عبدالكريم الأنصاري.. ضابط عراقي عاش خادما لإيران ومات في حادث غامض

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"قاتل مع إيران ضد الجيش العراقي، ثم شارك في برلمان الاحتلال الأميركي"، هكذا مرت حياة القيادي الشيعي عبدالكريم الأنصاري نائب زعيم مليشيا "بدر" الشهيرة بمعتركات عديدة، قبل أن تنتهي في حادث سير "غامض" جنوبي البلاد.

ووفق مليشيا "بدر" الموالية لإيران وقع الحادث في 6 مايو/ أيار 2022، بمحافظة ميسان، وأسفر عن وفاة الأنصاري أثناء "تأدية الواجب" مع اثنين من مرافقيه أصيبا بجروح بالغة، دون تفاصيل عن الملابسات.

وتعرف "بدر" نفسها، بمنظمة وحزب سياسي عراقي تأسست عام 1982 بإشراف المرجع الشيعي محمد باقر الحكيم، وكانت الجناح العسكري الأكثر تنظيما للمعارضة الشيعية إبان حقبة الرئيس السابق صدام حسين واتخذت من إيران مقرا لها.

قصة صعوده

ولد عبد الكريم يونس عيلان واسمه الحركي "أبو مريم الأنصاري"، في محافظة البصرة جنوبي العراق سنة 1959، وهو ضابط حاصل على ماجستير بالعلوم العسكرية.

وانتمى الأنصاري إلى منظمة بدر منذ تأسيسها، وانتقل للإقامة في إيران منذ عام 1980 وحتى الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003.

وفي عام 2007، عين نائبا لزعيم مليشيا بدر "هادي العامري"، وشغل منصب وزير البلديات والأشغال في حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للفترة من 8 سبتمبر/أيلول 2014 إلى 16 أغسطس/ آب 2015، إذ قرر الأخير إلغاء الوزارة ضمن مرسوم ديواني يقضي بإلغاء أربع وزارات ودمج ثمان أخرى مع بعضها.

وترشح الأنصاري إلى منصب وزير الداخلية عام 2016، بعد استقالة الوزير والقيادي في مليشيا بدر محمد الغبان من منصبه عل خلفية انفجار ضخم استهدف منطقة الكرادة وسط بغداد وأدى الى مقتل أكثر من 200 شخص.

وقبلها شغل عضوية البرلمان العراقي في دورته الثالثة بين عامي 2014-2018، قبل أن يشغل منصب وزير في الحكومة، ثم عودته للبرلمان بعد إلغاء الوزارة عام 2015.

وكذلك شغل عضوية البرلمان في الدورة الرابعة منذ 8 يونيو/ حزيران 2020 حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بديلا عن النائب هادي العامري الذي قدم استقالته، علما أنه كان مرشحا أصلا عن تحالف "الفتح" في انتخابات عام 2018، لكنه لم يفز فيها.

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في 6 مايو/ أيار 2022، مقطع فيديو يظهر السيارة التي كان يستقلها الأنصاري، والدمار الذي لحق بها نتيجة انقلابها على طريق دولي في محافظة ميسان.

رجل إيران

عبد الكريم الأنصاري شارك في الحرب الإيرانية العراقية (1980- 1988) ، وقاتل في صفوف الإيرانيين ضد الجيش العراقي إلى أن وقع بالأسر.

ترك العمل في بدر بشكل غير رسمي، وذهب للإقامة في طهران وتزوج هناك، وعمل سائقا عند خال زوجته، وبعد عام 1991 عاد إلى منظمة بدر بأمر من الحرس الثوري لأنه ضابط سابق، حسبما يقول القيادي السابق في "بدر" عبد الرزاق الحيالي خلال مقطع على "يوتيوب" في 2021.

ووفق الحيالي، فإن الأنصاري جرى تجنيده لدى الإطلاقات الإيرانية (الاستخبارات الإيرانية) وعمل في هيئة "الأركان الإسلامية" لمنظمة بدر بمنطقة تجريش في إيران، وكانت مهمته تقديم التقارير عن "بدر" إلى الحرس الثوري والإطلاعات، لأن إيران كانت دائما تعمل على تسليط أحدهم على الآخر داخل المنظمة حتى تبقى مسيطرة على هذه القوات التابعة لها.

ولفت إلى أن الأنصاري أصبح بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، معاونا لهادي العامري في قيادة منظمة بدر، فكون خطا منفردا عن الأخير داخل المنظمة، رغم أن الاثنين مدعومان من إيران، لذلك لم يستطع أحدهما أن يقيل الآخر.

وبحسب حديث الحيالي، فإن الأنصاري كان أيضا ممن يتهمون بالفساد المالي بالعراق، فهو "لديه بكل فرع من فروع المنظمة بالمحافظات العراقية لجنة اقتصادية مهمتها متابعة فرص الاستثمار والمناقصات والمشاريع المطروحة بكل محافظة للاستيلاء عليها سواء محطات وقود أو قطع أراضي مميزة".

ونوه إلى أن "الأنصاري تزوج من امرأة ثانية كانت والدتها مسؤولة في حزب البعث بعهد صدام حسين بمدينة كربلاء، وجعل من شقيق زوجته الحاكم الفعلي لمنظمة بدر في كربلاء واسمه علي كشمر".

وعلق النائب العراقي السابق فائق الشيخ علي، على وفاة الأنصاري في 6 مايو 2022، بالقول: "(كلُّ مَنْ عليها فانٍ ويبقى وجهُ ربِّك ذو الجلال والإكرام) الموت حق، اللهم لا شماتة في الموت، لأننا كلنا سنموت، ولكن هناك فرق كبير بين أن يخلدك التاريخ كإنسان خدمت شعبك وبلدك ولم تقتل ولم تسرق، وبين أن يذكرك كقاتل محترف ولص زنيم وعميل وخائن تشتغل لمصلحة إيران وتأتمر بأوامرها!".

بديل العامري

وأفادت تقارير صحفية عراقية في 6 مايو 2022، بأن عبد الكريم الأنصاري أسهم في تأسيس تشكيلات عسكرية عدة في إيران وتطورت لاحقا إلى تأسيس "فيلق بدر" الذي بات يعرف حاليا منظمة بدر. 

اختير الأنصاري من قبل محمد باقر الحكيم للعمل في المكتب الخاص الذي كان يشرف على تشكيل بدر، ثم اتجه إلى السياسة عام 2003 وكان ضمن الطاقم الذي تولى إعداد مسودة الدستور العراقي الجديد الذي أقر في استفتاء عام 2005.   

ويقول عبد الرزاق الحالي، إن الأنصاري كانت علاقته قوية مع عائلة آل الحكيم التي ترأست المجلس الأعلى الإسلامي العراقي في إيران، وكانت بدر جناحه العسكري، لذلك عندما انشق هادي العامري بمنظمة بدر عن "المجلس" عام 2012، بقي الأنصاري الشخصية النافذة في بدر وتتبع عائلة الحكيم.

وأوضح الحيالي أن "الأنصاري كان يتقصد الخراب داخل منظمة بدر انتقاما لآل الحكيم الذين عزلهم المرشد الإيراني علي خامنئي وهادي العامري عن منظمة بدر".

وعلى حد قوله، "كان هناك تناحر بين هادي العامري وعبد الكريم الأنصاري، وذلك أوصل منظمة بدر إلى الحضيض، فلكل منهما خط له في داخل المنظمة ولهما أتباع يطيعونهما".

وشارك الأنصاري كونه أحد قادة مليشيا بدر التي انضوت ضمن تشكيلات الحشد الشعبي، في الحرب ضد تنظيم الدولة عام 2014 وحتى 2017، وشكل فوجا لحماية العاصمة بغداد. 

ونعى العامري وفاة الأنصاري خلال بيان له في 6 مايو، بالقول: "فقدنا اليوم قامة من قامات الجهاد والعطاء صاحب التأريخ المشرف والسيرة الطيبة معاون الأمين العام لمنظمة بدر الحاج عبد الكريم الأنصاري في حادث سير مؤسف أثناء تأديته الواجب".

وأضاف العامري أنه "بهذا المصاب الجلل أعزي أسرة الفقيد الكبير وأعزي إخواننا في منظمة بدر وأعزي الشعب العراقي الذي نذر لأجله الفقيد العزيز عمره الشريف".

وتابع: "بيوم رحيله المفجع نتذكر كل المواقف المشهودة للحاج أبو مريم من أيام الجهاد ضد الطاغية إلى أيام العمل السياسي الدؤوب في الحكومة والبرلمان إلى أيام مواجهة الإرهاب، إلى سعيه الجاد في خدمة إخوانه في بدر وخدمة شعبه من خلال المناصب التي شغلها، كان أخا مخلصا، وظهيرا شجاعا، ورفيق درب عز نظيره".

كما عزت الرئاسات الثلاث بوفاة الأنصاري، وفق وكالة الأنباء العراقية الرسمية التي ذكرت أنه لم تعرف أي تفاصيل حول حيثيات وقوع حادث السير والأسباب التي أدت إليه.