رون ديسانتيس.. أميركي جمهوري يخطف الأضواء من ترامب ويهز عرش بايدن

علي صباحي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في ظل انقسام المجتمع الأميركي بين تياري اليسار الذي يمثله الرئيس جو بايدن واليمين الذي يمثله سلفه دونالد ترامب، تصاعدت تكهنات في الشهور الأخيرة عن أجواء صعبة يتوقع أن تعيشها الديمقراطية الأميركية في انتخابات 2024.

فالأوساط الأميركية المستقلة وغير المؤدلجة التي خشيت على بلدها من تطرف ترامب (76 عاما) الذي أحكم قبضته على الجمهوريين، صوتت مرغمة في انتخابات 2020 لبايدن (80 عاما)، أملا في واقع أفضل، لكنها اصطدمت بأداء باهت من الديمقراطيين.

غير أنه في الانتخابات النصفية الأخيرة التي كانت مصيرية للحزبين المهيمنين على السياسة الأميركية، سطع نجم اسم جديد أكثر شبابا بدأ كثيرون في الولايات المتحدة يرونه منافسا حقيقيا لكل من ترامب وبايدن.

إنه حاكم فلوريدا الجمهوري رون ديسانتيس (44 عاما)، الذي حقق نصرا كاسحا ضد منافسه الديمقراطي تشارلي كريست ليفوز عليه بفارق 20 نقطة مئوية كاملة ويبقى على رأس الولاية لفترة ثانية.

ويرجع مراقبون الفضل في هذا النصر إلى السياسات التي تبناها ديسانتيس في ولايته الأولى وتميزت بالمحافظة لكنها لم تكن شعبوية مثلما يفعل ترامب.

وهو ما جعله أول مرشح جمهوري لمنصب حاكم فلوريدا يفوز في مناطق ذات أغلبية من ذوي الأصول الإسبانية المعروفة بدعمها الدائم للديمقراطيين مثل ميامي.

نجم صاعد

لم يقتصر الإعجاب بديسانتيس على الناخبين العاديين فقط، بل اتسع ليشمل رجال أعمال وسياسة كبارا، في مقدمتهم، أغنى رجل بالعالم، صاحب شركات سبيس إكس، وتيسلا، وتويتر، إيلون ماسك.

وفي 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أعلن ماسك في تغريدة عبر تويتر، أنه سيدعم ديسانتيس إذا قرر ترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2024.

وسئل ماسك عبر تويتر عما إذا كان سيدعم ديسانتيس في عام 2024، ليرد بالقول: "نعم".

وقال ماسك إن "تفضيلي لرئاسة عام 2024 هو شخص عاقل وسطي. كنت آمل أن يكون هذه هي الحال بالنسبة لإدارة بايدن، لكني أشعر بخيبة أمل حتى الآن".

وأضاف: "للتذكير، كنت مؤيدا بقوة لرئاسة باراك أوباما وبايدن، وصوت (على مضض) لبايدن ضد ترامب".

وكان لافتا أن هذا الإعلان جاء بعد تقديم ترامب في 16 نوفمبر، أوراق ترشحه لرئاسيات 2024 لهيئة الانتخابات الفيدرالية.

كما أنه أتى بعد أيام من إعادة ماسك تفعيل حساب ترامب على تويتر في 20 نوفمبر، ما عده مراقبون دعما للرئيس السابق لاستعادة كرسيه بالبيت الأبيض.

وكان قد حظر حساب ترامب على تويتر بشكل دائم بحجة تحريضه مؤيديه على اقتحام الكونغرس الأميركي "الكابيتول" في 6 يناير/كانون الثاني 2021، اعتراضا على نتائج الانتخابات التي أسفرت عن فوز بايدن.

وتعليقا على ذلك، قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، في 26 نوفمبر، إن تصريحات ماسك أوضح علامة على توجهه السياسي وثقته في أن ديسانتيس قادر على هزيمة كل من ترامب والديمقراطيين.

وعدّت الصحيفة الأميركية هذا الإعلان بمثابة دفعة قوية لديسانتيس، في وقت يتوقع فيه الجمهوريون أن تجرى معركة مؤلمة بينه وبين ترامب للحصول على دعم الحزب للترشح للرئاسة.

ويلقي غالبية المحافظين باللوم على ترامب في فشل الجمهوريين بتحقيق انتصار كاسح كما كان متوقعا في الانتخابات النصفية.

فبسبب شعبوية المرشحين الذين دعمهم ترامب والمخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية، نجح الحزب الجمهوري بتحقيق غالبية ضعيفة في مجلس النواب، وفرط في السيطرة على مجلس الشيوخ لصالح الديمقراطيين.

هجمة ترامبية

ومع تأكيد استطلاعات الرأي أن ديسانتيس سيحقق فوزا مريحا على منافسه الديمقراطي في الانتخابات النصفية، نظرا لشعبيته المتزايدة في فلوريدا، بدأ ترامب حربه على الرجل الذي كان حليفا له لفترة قبل أن تتباعد المسافات بينهما تدريجيا، وفق الغارديان.

وذكرت الصحيفة البريطانية في 8 نوفمبر، أن الخلاف بين ترامب وحاكم فلوريد كان واضحا في تجمع حاشد بولاية بنسلفانيا مطلع نوفمبر عندما سخر الرئيس السابق منه وأطلق عليه اسم "رون دي سانكتيمونيوس"، في إشارة إلى "التظاهر بالورع".

وقالت إنه أطلق عليه هذا الاسم بعد أن نشرت زوجة ديسانتيس ومديرة حملته الانتخابية مقطعا يلمح إلى أنه "مرسل من الله" من أجل حرية الأميركيين.

وأوضحت الغارديان أن سخرية ترامب تكتيك قديم استخدمه من قبل لإخضاع منافسيه، مثلما حدث في انتخابات 2016، عندما سخر من المرشحين الجمهوريين الكبار مثل ماركو روبيو، الذي أطلق عليه اسم "ليتل ماركو" وأيضا "لاين تيد" في إشارة إلى تيد كروز.

وقال الرئيس السابق في ذلك الخطاب بولاية بنسلفانيا، بينما كان يطلع على شاشة تظهر ما قال إنها نسب التأييد لترشيحات الحزب الجمهوري لانتخابات 2024: "ها هو ترامب بنسبة 71 بالمئة. ورون دي سانكتيمونيوس بنسبة 10 بالمئة".

وساخرا من نائبه السابق والذي رفض تأييد فكرة تزوير انتخابات الرئاسة السابقة، قال: "مايك بنس 7 بالمئة. يا إلهي! مايك يقوم بعمل أفضل مما كنت أتصور".

غير أن استطلاع رأي أجرته قناة "إيه بي سي نيوز" الأميركية في أواخر يوليو/تموز 2022، أكد أن ما يقرب من 57 بالمئة من الجمهوريين لا يريدون أن يترشح ترامب في انتخابات عام 2024.

وبدأت تتداول إشارات عن تمزق علاقة ديسانتيس مع الرئيس السابق منذ أغسطس/آب 2020، عندما ندد حاكم فلوريدا بفكرة أنه "الرجل المطيع" لترامب، وانتقد طريقة تعامله مع جائحة كورونا.

وقال ديسانتيس خلال حملته الانتخابية هذا العام إنه يأسف لـ"عدم التحدث علانية" عن عمليات الإغلاق التي دعا إليها ترامب.

وردا على ذلك، وصف ترامب ديسانتيس بأنه "يفتقر للشجاعة" للكشف عما إذا كان قد حصل على جرعة معززة ضد كورونا.

وفي يونيو 2022، بدأ ترامب زيادة حدة مهاجمة غريمه في الخطابات، قائلا في مقابلة إنه يستطيع هزيمته، وإن حملاته السابقة لمنصب الحاكم نجحت بسبب تأييده له.

ويبدو أن حاكم فلوريدا أصبح تركيزه على انتخابات 2024، وفق الغارديان، وقد طالبه منافسه الديمقراطي، تشارلي كريست عدة مرات خلال الحملة الانتخابية، بأن يتعهد بالبقاء في منصب الحاكم أربع سنوات مقبلة. وقال: "إنه ليس سؤالا صعبا، لكن لن يجيب عليه".

من جانبه، أرجع موقع "بوليتيكو" الأميركي هجوم ترامب الشرس على ديسانتيس إلى تمتعه بدعم متبرعين بارزين للحزب الجمهوري، في مقدمتهم رجل الأعمال كين غريفين، الذي تبرع بأكثر من 60 مليون دولار لمرشحي الحزب خلال الانتخابات النصفية.

ونقل بوليتيكو عن غريفين قوله بحق ديسانتيس: "أنا لا أعرف ماذا سيفعل؟ إنه قرار شخصي كبير.. لديه سجل ضخم حاكما لفلوريدا، وسيخدم بلادنا بشكل جيد كرئيس".

وفي بيان مطوّل نشره في 10 نوفمبر، وصف ترامب ديسانتيس بالسياسي من "الوزن الخفيف" الذي جاء إليه "في حالة يائسة" عند ترشحه لولايته الأولى في المنصب في 2017.

وقال ترامب إن "نسبة التوافق على رون حينها كانت منخفضة جدا، واستطلاعات الرأي المتعلقة به كانت سيئة، ولم يكن لديه مال"، لكنه قال إنه "إذا كنت سأؤيده، فيمكنه الفوز.

وفي نفس اليوم، علق بايدن على هذه المنافسة بالقول: "سيكون من الممتع مشاهدتهما"، مؤكدا أنه قادر على التغلب على مرشح الحزب الجمهوري سواء كان ترامب أو ديسانتيس.

وأشار بايدن مجددا إلى أن "لديه النية" للترشح لولاية ثانية في 2024، لكنه قال إنه سيؤكد قراره مطلع 2023، مشيرا إلى أن الأمر ينطوي على "قرار عائلي".

صعود سريع

ولد رونالد ديون ديسانتيس في 14 سبتمبر/أيلول 1978 لأسرة كاثوليكية رومانية في مدينة جاكسونفيل بولاية فلوريدا. وتخرج في قسم التاريخ بجامعة ييل عام 2001، كما درس في كلية الحقوق بجامعة هارفارد.

وانضم ديسانتيس إلى البحرية الأميركية عام 2004 وتمت ترقيته إلى رتبة ملازم وأُرسل للمشاركة في حرب العراق عام 2007.

وعندما عاد إلى الولايات المتحدة بعد عام، عينته وزارة العدل مساعدا خاصا في مكتب المدعي العام في فلوريدا، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 2010.

وفي نفس العام، تزوج ديسانتيس كايسي بلاك، وهي مراسلة إخبارية تلفزيونية محلية مسؤولة عن حملاته الانتخابية وأنشطته الاجتماعية وناجية من مرض السرطان، وأنجبا لاحقا 3 أطفال.

وفي الشهور التالية دخل المعترك السياسي ضمن صفوف الحزب الجمهوري، وانتخب لأول مرة ليشغل مقعدا في مجلس النواب عن فلوريدا عام 2012. وحاول لاحقا الترشح لمجلس الشيوخ لكنه انسحب.

وخلال تلك الفترة، دافع ديسانتيس، وفق هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، عما يعرف ببرنامج "الحكومة الصغيرة"، وهو مبدأ تلتزم فيه أنظمة الحكم بالحد الأدنى من التدخل في حياة المواطنين، وخفض الضرائب.

وعرف ديسانتيس حينها بمعارضته للرئيس أوباما، منددا بما عده ميل حكومته الديمقراطية للتدخل في "كل وأي قضية تقريبا، من محيط خصر الأطفال إلى درجة حرارة الأرض".

وفي عام 2018 وبعد أن أمضى خمس سنوات في الكونغرس، أعلن ديسانتيس نيته الترشح لمنصب حاكم فلوريدا، مدعوما بتأييد كامل من ترامب.

وبالفعل تمكن من تحقيق هدفه وأدى اليمين الدستورية حاكما لولاية فلوريدا في يناير/كانون الثاني 2019.

وعن هذه المرحلة، قالت "بي بي سي": جاء التحدي الرئيس الأول لديسانتيس كحاكم لفلوريدا في عام 2020، مع تفشي وباء كورونا.

فبحلول أبريل/نيسان 2020، كان ديسانتس قد أمر بتطبيق إجراءات الإغلاق العام في جميع أنحاء الولاية، وأقام المئات من مراكز الاختبار وطلب ملايين الكمامات، والتي قال حينها إنها "يمكن أن تمنع انتقال العدوى للفئات المعرضة للخطر والضعيفة".

لكن بحلول أبريل 2021، بدأ ديسانتيس في رفع القيود، وفي يوليو/تموز، أمر بإعادة فتح المدارس، على الرغم من ارتفاع الحالات والانتقادات اللاذعة التي وجهت له، لكنها زادت من شعبيته لدى اليمينيين المحافظين.

وعن هذه الجزئية، نقلت بي بي سي عن الخبيرة الإستراتيجية الجمهورية سارة لونغويل قولها، إن "أزمة كورونا هي التي أسست إرث ديسانتيس، إذ كان يخالف نوعا ما التوجهات في عموم البلاد في ذلك الوقت والكثير من سكان الولاية يقدرون موقفه".

في الوقت نفسه كانت قناة "فوكس نيوز" اليمينية التي كانت تشكك في الوباء، تبث خطابات ومقابلات ديسانتيس على مستوى البلاد كافة لا فلوريدا وحدها، ولا سيما التي استهدف فيها بايدن.

أسباب الشهرة

ومما جعله أيضا يحتل موقع الصدارة في صفوف أكثر الشخصيات الجمهورية شهرة في أميركا، توقيعه في مارس/آذار 2022، مشروع قانون يحظر المناقشات حول الهوية الجنسية في المدارس الابتدائية.

كما أن لديه خطابات عديدة ضد فعاليات التحول الجنسي و"حقوق الشواذ جنسيا" التي يحاول تيار اليسار المتطرف فرضها على المجتمع الأميركي.

وبعد أن ألغت المحكمة العليا الأميركية الحق الدستوري في الإجهاض في يونيو/حزيران 2022، أعلن ديسانتيس أن "صلوات الملايين قد أجيبت"، ووقع قانونا يحظر الإجهاض بعد مرور 15 أسبوعا على بدء الحمل.

وفي خطوة أخرى تتماشى مع السياسة المحافظة، أرسل ديسانتيس عشرات المهاجرين غير النظاميين إلى منتجع جزيرة "مارثاز فاينيارد" للأثرياء في ولاية ماساتشوستس، ما دفع بالديمقراطيين إلى رفع دعوى قضائية ضده.

وترى سارة لونغويل أن معارك ديسانتس مع وسائل الإعلام حول سياساته المثيرة للجدل هي السبب في نجوميته السياسية.

وتشرح لونغويل ذلك بالقول إن "وسائل الإعلام الليبرالية تجد ديسانتيس مروعا، وهو يحب ذلك.. هذا شيء آخر تعلمه من ترامب.. إذا أغضبت وسائل الإعلام، فإنها تتحدث عنك كثيرا، وهذا يعزز من انتشار اسمك ويساعد في زيادة شعبيتك بين المعجبين والموالين".

وبعيدا عن الشأن الداخلي الأميركي، رأى المحلل السياسي المقيم بأميركا محمد المنشاوي أنه لا يُعرف كثير عن مواقف ديسانتيس الخارجية، لكن من المؤكد أنه يتخذ مواقف مشابهة لترامب خاصة في دعمه غير المحدود لإسرائيل والتشدد مع الصين ورفضه الاتفاق مع إيران.

وأشار في مقال نشره موقع الجزيرة نت في 11 نوفمبر، إلى أن ديسانتيس قال في مؤتمر لجماعة أميركية يمينية متطرفة في 2017 إن المسلمين المتدينين لا يمكن أن يكونوا أميركيين مخلصين.

كما ذكر المنشاوي أن ديسانتيس قدم خلال عضويته بالكونغرس مشروع قرار لتصنيف الإخوان المسلمين "إرهابية"، زاعما أنها "تشكل تهديدا عالميا كبيرا".

كذلك قدم مشروع قانون في عام 2013، لوقف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية حتى تعترف رسميا بحق إسرائيل في الوجود بصفتها دولة يهودية، وأن تقطع جميع العلاقات مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

وبعد انتخابه حاكما لولاية فلوريدا عام 2018، تعهد ديسانتيس بأن يكون "الحاكم الأكثر تأييدا لإسرائيل في تاريخ أميركا".

وختم المنشاوي بالقول: يجادل بعض الديمقراطيين بأن ديسانتيس سيكون منافسا أفضل، لأنه بعكس ترامب لن يهدد أسس الديمقراطية الدستورية في أميركا، إلا أنهم يدركون كذلك أنهم لا يملكون أي مرشح مؤهل لهزيمته حاليا.