دعم واشنطن بعثة "يونيتامس" أمام البرهان.. ينهي أزمة السودان أم يطيل أمدها؟

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

دخلت واشنطن بقوة على خط الأزمة المتصاعدة في الخرطوم، عندما أعلنت بوضوح دعمها بعثة الأمم المتحدة في السودان "يونيتامس" في خلافها مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان. 

وفي 6 أبريل/ نيسان 2022، عدت وزارة الخارجية الأميركية، أن "العملية السياسية التي تيسرها بعثة الأمم المتحدة تقدم أفضل فرصة لاستعادة المسار الديمقراطي في البلاد".

وسبق أن دعمت الولايات المتحدة، رئيس الوزراء (المستقيل) عبدالله حمدوك، خلال السنوات الماضية في خلافاته مع شركاء المرحلة الانتقالية من العسكريين، حتى أنها حاولت تحصينه في غير مرة، وهددت معارضيه بحظر دخول أراضيها. 

وتمتلك واشنطن تاريخا عدائيا مع السودان، بعد أن وجهت إليه ضربات عسكرية في الماضي، وفرضت عقوبات اقتصادية ضد نظام عمر البشير، تأثر بها سائر الشعب السوداني.

وهو ما يجعل موقفها الآني محل تساؤل وشبهات، فما الذي تريده من السودان؟ وما دورها في إطالة أمد النزاع والاضطراب القائم في عموم البلاد؟ 

واشنطن تتدخل 

وحدد البيت الأبيض موقفه بوضوح في انحيازه الكامل ضد الإدارة السودانية بتشكيلتها الحالية تحت مظلة عبد الفتاح البرهان، وعمل على إضعاف موقفه في صدامه مع بعثة الأمم المتحدة.

وأعلنت الخارجية الأميركية أن "تقدم العملية السياسية الجارية بقيادة السودانيين، التي تيسرها بعثة يونيتامس والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا (إيغاد) وبدعم من أصدقاء السودان، تقدم أفضل فرصة لاستعادة مسار الديمقراطية".

وأضافت أن "الشعب السوداني هو الذي يقرر شكل الديمقراطية، وكانوا واضحين في مبادئها الأساسية (الديمقراطية) بأنه يجب أن تكون بقيادة مدنية وأن توفر العدالة والازدهار والسلام"، وذلك في إشارة واضحة إلى رفض إجراءات البرهان الانقلابية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والانحياز إلى المكون الآخر بقيادة حمدوك. 

وقد شددت على أنه "يجب السماح باستمرار الاحتجاجات السلمية دون خوف من العنف". 

وأعلن البرهان أنه اتخذ هذه الإجراءات لتصحيح مسار المرحلة الانتقالية، وتعهد بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية عبر انتخابات أو توافق وطني.

الصدام يتصاعد 

وجاءت تطورات الموقف بين الإدارتين السودانية والأميركية، بعد تصريحات البرهان الصادمة في الأول من أبريل/نيسان 2022، عندما وجه تحذيرا شديد اللهجة إلى فولكر بيرتس رئيس البعثة الأممية "يونيتامس"، بـ "الطرد خارج البلاد، لتدخله السافر بالشأن السوداني".

وفي كلمة للبرهان خلال حفل تخريج دفعة عسكرية بالعاصمة الخرطوم، دعا المسؤول الأممي المدعوم أميركيا إلى ما أسماه "الكف عن التمادي في تجاوز تفويض البعثة الأممية".

ويعد هذا التصعيد أحد أكثر الخلافات شدة في مرحلة ما بعد البشير الذي أسقط حكمه في أبريل 2019.

خاصة وأن البرهان يواجه انتقادات واسعة من منظمات حقوقية دولية، على رأسها منظمة العفو الدولية "آمنستي"، و"هيومن رايتس ووتش"، حيث اتهم باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، بعد إجراءات 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021. 

وبعدها عملت الولايات المتحدة على خلق توازن بين العسكريين وقوى الحرية والتغيير داخل الحكومة الانتقالية، ودعمت رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك بقوة، وساهمت في تثبيت أقدامه. 

وهو ما ظهر في 14 أغسطس/آب 2020، عندما أعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإفريقية (آنذاك) تيبور ناجي، أن "بلاده ستحظر دخولها على كل المتورطين في تقويض عمل الحكومة المدنية الانتقالية بالسودان".

وشدد ناجي حينها أن الحكومة الأميركية "ستحظر دخول الولايات المتحدة على كل الأشخاص المتورطين في تقويض عمل الحكومة المدنية الانتقالية وأسرهم، كما سيجري إلغاء التأشيرات للذين حصلوا عليها داخل السودان وخارجه".

وقال: إن "هذا الإجراء يأتي في إطار دعم الولايات المتحدة لحكومة عبدالله حمدوك المدنية الانتقالية".

وقتها تواردت التساؤلات عما قدم عبد الله حمدوك وحكومته ذات التوجه اليساري في السودان من تنازلات حتى يحصل على الحماية الأميركية؟ 

الرضا الأميركي 

لعل الرضا الأميركي عن الحكومة السودانية المنحلة، جاء نتيجة تنازلات كثيرة قدمتها على مدار السنوات الماضية، على رأسها تقدم حمدوك بطلب رسمي لاستدعاء البعثة الأممية إلى السودان، وهو ما جعل نظرة الولايات المتحدة، تتماهى مع نمط الحكومة القائمة، محاولة دعمها.

ففي 27 يناير/كانون الثاني 2020، أرسل حمدوك، خطابا إلى الأمم المتحدة، قال فيه: "تطلب الخرطوم منكم السعي إلى الحصول على ولاية من مجلس الأمن لإنشاء عملية لدعم السلام بموجب الفصل السادس في أقرب وقت ممكن، في شكل بعثة سياسية خاصة تضم عنصرا قويا لبناء السلام وينبغي أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان". 

وبناء على تلك الدعوة رفعت قضية تتهم حمدوك بالخيانة العظمى للبلاد. 

ولا شك أن التطبيع مع إسرائيل على رأس الملفات التي ساهمت في دعم الحكومة السودانية السابقة.

ورغم أن البرهان، هو من التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، وهو الذي فتح أبواب التطبيع مع إسرائيل في السودان، وواجه انتقادات شعبية لاذعة، فإن موقف حمدوك اليساري المرحب باللقاء، جاء صادما للشعب، ومعضدا لعلاقته مع واشنطن. 

ومن النقاط الأساسية للتماهي الحثيث بين توجهات قوى الحرية والتغيير، والبيت الأبيض، محاولة إحداث تغيير في هوية المجتمع السوداني.

ففي 9 يوليو/تموز 2019، أقرت الحكومة السودانية تعديلات دستورية تقضي بـ"تجريم ختان الإناث، وإلغاء عقوبة الردة، والسماح لغير المسلمين بتناول الكحول، وللنساء باصطحاب أطفالهن إلى خارج البلاد دون مشاورة الزوج".

القرار دفع مئات السودانيين للتظاهر احتجاجا على تلك التعديلات، التي وصفوها بأنها "تمس التقاليد الإسلامية"، مع خشيتهم من النهج العلماني الذي يريد حمدوك فرضه على السودانيين، إرضاء للغرب. 

ويبدو أنه مع سقوط حكومة الحرية والتغيير، والإطاحة برئيس الوزراء عبدالله حمدوك، فإن خطة واشنطن تجاه السودان ماضية في طريقها، عن طريق البعثة الأممية "يونيتامس"، التي تستكمل مهامها، وتريد الإدارة الأميركية تعظيم دورها، وحمايتها من الصدام مع المجلس السيادي السوداني القائم.

إطالة الأمد 

السياسي السوداني إبراهيم عبدالعاطي، وصف العلاقات الأميركية السودانية بالمضطربة دائما ما بين المد والجذر، وأنها لا تكاد تهدأ حتى تعصف بها الخلافات والقلاقل.

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال" أن "هذا ليس وليد اللحظة بل منذ ستينيات القرن الماضي، وتحديدا عقب حرب 1967، عندما أعلن السودان الحرب على إسرائيل، وقطع علاقاته مع الولايات المتحدة". 

وأضاف عبدالعاطي: "ما يحدث حاليا هو أن واشنطن تريد إطالة أمد النزاع الداخلي في السودان، وتزيد من معاناته، إمعانا في إضعاف الإدارة على المستوى السياسي والاقتصادي، حتى تصل إلى مرحلة فرض الشروط والتحكمات الكاملة في العملية السياسية". 

واستطرد: "يجب إدراك أن البعثة الأممية (يونيتامس) هي جزء أساسي من رؤية البيت الأبيض تجاه السودان، وتعمل على تنفيذ خطط الإدارة الأميركية، فهي فقط مجرد امتداد للبعثات الأممية السابقة، ولم تأت بجديد".

وأردف: "كما حدث وجرى تقسيم السودان برعاية أميركا وبأدواتها ومنها البعثات الأممية، تعمل يونيتامس حاليا على وضع مماثل". 

وذكر أن "الشعب السوداني لن ينسى قصف مصنع الشفاء بالخرطوم عام 1998، والدعم الكبير الذي قدمته الولايات المتحدة للجيش الشعبي لتحرير السودان، بقيادة جون قرنق، الذي ساهم بعد ذلك في انفصال الجنوب برعاية أميركية ودولية، ثم العقوبات الاقتصادية الكبيرة التي ساهمت في تردي أوضاع البلاد والعباد، وصولا إلى الحالة القائمة". 

وشدد بالقول: "يجب أن يعلي الفرقاء في السودان الحس الوطني لديهم حتى لا تتكرر مأساة الجنوب، ونحن نرى نفس المخطط يحدث في دارفور، وكذلك شرق السودان، وحل الأزمات لن يأتي إلينا من الخارج ومن أعدائنا".