حج اليهود إلى "جربة" التونسية.. تأدية شعائر أم محفل تطبيعي؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خلال مايو/ أيار من كل عام، يتوافد الآلاف من اليهود حول العالم إلى جزيرة جربة جنوبي تونس، لزيارة ما يعتبرونه أقدم معبد في العالم، يعود تشييده إلى العهد الروماني، ويعتقدون أنه يحتوي على حجر من هيكل سليمان، ويحتفظ بين أروقته بأقدم نسخة للتوراة.

تونس تضم بين سكانها حوالي 3 آلاف مواطن تونسي يعتنقون الديانة اليهودية، يتركّز جلهم في جربة، بعد أن تقلّص عددهم خلال العقود الماضية، إذ أثبتت وثائق تاريخية أنّ عدد اليهود التونسيين كان يتجاوز 100 ألف في خمسينات القرن الماضي، إلاّ أن جلّهم قرر الهجرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة وأوروبا.

ورغم أن الزيارة السنوية تشهد مشاركة من أعلى المستوى في الدولة وحضور عدد من قادة الأحزاب السياسية والمنظمات، إلاّ أنّها في كل عام توجّه إليها الاتهامات بالتطبيع مع إسرائيل، واستقبال إسرائيليين على الأراضي الوطنية.

الحج اليهودي

أثارت مواقع فلسطينية انتباه التونسيين بترجمتها لتقرير تلفزيوني للقناة 12 العبرية من داخل الأراضي التونسية، وأظهر التقرير سياحا يهود يهتفون باسم إسرائيل خلال مشاركتهم في الزيارة السنوية لكنيس الغريبة بجزيرة جربة التونسية ما سبب ردود فعل شعبية غاضبة ومستنكرة للتطبيع مع الاحتلال.

ظهرت مراسلة القناة العبرية وسط حافلة تقل مجموعة من الإسرائيليين في جزيرة جربة وهم يغنون ويصفقون في أجواء من البهجة، وقالت المراسلة إن هذه الحافلة كانت تقل أشخاصا من عائلات "تمام"، و"ساروسي"، و"حداد"، و"طرابلسي".

هذه العائلات وغيرها أتت من الرملة وعسقلان ونتانيا إلى تونس لحضور مراسم "الحج اليهودي" حسب المراسلة، مشيرة إلى أنها ليست الزيارة الأولى لهم فجميعهم ارتبطوا باللغة المحلية الأم في تونس أو ما وصفتها بلغة الأجداد.

ووسط هذه الأجواء الاحتفالية التي رافقت زيارة اليهود إلى معبد "الغريبة"، ظهر في التقرير سيدة إسرائيلية تبتهل بالدعاء لجنود  جيش الاحتلال الإسرائيلي، راجية من الله أن يحفظهم وأن يكونوا بخير آمنين سالمين، وهتفت "تحيا إسرائيل.. تحيا تونس".

ما ضاعف من غضب التونسيين والرافضين للتطبيع هو مرور الوفد السياحي من أمام المنزل الذي اغتالت فيه إسرائيل القيادي في منظمة التحرير الفلسطينية خليل الوزير (أبوجهاد)، حيث هاجمت فرقة اغتيال إسرائيلية منزله في ضاحية سيدي بوسعيد شمالي العاصمة التونسية، يوم 16 أبريل/ نيسان 1988، وأطلقت عليه النار فاستقرت 70 رصاصة في جسده.

وردا على كل ما رافق هذه الزيارة وتداول التقرير المصور الذي نشرته "قناة 12" العبرية، شكك وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي في عمل أي تلفزيون أو صحفي إسرائيلي في بلاده، قائلًا: "القنوات الإسرائيلية قد تكون ناشطة مع قنوات دولية أخرى".

وأضاف خلال ندوة صحفية بقصر قرطاج يوم 13 يونيو/حزيران 2019 بمناسبة انتخاب تونس عضوا غير دائم بمجلس الأمن لمدة سنتين "عدم التطبيع يأتي لسبب بسيط هو أن التطبيع يأتي مع السلام، وهو غير موجود في الشرق الأوسط مع الأسف، والعملية السياسية والقضية الفلسطينية لا تعرف تقدما".

يذكر أنّ الجهيناوي سابقا كان يتولى منصب رئيس مكتب تونس في تل أبيب الذي افتتح سنة 1996 قبل أن يتم غلقه سنة 2000.

السياحة الدينية

البعض ومن باب احترام حرية إقامة الشعائر الدينية، يؤيد حج اليهود إلى "كنيس الغريبة"، دون النظر إلى دور هؤلاء السياح، المنحدرين من أصل تونسي في الأغلب، في جرائم الاستيطان في فلسطين والمشاركة في العدوان على أهلها، وربّما مشاركة البعض منهم في مهام قتالية عبر الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي.

خلال مايو/آيار 2018، ظهر مفتي تونس عثمان بطيخ على شاشة القناة السابعة العبرية، خلال ندوة دولية عقدت بتونس حول حوار الأديان والحضارات، وحضرها إسرائيلون، وقال المفتي التونسي حينها: "نرحب بضيوفنا الكرام الإخوة من رجال الدين اليهودي وعلى رأسهم كبير الأحبار في أوروبا وكل من كان معهم".

وأضاف: "أهلا وسهلا في بلادهم تونس أرض السلام والمحبة أرض التعاون والتعايش السلمي بين كل الأديان وكل الطوائف وكل المذاهب سماوية أو وضعية.. نحن كلنا إنسان بقطع النظر عن معتقداتنا".

تقرير القناة السابعة العبرية كشف تفاصيل زيارة الوفد اليهودي إلى جزيرة جربة وأحد المقابر اليهودية في العاصمة تونس، إضافة إلى كنيس يهودي ومدرسة تلمودية خاصة، على خلاف التعليم العمومي التونسي.

وأظهرت اللقطات تصدّر صورة الحاخام إسحاق يوسف، الحاخام الأكبر الشرقي لإسرائيل، وهو أعلى منصب ديني لليهود داخل إسرائيل، ويعتبر أكبر مرجعية لليهود في العالم.

 

سياسيون تونسيون اتهموا الحكومة بالتطبيع مع إسرائيل، مطالبين بالتحقيق في زيارة حاخامات متطرفين إلى كنيس الغريبة خلال زيارة العام 2019، تداولت وسائل إعلام صوراً قالت إنها لحاخامات إسرائيليين متطرفين شاركوا في موسم حج الغريبة.

كما كشفت صحيفة صوت الحرية الصادرة من رام الله في العام 2016 قيام الحاخام الإسرائیلي المتطرف رافائیل كوھین بزيارة كنیس الغريبة في جربة على رأس وفد یضم 50 إسرائیلیا.

وأكدت الصحيفة أن الحاخام كوھین ھو عضو حزب شاس الیمیني المتطرف، وامتدح حينها السلطات التونسیة حيث اعتبر أنها نجحت في بعث رسالة إلى كل العالم مفادها أن تونس أرض تسامح وتنوع وتعایش.

من جانبه انتقد منظم رحلات زیارة "الغریبة" حينها والوزير الحالي للسياحة  روني الطرابلسي التصریحات التي تتهم كوھین بأنه یهودي متطرف، مشیرا إلى أن ھذا الأمر یعّرض حیاته للخطر.

وأضاف في تصریح إذاعي "كوھین مولود في مدينة مدنین من أبوین تونسیین ولكنه یعمل في إسرائیل. الحاخام لم یزر الغریبة كضیف شرف بل جاء على حسابه الخاص وبرغبة شخصیة منه بحكم أنه تونسي، ولم یكن مصحوبا بحراسة خاصة".

رفض واسع

تعتبر قضيّة رفض التطبيع والدعوة إلى تجريمه من أكثر القضايا إجماعا بين التونسيين، خاصّة وأن تونس شهدت اعتداءات متكرّرة من قبل إسرائيل، حيث قامت 8 طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي بقصف المقر الرئيسي لمنظمة التحرير في المغرب العربي في الأول من تشرين الأول/أكتوبر عام 1985 في ضاحية حمام الشط جنوب العاصمة التونسية، وفي العام 1988 قامت مجموعة من الموساد الإسرائيلي باغتيال القيادي في منظمة التحرير خليل الوزير المعروف بـ"أبو جهاد".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، نفذت فرقة تابعة للموساد الإسرائيلي عملية اغتيال للمهندس التونسي محمد الزواري أمام منزله بمدينة صفاقس جنوبي تونس، والذي كشف فيما بعد عمله لصالح المقاومة الفلسطينية في تصنيع الطائرات المسيرة بلا طيار.

ورغم ارتفاع المطالبة بسن قانون يجرّم التطبيع منذ العام 2011، إلا أنّه لم يتم طرح أي مبادرة تشريعية على البرلمان التونسي في هذا الصدد، رغم مواقف النواب الرافضة لجميع أشكال التطبيع مع إسرائيل.

عضو مجلس النواب القيادي في حركة "النهضة" عبد اللطيف المكي انتقد الزيارة الأخيرة للوفد الإسرائيلي إلى تونس، قائلا في تدوينة على صفحته بـ "فيسبوك": "على إثر ما بثته إحدى القنوات الصهيونية من زيارة وفد صهيوني للبيت الذي اغتيل فيه أبو جهاد من قبل الصهاينة في وقت لم تجف بعد دماء الشهيد محمد الزواري؛ وهو ما يمثل إثباتا بالاعتراف ويعتبر اعتداء على بلادنا لأن اغتيال أبو جهاد هو اعتداء على تونس وشعبها".

وأكد المكي أن "على الحكومة أن تبادر فورا باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد من تسبب في هذا الاعتداء الذي لا يمكن أن يكون خطأ أو تلقائيا بل مقصودا ومدبرا"، مشددا على أنه "غير مقبول تماما".

من جهته طالب النائب والقيادي في الجبهة الشعبية زياد لخضر في كلمته بالبرلمان بمساءلة الحكومة ووزير السياحة روني الطرابلسي تحديدا، قائلا: "اليوم تونس أصبحت تداس.. نحن اليوم أمام ميل متصاعد للهيمنة الصهيونية على بلادنا وعلى الشعب العربي".

وأضاف: "علينا أن نتحمل مسؤوليتنا.. كما نحمّل المسؤولية للآخرين.. فلا يمكن أن يستبيح الجواسيس تحت غطاء زيارة الغريبة، أرض تونس.. ويزور الصهاينة المنزل الذي اغتيل فيه المناضل الفلسطيني أبو جهاد"، واصفا ما حدث بـ "العيب ويقتضي من المجلس التدخل بخصوص ما يحدث في بلادنا".

كما نظمت "الشبكة التونسية للتصدي لمنظومة التطبيع"، بمشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابات البلاد السبت 15 يونيو/حزيران الجاري، "يوم غضب"، تنديدا بما أسمته "محاولات التطبيع مع إسرائيل".

ونفذ المنظمون وقفتين احتجاجيتين أمام كل من ديوان السياحة والمسرح البلدي بالعاصمة، ومسيرة بشارع الحبيب بورقيبة، ردد خلالها المشاركون شعارات وخطابات تدعو بالخصوص إلى "إقالة وزير السياحة"، و"إصدار قانون يجرم التطبيع".