغاية بشأن تصاعد الاحتجاج حتى لا ينتقل إلى العنف، الذي لا مكان له". 

وخاض أبناء الجالية الإثيوبية عدة مواجهات مع الشرطة الاسرائيلية، خلال السنوات الماضية، على خلفية التمييز. 

من هم "الفلاشا"؟

حسب مؤرخين فإن يهود "الفلاشا" كانوا يعيشون داخل قرى صغيرة في إثيوبيا، وابتعدوا عن التجارة وفضلوا التركيز على الفلاحة ورعي الأغنام وغير ذلك من الأعمال التي تعتمد على المجهود البدني، وبعد هجرتهم إلى دولة الاحتلال جرى توطينهم في مناطق حدودية مع الدول العربية ليكونوا أول من يضحى به خلال المعارك.

كان موقف معظم رؤساء وزراء دولة الاحتلال من مبدأ الهجرة الجماعية ليهود "الفلاشا" يتلخص في الرفض القاطع، وعلى رأسهم بين غوريون وموشيه شاريت وليفي إشكول وغولدا مائير، بحجة كونهم "نصارى"، إضافة إلى معارضة ذلك المبدأ لقانون العودة.

تغير الموقف الرسمي الإسرائيلي من الأمر بحلول عام 1975، حيث قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، بتطبيق قانون العودة على "الفلاشا"، وبدأت بالفعل الهجرة الجماعية بين عامي 1979 و 1990، حيث وصل 16 ألف يهودي إثيوبي إلى دولة الاحتلال، في أكثر من عملية سرية، عرف منها "عملية موسى"، و"عملية سليمان" بين عامي 1990 و1991.

نقل غير آدمي

يشير تقرير لوكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" إلى تفاصيل دقيقة لعملية التهجير الجماعي للآلاف من يهود "الفلاشا"، مؤرخاً لعملية بدأت مساء 26 مايو/أيار عام 1991، حيث تمكنت سلطات الاحتلال من نقل 14500 يهودي إثيوبي من أديس أبابا إلى تل أبيب خلال 36 ساعة فقط، على متن 40 طائرة عملاقة معظمها تابع للجيش، وأخرى استؤجرت وأزيلت مقاعدها ليتم تكديسهم وهم جلوس على أرضيتها لتتسع لأكبر عدد منهم.

وزمنيا كانت هجرة يهود الفلاشا للأراضي المحتلة كالتالي:

  • 1977 كانت عملية أطلق عليها "موسى الأولى"، جرى خلالها نقل نحو 2500 شخص إلى إسرائيل.
  • 1982 "حق العودة" وخلالها نقل حوالي 25 ألفا.
  • 1984 "موسى الثانية" وخلالها نقل الآلاف من الفلاشا إلى فلسطين المحتلة جوا من منطقة جنوب السودان بتسهيلات من الرئيس السوادني الأسبق جعفر نميري.
  • 1985 "سبأ" حيث تم نقل أكثر من 20 ألفا بعد جهود الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب الذي طمأن نميري بشأن ضمانات العملية.
  • 1991 "سليمان" حيث نقل حوالي 19800 تحت إشراف نائب رئيس الأركان الإسرائيلي أمنون شاحاك.
  • 2012 "أجنحة الحمام" حيث تم نقل حوالي 7846.

نظرة دونية

يرى المتخصص في الشأن الإسرائيلي، أحمد الزعتري، في حديثه حول نظرة الكيان الصهيوني إلى يهود "الفلاشا"، أن بداية الاحتلال شهد تفوقاً للنخب من يهود الاشكناز "الغربيين"، حيث قامت آنذاك بوضع القيم التي يلتزمها الشعب اليهودي في العقود الأخيرة، ومن أهمها تلك النظرة الدونية لليهود من الأعراق الأخرى ذات الأصول الشرقية، ومنهم يهود الفلاشا.

وفي حديث لـ "الاستقلال" يضيف الزعتري أن أحد أهم شواهد التعامل العنصري مع يهود الفلاشا من قبل سلطات الاحتلال، تلك الأزمة الشهيرة التي انكشفت عام 1996، حيث قام بنك الدم الإسرائيلي بإتلاف كميات كبيرة من الدم التي تبرع بها يهود الفلاشا منذ وصولهم إلى دولة الاحتلال وحتى عام 1996، بدعوى الوقاية ضد انتشار الأمراض المعدية التي قد يحملها المهاجرون من بعض الدول الإفريقية.

الزعتري تابع أن اكتشاف تلك الفضيحة سبب توتراً كبيراً بين يهود "الفلاشا" وبين بقية مكونات المجتمع اليهودي، الأمر الذي أدى لشعور "الفلاشا" بالعنصرية بشكل أكبر، إضافة إلى وضعهم الاقتصادي السيء، إذ يعانون من الفقر والبطالة وتعثر الاندماج في المجتمع، مما فاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.

في المقابل، يرى المحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي بشار الشلبي، أن القضية المتعلقة بـ "الفلاشا" هي قضية سياسية أكثر منها عقائدية، نظراً لحرص إسرائيل على وجود الأيدي العاملة الرخيصة التي تستعين بها على بناء دولتها.

ويضيف الشلبي لـ "الاستقلال" أن وجود الفلاشا يحقق هدفاً إستراتيجياً لدولة الاحتلال، إذ أنها تسعى لتكثيف الوجود اليهودي الديموغرافي في محاولة لسد الفجوة السكانية المتسعة باستمرار لصالح الفلسطينيين رغم تهجير وتشريد أكثر من نصفهم.

ويؤكد الشلبي أن نظرة تل أبيب لـ "الفلاشا" ولغيرهم من العرقيات الشرقية لا تعدو كون تلك العرقيات "خزاناً بشرياً" وليست شريحة مكملة للشعب الإسرائيلي، واحتدام الصراع بين تلك العرقيات تم السيطرة عليه بطريقة "استعمارية" بعد احتدام الخلافات الداخلية في بدايات نشأة الكيان.

فجوات اجتماعية

الشلبي يرى أنه من المبكر استخلاص نتيجة انتهاء الكيان المحتل على ضوء الأزمة الراهنة بين يهود "الفلاشا" وسلطات الاحتلال، لأنها "تحتاج إلى كثير من المفاعيل والعوامل المهمة والتي قد لا تتوفر إلا في مراحل زمنية أخرى وفي سياقات مختلفة كاصطدام كافة الشرائح المكونة للمجتمع اليهودي".

ويضيف الشلبي أن "الاصطدام داخل الدولة يأخذ طابع اليمين الديني واليمين السياسي، والتباين هناك يأخذ البعد الصدامي بين المتطرفين أكثر من الصدام العرقي"، في إشارة منه إلى استبعاد كون أزمة "الفلاشا" الراهنة مؤشراً رئيسياً على نهاية الاحتلال الإسرائيلي بسبب الشرخ المجتمعي بين كافة الطوائف والأعراق اليهودية.

الزعتري أشار إلى وجود خلاف كبير بين المراقبين للوضع الإسرائيلي فيما يتعلق بكون الفجوات الاجتماعية مدخلاً لانهيار المشروع اليهودي بشكل كلي، مؤكداً أن النزاع بين الطبقات العرقية رغم وجوده منذ نشأة الكيان لكنه تضاءل أمام وجود نظام سياسي واقتصادي وأمني محكم، حافظ على استمرار هذا المجتمع حتى يومنا هذا.

ويستطرد الزعتري مؤكداً عدم توقعه وجود انهيار أو شرخ حقيقي قد يؤدي إلى انهيار الدولة بشكل ملحوظ كما يتخيل البعض، لكن تلك الفجوات الاجتماعية يمكن أن تنفجر في اللحظة التي يعجز النظام الاقتصادي الإسرائيلي عن تلبية كافة احتياجات كل شرائح المجتمع.

هل تتأثر الهجرة؟

بشار الشلبي يقول: "الهجرة إلى تل أبيب تمر بمأزق حقيقي، نظراً لتسجيل تساوٍ بين معدلات الهجرة إلى دولة الاحتلال، ومثيلاتها من الهجرة العكسية إلى الخارج، في عام 2018" مشيراً إلى تعلق مسألة الهجرة بالاقتصاد الداخلي بشكل عام، وتحقق الرفاه الموعود للشعب اليهودي، إضافة للعامل الأمني في مقابل فعل المقاومة الفلسطينية على الأرض.

ويؤكد في حديثه لـ "الاستقلال" أن كل تلك العوامل هي التي تؤثر "فعلياً" على معدلات الهجرة، لكن الأحداث التي تحصل كل فترة كما هو الحال في أزمة "الفلاشا"، لا تعد عاملاً قوياً قد يكون من شأنه تعطيل إيفاد الآلاف إلى دولة الاحتلال أو حتى قيام هؤلاء بهجرة عكسية إلى الخارج.

وعن تأثر العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية بسبب أزمة الفلاشا، قلّل الزعتري من فاعليتها، معللاً ذلك بأن انتقال الفلاشا إلى دولة الاحتلال كان بصفقات سرية بين حكومتي البلدين.

الشلبي قال إن إثيوبيا دولة صاعدة ولديها مشروع كبير ويفرض عليها مقاربات مختلفة سواء تجاه إسرائيل أو غيره، وتلك المقاربات هي أقرب ما تكون للاستيعاب وقطع الأشواط لتحقيق تقدم ملموس ومعتبر في طريق تبوئها موقعاً متميزاً في القارة الإفريقية.

ويؤكد أنه "من غير المتوقع أن يترتب على الأزمة الراهنة بين يهود "الفلاشا" وبين سلطات الاحتلال أي نوع من أنواع الأزمات بين أديس أبابا وتل أبيب، على الأقل على المدى المنظور القريب".