تجنبا للحرب.. هل تنازل لبنان رسميا عن جزء من ثروته الغازية لإسرائيل؟

مصطفى العويك | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يتبادل حزب الله اللبناني والجيش الإسرائيلي التهديدات منذ وصول سفينة التنقيب اليونانية– البريطانية "انرجين باور" إلى قبالة سواحل فلسطين المحتلة مطلع يونيو/حزيران 2022.

جاء ذلك بعد إعلان إسرائيل عن انطلاق عمليات إنتاج الغاز ومعالجته من جنوب حقل "كاريش" المتنازع عليه مع لبنان.

وعلى وقع التوتر، وصل إلى بيروت في 15 يونيو عاموس هوكشتاين، الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. 

وتأتي الزيارة تلبية لدعوة السلطات اللبنانية لإبلاغه موقف بيروت الرسمي من العرض الذي سبق أن قدمه مكتوبا إليها، وكذلك لإعادة إحياء المفاوضات غير المباشرة بينها وبين تل أبيب.

وتوقفت تلك المفاوضات في مايو/أيار 2021 في جلستها الخامسة بسبب رفض الجانب الإسرائيلي للمطالب اللبنانية.

وفي اليوم التالي لوصوله، نشر هوكشتاين على حسابه عبر "تويتر" تغريدة لافتة قال فيها: "صباح الخير بيروت، منظر رائع للاستيقاظ من السفارة الأميركية". 

تغريدة تمثل رسالة ود أراد من خلالها تبريد الأجواء المحتقنة قبيل بدء جولاته على مقرّات الحكم في بيروت، وهي تعكس الإيجابية التي سادت خلال الاجتماعات الأولية وغير الرسمية التي عقدها بعد وصوله مباشرة.

تهديدات متبادلة

وكان أمين عام حزب الله، حسن نصر الله أعلن "الاستنفار السياسي وغير السياسي لمواجهة استحقاق حفظ حقوق لبنان في البحر"، مؤكدا أن المهمة توازي مهمة تحرير الأرض" وذلك خلال كلمة مباشرة له في 9 يونيو 2022. 

ووصف نصر الله استخراج النفط والغاز من حقل "كاريش" بأنه "عدوان" مهددا "العدو والمتعاونين معه من شركات أجنبية من مخاطر تجاوز حقوق لبنان أو الاعتداء عليه". 

كما دعا الشركة اليونانية إلى الانسحاب، رابطا التنقيب من جانب إسرائيل "بتثبيت حق لبنان في التنقيب". 

وأكد بأن "المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي، وأن كل الخيارات مفتوحة. وجميع إجراءات العدو لن تحمي عملية الاستخراج من حقل كاريش". 

وأردف نصر الله قائلا بأن "ما ستخسره إسرائيل في أي حرب يهددون بها (الإسرائيليون) أكثر بكثير مما يمكن أن يخسره لبنان، وأي حماقة يقدم عليها العدو ستكون تداعياتها ليست فقط إستراتيجية بل وجودية"، خاتما "بأننا لا نريد الحرب، لكننا لا نخشاها ولا نخافها".

كلام نصر الله استدعى ردودا إسرائيلية كثيرة وعالية النبرة، أبرزها بيان مشترك لوزراء الخارجية والدفاع والطاقة جاء فيه أن "إسرائيل تعطي الأولوية لحماية أمنها الإستراتيجيي، وهي مستعدة للدفاع عنها وعن أمن بنيتها التحتية بما يتوافق مع حقوقها". 

وشدد البيان على "أن "منصة "كاريش" للغاز تقع في المناطق الإسرائيلية، على بعد عدة كيلومترات جنوب المنطقة التي تجرى فيها المفاوضات بين إسرائيل والجمهورية اللبنانية بوساطة من الولايات المتحدة"، وفق زعمه.

وكذلك تهديد رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي في تصريحات صحفية بأن الحرب المقبلة مع لبنان "ستكون غير مسبوقة ومدمرة وقاسية وستستهدف آلاف الأهداف التي بلورناها".

وأكد كوخافي أنه "سيجرى تدمير كل مكان يرصد فيه راجمة صواريخ، وكل راجمة داخل منزل أو مستودع أو مخزن أو سرداب، وكل مبنى متعدد الطوابق يضم مقر قيادة، وأيضا أهداف ثنائية الاستخدام، جميعها ستكون هدفاً عسكريا". 

وختم حديثه بأن "العدو هو من اختار المدنيين دروعا بشرية، لكن سيتم تحذير السكان والسماح لهم بالمغادرة، لأن مناطقهم ستشهد هجوما غير مسبوق"، وفق زعمه.

وفي هذا الإطار أشارت وسائل إعلام عبرية إلى أن الجيش الإسرائيلي يستعد لرد من حزب الله على نشاط منصة "كاريش". 

وشدد موقع "واللا" العبري أن الجيش الإسرائيلي "دخل في حالة تأهب، تحديدا في منطقة التنقيب، بعد خطاب نصر الله، وأنه استعد لمجموعة من السيناريوهات الأمنية بعد تشغيل منصة الاستخراج في المنطقة المتنازع عليها". 

ولفت الموقع إلى أن "المسؤولين الإسرائيليين حذروا من هجوم بطائرة من دون طيار، وحتى إطلاق صواريخ على منصة كاريش". 

هذه التهديدات المتبادلة وصفها الكاتب السياسي رفيق خوري في مقالة له بصحيفة "نداء الوطن" بأنها ليست سوى "مجرد تحريك أوراق في لعبة القوة، فالطرفان يهددان بحرب يقولان سلفا إنهما لا يريدانها".

وهو ما ذهب إليه الرئيس التنفيذي لشركة "انرجين"، ماثيوس ريغاس، في حديث لموقع "المونيتور" الأميركي. 

فقد قال ريغاس إن "الخلاف الدبلوماسي لا يخص شركتنا، إنها مسألة تخص الحكومات". 

وأردف "أنا بنفسي سأذهب إلى منصة كاريش وسأبيت الليل هناك، ولأصدقكم القول: أشعر بأمان شديد". 

تنازل موحد؟

عقب تغريدته، استهل الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين جولته المكوكية بزيارة قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون، للتأكيد على مكانة الجيش ومتانة علاقته الإستراتيجية بالإدارة الأميركية. 

بعدها جال على رئيس الجمهورية ميشال عون، واطلع منه على موقف لبنان الموحد حيال المقترح الذي كان قد حمله خلال زيارته الأخيرة في فبراير/ شباط 2022 إلى بيروت. 

ثم التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكذلك رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب.

ونقلت صحيفة "نداء الوطن" اللبنانية عن مصادر رفيعة داخل القصر الجمهوري أن الموقف اللبناني رسم "خطاً شفهيا" للحدود البحرية الجنوبية.

وأبدى رئيس الجمهورية ميشال عون الاستعداد للتنازل عن حدود الخط 29، إلى حدود الخط 23 بما يمنح اسرائيل كامل حقل "كاريش" مقابل استحصال لبنان على كامل حق حقل "قانا". 

على أن تكون ترجمة هذا التنازل خطيا عند نهاية المفاوضات، فيصار عندها إلى تكريسه رسميا على خرائط الترسيم المتفق عليها مع إسرائيل.

ونقلت المصادر أن الموقف اللبناني الرسمي الذي تبلغه الوسيط الأميركي من الرؤساء الثلاثة (الجمهورية، الحكومة، البرلمان) طالب بإدخال تعديل على الخط المقترح من قبله سابقا، والذي كان يعتمد الخط 23 لحدود لبنان البحرية الجنوبية بشكل يقتطع جزءا من حقل "قانا" للإسرائيليين. 

إذ يشمل التعديل الإبقاء على الخط الأميركي المقترح للترسيم، لكن مع إبقاء "قانا" كاملا ضمن الحدود اللبنانية. 

كما كشف في الوقت عينه أن الجانب اللبناني طالب الوسيط الأميركي بإلزام إسرائيل بتجميد أي نشاط استثماري أو استكشافي في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان إلى حين إبرام الاتفاق النهائي على الترسيم. 

بالإضافة إلى الدعوة للعودة سريعا إلى المفاوضات غير المباشرة لتحقيق هذا الهدف. 

فضلا عن طلب المساعدة الأميركية بالمباشرة في عملية استكشاف البلوكات اللبنانية نظرا لكون الشركات المعنية التي ألزمت بالعملية تتذرع بعدم وجود مناخ آمن يتيح البدء بأعمالها قبل إنجاز الترسيم البحري بصورة نهائية.

في حين كتبت الصحفية جوزفين ديب في موقع "أساس ميديا" أن العرض الوحيد الذي حمله الوسيط الأميركي معه هو "وقعوا وخذوا كهرباء فوق الغاز". 

فقد وعد هوكشتاين المسؤولين اللبنانيين باستثناء لبنان من قانون قيصر للعقوبات الأميركية والسماح باستجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن على التوالي عبر سوريا لأسباب إنسانية، وفي تجديد المساعدة النفطية العراقية. 

لكنه تلميحا لا تصريحا ربط الأمر بتوقيع لبنان على ترسيم الحدود، وفق ديب. 

وتأسيسا على ذلك ترى ديب أن الأميركيين رسموا معادلة جديدة كانت مكتومة، لكنها باتت شبه رسمية: "الترسيم مقابل الكهرباء والمساعدات الإنسانية". 

إذ إن فتح الباب أمام الكهرباء يفتحه أيضا في وجه خطط الإنقاذ الدولية المعلقة، وربما استطرادا العربية.

وتنقل ديب عن مصادر أميركية (لم تسمها) أنها ترجح "عدم تجاوب تل أبيب مع المطلب اللبناني بوقف العمل في حقل "كاريش" اعتمادا على طلب لبنان رسمياً من هوكشتاين الترسيم على خط 23".

وهو ما يجعل من كاريش منطقة إسرائيلية بالكامل باعتراف لبنان، وفق قولها. 

كما ترجح المصادر نفسها "قبول تل أبيب بمنطقة بين الخط 23 وخط هوف" (اسم دبلوماسي ووسيط أميركي سابق، وهو خط يمنح إسرائيل المزيد من المساحة).

وتشير ديب الى أن "هوكشتاين أكد للمسؤولين اللبنانيين أن الشركات الأميركية لن تدخل قطاع الطاقة اللبنانية للعمل في حال كان هناك مناطق متنازع عليها". 

فرصة تاريخية

الموقف اللبناني الموحد الذي تبلغه هوكشتاين، تمثل بتمسك لبنان بالخط 23 بدل 29، مقابل إقرار إسرائيل بهذا الخط عوضا عن الخط المتعرج الذي تطالب به، وكامل حقل قانا للبنان مقابل كامل حقل كاريش لإسرائيل.

وهو ما وجد فيه موقع المونيتور الأميركي دافعا مهما للتوصل الى تسوية تاريخية لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.

وينقل "مونيتور" في تقريره عن دبلوماسي لبناني (لم يذكر اسمه) أن "وصول السفينة منح فرصة لعون وميقاتي استئناف المفاوضات التي توقفت في مايو/ أيار 2021. ومن أجل استغلالها يجب أن يظهر الرجلان موقفا حازما عند التعامل مع إسرائيل". 

ويؤكد مصدر دبلوماسي إسرائيلي أنه "لولا التزام لبنان بالتخلي عن الخط 29 لما وصل هوكشتاين إلى بيروت"، وفق الموقع الأميركي.

من جهته، أشاد هوكشتاين بما وصفه "الإعداد الجيد للزيارة" من قبل المسؤولين اللبنانيين، وبأنهم "قدموا بعض الأفكار التي تشكل أسس مواصلة المفاوضات والتقدم بها".

وقال هوكشتاين إن "حل النزاع البحري يشكل خطوة أساسية ومهمة من أجل إيجاد حل للأزمة الاقتصادية في لبنان، وللانطلاق بمسار الانتعاش والنمو"، وفق موقع الحرة الأميركي.

 لذا يعتقد أن ما جرى كان محاولة جدية تقتضي النظر إلى الخيارات المتاحة للمضي قدما، من غير أن تغفل عن بالنا فكرة أن علينا أن نقدم تنازلات والتفكير بشكل بناء.

ورأى هوكشتاين أن "الرد اللبناني يدفع بالمفاوضات إلى الأمام، وعليه سأتشارك هذه الأفكار مع إسرائيل، وما أن أحصل على رد من قبلهم سأبلغه إلى الجانب اللبناني".

وأوضح الوسيط الأميركي بأن "الحل الناجح يقتضي الإقلاع عن التفكير، هل أملك أفضل قضية قانونية، أو هل أنا في موقع أفضل".

وأردف: "ثمة جانبان هنا، وعليهما التركيز على الأفكار الخلاقة التي يمكننا كلنا أن نتفق عليها. قد لا أحصل على كل ما أردته، لكنني حصلت على ما هو أكثر بكثير مما لدي الآن. وفي حالة لبنان هو لا شيء".

واستطرد هوكشتاين قائلاً: "أعلم أن الناس يحبون الشعارات، لكن يجب النظر إلى نوع التسوية التي يمكن التوصل إليها، والتي يوافق عليها الجانب الإسرائيلي من غير أن يشعروا (الإسرائيليون) أن في ذلك ما يتعارض مع مصالحهم، مع الحفاظ على أهم جزء من مصالح لبنان".  

بيد أن مقابلة هوكشتاين، وأسلوبه في الكلام، المشوب بشيء من الاستعلاء، مثل قوله "معرفة الحق لا تكفي للحصول عليه"، وإشارته إلى أن الحصول على شيء أفضل من لا شيء في واقع لبنان الحالي، أشعل غضب جماهير حزب الله وحلفائه، ولا سيما التيار الوطني الحر، حزب رئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل. 

فقد ضحك الوسيط الأميركي بشكل ساخر عندما سألته المحاورة عن سؤال حول شعار "كاريش" مقابل "قانا" الذي رفعه باسيل، وأجاب بأن على اللبنانيين التوقف عن التمسك بالشعارات والبحث عن تسوية يستطيعون التوصل إليها.

ويرى الكاتب السياسي طارق المبيض أن "هوشكتاين أسدى في مقابلته التلفزيونية خدمة كبيرة لحزب الله الذي شرعت جماهيره بتكرار خطابه وشعاراته وأن أميركا تريد تجويعنا لنهب ثرواتنا". 

ويضيف المبيض في حديث لـ"الاستقلال" أن المقابلة كانت "حافلة بالكثير من المؤشرات الاستفزازية والاستعلائية، ليس فقط بسبب سخريته من جبران باسيل، بل كذلك تركيزه على ضرورة تنازل لبنان.

 وكذلك الإشارة الدائمة إلى الأزمة الاقتصادية والمالية التي تثقل كاهل هذا البلد، وكأنه بذلك يعطي موثوقية لخطاب نصر الله الذي تحدث مرارا وتكرارا عن أطماع إسرائيل في الثروات اللبنانية، والدعم اللا محدود الذي تقدمه لها الولايات المتحدة الأميركية". 

ويخلص المبيض إلى أن تصريحات الوسيط الأميركي تمثل "إقراراً بأن لبنان ضعيف وعاجز وجائع، ولا يستحق أكثر مما يسد رمقه".