تتزعمه لوبان.. لماذا تساند أبوظبي اليمين المتطرف المعادي للإسلام في فرنسا؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع صعود زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع عقدها في 24 أبريل/نيسان 2022، لمنافسة الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، أعيد الحديث عن علاقتها بدولة الإمارات، والدعم الذي تلقته منها في السابق.

وتصدر إيمانويل ماكرون نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت في 10 أبريل بحصوله على 27.06 بالمئة من الأصوات، متقدما على مارين لوبان (23.04 بالمئة) التي سيواجهها في الدورة الثانية.

إنقاذ لوبان

تقارير عديدة كشفت خلال السنوات السابقة عن حجم الدعم الذي تلقاه اليمين المتطرف من دولة الإمارات العربية المتحدة في عموم أوروبا، ولا سيما في فرنسا ممثلة في "حزب التجمع الوطني اليميني" بقيادة المرشحة الرئاسية مارين لوبان.

وفي 13 يناير/كانون الثاني 2021 كشف موقع "ميديا بارت" الفرنسي، عن فتح تحقيق واسع في ظروف وشروط حصول حزب لوبان، على دعم إماراتي بقيمة 8 ملايين يورو عام 2017.

وقال الموقع في تحقيق له، إن القرض الذي منحته الإمارات لحزب التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقا) "أنقذه بعد انتخابات العام 2017، حيث كان يمر بصعوبات مالية كبيرة".

وأوضح أن جزءا من التحقيق ينظر في "العمولة المدفوعة" على هامش حصول الحزب على هذا القرض، مشيرا أن الطرف الثالث في التعاقد كان العضو السابق بالبرلمان الأوروبي، رجل الأعمال الفرنسي لوران فوشير.

وفوشير لديه مجموعة مصالح تجارية في إفريقيا والمقرب من كلود جيان، اليد اليمنى السابقة للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي.

وحسب "ميديا بارت"، جرى توقيع عقد التمويل الإماراتي بمدينة "بانغي" عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى في يونيو/حزيران 2017، بينما كان فوشير ممثلا لبنك إماراتي.

وكشف الموقع الفرنسي لأول مرة عن قضية التمويل الإماراتي لحزب مارين لوبان، في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

وحسب موقع "ميديا بارت" الفرنسي، ثبت أن المبلغ جرى تحويله من طرف شركة التمويل الإماراتية "نور كابيتال" بإشراف أحد مسؤوليها.

وتعرف "نور كابيتال" نفسها على موقعها الإلكتروني بأنها "شركة مساهمة خاصة تعمل في مجال الاستثمارات المالية، مرخصة من قبل مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي".

ومع التمويل السابق الذي حصلت عليه لوبان من الجانب الإماراتي في منافستها ضد ماكرون خلال انتخابات الرئاسة الفرنسية عام 2017، لا يستبعد مراقبون استمرار التمويل الإماراتي لزعيمة حزب اليمين المتطرف في الانتخابات الحالية، كون العلاقة ليست بالجديدة بين الطرفين.

علاقة سابقة

وفي يوليو/ تموز 2017، كشف كتاب حمل عنوان "مارين على علم بكل شيء"، أن الإمارات قدمت تمويلا لزعيمة لمارين لوبان، التي خسرت الانتخابات الرئاسية عام 2017 أمام "إيمانويل ماكرون".

وبموجب الصفقة بين أبوظبي و"لوبان" تحصل الأخيرة على المال مقابل شنها حملة على السعودية وقطر.

وجاء ضمن سطور الكتاب: "الخزينة إحدى المشاكل التي واجهت الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة لتمويل الحملة الانتخابية لزعيمتها مارين لوبان".

وتابع الكتاب: "ليس سرا أنها لجأت إلى البنوك الفرنسية فرفضت تمويلها.. مشكلة الموارد المالية جعلت حزب لوبان يبحث عن دعم بنوك روسية، لكن يبدو أن تلك المؤسسات شحّت، فكان على فريق مارين لوبان البحث عن بديل، وهذا البديل هو أبوظبي".

ولتسليط الضوء على محتويات كتاب "مارين على علم بكل شيء"، التقت قناة الجزيرة القطرية في 2017 بمارين توركي، الصحفية المهتمة برصد نشاط اليمين المتطرف في فرنسا منذ 2008، والتي اشتركت مع ماتياس ديستيل، المتخصص في الصحافة الاستقصائية، في إعداد الكتاب.

وقالت متوركي: "في يوليو 2014 استقبلت مارين لوبان مسؤولا في الاستخبارات الإماراتية في بيت العائلة، والموضوع الذي طُرح هو مكافحة التطرف الإسلامي، وشن حملة على قطر والسعودية والإخوان المسلمين".

وأردفت أن "ما جرى يظهر اهتماما جيوسياسيا للإمارات وهو لو أن لوبان وصلت إلى السلطة فإنها ستتحالف مع أبوظبي لمحاربة الشقيقة العدو قطر".

وردا على سؤال بخصوص ما قاله الجانب الإماراتي لـ"لوبان"؟ أجابت "متوركي": إن "شخصا كان حاضرا في ذلك اللقاء، قال: نستطيع مساعدتكم.. وطبعا نتصور أن الإمارات ليس لديها ما تقدمه سوى المساعدة المالية".

وكشف الكتاب أيضا أنه بعد عام من هذا اللقاء سافرت لوبان، المعروفة بعدائها للإسلام والمسلمين، إلى القاهرة، وأجرت لقاءات مع مسؤولين مصريين بينهم رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.

وعلقت متوركي على ذلك، بالقول: "ذهبت لوبان إلى مصر بمساعدات كثيرة من الإمارات، ونحن نكشف في الكتاب أن سفرها موّلته وكالة إماراتية للاتصال".

وأردف: "كل لقاءاتها جرت بمساعدة من الإمارات بحسب معلوماتنا.. نحن نعرف أن القاهرة لا تستطيع أن ترفض طلبا لأبوظبي، فهي حليفتها والمستثمر الأجنبي الرئيس".

وخرج فلوريان فيليبوت نائب رئيس حزب "لوبان" والرجل الثاني فيه للتعليق على ما ورد في الكتاب، ليصرح لقناة فرنسية، قائلا: "تمويل الإمارات وسفر لوبان لمصر ليس مشكلة".

دعم اليمين

وفي يناير 2021، أكدت وثائق لوزارة العدل الأميركية التابعة لقانون "فارا" إقامة الإمارات علاقات تحالف تعزز منذ عقود مع اليمين الأميركي المتطرف.

وتظهر الوثائق تحالف الإمارات مع اليمين الأميركي المتشدد والمعادي للإسلام ومع الجماعات المناصرة لـ"إسرائيل".

وتكشف عن تفرعات اللوبي وتحركاته، وعن تحالفات الإمارات مع أطراف مختلفة مثل اليمين الأميركي المتشدد والمعادي للإسلام، ومع الجماعات المناصرة لـ"إسرائيل".

وبحسب الوثائق، منذ عام 2011 بلغت مدفوعات اللوبي الإماراتي "المعلن عنها" في واشنطن 132 مليون و716 ألف دولار أميركي، دفعتها أبوظبي مقابل خدمات ضغط سياسي، أو حملات علاقات عامة لتحقيق مصالحها في واشنطن.

لم يكن هناك لوبي إماراتي حقيقي قبل تعيين يوسف العتيبة سفيرا للإمارات في الولايات المتحدة (شقيق سفيرة أبو ظبي الحالية في باريس هند العتيبة).

جاء التعيين في يوليو 2008، وقبله كانت معظم عقود الإمارات في أميركا عن طريق إمارة دبي ومؤسساتها المالية والسياحية، إما لإنجاز صفقات استثمارية أو لخدمات ترويجية للسياحة في دبي.

ووظّف العتيبة العديد من الشركات الكبرى في مجال اللوبيات منذ وصوله، بعضها يعمل حتى اليوم لصالح أبوظبي، بحسب الوثائق.

وفي 19 ديسمبر/كانون الأول 2020، قال "المجهر الأوروبي"، إن التمويل الإماراتي لجماعات الضغط في أوروبا، للتأثير على السياسات وتبييض سمعة أبوظبي، يتزايد بشكل متواصل.

وكشف تقرير "المجهر"، وهو مؤسسة تُعنى برصد تفاعلات قضايا الشرق الأوسط، أن الإمارات واحدة من كبرى الدول إنفاقا على اللوبيات من أجل كسب النفوذ.

وأزاح التقرير الغطاء عن خبراء تمولهم أبوظبي لهذا الغرض، منهم رؤساء وزراء أوروبيون، وأمين عام سابق لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، وشركات استشارية متخصصة.

ولفت إلى أن جهود جماعات الضغط تهدف إلى الترويج للاستقرار الاستبدادي بالإمارات، ودورها في حروب اليمن وليبيا، ودعمها لنظام عبد الفتاح السيسي "الوحشي" الذي ينال رضى المحافظين، واليمين المتطرف، وكارهي الإسلام في أوروبا.

وأورد تقرير "المجهر الأوروبي" أسماء جماعات ضغط تخدم أهداف الإمارات في أوروبا مثل مؤسسة "بوسولا" البحثية، و"إس سي إل سوشال" المثيرة للجدل، وهي شركة شقيقة لمؤسسة "كامبريدج أناليتيكا"، بهدف مهاجمة دولة قطر على وسائل التواصل الاجتماعي والتقليدي.

وذكر التقرير بأن الإمارات احتلت المرتبة الـ145 على مؤشر الديمقراطية، عام 2019. وقد اتخذت موقفا مغايرا من إساءات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة للإسلام، إذ وقفت إلى جانب باريس في مواجهة غضبة إسلامية شعبية واسعة.

وسبق أن كشفت رسائل جرى تسريبها من بريد السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، اعتماد أبوظبي على الرِّشا بمختلف أنواعها لتحقيق اختراقات بأروقة صناعة القرار بالغرب، لا سيما في الولايات المتحدة.