هجمات ممنهجة.. ما علاقة جهاز المخابرات العراقي باغتيال قاسم سليماني؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بدأت عمليات استهداف بعبوات ناسفة وحملة إعلامية شنتها مليشيات موالية لطهران ضد جهاز المخابرات في العراق، بعد تصريحات لوزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، كشف فيها عن تفاصيل جديدة تتعلق باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني.

بومبيو قال في تصريحاته إن "سليماني كان منخرطا في مخطط لقتل 500 أميركي، وقد تمكنت الإدارة الأميركية من الإطاحة بذلك المخطط"، لافتا إلى أن "واشنطن عملت على حماية أصولها في العراق ومواطنيها في سوريا، وفي جميع أرجاء العالم منذ فترة طويلة جدا".

وأوضح بومبيو خلال مقابلة مع قناة "العربية" السعودية، في 17 يونيو/حزيران 2022 أن "أميركا كانت تراقب تحركات فيلق القدس (في بغداد)، وتعمل على مشروع قتل سليماني بشكل مستمر، حتى سنحت لها الفرصة لإيقاف ما كان هجوما وشيكا على الموارد والأصول والمواطنين، فأصدر الرئيس الأميركي (السابق دونالد ترامب) القرار بالقضاء عليه".

لكن اللافت في الأمر أن بومبيو لم يتطرق في كلامه إلى جهاز المخابرات العراقي عندما تحدث عملية اغتيال سليماني التي حصلت في 3 يناير/كانون الثاني 2020، الأمر الذي أثار تساؤلات ملحة بخصوص الهدف من وراء الهجمة ضده وتحميله المسؤولية؟

حملة ممنهجة

وعلى وقع تصريحات بومبيو، انفجرت عبوتان ناسفتان محليتا الصنع قرب السياج الأمني لمقر تابع لجهاز المخابرات العراقي، في حي الكرادة وسط العاصمة بغداد، وخلّفت الانفجارات أضرارا مادية فقط، حسبما أفادت وسائل إعلام محلية في 19 يونيو 2022.

وفي اليوم ذاته، تعرّض الموقع الإلكتروني لجهاز المخابرات العراقي إلى هجوم سيبراني أدى إلى تعطيله لساعات عدة.

وجاء ذلك وسط حملة تحريض واسعة شتها منصات تابعة لمليشيات موالية لإيران على رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وضباط بارزين في جهاز المخابرات، متهمين إياهم بالتورط في اغتيال سليماني، والقيادي في "الحشد الشعبي"، أبو مهدي المهندس.

وعلى تلغرام، نشرت قناة "صابرين نيوز" المرتبطة بمليشيا "كتائب حزب الله"، أسماء لضباط ومسؤولين في جهاز المخابرات، مع صور عدد منهم، متهمة إياهم بالضلوع في اغتيال سليماني والمهندس (قتل في العملية ذاتها لدى استقباله قائد فيلق القدس الإيراني من مطار بغداد).

وبالتزامن مع ذلك، أطلقت هذه المنصة وسما على موقع "تويتر" بعنوان "#جهاز_المخابرات_وكر_للعمالة" شنت خلالها المئات من الحسابات الموالية للمليشيات هجوما لاذعا على جهاز المخابرات، ونشرت صورا لضباطه وعناوين سكنهم والمناصب التي يشغلونها.

وفي السياق ذاته، قال رفيق الصالحي عضو تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، خلال تصريحات نشرتها صحيفة "المراقب العراقي" إن "التحالف تحرك من أجل فتح تحقيق نيابي عبر اللجان المختصة لمحاسبة أي متورط ومتخابر مع السفارة الأميركية وتقديمه للعدالة".

وأضاف الصالحي في 19 يونيو 2022 أن "التحقيق سيشمل استضافة واستدعاء كبار القادة الأمنيين العراقيين لمعرفة ملابسات الحادث، وما جرى بالفعل، وحجم التوغل الأميركي في الأجهزة الأمنية العراقية وتعاونها في الجريمة".

من جهته، طالب العضو بالتحالف ذاته، عدي عبد الهادي، خلال تصريحات نقلتها قناة "الاتجاه" التابعة لـ"كتائب حزب الله" في 19 يونيو، بما وصفه بـ"حملة تطهير مطار بغداد الدولي من جواسيس السي آي إيه"، لافتا إلى أنه "يمكن تدقيق الأسماء وإجراء تحقيقات معمقة من أجل كشف أواصر العلاقة المشبوه مع البعض".

وقال عبد الهادي، إن "الجميع يدرك بأن مطار بغداد الدولي يضم جواسيس كثر كانوا وراء جريمة المطار باغتيال سليماني والمهندس لكن ما تضمنته تصريحات بومبيو أعطت توضيحات وأدلة أخرى عن هوية من دعم واشنطن في تنفيذ جريمتها النكراء".

وأشار إلى وجود ما أسماه "تغلغلا للمخابرات الأميركية في المطار وخرق فاضح يجب الانتباه لخطورته وتداعياته على الأمن القومي للبلاد".

خلق الفوضى

وبخصوص الهدف من الحملة ضد جهاز المخابرات رغم عدم ذكره في حديث بومبيو، قال مصدر سياسي عراقي لـ" الاستقلال" إن "ما يجرى يمكن وصفه بأنه وسيلة من وسائل تحريك الساحة الشعبية تجاه عناصر معينة".

وأوضح المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن "الحملات التي تجرى ضد جهاز المخابرات وضباطه وكشف هوياتهم على فضاء الإنترنت ما هي إلا أحد عوامل إثارة الفوضى التي تلوح بها المليشيات الموالية لإيران كل حين للضغط من أجل تحقيق مكاسب سياسية، وأخرى تتعلق بالتنفيس عن غضب جمهورها، رغم أن أميركا هي من نفذت العملية وأعلنت ذلك".

وعقب مقتل سليماني والمهندس، أجرى العراق تحقيقات في بغداد استمرت أشهرا عدة لم تتوصل إلى أي نتائج تتعلق بتورط مسؤولين أمنيين مع الأميركيين بعملية الاغتيال.

لكن مليشيات موالية لإيران، وأبرزها "عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، و"النجباء"، توجّه اتهامات للجهاز بضلوعه في العملية، من دون تقديم دليل على ذلك.

وعن هذه الحملة ضد جهاز المخابرات، قال الإعلامي العراقي محمد الكبيسي على "تويتر" في 19 يونيو إن "مواقع الفصائل المسلحة تحرض ضد جهاز المخابرات وتكشف أسماءهم وتتهمهم باغتيال سليماني والمهندس، بينما لم يهددوا أميركا التي أعلنت تفاصيل العملية على لسان بومبيو".

وكذلك تساءل الباحث بالشأن العراقي، شاهو القره داغي، بالقول: إن "القنوات التابعة للفصائل الموالية لإيران تهاجم جهاز المخابرات وتحرض على قتل واستهداف عناصره بتهمة المشاركة في عملية قتل سليماني. لماذا لا يتحرك القضاء لمواجهة هذه الفصائل المنفلتة وملاحقة قنواتهم الإعلامية التي تحرض على العنف؟"

وعلى نحو مماثل، قال الناشط العراقي محمد الحسني على "تويتر" في 19 يونيو 2022 إن "القيادي في مليشيا بدر قاسم الأعرجي (مستشار الأمن القومي حاليا) يلتقي قائد بعثة الناتو (حلف شمال الأطلسي)".

وأضاف الناشط أن "الفصائل الإرهابية شنت حملة تحريض ضد جهاز المخابرات العراقي في محاولة لإضعاف الجهاز بينما قيادات المليشيات تلتقي بالتحالف الدولي".

صراع للاستحواذ

لكن رئيس مركز "التفكير السياسي" في العراق، الأكاديمي إحسان الشمري، رأى أن الهجمة على جهاز المخابرات يعود سببها إلى الصراع الدائر على رئاسة هذه المفصل الأمني في البلد منذ عام 2019.

وقال الشمري خلال تغريدة على "تويتر" في 19 يونيو، إنه "منذ (عام 2019) كان هناك صراع لأجل الحصول على رئاسة جهاز المخابرات الوطني من القوى الماسكة للسلطة لذلك تتجدد الحملات ضده ويتحفز الصراع حوله".

وفي مارس/آذار 2021، أثارت القوى والمليشيات الموالية لإيران في العراق ضجة كبيرة، على خلفية إبعاد الحكومة العراقية نحو 300 ضابط ومنتسب، غالبيتهم من المكون الشيعي، عن جهاز المخابرات، متهمين دولة الإمارات بالوقوف وراء التلاعب بالمؤسسة الأمنية، والتحكم بمناصبها.

وفي تغريدة على "تويتر" أطلقها، قال زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، في 14 مارس 2021 إن "هناك تساؤلات مشروعة بناء على ما نقلته مصادر موثوقة من مجيء فريق أمني إماراتي ليدير جهاز المخابرات العراقي، هناك أسئلة تطرح نفسها، وهي هل وصل العراق إلى هذه الدرجة من الضعف حتى يستباح بهذه الطريقة؟"

وتساءل أيضا: "هل نقل 300 منتسب من جهاز المخابرات إلى الجمارك الحدودية له علاقة بمجيء هذا الفريق؟ أليس صحيحا أن الإمارات كلما دخلوا قرية أفسدوها مثلما فعلوا باليمن وليبيا؟ ما حجم المؤامرة التي تحاك ضد العراق؟ ما أسرع خطوات تنفيذها في الفترة الأخيرة، وما أجرأ منفذيها".

واستغرب الخزعلي من الصمت الرسمي، بالقول: "لا أعلم سبب السكوت أو التهاون إزاء هذا الموضوع!، وما يجرى ومنذ فترة أقل ما يقال عنه إنه خطير، ويهدد مستقبل الدولة".

وفي السياق ذاته، قالت النائبة العراقية، عالية نصيف، عن كتلة "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، خلال مقابلة تلفزيونية، في 14 مارس 2022، إن "أحد مستشاري الكاظمي (لم يذكر اسمه) يمثل إحدى أدوات طحنون بن زايد (مستشار الأمن القومي الإماراتي)، ويوميا يزور الإمارات ويعقد اجتماعات هناك لتنفيذ سياسات الأخيرة في العراق".

وأضافت أن "الإمارات تستبيح البلد، فهناك من يذهب ويأخذ الأوامر من طحنون، وأن شخصيات برلمانية وأعضاء في الحكومة إذا أرادت الحصول على منصب تذهب إلى طحنون وتأتي بالمنصب، وأن أبوظبي لديها أدوات من السنة والشيعة والكرد داخل العملية السياسية بالعراق".

وأشارت نصيف إلى أن أكثر ضباط المخابرات هم من الشيعة، وعندما جاء الكاظمي بدأ بإدخال السنة إليه، وكذلك الحال في جهاز الأمن الوطني، فبالتالي أعتقد أن إبعاد الضباط الـ300 كان لأنهم داعمون وقريبون من الحشد الشعبي".

لكن جهاز المخابرات العراقي، أصدر بيانا في 15 مارس 2021، أكد فيه أن "نقل مجموعة من منتسبيه إلى مؤسسة أخرى هو إجراء إداري اعتيادي".

وأعرب عن أسفه لاضطراره للرد والتوضيح "على مثل هذه الاتهامات الظالمة من بعض الفئات السياسية والإعلامية، المستندة إلى معلومات خاطئة تماما"، وأنه "يحتفظ بحقه القانوني في مقاضاة كل من يحاول النيل من كرامة منتسبيه".