باحث فرنسي: قمة مكة لن تنهي الأزمة بين قطر ودول الحصار

12

طباعة

مشاركة

بعد عامين من الحصار المفروض على الدوحة، أدان الدكتور في العلوم السياسية والباحث بجامعة بروكسل، سيباستيان بوسوا -في حوار له مع مجلة "لوبوان" الفرنسية- إعادة التوزيع الاستبدادي للمنطقة من قبل الرياض وأبو ظبي. وقال إن الحصار المستمر لم يركِّع قطر، بل على العكس من ذلك، وهذا الاستنتاج كشفته مذكرة إعلامية صادرة عن صندوق النقد الدولي، بحسب الباحث، بعد 24 شهرًا من الحصار البري والجوي والبحري والتجاري الذي قادته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر.

ووفقا لدراسة صندوق النقد الدولي، بطلب من الدوحة، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي في قطر لعام 2018 وصل إلى 2.2 في المئة من 1.6 في المئة في العام السابق، ويأتي هذا المنشور بينما أظهرت دول الخليج مرة أخرى انقساماتها، فخلال الأسبوع الماضي حيث كانت ضيفا على السعودية خلال ثلاث قمم في مكة المكرمة للتنديد بـ"الأعمال الإجرامية" الإيرانية، رفضت قطر ما تم التوصل إليه خلال هذه الاجتماعات. وتتهم الرياض وأبو ظبي (إمارة الغاز الصغيرة)، بحسب وصف الدكتور في العلوم السياسية، على مدار عامين بأنها قريبة جدًا من جمهورية إيران الإسلامية ودعم تنظيم الإخوان المسلمين، وهو ما تنفيه الدوحة.

وفي حواره مع المجلة شرح بوسوا، المتخصص في الشرق الأوسط، السبب في أن الحصار الذي تفرضه السعودية والإمارات، هو مجرد مثال على إعادة تقسيم أكبر بكثير للمنطقة.

وفي بداية الحوار طرحت المجلة سؤالا جاء فيه: هل بعد تقرير صندوق النقد الدولي الذي يسلط الضوء على مقاومة الاقتصاد القطري عقب عامين من الحصار، يشير إلى أن حظر قطر فشل على المستوى الاقتصادي؟ حيث أجاب بوسوا بالقول: من الواضح أن قطر لم تعان كثيراً من الحصار الذي تفرضه السعودية والإمارات وقطع العلاقات مع هذين البلدين الجارين.

وأضاف أنه منذ التسعينيات، حاولت قطر، على غرار الإمارات، التغلب على اعتمادها على الهيدروكربونات، على عكس السعودية أو حتى الجزائر، ففي الدوحة، تهدف "الرؤية القطرية" التي وضعها الأمير السابق، حمد آل ثاني، في عام 1995، إلى موازنة الثقل الهائل للواردات إلى الإمارة من خلال زيادة الصادرات من خلال تنويع الاقتصاد، وقد تحقق ذلك بفضل سياسة الاستثمار الشاملة.

وتابعت "لوبوان" على لسان بوسوا: "هكذا وفي ذروة الحصار الذي تفرضه السعودية والإمارات منذ عام 2017، قررت قطر، تخفيف الصدمة، من خلال أن تستثمر في اقتصادها 10٪ من صندوقها السيادي، أو 10 مليارات دولار، ثم لمواجهة آثار المقاطعة، عززت الدوحة التبادلات الاقتصادية مع تركيا وإيران، وكذلك مع الدول الغربية مثل أستراليا، وقد سمحت لها هذه القرارات بالإعلان عن مغادرتها منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في ديسمبر الماضي، وتأسيس بنك للطاقة في مارس/ آذار، في توقع لسقوط أو حتى نهاية الموارد الهيدروكربونية".

وحدها ضد الجميع

وعن تفسير قوة هذه الإمارة الصغيرة، رأى بوسوا أن الطريقة التي قاتل بها القطريون في عام 2017 ضد هذا الحصار تدل على أن هذا البلد له خصوصية، وفي ظل منطق البقاء، "وحدي ضد الجميع"، يحاولون بكل الوسائل أن يكونوا مستقلين عن أي قوة أخرى، وهذه هي الطريقة التي انتزعوا بها استقلالهم عن بريطانيا.

وعندما سئل الباحث هل اقتربت قطر بالفعل من محور يتألف من تركيا وإيران وحتى روسيا، على حساب التحالف بين واشنطن والرياض وأبو ظبي؟ شدد على أن أزمة الحصار أتاحت لقطر قياس قوة تحالفاتها، والعلاقة مع إيران اقتصادية في المقام الأول، لأنه عندما تتشارك في أكبر حقل للغاز في العالم مع دولة، ففكرة إغضابه ليست جيدة.

وأردف أما بالنسبة لتركيا، فترتبط قطر تاريخيا مع هذا البلد بفضل قربها من جماعة الإخوان المسلمين. أما فيما يتعلق بروسيا، أظهر القطريون منذ عام 2017 رغبة في تعزيز تعاونهم الأمني والعسكري مع موسكو، دون السعي إلى الدخول في مشاجرات مع الولايات المتحدة ودونالد ترامب، فإستراتيجيتهم هي أن يكونوا على علاقة طيبة مع الجميع، وقد حققوا نتائج جيدة في هذا الصدد.

القوى الغربية متحالفة مع الجانبين، بحسب دكتور العلوم السياسية، وبالتالي لا يمكن اعتبار قطر عدواً للولايات المتحدة منذ اللحظة التي استضافت فيها أكبر قاعدة خارجية للولايات المتحدة في العالم، وخلاف ذلك، سيكون على دونالد ترامب إعادة 10 آلاف جندي أمريكي في الحال.

أما فرنسا، أضاف بوسوا، فهي تحافظ على العلاقات مع الجانبين، شاركت باريس في فبراير/ شباط في معرض التسلح العملاق "إيدكس" في أبو ظبي، وافتتحت في مارس/ آذار من خلال المهندس جان نوفيل، متحف قطر الوطني في الدوحة.

لا يعتقد الدكتور في العلوم السياسية، بحسب المجلة، بأن حضور رئيس الوزراء القطري للقمة سيجعل الأزمة تهدأ بعد عامين من بدأها، والدليل على ذلك هو أن بيانات قمة مكة شجبتها قطر، مما يدل على أن هذه القمة الثلاثية كانت لها في الواقع أهداف أخرى. وفي المقام الأول أرادت السعودية والإمارات محاولة استعادة صورتهما بعد شهور، إن لم يكن سنوات، من السياسة الداخلية والخارجية الكارثية على صورتهما.

وتابع موضحا: "يقف السعوديون والإماراتيون وراء الحرب في اليمن، التي أودت بحياة أكثر من 100 ألف شخص، بمن فيهم العديد من الأطفال، وأحدثت كارثة إنسانية ضخمة، في ليبيا. إذ يدعم كلا البلدان حرب المشير خليفة حفتر الخطرة  التي خلفت مئات القتلى على الأقل، ويجب أن لا ننسى اغتيال الصحافي السعودي المنشق جمال خاشقجي في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018 في القنصلية السعودية باسطنبول، واتهام ولي العهد محمد بن سلمان".

محور واشنطن وأبو ظبي والرياض وتل أبيب

وفي تطرقه لقمم مكة التي كرست للتهديد الذي تشكله إيران على المنطقة، قال بوسوا، إن إحدى الطرق التي يمكن أن تتقارب بها دول الخليج هي الوقوف ضد عدو مشترك وهو إيران، وفي هذه القمة، قاس السعوديون والإماراتيون الدعم الذي تلقوه في نضالهم ضد إيران، في حال اندلاع الحرب ضدها.

وتابع: "كان الغرض من هذا الاجتماع هو تعزيز التحالف الذي يتجاوز الواقع العالم العربي، وهو محور واشنطن-أبو ظبي-الرياض-تل أبيب، وبرأيي، هذا المحور اليوم أخطر بكثير من التهديد البسيط لإيران، فشيئًا فشيئًا، يخنق هذا التحالف كل التطلعات الديمقراطية للشرق الأوسط ويهدد استقراره، والأمر الأكثر خطورة هو أنه هش وغير طبيعي ولا يوجد إلا ضد التهديد الإيراني".

وتساءل بونسوا: "إلى متى ستقبل الدول العربية الأخرى بأن الرياض وتل أبيب سيكونون أفضل حلفاء في العالم؟"، قبل أن يستطرد مشددا على أنهم أفضل أصدقاء في العالم لأسباب إستراتيجية وأمنية وعسكرية في مجال الطاقة.

ويأتي التهديد الرئيسي بالنسبة لإسرائيل من "حزب الله"، بحسب المحاوَر، وهي حركة مرتبطة بإيران،بالنسبة للسعودية، هذا هو "التهديد النووي الشيعي"، وهذا التهديد يجمع الدول التي لم يكن مقدرا لها أن تصبح قريبة جدا: الحليفين الرئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة يتشاركان في ديناميكية قوية للغاية وتآزر من أجل جعل إيران العدو رقم واحد، لكن الإيرانيون يطمحون فقط إلى عملية دمقرطة، لن يكون نظام الملالي أبديًا، ولن يتحقق الاستقرار عن طريق استهدافهم.

وفيما يخص تدخلات إيران في المنطقة، أوضح الباحث: "صحيح أن النظام الإيراني يمكن أن ينظر إليه على أنه يدعم الجماعات الإرهابية، ولكن ليس لدرجة نسيان أن التدخلات الأولى في الشرق الأوسط تأتي من الإمارات والسعودية، هذه البلدان موجودة في الجزائر لدعم قائد أركان الجيش قايد صالح، وفي تونس إلى جانب الرئيس باجي قائد السبسي، وفي ليبيا لمساعدة المشير خليفة حفتر، وفي مصر خلف رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، وبالسودان عن طريق تمويل الجيش الذي لا يزال في السلطة. ومن الواضح، أن "هذا ليس الوضع نفسه بالنسبة لإيران، وبرأيي هذه السياسات الإقليمية الانتحارية بالكامل ودعم دونالد ترامب غير المشروط لها خطير للغاية"، بحسب بوسوا.

وعندما سئل دكتور العلوم السياسية عن دعم قطر للإخوان المسلمين في جميع البلدان ذاتها،  أجاب: لقد استمر هذا الدعم حتى انهيار الربيع العربي، إلا في بعض البلدان التي تدور فيها حروب بالوكالة مع الإمارات والسعودية، فمنذ عام 2011 خلال الربيع العربي، دعمت قطر دائمًا حركات المعارضة الأكثر حضوراً على المستوى المحلي.

في الواقع، ظل البديل الحقيقي الوحيد في هذه البلدان هو جماعة الإخوان المسلمين، ولكن أين الإخوان المسلمون اليوم؟ لا يزال الرئيس المصري محمد مرسي في السجن وتم حظر الجماعة، وعلى ذلك، قامت قطر بتعديلات، ولكن القوى ضد الطبيعية في المنطقة تأتي أكثر من قبل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، الذي يقدم نفسه كالمنقذ العظيم للمنطقة عندما يريد تثبيت أو حماية القوى الاستبدادية، فأين الحصة التي تتحملها قطر من المسؤولية في الحروب التي تعصف بالمنطقة؟

تخنق أبو ظبي أي أمل ديمقراطي

بيّن بوسوا أن "هدف قطر بسوريا، كان دعم الجماعات المسلحة ضد سلطة استبدادية تتعارض مع مصالحها، لكنهم لم يراهنوا على الحصان الصائب، فالجميع اليوم ينتهج إستراتيجية لتطبيع علاقاته مع بشار الأسد".

وشبّه ميزان القوى بين السعودية والإمارات العربية المتحدة، من ناحية، وقطر من ناحية أخرى، كوجود فيل يواجه فأرا، لكن الفأر هو الذي نشير إليه باستمرار، ومع ذلك، فمنذ إضعاف قطر، تميل جميع النماذج في المنطقة لصالح السعودية والإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة، وقد ساهمت في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.

في عام 2017، لم تكن إيران في المقعد الساخن مثل اليوم، اليمن لم يكن في نفس الوضع؛ بشار الأسد لم يكسب الحرب بعد، ولم يصف الغرب محمد بن سلمان بأنه صدام حسين المستقبل، ولم يكن لدى السعودية القدرة على التصرف والإفلات من العقاب، بحسب الباحث.

وفي رده على سؤال حول تطرقه للدور المحوري لولي العهد الإماراتي أكثر من نظيره السعودي، قال بوسوا: "يوجد في الواقع رجلان قويان في المنطقة: محمد بن زايد ووزير خارجية الإمارات أنور قرقاش، إنهم يعتزمون إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفقا لمصالحهم الخاصة".

وتابع بوسوا: "وللقيام بذلك، يقاتلون أي شكل من أشكال العملية الديمقراطية؛ لأن الديمقراطية ليست بالنسبة لهم مرادفة للاستقرار، فمن خلال سياستها، تخنق أبوظبي أي رغبة ديمقراطية، في تونس، على سبيل المثال، أصبح الوضع الآن كارثيًا".

وفي نهاية الحوار شدّد بوسوا على أن الأزمة مع قطر ستستمر طالما أن المحور ينجح في جعل العالم يعتقد أن مصالح قطر تتماشى مع مصالح إيران.