"سلاح الجوع".. فلاحو إدلب ضحايا حملة الأرض المحروقة

12

طباعة

مشاركة

يتهم الفلاحون السوريون، حكومة نظام بشار الأسد بإشعال النار عن عمد في محاصيلهم الزراعية من أجل استعادة الأراضي التي تسيطر عليها قوى المعارضة السورية، ومن بين هؤلاء واصل نجم، وهو مزارع من خان شيخون، في جنوب إدلب، شاهد رزقه يتحول إلى رماد.

وقال واصل في سياق تقرير ترجمته مجلة "ألونكونتر" الفرنسية نقلا عن موقع "ميدل إيست أي": بعدما نضجت حقول القمح والشعير، أصبحت بحرا من النار، رؤية حقلك يحترق أمام عينيك كان أشبه بفيلم"، مشيرا إلى أن "الليل أصبح نهارا لأن الحريق كان في كل مكان".

وأشارت المجلة إلى أن منطقة خان شيخون تعد ريفا بشكل أساسي، حيث يعيش المزارعون مثل نجم وإخوته الخمسة الذين يتوارثون أرضهم منذ أجيال عدة.

وقال نجم، إن الطائرات الحربية السورية استهدفت حقوله بذخيرة الفسفور الأبيض، التي يحظر استخدامها في المناطق المدنية بموجب الاتفاقيات الدولية، مشيرا إلى أنه قاد جراره في أسرع وقت ممكن إلى حافة النار وبدأ في تطهير المنطقة النباتية، كان يأمل في إزالة الغطاء النباتي الذي كان يستخدم كوقود لانتشار الحريق، لكن لم يكن ذلك كافيا لمنع النيران من التهام المحصول.

وتابع: "فقدت حوالي أربعة فدادين من القمح وعشرة فدادين من الشعير في تلك الليلة، لكنني لم أفقد أي شخص في عائلتي، خسارتي لا تقارن بالآخرين".

"حرق جميع مظاهر الحياة"

ووفقا للمجلة، تشن هجمات على الحقول على غرار ما حدث مع نجم، وذلك في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة السورية استعادة السيطرة على محافظة إدلب، آخر معقل للمعارضة، فيما يمكن أن يكون المواجهة الأخيرة للحرب التي تشهدها البلاد والمستمرة منذ ثماني سنوات.

وعلى الرغم من أن محافظة إدلب شهدت هدوءا نسبيا في أعمال العنف نهاية عام 2018، إلا أنه في أعقاب اتفاق تم التوصل إليه بين تركيا وروسيا في مؤتمر سوتشي، استمرت الحكومة السورية وحليفتها روسيا في خرق الاتفاق.

وبينت "الونكونتر" أنه في تصعيد كبير، بدأ منذ أكثر من شهر، شنت سوريا وحليفتها الروسية غارات جوية متعددة في محاولة لاستعادة إدلب، التي أصبحت الآن تحت سيطرة جماعة "هيئة تحرير الشام"، الفرع السوري القديم لتنظيم القاعدة.

ومنذ أواخر أبريل/نيسان الماضي، قتل أكثر من 160 مدنيا، وفرّ أكثر من ربع مليون شخص إلى الحدود التركية، وفقا للأرقام التي ذكرتها الأمم المتحدة، وقد نفت كل من دمشق وموسكو مرارا استهداف المناطق المدنية وتزعم أنها تقوم بإجلاء المدنيين من المنطقة.

لكن نشطاء قالوا، إن الطائرات السورية والروسية قصفت الأراضي الزراعية في شمال غرب سوريا في عملية وصفها متطوعون يعرفون بالخوذ البيضاء بأنها محاولة لـ"حرق جميع مظاهر الحياة".

ونقلت المجلة عن محمود حموي، ناشط إعلامي في منطقة اللطامنة في شمال حماة، قوله: إن "القصف في مدينتي يحدث 24 ساعة في اليوم، من المحزن حقا أن نرى الفلاحين يحاولون إطفاء الحرائق".

ونوهت "ألونكونتر" إلى أنه في البداية، اعتقد حموي أن الحقول المحترقة في الحي الذي يعيش فيه قد اشتعلت ببساطة بسبب تبادل إطلاق النار، ولكن مع وصول الحرائق إلى حقول أخرى، بدأ الحموي يشك في أن الحقول نفسها كانت أهدافا، موضحا "النظام يعتقد: أنه يجب استهدافها لأنها تحمي الإرهابيين".

المدنيون يأكلون العشب

وفقا لمحللين نقلت عنهم المجلة، فإن تدمير الأراضي الزراعية ليس سوى أحدث محاولات يقوم بها رئيس النظام بشار الأسد لتجويع شعبه وإخضاعه، وتقول الصحفية المستقلة إيما بيلز: "تم استخدام هذا التكتيك خلال الحملات العسكرية الكبرى طوال النزاع، بدءا من بلدة داريا وما تبعها، لمحاولة كسر إرادة المحاصرين"، مشيرة إلى ضاحية دمشق، التي كان معظمها تحت سيطرة مقاتلي المعارضة.

ولفتت المجلة إلى أن النظام منع وصول الغذاء والضروريات الأساسية إلى المناطق التي يسيطر عليها المعارضون طوال فترة الحرب، وتم نشر شهادات مأساوية عن المدنيين الذين يتناولون العشب وأوراق النبات للبقاء على قيد الحياة في حمص، والغوطة الشرقية وغيرها من المناطق المحاصرة.

وأضافت بدرجة أقل، سعت الجماعات المتشددة، بما في ذلك تنظيم "داعش"، لمنع وصول السكان المحليين إلى الغذاء، ففي الشهر الماضي، تبنت داعش سلسلة من حرائق المحاصيل في ريف الرقة، العاصمة السابقة للجماعة في شمال شرق سوريا، والتي يسيطر عليها الآن "قوات سوريا الديمقراطية"، وفي مجلته الأسبوعية على الإنترنت، قال تنظيم الدولة، إنه عاقب أولئك "الذين دعموا أعداء الله".

وتقول إيما بيلز، التي ركزت عملها على الأمن الغذائي في سوريا، إن الحكومة السورية استخدمت الجوع كسلاح أكثر من أي جماعة أخرى، وفي إدلب، قامت بحرائق المحاصيل وقصف البنية التحتية الحيوية مثل المستشفيات والمدارس لإلحاق أكبر قدر ممكن من الخراب.

وبينت في حديثها للمجلة، أن هذه المجموعة من العوامل تجبر الناس على الفرار وتحد من الموارد الشحيحة التي بالفعل لديهم، مما يزيد من احتمال مهاجمتهم لجماعات المعارضة المسلحة التي تسيطر على مناطقهم وتجبرهم على الاستسلام.

المدخرات آخذة في التناقص

وتقول "ألونكونتر"، إن تقع سوريا في قلب الهلال الخصيب، وكانت ذات يوم مكتفية ذاتيا من القمح، ومع ذلك، في ظل سنوات القتال جنبا إلى جنب مع الجفاف الشديد أصيب الإنتاج بالشلل، ففي عام 2018، أعلنت الأمم المتحدة أن إنتاج القمح السوري قد انخفض إلى أدنى مستوى له منذ 30 عاما تقريبا.

ولكن في إدلب، كان المزارعون متفائلين لأن محصول هذا العام بدا جيدا، فقبل بضعة أسابيع فقط، كان أبو نضال يستعد لجني القمح والشعير الذي كان يزرعه في حقله ببلدة الهبيط، لكن سبقته الضربات الجوية، بحسب المجلة.

وذكرت، أنه بعد الفرار مع أسرته إلى مكان آمن نسبيا بالقرب من الحدود التركية، تلقى أبو نضال مكالمة هاتفية من ابن عمه مصطفى، الذي بقي هناك لمراقبة أرضهم، ويقول أبو نضال: "كان يحاول أن يخفي عني أن محاصيلنا قد احترقت بالكامل خوفا من تعرضي لأزمة قلبية، لكنه أخبرني أخيرا، وقلت له الحمد لله حافظ على سلامتك".

وأشارت المجلة إلى أنه، بعد أكثر من أسبوع بقليل، قُتل مصطفى في غارات جوية بالقرب من حقولهم، ويبحث أبو نضال حاليا عن عمل في بلدة سرمدا الحدودية، حيث وجدت أسرته مأوى في مبنى مهجور.

وختمت "ألونكونتر" تقريرها بالقول، إن أبو نضال، طلب من جيرانه الاعتناء بمحاصيل البصل والثوم التي نجت من الحرائق حتى الآن، ومع تضاؤل مدخراته، فكر أبو نضال في الأمر الأكثر خطورة: نفاد الأموال لإطعام أسرته أو العودة إلى مدينته التي مزقتها الحرب لرعاية محاصيله، "لا يمكنك أن تتخيل كم أنا يائس، فلا يوجد حل في الأفق"، كما يقول.