تعميق العلاقات بين السعودية والصين.. حلف جديد أم عامل توازن؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أدى قرار السعودية في 5 أكتوبر/ تشرين الثاني 2022، خفض إنتاج النفط مليوني برميل يوميا بالتنسيق مع روسيا، إلى تصعيد التوتر بين ولي العهد محمد بن سلمان والرئيس الأميركي جو بايدن لمستوى جديد.

إذ تعهدت إدارة بايدن بالرد "بشكل منهجي" على ما عدته "تواطؤا صارخا" مع روسيا. فيما خرجت دعوات من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس الأميركي لوقف المساعدة الأمنية للسعودية.

من جانبها أعلنت السعودية أن القرار "اقتصادي بحت"، لكن مراقبين يرون أن السعودية الخاضعة تحت حكم ولي العهد الشاب الذي أهانه بايدن أكثر من مرة، باتت تتصرف من منطلق المصلحة الذاتية.

ورغم أن العلاقات بين الرياض وواشنطن لم تصل إلى حد العداء، لكن الجفوة قادت ابن سلمان إلى تقارب غير مسبوق مع الصين، المنافس الأول لأميركا.

احتفاء ملحوظ 

وفي مؤشر واضح على تنامي العلاقات بين السعودية والصين، أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في 28 أكتوبر، عن عقد ثلاث قمم صينية قريبا في السعودية.

وذلك في حدث غير مسبوق بين البلدين، سيتم ترتيبه خلال الزيارة المرتقبة التي سيعلن عنها قريبا من قبل الرئيس الصيني "شي جين بينغ" إلى المملكة. 

وأوضح ابن فرحان أن القمة الأولى ستكون مع البلد المضيف، والثانية مع دول مجلس التعاون الخليجي، والثالثة على المستوى العربي.

وتعليقا على هذا الإعلان، كتب موقع "الحرة" الأميركي، في نفس اليوم، أنه "مع وصول العلاقات الأميركية السعودية إلى مستوى متدن، لجأ محمد بن سلمان إلى تعزيز العلاقات مع روسيا والصين، على الرغم من أن المملكة لا تزال تتمتع بعلاقات أمنية وثيقة مع واشنطن".

لكن اللافت في الأمر أن تقدم التعاون لن يقف على مستوى القمم، بل قد يصل إلى الانضواء في تحالف اقتصادي وسياسي أوسع. 

فكشف موقع "فرانس 24" في 28 أكتوبر، أن مسؤولين من السعودية والصين اجتمعوا ضمن لجنة فرعية من "مبادرة الحزام والطريق والاستثمارات الكبرى والطاقة"، المندرجة تحت اللجنة المشتركة رفيعة المستوى بين البلدين.

وأضاف الموقع الفرنسي: "رحبت بكين وموسكو بمساعي الرياض للحاق بركب الدول المنضوية تحت لواء مجموعة (بريكس) التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وتسعى لمقارعة تكتلات كبرى مثل مجموعتي، السبع، والعشرين".

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن في 27 أكتوبر ترحيبه بضم السعودية إلى مجموعة بريكس، وأشاد بنهج ولي العهد محمد بن سلمان. 

 

تقييم واشنطن 

وعن التوتر المتصاعد بين السعودية وأميركا، ذكرت وكالة "بلومبرغ"، أنه "بينما يسود توتر لافت في العلاقات بين الولايات المتحدة وحليفتها التقليدية السعودية، تحاول الصين ركوب الخلاف لبسط نفوذها الاقتصادي في واحدة من أقوى الدول داخل منظمة أوبك".

وأضافت في  15 أكتوبر 2022 أن "العلاقة الاقتصادية بين واشنطن والرياض لم تكن دائما على ما يرام، وإنها صمدت أمام عدة عقبات منذ أكثر من قرن، بينما المتغير الوحيد هو محاولة الصين القفز لتحقيق هيمنتها الاقتصادية التي تسعى لها".

وأوردت الوكالة الأميركية أنه مع اتساع هوة الخلاف بين الولايات المتحدة والسعودية، عمدت الصين إلى تعميق علاقاتها ليس فقط مع السعوديين، ولكن مع الاقتصادات في جميع أنحاء منطقة الخليج".

وتحدثت عن احتمالية إعادة تقييم جيواستراتيجي كبير، ما بين واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط، تحديدا السعودية. 

وسلطت الوكالة الضوء على حجم تباينات العلاقات السعودية مع الصين والولايات المتحدة.

ومن معالمها ذكرت أنه بينما يتحدث بايدن عن "معركة بين الحكم المطلق والديمقراطية"، وملفات من قبيل احترام حقوق الإنسان وحرية الصحافة والتعبير، فإن الصين ليس لديها أي أجندة من شأنها أن تزعج الرياض في هذا الشأن تحديدا. 

 

وقبل ذلك لفتت وكالة "الأناضول" التركية في 2 سبتمبر/ أيلول 2022 إلى تطور العلاقات السعودية الصينية، وذكرت 5 قضايا أساسية تجعل بكين ذات قيمة بالنسبة لحكام الرياض.

وكانت أولى محددات العلاقة أنه ليس لدى بكين مشكلة مع الأعمال الداخلية للنظام السعودي وانتهاكاته لحقوق الإنسان. 

وبالمثل، فإن السعوديين يغضون الطرف عن انتهاكات إدارة بكين لحقوق الإنسان ضد أقلية الإيغور المسلمة.

والثانية: لا ترى بكين في الدوافع السياسية، مثل انتهاكات الأمن وحقوق الإنسان، عقبة أمام مبيعات الأسلحة.  

والثالثة: يتعمق تعاون الفاعلين في مجال الطاقة يوما بعد يوم، والصين بالفعل أكبر عميل للنفط السعودي منذ سنوات عديدة.

والرابعة: يحاول السعوديون إقناع الولايات المتحدة بأن تصبح الفاعل الرئيس في البنية الأمنية الخليجية مرة أخرى من خلال تطوير تعاون وثيق مع بكين، أكبر منافس جيوسياسي للولايات المتحدة. 

والأخيرة: التداخل بين شهية الصين للاستثمار والمشاريع الاستثمارية الكبيرة التي يحتاجها السعوديون الذين يرغبون في تحرير اقتصادهم من التبعية للنفط. 

المربع الأول

ومع تلك التقاطعات لا بد من العودة إلى المربع الأول تحديدا في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، عندما قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول، واتضح أن فرقة اغتيالات خاصة قامت بتصفيته بأوامر مباشرة من ابن سلمان.

الأمر الذي استنفر غضبا غربيا وأميركيا عارما، وعدت وصمة في جبهة الأمير الشاب. 

وصارت شكوك تجاه نظام حكمه المشوب بقصص مأساوية ومروعة في مجال حقوق الإنسان.

ومع تصاعد الموجة ولى ولي العهد شطره تجاه روسيا والصين بشكل أكبر، وعقد تحالفات جديدة غير مسبوقة في سياسة البلد العربي، الذي كان أوثق حلفاء الأميركان في المنطقة. 

حتى أنه عندما قام ابن سلمان بزيارته إلى الصين في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، قال الكاتب الأميركي والتر راسل، في صحيفة "وول ستريت جورنال": "قد يكون الله عظيما بالنسبة لمحمد بن سلمان، لكن الرئيس الصيني شي جين بينغ أعظم أو على الأقل أكثر فائدة بالنسبة له".

كما أن ما يحدث في الفترة الحالية ليس أول انتكاسة في العلاقات السعودية الأميركية، ولا باكورة التقارب بين الرياض وبكين. 

فخلال ثمانينيات القرن العشرين بسبب التهديد المتزايد لبرنامج الانتشار النووي لخصمها الشيعي إيران، دخلت الرياض في صفقة سرية مع الصين لإنشاء قاعدة صواريخ على أراضيها. 

وعندما علمت إدارة الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، بهذا التطور في عام 1988، طلبت من الملك فهد بن عبد العزيز إغلاق القاعدة على الفور.

ورفض الملك الانصياع، وزاد الأمر بأن قام بطرد السفير الأميركي، لكن العلاقات عادت بعد ذلك إبان حرب الخليج الأولى.

لكن لا تزال قاعدة الصواريخ الصينية نشطة على أراضي المملكة حتى الآن، وتظل شاهدة على نكسة كبيرة في العلاقات.

وفي 16 يناير/ كانون الأول 2022، سلط "معهد تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي، الضوء على التحالف السعودي الصيني وتأثيره على سياسة بايدن في الشرق الأوسط. 

وذكر أنه منذ عام 2019، باتت وكالات الاستخبارات الأميركية على علم بحقيقة أن الرياض تتعامل مع الصين لتطوير برنامجها للصواريخ الباليستية.

واستدرك قائلا: "لكن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قررت عدم عرض تقارير المخابرات على الأعضاء الرئيسين في الكونغرس". 

بينما تواجه إدارة بايدن الآن الخطر المتمثل في أن التقدم السعودي في برنامج بناء الصواريخ الباليستية مع الصين يمكن أن يغير بشكل جذري ديناميكيات القوة الإقليمية.

إذ إنه يعقد الجهود لتوسيع شروط الاتفاق النووي مع إيران الذي يتضمن قيودا صارمة على تكنولوجيا الصواريخ الإيرانية.